الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفاع، السهل الممتنع

عايدة توما سليمان

2022 / 7 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



عندما يرحل رفيق بقامة الأمين العام السابق، محمد نفاع، نشعر جميعا بأن مرحلة سياسية في طريقها للانتهاء، فهو ليس حدثًا عابرًا وهو ليس موتًا إنسانيًا آخر، فسيرة الرفيق أبو هشام تحمل في طياتها تاريخ شعب وهويته الوطنية الإنسانية، وأحداثًا سياسية كان فيها في الكثير من المحطات بوصلة ورؤية ثاقبة. في رحيله الهاديء والملتصق بأصغر دائرة انتماء عاشها، البيت والقرية، بيت جن، رسالة واضحة للأجيال القادمة بأنه مهما علت أغصان الشجرة للسماء يبقى الجذر المتشبث بالأرض والانتماء لها هو أصل الحكاية.

الرفيق محمد نفاع الانسان الدمث، صاحب الابتسامة الطيبة والكلمة اللاذعة، المستعد دوما للسباحة ضد التيار مهما كان عميقا وعاصفا، القادر على تنقية الحَب الجيد من الزوان، صاحب مقولة: دائمًا ابحثوا عن التناقض الأكبر ومن الرابح الحقيقي من كل طارئ، هذا الرفيق صاحب الروايات النابضة بالحياة والملتصقة بكل ما هو انساني تقدمي كان مدرسة في حب الأرض، ليس ذاك الحب الجشع الذي يسعى للربح من المنتوج أو البيع والشراء، انما هو حب العاشق الذي يريد للجميع أن يعلم حسن معشوقته، فيدللها ويرعاها ويكتب عنها ولها، وفي الوقت ذاته يحميها بشهامة وأنفة واستبسال جعل الجميع يحترمه، الصغير قبل الكبير. كان هذا العشق الجميل للأرض والناس والقيم الانسانية ما حمله من قريته الصغيرة بيت جن الى العالمية فتُرجم أدبه الى مجموعة من اللغات فما اختال زهوا وبقي الشيوعي الملتصق بالناس أيما التصاق.

عرفت الرفيق نفاع منذ العام 1985، وتعلمت الى جانبه معنى السهل الممتنع، صاحب الفكاهة الجميلة وبسيط المظهر كان يبدو سهلا، ولكنه كان عنيدا على الحق وشرسا في الدفاع عما آمن به، وساعده لسان حذق وكاريزما تصاحبه حالما يعتلي أي منصة. كنت أرى المفاجأة في عيون الناس في المؤتمرات الدولية، بعدما رأوه يتمشى في أطراف المكان بحقيبته المعهوده وسيجارته التي لا تفارقه، عندما يبدأ بالقاء خطابه ويكتشفون أنهم أمام سياسي عميق الفهم والتحليل، مبدئي عالم بالتوازنات القائمة وقادر على توجيه النقد بطريقة محببة ولكن لاذعة.

"ضميري هو القاضي الأعلى بالنسبة لي، هذا هو السيد الوحيد الذي أهتم به ومعه أنا اتشاور وبالنسبة لي هو البوصلة الأساسية"، جملة قالها النفاع في أحد خطاباته في الكنيست في العام 1991 كانت بمثابة قصة حياته، وهكذا كان فعلا. عاش يفعل ما يملي عليه ضميره غير آبه بسلطة أو سطوة، ان كان أمام رجعية عربية أو صهيونية قامعة، وربما أن زهده وتقشفه في كل ما هو مادي جاء حتما مع فيض مبدئيته وبالتأكيد حصّنه من الالتفات الى خسارات موهومة قد يتكبدها اذا ما اضطر للمواجهة.

جميعنا نذكر خطاباته النارية الواضحة غير المتلعثمة المفعمة باليقين بما نطق، ومقولاته التي لم تكن تهادن أحدًا، أذكر جيدًا مقولته وكأنها تصلح اليوم أكثر من أي وقت مضى مخاطبا الأنظمة العربية: "طيب بدكو تكونوا عملاء على الأقل أطلبوا ثمن عالي"؛ أو حين قال "أن تكون أسدًا في مواجهة الأعداء أمر جيد لكن الشجاعة الحقيقية أن تكون أسدًا في الدفاع عن حزبك داخل حزبك".

شعبنا الفلسطيني والحركة الشيوعية العالمية ونحن الرفاق والرفيقات في الحزب الشيوعي فقدنا قامة وطنية ماركسية طبقية وأدبية هامة في تاريخنا السياسي، ومهما قيل وسوف يقال في تخليد ذكرى رفيقنا الحبيب أبي هشام يبقى أفضل تخليد له ولرفاقه الأوائل السير بثبات على طريقه والتمثل بقيمه وبعمله، ويبقى الثبات على مبادئه، والرغبة في أن نكون بجرأته وشجاعته، تواضعه وعنفوانه، المقياس لحبنا له وخلوده فينا.

سلام لك وسلام عليك يا رفيق، اشتقنالك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا