الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الرعوية - البطريركية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة الرعوية - الأبوية / البطريركية
الدولة الرعوية هي الدولة التي يرعى حاكمها الراعي الكبير الرعية ، والدولة البطريركية / الأبوية ، هي الدولة التي يحمي أبوها البطريركي الحاكم ، الرعية من كل خوف ، وتهديد ، وأخطار مثل الجايْحات ، والامراض ، وغضب الطبيعة ، والوحوش المفترسة . فالدولة الرعوية والدولة البطريركية سيّان يحكمهما حاكم واحد لا غير ، والباقي مجرد حاشية تسهر على خدمة وتنفيذ مشاريع ، وأوامر الحاكم الوحيد الأوحد في الدولة .
في الدولة الرعوية والدولة البطريركية ، يستحيل تصور وجود مواطنين ، فأحرى وجود شعب . فالموجود مجرد رعايا مرتبطين بالراعي مباشرة ، دون الحاجة الى تمثيلية او وساطة ، لان ما يسمى ب ( المؤسسات ) هي في ملك الراعي البطريركي الكبير ، يستعملها لتنزيل مشاريعه السياسية ، والعقائدية ، و ( الاقتصادية ) . ففي الدول الديمقراطية التي تستند نخبها في حكم الدولة على الدستور الديمقراطية ، والانتخابات الحرة النزيهة ، والاستفتاءات ، وصناديق الاقتراع ، يوجد شعب ، ويوجد مواطنون لهم حقوق ولهم واجبات ، والجميع ومن دون استثناء يخضع للقانون ، فيستحيل وجود رعايا بالمرة ، عكس الدولة البطريركية والرعوية التي يحكم راعيها البطريركي الرعية بدستوره المنزل الذي يُجسّد في شخصه الدولة ، وقد يتجاوز اذا اقتضت الضرورة وفرضتها مصلحة الحاكم ، الدستور المنزل بالاستناد على مرجعيات لاهوتية تعطي للإحكام تفسيرات موسعة ، لتعضيد سلطة الحاكم ، وتعضيد نظام حكمه على حساب الرعية الغلبانة والمفقرة .
ان نظام الرعايا العبيد هذا ، كان يوجد في الدول الإمبراطورية ، كالإمبراطورية الرومانية ، والامبراطورية الفارسية ، والبيزنطية ، حيث كان يوجد الامبراطور، والى جانبه الحاشية التي تسهر على خدمته ، والباقي ( الشعب ) ، مجرد عبيدا يوظفون في اشباع نزوات الامبراطور ، وفي خدمة إمبراطوريته ، خاصة في جانب تحصيل الضرائب ، ومصادرة أملاك العبيد باستعمال السيف . كما وجد نظام الرعايا في الامبراطوريات التي مرت بالمغرب كالإمبراطورية الموحدية ، والامبراطورية السعدية .. ففي هاتين الامبراطوريتين كان يوجد الامبراطور على رأس الإمبراطورية ، ومعه الحاشية التي يحكم بها الرعية التي لم تكن لها حقوقا ولا امتيازات ، وكانت تستعمل فقط في تحصيل الضرائب ، وتحصيل الغلة ، وكسب الرعايا واستعمالهم وقودا لحروب ، او لغزوات على شعوب مسالمة ..
عندما أسس العلويون الدولة السلطانية العلوية على انقاض الدولة القبلية المشاعية ، و غيروا عنوان الإمبراطورية بعنوان السلطنة ، لإخفاء عيوب الإمبراطورية في التعامل مع العبيد ، استعمل العلويون اسم الرعايا للتغطية على عيوب العبيد التي اتصفت به الامبراطوريات السابقة . فاستعملوا مصطلح الرعايا للتخفيف من وقع مصطلح العبد . مع العلم ان مصطلح الرعايا يحيل على مصطلح العبيد .. لان المصطلح المخفف لمصطلح العبد ، يبقى مصطلح الرعية التي تعيش في الدولة السلطانية الرعوية البطريركية بدون حقوق ..
وهنا ولتأكيد ان المصطلحين مترادفين ، ويحيل معناهما على بعضهما . نسترجع ذاك المشهد المهين عندما جاء الباشا التهامي لگلاوي جلاد مراكش ، يطلب العفو من السلطان محمد الخامس ، فركع على رجليه يقبلهما بطريقة العبيد . كما نسترجع كيف كان الخدم والحشم إبّان عهد الحماية ، يرغمون الرعايا على الركوع الأكثر من مهين ، لمبايعة السلطان في حفل الولاء / البيعة . وكان يتم الارغام على الركوع بالقوة وبالقسوة .. كما نسترجع كيف كان العبيد يركعون لتقبيل حذاء الحسن الثاني ، وحذاء الامراء .. وكيف كان ضباط الجيش يركعون حتى الركبة لتقبيل يد السلطان الحسن الثاني ، وكيف كان ضابط الشرف في المراسيم ينحني على ركبته لتقبيل يد السلطان ويد الامراء ... كما ان طقوس حفل الولاء / البيعة تتم بشكل يعيد احياء طقوس العبيد في تاريخ الامبراطوريات المغربية ، وفي تاريخ الدولة السلطانية العلوية منذ تأسيسها على يد علي الشريف .. وهو نفس الركوع يقوم به وزراء السلطان وموظفيه السامين عندما يؤدون قسم التعيين امام السلطان .. والسلطان الحسن الثاني الذي كان صريحا مع الرعايا ويعبر عن ما يكنه لهم ، كان يخاطبهم في خطاباته ب " رعايانا الاوفياء " .. يلاحظ ان السلطان محمد السادس تفادى في خطاباته استعمال عبارة " رعايانا الاوفياء " ، واستعمل بدلها " شعبي العزيز " ، نظرا للإحراج الذي أرشده اليه المقربون منه عند مخاطبة المغاربة ب " الرعايا " وليس بالشعب .
لكن ان استعمال السلطان محمد السادس لمصطلح الشعب ، لا يعني ان النظام من حيث الجوهر والمضمون ، ينظر الى المغاربة كشعب ، بل هو ينظر اليهم كرعايا مرتبطين به كراعي أول كبير ، وكأمير للمؤمنين ، وإمام معظم عظيم .. وهذا نستدل عليه من طبيعة ونوع الحكم السائد ، ومن طبيعة ونوع الدولة التي هي دولة سلطانية ، بلباس نظام ملكي ليس له من الملكية غير الشكل . فالذي يجعل من السلطان محمد السادس يتصرف مع الرعايا كرعايا ، هو اعتماده على عقد البيعة في الفصل في المسائل الاستراتيجية التي لها علاقة بطبيعة النظام ، اكثر من اعتماده على دستوره المنزل . كما ان طقوس حفل الولاء / البيعة التي يقدم فيها المبايعون البيعة للسلطان ، تنطق بعنوان الدولة الحاكمة التي هي الدولة السلطانية ، التي توجد فيها الرعايا المرتبطين بالسلطان الأمير والامام . فهل في الدول الديمقراطية التي بها شعوبا تمارس الحكم بواسطة صناديق الاقتراع والانتخابات ، وتتمتع بدساتير ديمقراطية تجسد قوة الشعب مصدر السلطة والحكم ، يمكن تصور وجود رعايا يتيهون في طقوس تحيل على فترات تاريخية في تجسيد العبودية بأبشع صورها .. لكن ورغم ذلك ، فان ما يعطي للنظام السلطاني وللدولة السلطانية المناعة والقوة الضاربة في التحكم ، وفي تسْييس الرعية ، تبقى تلك الطقوس المتناغمة مع نوع العقلية الشعبية للرعايا التي تحتاج الى راعي يرعاها ، والى بطريركي يحميها ويذود عنها . فالنظام السلطاني يدرك كامل الادراك ، انّ الدخول الى الديمقراطية بشكلها الكوني الصحيح ، يعني حرمانه من الأسلحة التي يقود بها الرعايا .. وعند استشعار الرعايا بانهم لم يعودوا رعايا ، وانهم ارتقوا الى مواطنين والى شعب ، اكيد هنا ستكون نهاية الدولة السلطانية التي ستعوضها الدولة الدينية الاسلاموية ، التي ستكون اكثر قبحا من الدولة السلطانية المخزنية ، لان القاعدة العريضة من الرعايا ، إسلامية التوجيه ولو نفاقا .. وهذا ما يفسر افلاس المشاريع الأيديولوجية التي عارضت العقيدة ، ورفعت شعارات من قبيل الجمهورية والاشتراكية ... ولنراجع كيف استغل حزب العدالة والتنمية الدين ، وطقوس الامارة والبيعة ، في الترويج لأفكار ستتبدد عند دخولهم حكومة السلطان ، فتركوا برنامجهم الذي طرحوه ودافعو عنه ، وليصبحوا مجرد منفذين لبرنامج السلطان الذي نزل من فوق . واعتقد ان عبدالاله بنكيران كموظف سامي برتبة وزير اول عند السلطان ، عرّى على هذه الحقيقة عندما قال " ان السلطان هو من يحكم ، وانّ وزيره الأول يساعده " .. فكيف سيتنازل السلطان على طقوسه التي تشكل احد اهم الاعمدة التي تقف عليها دولته ، ليدمقرطها فتنقلب عليه ، ويسلمها الى اعداءه والمتربصين به ..
ان هذا النوع من الدول الفريدة من نوعها في طقوسها المرفوضة اوربيا ، لم يأتي صدفة ، او جاء بغتة ، او نزل على حين غرة من السماء . لكن له حمولا تاريخية وقفت حائطا حائلا ضد تنمية المغرب وتطويره ، وجعلته الآن يتبوأُ الصف الأخير في المراتب الدولية في حقول التعليم ، والصحة ، وفي الحق الاجتماعي ، والسياسي ، والديمقراطي ، والحقوقي . خاصة وان الرعايا مهددون بالجوع ، ومهددون بالعطش .. وهذا يدفع بنا ان نتساءل عن ماهية الأسباب التي جعلت من المغرب وهو البلد الفلاحي ، يتحول الى بلد قروي يستورد كل حاجياته الغذائية ، وحاجيات العلف من الخارج . وكما قلت الرعايا مهددون بالجوع ، وبالعطش ، وبانتشار الامراض ، والاوبئة في كل وقت وحين .. والوضع العام يخدم الدولة السلطانية المخزنية ، لان القاعدة العريضة من الرعايا هي مع السلطان ، وتعشق الدولة السلطانية ، وتكره النظم الجمهورية .. ويكفي القاء نظرة على الساحة ليتضح ان الوضع متحكم فيه جيدا من قبل الدولة السلطانية ، والرعايا المرتبطة بالسلطان . فالرعية لا تستطيع العيش دون تقاليد الدولة الرعوية ، والبطريركية ، والثيوقراطية . ان دخول الحزب الاشتراكي الموحد بنائبة واحدة الى برلمان السلطان ، وفشل حزب الطليعة من الدخول الى برلمان السلطان مرتين .. ونفس النتيجة كان سيحصدها حزب النهج الديمقراطي لو انه شارك في انتخابات السلطان لدخول برلمانه ، وحتى وانْ أصبح بعض برلمانيه موظفا ساميا برتبة وزير في حكومة السلطان .. هو قراءة ساطعة تعكس رسالة واضحة لمن يجهل اصل وطبيعة النظام السياسي المغربي ، كنظام سلطاني ، مخزني ، علوي يضبط الوضع ويتحكم فيه بكل سهولة ..
ينقسم تاريخ الدولة السلطانية العلوية المغربية الى فترتين متعاقبتين ، لا يميز ويفرق بين فترة وأخرى غير الإسم . فالفترة الأولى وحتى استقلال Aix-les Bains ، كانت الدولة حقا سلطانية على رأسها سلطان ، والباقي مجرد حاشية السلطان ، ورعية السلطان . فلم يكن سكان السلطنة يسمون شعبا ، بل كانوا يسمون رعايا ، تقودهم حاشية السلطان لخدمة برنامج السلطان الذي كان يلبس الجلباب ، والسّلْهام والبلْغة في رجله .. ولم يكن يرتدي اللباس الأوربي الاّ نادرا .
في هذه الفترة ، لم يكن في المغرب أحزاب ، ولا نقابات ، ولا جمعيات ، كما لم يكن هناك برلمان ، ومجالس تحتية منتخبة . كما لم تكن هناك محاكم عصرية ، ولا جامعات ، ولا كليات متعددة التخصصات . كما لم تكن تجري انتخابات ، ولم تكن هناك تلفزة مغربية ، ولم تكن الرعايا تعرف حق الاضراب ، والاعتصام ، والمسيرات ، والوقفات ، والاحتجاجات ، كما لم تكن هناك منظمة طلابية تحمل اسم " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " ، ولا كانت هيئة للمحامين .. الخ . كانت الدولة السلطانية تتكون من السلطان ، ومن حاشيته ، ومن الرعايا التي كانت تعيش في كنف السلطان ...
هذه الفترة من تاريخ الدولة السلطانية ستعرف فترة انتقالية مثلها السلطان محمد الخامس بين الدولة السلطانية العتيقة ، والدولة السلطانية التي أصبحت بعنوان الملكية شكلا ، لكنها من حيث الجوهر ظلت دولة سلطانية لا تختلف عن السلطنة التقليدية غير في الاسم . فالسلطات واشكال الحكم الذي كانت عليه الدولة السلطانية التقليدية ، ظلت هي نفسها مع السلطنة / الملكية في عهد السلطان الحسن الثاني الذي يرجع له الفضل في دمج المرحلتين ، مرحلة الدولة السلطانية التقليدية ، ومرحلة الدولة السلطانية الجديدة باسم الملكية ، بعد التوطئة للمرحلتين بالفترة الانتقالية للسلطان محمد الخامس .
هكذا سنجد ان الدولة السلطانية المخزنية الحديثة التي أسسها السلطان الحسن الثاني ، احتفظت بنفس السلط ، وبنفس التمثيلية للرعايا ، وبنفس القوة التي كانت للسلطان التقليدي .. أي ان السلطان هو الدولة ، والباقي من ( مؤسسات ) مهمته خدمة السلطان ، وخدمة السلطنة من خلال التسابق للحصول على شرف تنزيل برنامج مولانا السلطان ، المفروض بقوة الطقوس السلطانية التي يتخشع بها الجميع . فعند دخول دار المخزن ، وبما تحتويه من هبة سلطانية ، وتقاليد ومراسيم مختلفة ومتنوعة ، كانت تُحوّل وبسرعة البرق عبدالرحيم بوعبيد ، وعلي يعتة ، ومحمد بن سعيد آيت إيدر ، وبوستة ، وغيرهم من المنادين ديماغوجيا بالاشتراكية ، وبالدولة المدنية ، وأصحاب الوطنية الشوفينية ، الى سلطانيين مخزنيين رعايا من النوع الممتاز . فعندما تتحرك وتشتغل في ظل قوانين الدولة السلطانية ، وتشترك في الاستحقاقات التي تنظمها كل مرة للالتفاف على الواقع وتحنيطه ، وضبط التوازنات خاصة وسط الرعايا التي ترفض ان تكون كذلك ، فالجميع لا يعدو ان يكونوا غير رعايا طائعين وعن بينة واختيار ..
وكالدولة السلطانية التقليدية التي كان فيها السلطان التقليدي يرتدي اللباس السلطاني المخزني ، وحاشيته كذلك ، والرعايا ترتدي " تْشاميرْ وسرْوالْ قنْدْريسة ، وتلبس في رجلها صَنْدلة گاموسْ " والأكثرية كانت تمشي حافية القدمين .. فان السلطان الحسن الثاني مؤسس الدولة السلطانية الحديثة ، كان حريصا على ارتداء اللباس الأوربي ، خاصة عند مخاطبته رؤساء الدول الاوربية ، والولايات المتحدة الامريكية ، وكان يرتدي اللباس السلطاني المخزني في المناسبات الوطنية والدينية ، لان في الحالة الأولى يكون السلطان / ملكا عند مخاطبته الغرب ، وفي الحالة الثانية عندما يكون يسوس الرعية ، فهو يتصرف كسلطان وليس كملك . وهي نفس الإشارة مفهومة في حفل الولاء / البيعة ، ودالة على ما فيها عندما يفتتح دورة الخريف التشريعية ، فيرتدي اللباس السلطاني المخزني ، ونوابه يرتدون نفس اللباس ، فيلقي على خدمه البرلمانيين خطابا سلطانيا كأمير للمؤمنين ، وراعي كبير ، وإمام معظم عظيم . وعندما ينتهي من خطابه السلطاني الذي هو أ مر يومي يرسم لنوابه خارطة طريق الاشتغال ، ينصرف كأمير وإمام ، والجميع يكتفي بالتصفيق وبالوقوف خشوعا ، والعبيد تردد " عاش مولانا السلطان . الله يبارك في عمر مولانا السلطان " .. وعندما كان الجميع يحضر الى قاعة البرلمان باللباس السلطاني المخزني ، فالجميع هم رعايا من النوع الممتاز او الجيد .. ويستوي هنا كل من حضر البرلمان عند افتتاح دورة الخريف التشريعية ، ويستوي أولئك الذين شاركوا في انتخابات مولانا السلطان لدخول برلمانه ، ولم يصوت عليهم احد كحزب الطليعة ، والحزب الاشتراكي الموحد الذي حقق النصر الكبير عند دخوله الى البرلمان بالنائبة السلطانية منيب ..
فاذا كان السلطان في الدولة السلطانية التقليدية هو الدولة ، فماذا يميز الدولة السلطانية التقليدية ، عن الدولة السلطانية الحديثة مادام ان السلطان هو الدولة ، والدولة هي السلطان ..
ففي الدولة السلطانية الحديثة يحكم مولانا السلطان بدستوره المنزل الذي يجسد في شخصه وحده الدولة ، لأنه هو الممثل الاسمى للامة ، ويحكم بواسطة الرعايا من خلال فرز نوابه خلال الانتخابات التشريعية السلطانية ، فيصبح تصويت الرعايا على نواب السلطان ، بمثابة تصويت مباشر على السلطان . أي طريقة لتجديد الولاء وطقوس البيعة التي تتجدد بطرق مختلفة .. وتكون أحزاب المعارضة السلطانية بدورها التي تدخل برلمان السلطان ، تجسد مبايعة من صوت لها للسلطان ..
نستنتج من هذا التحليل المبسط للدولة السلطانية ، ان الدولة في المغرب في عهد العلويين ، هي دولة سلطانية مخزنية ، على رأسها سلطان هو من يحكم ، والباقي يساعده في تنزيل وتنفيذ أوامره وتوجيهاته . وان الطابع الغالب على جميع المغاربة هو طابع الرعية المتشبثة بالدولة السلطانية المخزنية بكل طقوسها المعروفة .. وهو تشبث واضح حتى في الحفلات والافراح التي يحييها الرعايا طبقا للأصول السلطانية المخزنية . بل انهم يحرصون ويتشبثون بهذه الطقوس المميزة حتى في أقراحهم ، ومصائبهم ، واحزانهم .. بل ان الأغلبية الساحقة من الرعايا رغم انها تعيش الظنك ، فهو مقبول اذا كان من عند " سيدنا " ، وينهونها دائما ب " عاش الملك " . بل سنرى ان هذه الرعية رغم انها تتعرض للظلم من قبل أعوان السلطان ، عندما تكسر هراوة خدم السلطان جماجمها وعظامها ، فهي ترفع شعارها الدائم " عاش سيدنا " ، " عاش الملك " ..
الساحة فارغة . والبديل الذي مثله الاسلاميون تم تحجيمه وضبطه ، والدولة تضبط الوضع جيدا ، وتسيطر عليه بمشاركة الرعايا انفسهم الذين يناصرون السلطان ، ويهتفون للدولة السلطانية ولدار المخزن .
الأمير الحسن سيحكم الدولة السلطانية ، بكل سهولة ، وبمباركة الرعايا انفسهم ، كأمير للمؤمنين ، وراعي كبير ، وأمام معظم عظيم . وستستمر الدولة كدولة سلطانية بكل طقوسها وتقاليدها المرعية كما كانت منذ اكثر من 350 سنة ، وستستمر الرعايا مجرد رعايا باختيارهم ابد الدهر ، وليس فقط ل 350 سنة قادمة ..
فما دامت الدولة السلطانية تتماهى مع عقلية الرعايا ( المحافظة ) التقليدية ، فقدر المغرب ان يكون هكذا دولة سلطانية ، ورعايا مرتبطين بأهداب السلطان ، لانهم يعترونه من سلاسة النبي ..
لن تكون هناك ملكية اوربية ، ولا ملكية برلمانية مغربية خاصة ، ولن تكون هناك جمهورية .. فالساحة ناطقة بما فيها . وفي وضع كهذا وهي الحقيقة الساطعة ، فالنظام السلطاني المخزني انتصر الانتصار الساحق على الجميع ، عندما اصبح الجميع يتفاخر بانتسابه الى دولة السلطان ، ويتسابق ليحصل له شرف دخول برلمان السلطان ، ويتمنى دخول حكومته كموظف سامي في إدارة السلطان ، لتنزيل وخدمة برنامج مولانا السلطان الذي سقط من فوق ..
فالطريق مُسيرة ومبسوطة بالزربية البساط الحمراء للسلطان الحسن الثالث .. لكنه رغم ذلك ولكي يصبح في قلب الرعية التي وحدها تحميه ، وتحمي دولته السلطانية المخزنية ، عليه القيام ببعض المبادرات التي ترجع ثقة الرعية في الدولة السلطانية المخزنية ، وتجعل منه وحده الدولة ، والباقي مجرد حاشية ، وخدم ، ورعايا . فالحسن الثاني كان قد ظفر بقلوب الرعايا عند موت محمد الخامس ، بظهور هذا في القمر ، وبدوره وعلاقاته ( بالحركة الوطنية ) .
ومحمد السادس عند موت الحسن الثاني ، ظفر بقلوب الرعايا عندما نصب نفسه كملك للفقراء ، ولاح إشارات الدولة الجديدة ، وبالمفهوم الجديد للسلطة .. والملك الحداثي الديمقراطي ..
فكيف سيظفر الحسن الثالث بقلوب الرعايا المعروفة بمرض النسيان ؟ .
1 ) تنزيل العقاب الصارم على كل من اعتدى عليه ، وعلى اخته الاميرة خديجة .. ان مجيء الحسن الثالث هو عودة قوية للأميرة سلمى .
2 ) تقديم الى المحاكمات كل من اعتدى ظلما على الناس ، ونكل بهم ، واجرم جرما جنائيا في حقهم ، مع طرح السؤال عليهم : من اين لك هذا ؟ حتى يبدأ التتريك ، والقصاص في حق المجرمين المعتدين ..
3 ) الشروع في اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والتعسفيين ، والصحافيين ، وفاضحي الفساد .. منذ تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 .. مع إعادة فتح تحقيق ومسطرة جديدة في كل الذي حصل ..
4 ) استرداد أموال الدولة التي نهبت ، وايّا كان من نهبها ، واستولى عليها بالاحتيال ومن دون قانون .. وردها الى صندوق الدولة ..
ان هذه المحاور الأربعة وحدها ستضع الحسن الثالث في قلب الرعايا التي ستلتف حوله ، وتشكل القوة الضاربة لحمايته ، وحماية دولته السلطانية المخزنية ...
الوضع جد خطير . واذا ما سار السلطان الحسن الثالث على خطى محمد السادس ، لا اعتقد انه سيكمل حتى ربع ربع مدة الحكم .. هناك قضية الصحراء التي دخلت منعطفا خطيرا ، وهناك مشروع الداعون لانفصال الريف ، وهناك الداعون لنسف كل المغرب .. وهناك أطماع خارجية .. وهناك صراع وجود يدور بالمنطقة .. فأي خطأ سيجر على الدولة من المشاكل ما ستغرق فيه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة