الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية التربية .. أو فاشيتها

سعيد مضيه

2022 / 7 / 30
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ديمقراطية التربية.. أو فاشيتها


في ندوة قدمها المنبر الديمقراطي التقدمي الفلسطيني عبر الزوم بصدد ضعف وتخلف التغيير الاجتماعي في المجتمعات العربية ، تحدث عضو مكتب سياسي للحزب الشيوعي المصري ونظيره في الحزب الشيوعي العراقي ؛ ولم يتطرق أي منهما ، حتى ولا المعلقون، الى التعليم او النشاط المدرسي. في أواخر القرن الماضي نبه عالم الاجتماع الفرنسي الراحل ، بيير بوردو، اليساريين بان "نماذج هامة من الهيمنة ليست اقتصادية فقط ، بل ثقافية وتربوية وتكمن في جانب الاعتقاد والقناعة [تحيلها حتى أكثر ] أهمية للإقرار بأن المثقفين يتحملون مسئولية ضخمة في تحدي هذا النموذج من الهيمنة". إن هذ مطلب يعتبر، بعد انقضاء حقبة مديدة، تقريعا للمثقفين ، وخاصة أحزاب التغيير الاجتماعي ممن يغفلون التربية والتعليم في برامجهم السياسية. عبر الأكاديمي الأميركي ، هنري غيروكس، عن نفس الفكرة بالقول، "إذا لم يوضع التعليم في مركز النشاط السياسي فلن يكون هناك تغيير اجتماعي". في مقالة كتبها بعنوان " المقاومة في عصر الجهل المصنوع" كتب أن "التربية النقدية تتضمن التعليم اللاعنصري، التربية النقدية جزءً من مشروع شامل ، فهي نظرية تربوية للأخلاق والسياسة ، هدفها تزويد الطلبة بالمعارف الحيوية وبالمهارات والقيم وبإحساس المسئولية الاجتماعية التي تمكن الأجيال من أن يكونوا نقديين ومنخرطين في مجتمعهم". فقد بات النشاط الثقافي للاستابلشمينت، او الدولة العميقة بالولايات المتحدة أهم ميادين السيطرة السياسية ، تفرز منتجي ثقافة متخصصين في إنتاج وترويج ثقافة تضليل الوعي على اوسع نطاق ، محليا وعالميا.. ثقافة تجهيل واغتراب عن الواقع . والبروفيسور غيروكس أستاذ الدراسات الثقافية أصدر عدة كتب ونشر مقالات حول دور الليبرالية الجديدة في تجهيل الشباب ودفعهم بعيداعن الاهتمام بقضايا مجتمعهم، ومن ثم ترويج الفاشية في الحياة السياسية ؛ هذا الى جانب فضح ثقافة العنصرية وتفوق العرق الأبيض والحط من الشعوب الملونة. في هذه المجالات يحث غيروكس على تربية نقدية هي القوة الدافعة للصحافة النقدية والثقافة النقدية التي يجب أن تكون نمط حياة واتجاه سائد في مقاربة الأفكار والفرضيات وكل نشاط معرفي قيمي. الثقافة النقدية تعني عمليا ان لا تاخذ ما تطالعه او تسمعه على علاته ، بل يتوجب ان تمعن النظر في ما قد ينطوي عليه من مفارقات او اخطاء او تسريبات تصاغ بمهارة . فالمرحلة الراهنة تشهد صراعا ضاريا للتحكم في وعي الجمهور، ومن ثم السيطرة عليه.
التربية النقدية تتجنب التعليم التلقيني وحفظ النصوص ، تعتمد الحوار وتنشط مبادرات الطلبة وتشجهعم على البحث عن المعرفة وموازنة كل ما يتلقونه بميزان العقل. التربية النقدية تنأى عن التلقين والحفظ عن ظهر قلب؛ تخرج التربية النقدية أجيالا يسيطرون على واقعهم وحركته يوجهونها باقتدار ووعي. إنها مشروع لتكوين مواطنين يتحملون المسئولية الاجتماعية وقادرين على التصدي لكل عناصر الفاشية والسلطوية ، وفي نفس الوقت يستشرفون نظاما اجتماعيا يعمق ويوسع السلطة والقيم الديمقراطية والعلاقات الاجتماعية المتساوية، والحرية الجماعية والحقوق الاقتصادية والعدالة الاجتماعية للجميع. وما يتوجب أن يوحد الحركة من أجل الديمقراطية الراديكالية لا يقتصر على الدفاع العريض عن المصالح العامة ؛ إنما يشمل أيضا تكتيكات واسترايجيات تنطوي على العمل المباشر والتعليم السياسي والسياسات الثقافية. وهذا يرتب علي أحزاب التغيير الاجتماعي في المجتمعات العربية أن تستدرك تقصيرها وأن ينظروا بجد الى التعليم نشاطا سياسيا بامتياز ، وأحد مواقع الصراع الاجتماعي في المرحلة الراهنة. العملية التعليمية ليست اختصاصا للتربويين فقط، إنما هي قضية سياسية ، بل مركز النشاط السياسي.
لذلك نرى الأنظمة الاستبدادية لا تتقبل التربية النقدية وتماطل في التخلص من النظام التعليمي العقيم؛ فهي لا تريد شبابا يناقشون ويتساءلون وينتقدون ويطرحون مبادراتهم في قضايا المجتمع.
معاهد التعليم هي بعض المجالات القليلة المتبقية في مجتمعات الديمقراطية، حيث الطلبة وغيرهم يتلقون المعرفة والمهارات الضرورية للمواطنة الديمقراطية، بمعنى المواطنة التي تتوضح في رؤاها مشاكل المجتمع وحلولها، "يتمتعون بالشجاعة والعزيمة والفرح ، والتعاطف الذي يمكن الملايين من تحدي الخوف والاحتفاظ بالأمل في هذه الأيام المضطربة" حسب تعبير غيروكس، " ان تلك المواقع هامة بالنسبة للجهود المبذولة لجعل التعليم قوة سياسية".
التربية النقدية لا تحظى باحترام الهيئات الرسمية وثقافتها؛ فهي في سياقها ثقافة مقاومة للسلطوية والاستبداد، مناهضة للعنصرية والتجهيل المصنوع . في البلدان المتقدمة التعليم النقدي احد العوامل المعززة للديمقراطية وزيادة منعتها وصمودها بوجه نزعات التضييق وتصفية التراث الديمقراطي ، وحتى الليبرالي . التربية النقدية عامل تعزيز وتمكين لديمقراطية راديكالية تتسع لتشمل الاقتصاد وتنفتح حينئذ على الاشتراكية .اما في مجتمعات التحرر الوطني والتنمية الاجتماعية فهي دليل عمل، واحد عناصر التنمية الاجتماعية، حيث التعليم الديمقرطي النقدي هو أحد عوامل التطور الديمقراطي في البلدان النامية ؛ لكن يتوجب التأكيد ان التربية ليست العامل الوحيد؛ فهناك عوامل أخرى تعمل في هذا الاتجاه. التعليم المدرسي موقع واحد للتثقيف والتوجيه؛ وهناك أيضا ثقافة السينما والتلفزيون ، الكتب ، والإذاعات ، والمجلات ، والشبكة العنكبوتية والسوشيال ميديا والموسيقى، قوى مساهمة في تشكيل وجهات النظر الكونية وأنماط المنطلقات الفكرية ومختلف أشكال تحديد المسئولية الاجتماعية والاخلاقية والعامة.
تسعى عناصر الدولة العميقة في أنحاء المعمورة لإحكام قبضتها على المؤسسات الديمقرطية، مثل الميديا المستقلة ، النظام الحقوقي، بعض المؤسسات المالية ،التعليم العالي ، وإخضاعها لحصار يشل قدراتها الإبداعية. تتراجع تطلعات الديمقراطية، إن لم يشمل التراجع مُثُلها ، حيث "البرابرة " كما يسميهم غيروكس، يبعثون الحياة في الماضي الفاشي، و شرعوا يتحركون من جديد، ينشرون الخراب في اللغة والقيم والشجاعة والتصورات والوعي النقدي. شيئا فشيئا يغدو التعليم الأداة الرئيسة للهيمنة ، حين نجد "الأجهزة التربوية اليمينية الخاضعة لسيطرة مقاولي الكراهية يهاجمون العمال والفقراء والشعوب الملونة ، واللاجئين والمهاجرين من الجنوب وغيرهم من الفئات البشرية ’الزائدة عن الحاجة، وما بات يطلق عليهم كنية "النفايات البشرية" حسب تعبير غيروكس.
وضع ترمب ، الذي يخطط للعودة الى الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة (2024)، صورة اولية للكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، يمنح الرئيس الجمهوري صلاحيات طوارئ واسعة. الرئيس سوف يخول سلطات إغفال التشريعات بصدد القانون الجنائي ، وسوف يسمح للرئيس تجميد نشاط ’ حاكم ضعيف أحمق وغبي‘ (صفات يطلقها بصورة تعسفية)، ويفصل من الخدمة المدعي العام الراديكالي والعنصري (بمعنى يساوي البيض بالآخرين). وسيعطى صلاحية تحويل الحرس الوطني الى مهمات فيدرالية لتعزيز القانون ، إيقاف المشتبه بحمل سلاح غير مرخص، وفرض عقوبة الإعدام على تجار المخدرات . وهذا شعار فاشي تقليدي يدعو لخرق القوانين باسم القانون والنظام . كان ترمب إبان رئاسته يهاجم حركة "حياة السود مهمة " ويعتبرها ماركسية مطورة، ويدافع عن المجرمين الذين يغتالون السود بدم بارد.
تحت ضغوط الليبرالية الجديدة الهادفة لشطب إنسانية البشر بات التعليم بالولايات المتحدة يشكل ليس فقط خطرا على الديمقراطية، بل "يمهد أيضا الاسس البنيوية والإيديولوجية للدولة الفاشية. ان الانزلاق نحو التمرد على القانون والسلطوية تحظيان بدعم السياسات التعليمية الموبوءة بالإكراه والاستبداد المتشابكة مع الاستبداد الاجتماعي وموت الخيال الاجتماعي. مؤسسات التعليم الخاضعة للحزب الجمهوري (في الولايات التي يحكمها جمهوريون، مثل ولاية فلوريدا) غدت "على جميع مستوياتها مختبرات لإنتاج التعليم النازي، على غرار التعليم المؤطر بالقمع الذي طبق في ألمانيا النازية في ثلاثينات القرن الماضي" يقول غيروكس، ويضيف: " يجري توجيه التعليم باتجاه ما اعتبره المربي الأميريكي ، ديوي ، ’كسوف الرأي العام ‘، وهو ما يشكل اعظم المخاطر على الديمقراطية". حقا، تسعى قوى الاستبداد ليس فقط إلى إلغاء الرأي العام، بل تنزع من التعليم كل ما يشغل الأجيال بالصالح العام، وتكوين رأي عام يرشد ويوحد الرؤى . تبذل قوى الرجعية شتى الوسائل المتاحة لإشاعة الروح الفردية والأنانية. الليبرالية الجديدة تكافح التضامن والتكافل الاجتماعيين ، وتعتبر جميع ضحايا النشاط الرأسمالي ، خاصة ضحايا برامج الخصخصة، فاشلين ينبغي التخلص منهم . وأطلق غيروكس على هذا التوجه راسمالية " الكازينو"، حيث الفاشل في المقامرة ينسحب غير مأسوف عليه ، غير ان الاقتصاد ليس مقامرة . وتقصر الليبرالية الجديدة التعليم على التزود بالمهارات التقنية اللازمة لتسيير وسائل الإنتاج البرجوازية. هي تقصي من المناهج المدرسية ومناهج التعليم العالي كل ما يؤهل الأجيال لآن تكون فاعلة إيجابية في مجتمعها مثل الخدمات العامة ومشاكل الحياة الاجتماعية. النظام التعليمي المتبع لا يستهدف الشرائح المحرومة في المجتمع على اسس طبقية او عرقية، بل هو حرب على قدرة التفكير والمساءلة والاشتغال بالسياسة بروح نقدية متسلحة بالمعرفة وبالرغبة في محاسبة السلطة.
والنظام التعليمي يشكل هجوما واسع النطاق على نظرية العرق النقدية والتربية النقدية بوجه عام. "الهجوم على التعليم العام والعالي يشكل نموذجا من تربية الأبارتهايد. مكافحة ’نظرية العرق النقدية‘ جهد ثقافي يشطب من الوعي الاجتماعي تاريخ الاضطهادات العنصرية والعبودية. ان هذا جهد تربوي ينكر أن عناصر الماضي مكان للجور ، يمكّن في كل وقت آلية الاستثناء و الإقصاء المتزاوجة مع تفوق العرق الأبيض و ’إنكار أهمية حياة السود‘، حسب تعبير كيمبرلي ويليامز كرينشاو". الحزب الجمهوري يحظر في مدارس الولايات التي يقودها وكذلك معاهدها الجامعية تدريس اضطهادات السود أو إبادة سكان البلاد الأصليين ، باعتبار ذلك ترويج للكراهية "لاوطنية".
سياسيا أو بيولوجيا يمكن نقل خطة ملء الحكومة الفيدرالية بالفاشيين الأميركيين الأوائل من الحية الرقطاء ترمب الى حاكم فلوريدا الأخطر رون دي سانتيس." كما تبنى الحزب الجمهوري ثقافة سياسية سلطوية ويرفض المثل والأفكار الديمقراطية" فإن المؤرخة والمعلقة السياسية، روث بن – غيات،" تلاحظ " أن اعتناق الايديولوجيات المتطرفة غدت وسيلة يتبعها السياسيون في الحزب الجمهوري لخطف اهتمام الميديا. فلوريدا ، تيكساس وغيرهما من الجمهوريات التي يحكمها جمهوريون باتت مختبرات للأوتوقراطية الأميركية ، يصدرون تشريعات تمأسس للعنصرية ونشر الخوف بين المجتمع". يصدق هذا في فلوريدا أكثر من أي ولاية أخرى. يفكر دي سانتيس بأن يكون بديل ترمب في الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، إذا منع نتيجة التحقيقات الجارية في أحداث 6يناير 2021، - اقتحام مبنى الكونغرس بتحريض من ترمب. دي سانتيس أخطر من ترامب ، فهو أصغر سنا وله شعبية في أوساط الحزب . من بين إجراءات دي سانتيس تحويل نظامه التعليمي بالولاية الى "أداة دعائية " للقومية النازية. أدخل دي سانتس نظام تعيين معلمين يتمتعون بقوة جسدية لا يحملون مؤهلات المعلم.
البعض يتوقع حربا أهلية بالولايات المتحدة بدل النظام الفاشي؛ برز الحديث عن الحرب الأهلية في الولايات المتحدة في زمن "غدا فيه العنف قوة عاتية في صياغة اللغة، ومقاربة المشاكل الاجتماعية، وشيئا فشيئا مبدأً تنظيميا للنشاط السياسي. يقف في مركز هذا التوحيش للثقافة المدنية والتخيل الاجتماعي الحاجة للاعتراف بأنه قبل ان يغدو العنف حالة طبيعية في المجتمع بزمن طويل ، يتردد النشاط السياسي في ما أطلق عليه ذات مرة جون بيلغر(مثقف أسترالي يقيم في بريطانيا ، يمارس صحافة الاستقصاء والإخراج السينمائي والكتابات النقدية) ’انتحار أخلاقي‘- ثقافة الكازينوعناصرها تقتل الأخلاق وبالتالي أي فكرة عن التاريخ والعدالة".
يقف في مركز التحول باتجاه الانتحار الأخلاقي الحزب الجمهوري بالولايات المتحدة، حيث يشن ثورة مضادة ضد أسس الحكم الديمقراطي. "حزب سياسي يميني ملتزم بسياسات مسخ إنسانية الإنسان والعزل الاجتماعي والإقصاء النهائي ، يعجل موت غير المرغوب فيهم. يبلغ هذا سياسات الانتحار الأخلاقي ، حيث تتلاشى حدود الأخلاق، وتفرغ اللغة من مراجع اخلاقية ، وتغدو أمرا مألوفا مناطق العزل الاجتماعي، وتحتضن فكرة النقاء العنصري، ويمجد قطع الذاكرة التاريخية ، وتشيع ثقافة القسوة"، كما يحذر غيروكس.
أن إبادة العرق الممارسة ضد سكان البلاد الأصليين ، والعبودية ورعب جيم كراو( رجال دين وسياسيون اعلنوا ان البيض هم الشعب المختار وأن السود ملعونون يجب ان يعملوا عبيدا والرب يدعم العزل العرقي) ، الحجز الجماعي لأميركيين من أصل ياباني (زمن الحرب العالمية الثانية)، بزوغ دولة القمع، مجزرة ماي لاي، وغرف التعذيب زمن إدارة جورج بوش والأماكن السود، وأحداثا أخرى غيرها ، أخذت تختفي الآن ضمن عملية إنكار الماضي او قطع الذاكرة التاريخية بنظام تعليمي ممنهج؛ بات إنكار الماضي الأسود أكثر لاأخلاقية مع بروز لغة تربوية وسياسية يمينية تمحو الماضي. مثال ذلك هجوم الحزب الجمهوري على تدريس ’نظرية العرق ‘ ’نظرية العرق النقدية‘- ووسمها ب’الإيديولوجية او الموضة‘- تنكر شطرا كبيرا من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية باسم ’الوطنية‘ الأميركية.
مكافحة الكراهية العرقية ، في نظر جمهوريين كثر "تصب في الادعاء السخيف لحماية الطلبة من تعلم مختلف وسائل الإبقاء على العنصرية في المجتمع الأميركي. مثال ذلك تصريح صدر عن حاكم ولاية فلوريدا ، رون دي سانتيس، ’لا مكان في صفوفنا المدرسية لأمور مثل النظرية العنصرية النقدية. فتدريس الأطفال كراهية بلدهم وأن يكرهوا بعضهم البعض لا تستحق أن ينفق عليها سنت أحمر واحد من أموال دافعي الضرائب‘". ويضيف غيروكس ، "في هذه النسخة المطورة من التطهير التاريخي والعرقي فإن الدعوة من أجل العدالة العرقية ترادف أحد أشكال الكراهية العرقية، ولا تمس رفض الإقرار بالتاريخ العنصري وتماسكه بالمجتمع الأميركي، وإدانته ومجابهته في المخيال العام".
بهذه الديماغوجيا تتنكر الفاشية للحقائق والوقائع والقواعد، ولا تدع القوانين الموضوعية ترشد سلوك البشر . الفاشية تتتجسد في "حزب حمهوي يهيمن عليه اليمين المتطرف يؤمن بأن على التعليم ان يكون أداة دعاية وتربية تقوم على القمع ، وبحق يحمل اسم ’ تعليم وطني‘. المعارضة قلبت لتغدو إفساد القيم الأميركية ، وكل صف مدرسي يطالب بالعدالة العرقية ينظر اليه لاأخلاقيا" للعالم المسيحي والتفوق العرقي للبيض ، حيث السود ’يعرفون مكانهم‘". وآخر إجراءات دي سانتيس الفاشية السماح للعسكريين المتقاعدين دخول سلك التعليم بمدارس فلوريد بدون مؤهلالت تربوية.
يمضي غيروكس الى القول " بات حظر ’نظرية العرق النقدية‘ مكارثية هذا الزمن؛ ويرى نوعام تشومسكي ان ’أي عودة لتاريخ العبودية والعنصرية المنهجية ، او الظلم العنصري بات الآن يحتل مكان الشيوعية والإرهاب الإسلامي، كطاعون العصر‘ . ربما لم يبتعد تشومسكي بما فيه الكفاية، نظرا لأن المتطرفين في الحزب الجمهوري يدعون ان خطر الشيوعية اتسع ببساطة ليشمل حركات مثل ’حياة السود مهمة‘ وغيرها من حركات الاحتجاج ،جميعها مرتبطة ببعضها البعض وينظر إليها نماذج مطورة للماركسية وجزءًا من مؤامرة شيوعية كونية" . إسرائيل سبقت الولايات المتحدة فيهذا السياق حين اعتبرت ممارسة لا سامية كل نقد لعنصريتها ولنظام الأبراتهايد الذي طبقته.
بتأثير عدد من حكام الولايات الجمهوريين في فلوريدا وتيكساس وغيرهما سرت بالمدارس عبادة الجهل المصنوع وغيره من آليات ثلم التخيل، دأبها سياسات الأكاذيب وشطب الوقائع. أصدردي سانتيس قوانين تضم عددا من التعليمات تطلب من الجامعات العامة أن تجري" مسحا سنويا للطلبة والكليات لتقييم وجهات نظرهم الشخصية". إن هذا أحد أشكال المراقبة الإيديولوجية يتم طرحه كإصلاح تعليمي. وأسوأ من ذلك ان حاكم فلوريدا وضع موضع التنفيذ " منهاجا تشرف عليه الحكومة يتضمن ’صورا في الوطنية‘ تمجد نموذج الحكم بالولايات المتحدة مقارنة بنظم الدول الأخرى وتدرّس أن الشيوعية "شر". كان جيمز بالدوين محقا حين ربط العهد المديد للجور الاقتصادي والعرقي مقترنا بمنح الشرعية لقوة الأفكار والتعليم، فكتب : "يجب التذكر– لا يمكن تجاوز ذلك-ان قرون الاضطهاد تلك هي تاريخ نظام الأفكار".
يجري هذا من قبل الحزب الجمهوري بينما الحزب الديمقراطي يدعي ان الفاشية لن تمر في هذه البلاد. تجربة الماضي تظهر ان الليبراليين السياسيين يقفون على الحياد أثناء هجوم الفاشية ولا يدافعون مطلقا عن الديمقراطية الليبرالية. سبب ذلك ان الليبراليين شركاء الفاشيين الجدد في خدمة مصالح الرأسمال، وهم يمارسون ديكتاتورية الرأسمال . وحين تتهدد أخطار، موهومة أو حقيقية، سيطرة الرأسمال السياسية يتنحى الليبراليون جانبا ، حفاظا على الديكتاتورية المكشوفة للرأسمال. حتى أثناء الهجوم على مبنى الكونغرس يوم 6يناير لم يصدر بايدن بيانا ولم يصدر بيان عن بيلوسي رئيسة مجلس النواب وتشغل بذلك المرتبة الثالثة في تسلسل الحكم بالولايات المتحدة ، بعد الرئيس ونائب الرئيس.
ما من ديمقراطية حقة تتجسد في غياب المواطنين العارفين الراغبين في التعرف على الحقيقة والبحث عنها، يمتلكون قوة تخضع للمساءلة ، وينخرطون في أشكال من مراقبة الأخلاق ويكسرون استمرارية الإدرك العام ويتحدون بزوغ مؤسسات وسياسات وأفكار وعلاقات اجتماعية غير ديمقراطية. الديمقراطية نشاط جماهيري واع وهادف. وهي جزء من نشاط اجتماعي سياسي ثقافي اقتصادي عام.
بدون حركات راديكالية سياسية واجتماعية تقف خلف التغيير التعليمي من غير المحتمل إصلاح المدارس إلا بالمعنى التجميلي. في نفس الوقت إذا لم يصبح التعليم في مركز النضال الجماهيري لن يحدث تغيير راديكالي بالمجتمع. ينجم عن هذا ان على المربين وشغيلة الثقافة الآخرين أن يتناولوا كيف يلقي النشاط السياسي بظلاله على الحياة اليومية ويغدو اعتياديا من خلال قوة الممارسات التربوية وعلاقاتها وخطابها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا