الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيات عرضة للإرتكاس

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 7 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عشت الشطر الأعظم من حياتي في وطني الأم العراق، الذي ومنذ تفتح وعيي على الحياة السياسية فيه، لم يعرف الإستقرار، كنت في الخامسة حين أطاح أنقلاب عسكري بنظام الحكم الملكي الذي أقامه المحتلون البريطانيون عقب أنتزاعهم العراق مع ما انتزعوه من مناطق كانت خاضعة للحكم العثماني. أدار العسكر الجمهورية التي أقاموها على أنقاض الحكم الملكي في تموز ـ يوليو 1958 بدساتير مؤقتة، كانت تتغير مع كل أنقلاب عسكري تال، حتى وصل الأمر في بداية السبعينات الى صدام حسين الذي أعلن دونما حرج ((أن القانون في العراق هو ورقة يوقع عليها صدام حسين)).

حين ذاك كانت هناك قوتان عظمييان تتنازعان العالم، الأتحاد السوفييتي، بنظام الحزب الواحد هو الحزب الشيوعي، والولايات المتحدة الأمريكية بنظام إقطاعية الحزبين اللذين لا ثالث لهما، حزب الفيل الجمهوري وحزب الحمار الديمقراطي.

في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، عشت في موسكو مرحلة تفكك نظام الحزب الواحد، وإنهيار الإتحاد السوفييتي. وخلال وجودي هناك تعرفت عبر الحوارات الأكاديمية الى التجربة الإسكندنافية وهي تجربة الأحزاب الديمقراطية الأجتماعية، التي تقوم على التعددية الحزبية، حيث تتقاسم البرلمانات أحزاب عديدة قد تزيد عن ثمانية، أما على صعيد الحكم المحلي، فيمكن للمجالس التمثيلية أن تضم ممثلين عن أعداد أكبر من الأحزاب.

ومنذ ربيع عام 1992 صارت السويد أكبر بلدان اسكندنافيا مساحة وسكانا موطني الثاني. وتمتعت بحق المشاركة في إختيار الحزب الذي أجده أقرب الى مبادئي السياسية وقيمي الإنسانية، ليمثلني في الهيئات المنتخبة على الصعيدين المحلي والوطني. وأكتشفت أن المواطن يمكن أن يصوت لحزب معين في الأنتخابات البرلمانية، ولحزب أو أحزاب أخرى في أنتخابات مجالس المحافظات والهيئات البلدية. وهو أمر بدا لي غريبا لوهلة الأولى بسبب نشأتي في مجتمع ينقسم فيه الناس بشكل كامل إلى انحيازات ثابتة لا تتزعزع، ولا تتبدل، فالبعثي يعثي ولا يمكن أن يرى في الأحزاب الأخرى سوى أحزاب معادية تستهدف العصف بسلطة حزبه. وذو الميول الشيوعية يصوت إلغالب، لشيوعي أو لشخص مدعوم من الحزب الشيوعي. والمتدين الذي يومن بان الأسلام هو الحل لا يمكن أن يكون إلا الى جانب من يرفع القرءآن دستور الأسلام. وفي تنافس تلك الأحزاب وجمهورها تستخدم كل الوسائل من الضغط والتزوير الى الملاحقة والقتل.

تجربتي في السويد حصنتني من النظر الى الديمقراطية الأمريكية كنموذج مبهر، صالح للإقتداء به من جانب المجتمعات الأخرى التي تتطلع الى التحول الديمقراطي. لكني في أقصى ما وصلت اليه من سوء تقييم للديمقراطية الأمريكية، لم أصل الى تخيل ما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حين رفض الرئيس الخاسر في الانتخابات، أحترام نتائجها وتسليم السلطة الى الفائز فيها. وأغرب من موقف ذلك الرئيس كان موقف الشطر الأعظم من حزبه قيادات وقواعد وناخبين، الذين لم يجدوا حرجا في دعم تمرده على قواعد العملية الديمقراطية، واللجوء إلى العنف لفرض أرادتهم بالضد منها.

لم تنحصر المشكلة بالرئيس وحده، بل كذلك بالأوساط الواسعة من حزبه وناخبية التي تعاملت مع الديمقراطية كما تعامل معها صدام حسين وبعثييه، وكما تتعامل معها حاليا أحزاب المليشيات الأسلامية والسائرين خلف شعاراتها. وبدت ملامح الشبه كبيرة جدا، حين رأينا بعض الأوساط المعجبة بذلك الرئيس الأمريكي الأخرق، تنظر اليه كهبة إلهية من يسوع، وتمثلت المشكلة الأكبر في أن مبعوث العناية الآلهية ذلك نجح في أستقطاب حوالي نصف الناخبين.

وإذا كان هذا حال التجربة الديمقراطية الأمريكية في آخر تجلياتها، فهل بإمكاننا إنكار أن التجارب الديمقراطية مهما قطعت من أشواط تظل عرضة لخطر الأرتكاس؟ بما في ذلك أكثر المسيرات الديمقراطية رسوخا، ونعني بها الديمقراطية الإسكندنافية؟

وهل نستغرب تعامل أحزاب المليشيات في العراق مع نتائج اانتخابات 2021 التي قاطعها نحو سبعبن بالمئة من العراقيين؟ وأستعدادها لإحراق العراق مقابل الحفاظ على سلطتها. وتوفرها على وقود بشري لتنفيذ الحريق؟ وهل يفهم الفريق الآخر، الذي ((فاز)) في الانتخابات الديمقراطية على نحو مختلف عما يفهمه الفريق الخاسر؟

أظن أن أمام مجتمعنا العراقي، وربما سائر المجتمعات العربية، طريق طويل يتعين تجاوز عثراته قبل الحديث عن أمكانية الشروع في تجربة ديمقراطية على مستوى مقبول من النضج. ويرسم هذا الواقع أمامنا أسئلة عديدة، لعل أكثرها صعوبة: كيف نختصر حجم الخسائر والتضحيات والآلام والكوراث المحتملة، قبل أن تضع هذه المجتمعات أقدامها على بداية الطريق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء