الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول التعايش والإندماج

عذري مازغ

2022 / 7 / 30
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


سبق لي أن تكلمت عن التعايش والاندماج في أوربا، إنهما مختلفان وإن كان البعض يعتقد أنهما نفس الشيئ وببساطة ودون استعمال المصطلحات السوسيولوجية التي تؤسس لهذان المفهومان على مستوى التنظير دعونا نتكلم بلغة "الخوشيبات" كما نقول في المغرب في حساب الرياضيات، الإندماج هو تحقيق الفرد لعلاقة تواصل وتفاهم وانخراط في المجتمع بشكل عام، لكن هنا سأتكلم عن المهاجرين باعتبارنا جاليات في أوربا ولن أتكلم عنه في سياق مواطنين أوربيين في إطار الاختلاف البنيوي بين طبقاتهم وإثنياتهم ومواقفهم الطبقية أو الأيديولوجية والدينية، إنه موضوع معقد وليس كما نعتقد بناء على خلق مفهوم المواطنة او التمدن (الدولة المدنية). نعم إن السياق العام للدولة في أوربا هي أنها دولة مدنية، لكن في الحقيقة هذه الدول متفاوتة في تحقيق هذه المدنية برغم كثافة الثقافة المدنية وثقافة حق المواطنة، هناك غجر، هناك اقليات او اكثريات إثنية وهناك كما يعلم الجميع لوبيات لهذه الأطراف او تلك وهناك طبقات اجتماعية مختلفة وبلغة اخرى هناك صراعات اجتماعية متناحرة حتى داخل الدولة المدنية وهذه الحقيقة لا يغطيها اتجاه الدولة في خلق مجتمع تعاضدي من خلال تشريعات معينة ومن خلال بناء مؤسسات تصهر على هذا، وصحيح أن هذه المؤسسات متقدمة كثيرا في أدائها التعاضدي أكثر من الدول في شمال إفريقيا والمشرق: إن عمل مؤسسة الكنيسة كنموذج أحسن بكثير من مؤسسة المسجد في بلداننا العربية وببساطة: العمل الخيري للكنيسة اكثر تقدما من العمل الخيري للمسجد إن وجد، هنا اتكلم عن المؤسسة وليس عن الأشخاص ولدرء هذا أعيد ترتيب الأمر: إن للكنيسة في اوربا عمل تعاضدي مميز، لها مؤسسات اجتماعية ذي خدمات جيدة في حقن التناقضات الطبقية، تقدم مساعدات تخفف من البؤس الاجتماعي بشكل مؤسس وتقدم خدماتها بدون تمييز (يعني لا يهمها ان يكون الشخص مسيحيا او بوذيا أو مسلما أو ملحدا) وتعتمد في هذا على معطيات علمية توثيقية منها: ان يكون المرأ ساكنا بمنطقتها بشهادة سكن ولمدة معينة، ان يكون لا يعمل ويعيش ظروف صعبة من خلال تقديم وثائق رسمية من مكاتب التشغيل الرسمية وامور أخرى موثقة، وبشكل عام لها علاقة تشاركية مع الدولة على خلاف مؤسسة المسجد: في المسجد نجد محسنين فقط أما المؤسسة فلا تنفق على الأعمال الإحسانية من خلال علاقة تشاركية مع الدولة وأحيانا الناس، المومنون العاديون هم من يدفعون نفقة المسجد نفسه، وبعض المساجد القوية اقتصاديا في أوربا خاضعة للتمذهب الإسلامي وتتعامل في الإحسان بموقف تمييزي: المساجد الشيعية تساعد الشيعيين والسنية تساعد السنيين وبشكل عام ليس لها قاعدة استقطابية إلا من حيث الهدف، هذه المساجد المدعمة من إيران والأخرى المدعمة من السعودية (وهناك أخرى مدعمة من تركيا وقطر) وعموما هذه المساجد المدعمة فعل التعاضد فيها عنصري مذهبي وانا هنا اتكلم من موقع تجربة وليس من موقع الضد لهذه المؤسسات المسجدية ولكي أضع حدا لهذا (لانه أصلا ليس موضوعي في هذا المقال) أقول بأن ماتمارسه الكنيسة من خلال ما يسمى بالتبشير المسيحي قطع اشواطا تجاوز مفهوم الفتح عند المسلمين الذي البعض يعتبره ليس غزوا: إنهم يبشرون بالمسيحية بشكل ناعم ودون إكراه، وفي السياق هذا يمكن للسعودية ان تلعب دورا اهم مثل دور الفاتيكان من خلال استثمار مال الحج في بناء مؤسسات مسجدية قادرة على التبشير الإسلامي وهذه نقطة لم يطرحها احد ويمكنني ان اتعمق فيها بتفصيل كبير برغم أني لست أتكلم من داخل الإسلام، لكن الإسلام شئنا ام لم نشأ هو المهيمن في الفكر الجمعي لشعوبنا وعليه يجب تحريره من عقل الفتاوى الغبية لشيوخه ليكون له دور دين الرحمة عوض دين التكفير والقتل: علينا ان نخلق مساجد تساعد الناس وليس مساجد نساعدها نحن وهي تكفر الناس، على السعودية بمال الحج ان تخلق مؤسسات دينية رحيمة بالمجتمعات الإسلامية حيث وجدت ولسنا نطالبها بتوزيع ثروات بيترولها على العالم الإسلامي. بالطبع هذا موضوع آخر ولنعد إلى الشق الثاني من موضوعي الذي هو التعايش.
التعايش هو أن تخلق حد ادنى من العيش مع اناس تتقاسم معمهم المنزل او الحي أو الشارع إن شئت، يبدو بسيطا لكنه معقد تماما: اولى مبادئ التعايش تعلمتها بدون وعي في الرباط عندما كنت أزور خالي الكبير بالرباط: كان يمنعنا عن اللعب في الشقة التي يسكنها حتى لا نزعج الجيران تحتنا او فوقنا، كان له اخوه وهو يفوقني بسنة او سنتين وكنا نتدرب على الملاكمة بشكل قفزاتنا بحسب خالي الكبير تزعج الجيران: كان اول مبدا تعلمته وانا بدوي: في شقة لا يجب ان ازعج جيراني بالقفز في الملاكمة او حتى بالموسيقى، تعلمت ان العيش في شقق المدينة هو ان أقدس راحة الجيران، لكن عندما هاجرت إلى أوربا وجدت عالما آخر مختلف بسبب النمو الديموغرافي، بسبب غلاء المعيشة وغلاء الشقق (واعتقد أن هذا موجود ايضا بمدن كبيرة بالدار البيضاء والرباط) هناك أسر تقتسم شقة، وهناك شباب وطلاب وعمال يقتسمون شقق بالمدن الكبيرة واعتقد هذا موجود ايضا في دول عربية أخرى، وتجاوزا تقاسم شقة بين مختلف أفراد يفترض وعيا مفرطا في التحسيس بالتعايش وقياسا عليه تتخلص حريتك من كونك تعيش بشقة وحدك وأن تعيش في شقة مشتركة تفترض طقوسا للتعايش من قبيل التناوب على نظافة الشقة خصوصا المشترك فيها مثل المطبخ والحمام، عدم إزعاج مشاركيك في المحل وأمور كثيرة منها احترام أثاث وأواني الشقة وغير ذلك، هذه الامور هي مبدئية في أوربا والكثي من المدن أو الأقاليم تلقنها للمهاجر في سياق سياسة الإندماج والتعايش، إنها دروس تلقن للمهاجر في سياق سياسة الإندماج والتعايش من طرف جمعيات متخصصة مدعمة من الدولة المدنية: كل دولة لها هواجسها الأمنية، لها تخوفات من المهاجر وتؤسس مؤسسات لاحتواء الظاهرة، منها مثلا ضرورة ان يكون له مقر سكن وشهادة سكنى، لماذا؟ للإحتواء الامني فقط حتى لا تنزلق الأمور إلى شغب كما حدث اخيرا بالمغرب بمليلية: اكثر من 2000 شخص يقتحمون بابها وسياجها (عمليا يعني أن هناك حلقة مفرغة في ضبط الظاهرة أمنيا بشكل حدث ما حدث وهنا اتهام دول اخرى لا يفيد)، عملية الضبط الأمني تفترض معرفة عدد المهاجرين عندنا ومعرفة سكنهم، في إسبانيا مثلا معروف عدد المهاجرين "السريين" (ليسوا سريين في الحقيقة، هناك دوريات امنية لإحصائهم وبدون مسطرة الطرد وبعملية تشارك مع الجمعيات الخاصة والصليب الأحمر والمؤسسات الصحية يعرفون تقريبا عددهم ويعرفون ايضا انتماءاتهم الجنسية (أقصد دولهم) ويعرفون تمركزهم، هذا ايضا ليس موضوعي في المقال.
ظاهرة التوحش والوحشية في الفئات المهاجرة: (تجربتي الشخصية)
سأقتصر المسافة: عندما وصلت إلى ألميريا بإسبانيا اخترت المنطقة التي تسكن فيها جالية من مدينتي مريرت بالتحديدوالخلفية هي: إني اعرف مدينة مريرت جيدا، أعرف مستوانا الثقافي واعرف اخلاقها انطلاقا من علاقاتي بمختلف أفراد مجتمع مريرت بالمغرب، لكن فوجئت بشكل صادم: لم اجد المساعدة المحتملة من أفراد مدينتي بالميريا، اللغة مختلفة تماما عن لغة مريرت، لغة عاهرة وغير اخلاقية من قبيل "نيك غربتك" وهي لغة متفهمة على كل حال، كلهم يتكلمون بلغة تحت الحزام وكأنهم تخلصوا من الرقابة الأخلاقية التي يمارسها العقل الجمعي علينا بمريرت: في كل حياتي لم يهنني شخص من مريرت كما اهانني أبناء مريرت في المهجر وقاعدة التوحش كانت تفترض ان تكون متوحشا مثلهم، على سبيل المثل كان لدي موقف من الخصومات العنيفة منذ سنة 1987، لن اتعارك مع شخص إلا في حلالت الضرورة، كان لدي موقف فلسفي من العنف، بمعنى يمكنني ان اتجنب العنف اللفظي واتجاوزه حتى وإن كان يعني لدى البعض إهانة قوية لا يمكن السماح بها، في إسبانيا، وكمهاجر سري علي أن لا أقع فيما يجبرني على زيارة رجال الأمن وهذا عند البعض كان ضعفي: "إنسان خواف"، حتى المراهقون كانوا يعتقدون اني اخاف منهم برغم عضلاتي ووزني وبرغم أن لي رصيد في العنف المغربي القديم: عنف الأحياء والأزقة وسكان فوق تحت في جبل عوام، اقصد ان جيلنا اصلا هو جيل عنف في السبعينات والثمانينات، كانت حتى مبارات كرة القدم تنتهي بالضرب والجرح ي ذلك الزمن، في ألميريا لم يمكن ان تضع حدا للوضاعة الاخلاقية تجاهك إلا بإسقاط اكبر وضيع بالمنطقة: اسقط كبيرهم سيحترمك الجميع وهذا ما حصل بعد مرور سنة كاملة من الإهانة المتعمدة، هذا بالطبع ليس تعايش لكنه عامل تأسيس للتعايش : عندما تسقط احدهم تفرض شروطك في مجتمع الهجرة، وندما تتعايش مع مثل هؤلاء، وإذا كنت عادلا ستفرض شروط التعايش معقولة: دورية في تنظيف محل الإقامة: كل سكان الشقة يتناوبون في نظافتها، لكن عندما تنتقل إلى إقامة اخرى ستسقط في نفس الإشكال.
في المهجر اعشق ان اعيش مع النساء على ان اعيش مع الذكور والاساس هنا ليس جنسي: في كل عيشي بأوربا، أجمل "عشرة" شاركت فيها محل سكن كان مع نساء مختلفات:ليطوانيتين وأوكرانية وأنا، لا تربط بيني وبينهن إلا علاقة صداقة من خلال تعارفنا في العمل، دامت عشرتنا ثلاث سنوات هي اروع تعايش عشته بأوربا واعترف صدقا اني كنت المتخلف بينهن: عادة حين اتغذى اضع الاواني في مكان الغسيل، هن كن يأخذن تلك الاواني ويضعنها في جانب امام اشيائي وهي رسالة مشفرة معناها: "عليك غسل اوانيك ووضعها في محلها ولا تتركها لنا"، "دع مكان الغسيل للآخرين"، مع الوقت استوعبت الرسالة، هؤلاء النساء من اوربا الشرقية علمنني شيئا آخر: علمنني ان اهتم بهن برغم أني لست عشيقا لاحداهن، ذات يوم سافرت دون ان اعلن ذلك، بت يوما في مورسيا دون علمهن، وعندما عدت وبخوني أني لم أخبرهن بالأمر، قالوا لي بأني اخوهم وعلي ان اخبرهم عما إذا كنت سأغيب كثيرا، وانه غير معقول ان اعيش معهن دون ان أخبرهن، قلن لي بأني عامل امان بالنسبة لهن ولذلك أهمهن، هذه التجربة لن يصدقها طبعا من يعتقد ان بين الرجل والمراة دائما يوجد شيطان والحقيقة أنها ولمدة ثلاث سنوات من العشرة لم يظهر هناك شيطان.
بعدها تعاشرت مع ناس أجانب من امريكا اللاتينية وأوربا الشرقية وباكستانيين وهنود ، لم اعاشر الأفارقة جنوب الصحراء وليس لموقف ما بل لأنه لم تحصل الصدفة على الرغم من ان اعز أصدقائي سينغالي اسمه اطايا مبينغي وآخر من مالي ، في العمل النقابي صدمني موقف صديق سينيغالي، ولأنه لا يتقن اللغة الفرنسية وجهته إلى ان يتكلم إلى زميل في العمل سينيغالي، ليس أطايا بل شخص آخر لا اذكر اسمه الآن (أذكر اطايا وتعني في اللغة السينيغالية النعناع وكان اجود شخص إفريقي عملت معه في العمل النقابي، الآخر لا اذكر اسمه رغم حداثته)، قال لي العامل الإفريقي: "انظر إلى وجهي"، "انا أسود"، "زميلك في العمل أكثر سوادا مني"، قلت له "نعم"، قال لي هو اكثر عنصرية بين السود لذلك اخترت ان تستقبلني انت وليس زميلك: يعني حتى بين السود هناك عنصرية بين الاكثر سوادا والأقل سوادا وعموما هذه واحدة من المفارقات التي عارضتني في عملي .
في بلباو عاشرت افارقة من الغونغو (الزايير سابقا) وهم انقى من مهاجرين من كازا ابلانكا المغربية، ولقد فوجئت صراحة كبدوي من مريرت أن مهاجري الدار البيضاء في بلباو ليسو مدنيين واعتقد ان هناك خلل في الأمروهذا صحيح: لا يكفي للمرإ أن يقول بانه من الدار البيضاء ليكون بيضاويا، افتراضيا أعتقد ان سكان الدار البيضاء اكثر تتمدنا من سكان الرباط ومع ذلك هناك تحفظات، هناك تفاوتات في التقييم، الإنسان المدني يعرف قيمة التعايش، على حساب حريتة الوحشية يتنازل عنها لسبيل التعايش، في بلباو نمط آخر من المهاجرين: البيلباويون يحبون كثير ساكنة الراشيدية ووارزاات من المغرب برغم بدويتهم، وهذا إشكال يفترض بحوثا سوسيولوجية حول المجتمع البيلباوي ومجتمع المغرب الشرقي بالمغرب والخلاصة (لكي انهي المقال فقط) أن المجتمعات الشرقية في المغرب اكثر تمدنا من مهاجري المدن الداخلية بالمغرب (مع تحفظات كبيرة مني تخص نوع المهاجرين من المدن الكبيرة بالمغرب). هذا الموضوع معقد جدا ولا ادعي ان خلاصاتي فيه قيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك