الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الغذاء سابقة لحرب أوكرانيا

الطاهر المعز

2022 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


توقّع تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة (الأمم المتحدة)، في التاسع من حزيران/يونيو 2022، أن ترتفع فاتورة الواردات العالمية للغذاء لتصل إلى 1,8 تريليون دولارا، بنهاية سنة 2022، بزيادة 51 مليار دولارا، مُقارنة بسنة 2021، ولا يُعزى الإرتفاع إلى زيادة حجم الواردات، بل إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف النقل، ما يخفض حصة البلدان الفقيرة وفئات السُّكّان الأشدّ فَقْرًا من الأغذية (خصوصًا الحبوب والزيوت النباتية واللحوم)، مع تسديد ثمن أعلى من سنة 2021، وما يُسبّب انكماشًا (أي نُمُوًّا سَلْبِيًّا) في اقتصاد هذه البلدان، وتؤدّي مجمل هذه العوامل إلى تهديد "الأمن الغذائي" لسكّان البلدان الفقيرة، مع ارتفاع تكاليف المدخلات كالأسمدة والوقود، كما سجلت منظمة الأغذية والزراعة تَرَاجُعَ الأسعار الحقيقية للمزارعين، رغم ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين، الذي يُتوقّع أن يتواصل إلى نهاية سنة 2023، دون تأكيد تراجع أسعار المُستهلكين سنة 2024، بل نشر البنك العالمي تقريرًا بنهاية شهر نيسان/ابريل 2022، يتوقع أن يتواصل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى مستويات مرتفعة تاريخيا، حتى نهاية سنة 2024، وما حرب أوكرانيا سوى عاملا مُساعدًا، وليس عاملاً أساسيا في ارتفاع الأسعار الذي انطلق قبل ذلك...
تُشكّل أوكرانيا بَوّابة نحو روسيا، ولذلك استخدمها كافة الغُزاة كنقطة انطلاق لاحتلال روسيا، ولذلك ركّزت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أوكرانيا (بعد بولندا ) لعرقلة تطور روسيا، وهو ما أدّى إلى الحرب الحالية التي استغلتها القوى الإمبريالية وشركاتها لإعادة تشكيل العالم، وللتحكم في أسعار المواد الغذائية...
وقعت حكومة أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، في التاسع من تموز/يوليو 1997، ميثاق شراكة مميزة، ووقع الطرفان، في تشرين الثاني/نوفمبر 1998 "برنامج "، وافتتح حلف شمال الأطلسي، في نيسان/ابريل 1999، سفارة له تحت عنوان "بعثة"، ولما عَرْقَل الرئيس "فيكتور يانوكوفيتش" سُرْعَة الرّكْض نحو الحلف الأطلسي، خريف 2013، تمت الإطاحة به، في نيسان/ابريل 2014، عبر انقلاب أشرفت عليه قوات حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني، وأقرّت حكومة الإنقلاب، في أيلول/سبتمبر 2015 "مُشارَكَة جيوش الدول الأجنبية في تدريبات متعددة الجنسية" بأوكرانيا، و"تعميق التعاون مع حلف شمال الأطلسي"...
منذ بداية سنة 2022، ارتفعت أسعار الوقود والشحن وتأمين السفن الناقلة للغذاء وللمحروقات، وفاق سعر طن الأرز ألف دولار، وارتفعت أسعار الشعير والذّرّة فى الأسواق العالمية، خلال النّصف الأول من سنة 2022، بنسبة فاقت 50% والقمح بنسبة 65% ، وأسعار زيت الطعام بنسبة 75% ، ما زاد من مصاعب الفُقراء، ومن مخاطر حصول المجاعات، خصوصًا في الدّول الفقيرة، وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن أزمة الغذاء تُهدّد بحصول مجاعة بالدول الفقيرة في قارّتَيْ آسيا وأفريقيا، لكن الأزمة بدأت منذ سنَتَيْن مع جائحة كوفيد-19 وتعطيل الإنتاج وحركة النّقل الدّولي، وفاقمتها العقوبات المفروضة على روسيا، أحد أكبر مُصدِّرِي القمح والشعير والذرة وزيت عباد الشمس والأسمدة والأزوتية والبوتاسيوم، منها إقصاؤها من منظومة التحويلات المالية "سويفت" ومَنْع سفُنِها من دخول الموانئ الأوروبية، بهدف "تركيع روسيا وتدمير اقتصادها"، فضلا عن تَلْغيم أوكرانيا لموانئها وتصدير القمح عبر بولندا والمَجَر ورومانيا وسلوفاكيا، كما ساهم تجاهل كافة المُقترحات الرّوسية لتصدير القمح وكذلك إعلان وقف صادرات القمح والحبوب من بعض الدول المصدِّرة (أوروبا وكندا والولايات المتحدة...) في تفاقم الأزمة، فضلا عن ارتفاع نسبة التضخم التي أدّت إلى ارتفاع أسعار السّلع الغذائية بالأسواق العالمية، بنِسَبٍ قارب بعضها 100% ما يزيد من احتمال حصول مجاعات بالبلدان الفقيرة، وتحميل روسيا مسؤولية كافة أزمات العالم...
يواجه العالم أزمة الغذاء الثالثة منذ 15 عامًا، لكن تظهر العديد من البيانات والتحليلات المنشورة أنه لا يوجد نقص في الغذاء، ولكن هناك زيادة في أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم في نفس الوقت، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الطّاقة، وتُظهر هذه البيانات كذلك إن الفقراء والضعفاء هم أكثر من يعاني من هذه الزيادات في الأسعار، وبينما اعتمدت بلدان مثل الصين أو الهند تخزين احتياطيات غذائية كبيرة كجزء من استراتيجية الأمن الغذائي، اتخذت الدّول الغربية استراتيجيات تعتمد على استغلال الأراضي الزراعية بالبلدان الفقيرة، لإنتاج ما تحتاجه أسواقها، مع اعتماد نظم غذائية تهدف زيادة الإنتاج واستخدام المبيدات والأسمدة الصناعية، وتصنيع الغذاء الرديء، مع تلويث المحيط وزيادة نسبة الهدر إلى ثلث الإنتاج تقريبًا.
تحتكر سبع دول 90% من صادرات القمح العالمية، وتحتكر أربع شركات (آرتشر دانيلز ميدلاند ، وبونغ، وكارغيل، ولويس دريفوس) تجارة القمح الدولية، وتُسيطر الدول الغربية الغنية على نحو 70% ‏من تجارة القمح العالمية، وهي وشركاتها التجارية أول مستفيد من ارتفاع الأسعار ، حيث صدّرت كل من الولايات المتحدة وكندا 26 مليون طن، سنة 2020 (أي 52 مليون طن بينهما) فيما صدّرت روسيا 37 مليون طنًّا، وصدّرت فرنسا عشرين مليون طنا وأستراليا والأرجنتين عشرة ملايين طنا، لكل واحدة منهما، وألمانيا تسعة ملايين طنا، ورفضت هذه الدّول الغنية طلب المُساعدة الذي قدّمته الدول الفقيرة، مثل شطب أو تأجيل سداد القروض، مع الإشارة إلى دعم الدول الغنية إنتاج السلع الغذائية وتحريم ذلك على الدّول الفقيرة، وفق موقع "فايننشال تايمز" 03 حزيران/يونيو 2022.
تستورد عشرين دولة أكثر من نصف احتياجاتها من القمح ، من أوكرانيا (التي يتوقع أن ينخفض إنتاجها من 86 مليون طنا سنة 2021 إلى 57 مليون طنا سنة 2022) وروسيا. هذه هي الدول المهددة بالنقص، بالإضافة إلى دول في حالة حرب مثل أفغانستان أو إريتريا أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو الصومال أو سوريا أو اليمن أو اليمن أو الدول الخاضعة لحظر أمريكي، مثل كوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا ...
تستخدم نحو 60% من الحبوب المنتجة في أوروبا كعلف للحيوانات، بينما يتم تحويل 40% من الذرة المزروعة في الولايات المتحدة إلى وقود للسيارات، بحسب منظمة "غرينبيس" (السّلام الأخضر)، ويتم استخدام 80% من محصول فول الصويا في العالم كل عام لتغذية الحيوانات، بينما يتم تحويل 23% من زيت النخيل في العالم إلى ديزل.
في إطار التقسيم الرأسمالي العالمي للعمل، أصبحت العديد من البلدان الفقيرة مثل فيتنام في آسيا وبيرو في أمريكا الجنوبية أو كينيا في أفريقيا مُتَخصِّصَة في زراعة المنتجات المعدة للتصدير، وهي محاصيل غير أساسية تستهلك قدرًا كبيرًا من الموارد، مثل الهليون أو الكاكاو أو القهوة أو الزهور، وتُستخدم مساحات أخرى من الأراضي الزراعية للمحاصيل المخصصة للإنتاج الصناعي للأغذية التي يتم تحويلها كليًا إلى مواد مُصنّعة ومُعَلّبَة بواسطة سلاسل غذائية كبيرة تشجع على استخدام المبيدات الحشرية والأصباغ والمواد الحافظة الأخرى الضارة بالصحة.
إن الإنتاج العالمي للغذاء يكفي سكان العالم وزيادة، وهو مُستقر تقريبًا، لكن هناك مشكلتان: جودة المنتجات الغذائية وارتفاع الأسعار غير المبرر، حيث أن تكاليف الإنتاج منخفضة للغاية في المغرب أو مصر أو تركيا، حيث تنهب الشركات متعددة الجنسيات الموارد الطبيعية وتلوث الجو وتُستَغَلُّ النّساء والأطفال (اللاجئون السوريون في تركيا) الذين يعملون من عشر إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم بأجور منخفضة للغاية، لذلك لا يتعلق الأمر بحجم الإنتاج، بل يتعلق بتبني أساليب الزراعة المستديمة.
يُقدّر حجم المُعدّل السنوي لصادرات روسيا وأوكرانيا من القمح بنحو سبعين مليون طن، أي حوالي ثُلُث صادرات العالم البالغة نحو مائتَيْ مليون طنًّا، ولذا فإن الإفراج عن مخزون روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا من الحبوب و‏زيت عباد الشمس والأسمدة قد يُخَفِّفُ من الأزمة، لكنه لا يحلُّها لأن الشركات العابرة للقارات تحتكر تخزين وتجارة ونقل الحبوب وغيرها من السلع الغذائية، فيما رفضت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الإتحاد الأوروبي كافة المُقترحات التي تقدّمت بها روسيا، بل عززت الدّول "الغربية" الحصار، وزاد حلف شمال الأطلسي من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، خدمة لأهداف الشركات الإحتكارية "الغربية" ولمُجَمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، لأن هذه الحكومات وهذه الشركات لا تهتم بإنقاذ حياة ‏البشر من مخاطر المجاعة، بل تستغل الحرب لزيادة أرباحها.
تتجاوز مسألة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الحرب في أوكرانيا، وهي سابقة لها، ويتهم العديد من القادة السياسيين الغربيين روسيا بتسببها في تفاقم المجاعة، لأنها تُعرقل تصدير الحبوب والبذور الزيتية والأسمدة من الموانئ الأوكرانية والروسية، ويتواصل ترويج هذا الإدّعاء حتى بعد اجتماع إسطنبول، منتصف شهر تموز/يوليو 2022، والإتفاق بين روسيا وأوكرانيا وتركيا وممثّل عن الأمم المتحدة، على نقل وتصدير حوالي عشرين مليون طن من الحبوب من ثلاث موانئ أوكرانية على البحر الأسود، وإزالة الألغام من بعض المناطق الحدودية، وفي الواقع يمكن للدول الرّأسمالية المتقدّمة استبدال القمح وزيت عباد الشمس من روسيا وأوكرانيا بمصادر أخرى وأنواع أخرى من الحبوب والزيوت. أما بعض الدّول الأخرى مثل مصر والجزائر والسنغال فهي تعتمد بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا في استيرادها، ونرجو أن تستخلص الدّروس من الأزمات المتكررة لتنتهج سياسة دعم صغار المنتجين المحليين وتشجعهم على التنويع في المنتجات التي يحتاجها السوق المحلي وتطوير المبادلات مع الدول المجاورة.
يتم استخدام الحرب في أوكرانيا كذريعة جديدة لتعزيز الإمبريالية الزراعية الغربية التي دمرت الغابات والأراضي الزراعية والتنوع الغذائي في بلدان الجنوب، إذ تُظهر البيانات المتاحة استقرار حجم المعروض لمدة 15 عامًا، وتُظْهِرُ ارتباط أزمة أسعار الغذاء الحالية بعدة عوامل أخرى، بما في ذلك أزمة المناخ والمضاربة في الأسواق المالية. إن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية منذ العام 2007 منفصل عن حجم الإنتاج والعرض، فهما مستقران، لكن المستثمرين (المصارف وصناديق التقاعد أو الشركات) يشترون أسهم الصناديق التي تسمح لهم بالمراهنة على أساس أسعار المنتجات المستقبلية، لكن هذه المُراهنة تُؤثِّرُ بالفعل على السعر الحالي لهذه المنتجات. إن الوضع الحالي مشابه لما حدث خلال الأزمة المالية والغذائية في 2007-2008، ولكي يُحافظ رأس المال المالي (في الولايات المتحدة وأوروبا) على مستوى أرباحه، نجح في تخريب أي إصلاح يهدف إلى تنظيم هذه الصناديق وفرض قيود على عدد عقود السلع التي يمكن للمستثمرين الماليين الاحتفاظ بها، وفي الفترة الحالية، يتجنب المستثمرون المُراهنة على بعض السلع (مثل العملات المُشفّرة)ن واتجهوا للمضاربة بالسلع الزراعية لكسب المال، بينما يواجه المزارعون ارتفاع أسعار الوقود والمدخلات، بما في ذلك الأسمدة الكيماوية، كما يواجهون ارتفاع أسعار الفائدة على القروض التي يستخدمها المزارعون لشراء المدخلات، ولذلك اضطر العديد منهم إلى تقليل كميات المدخلات، مما يعني انخفاض المحاصيل.
بالنسبة للبلدان الفقيرة، من الضروري دعم إنتاج الأغذية الأساسية، لأن ذلك أقل تكلفة من الاستيراد (بالعملات الأجنبية) وهو أقصر طريق يؤدي إلى تحقيق السيادة الغذائية، وهو خيار سياسي ضروري، رغم مُعارضة الدّائنين لهذا النوع من الإجراءات، لكنها معركة أخرى وجب خوضها ضد العراقيل التي تقف في طريق السيادة الغذائية ...
يتم بناء السيادة الغذائية بفضل وبواسطة ومع المجتمعات المحلية وصغار المزارعين ومربي الحيوانات، من أجل جمع وحفظ البذور والأغذية التي تكيفت مع البيئة المحلية، كما تهدف السيادة الغذائية إلى بناء أساليب إنتاج مستدامة وممارسات تضامن بين المواطنين، سواء كانوا منتجين أو مُستهلكين، لخلق ذهنية مناقضة تمامًا لعقلية المضاربة المالية وسيطرة المصارف أو الشركات على إنتاجنا وعلى أنظمتنا الغذائية.
من حقنا، في البلدان الفقيرة، تطوير أنظمة غذائية يمكنها إطعام السكان بمنتجات محلية وصحية وغير مكلفة، ودعم صغار منتجي وبائعي المواد الغذائية، وهذا مخالف لاتفاقيات التجارة الحرة وشروط الديون ولكنه يتفق مع أهداف مجتمع قائم على المساواة، يضمن الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية واستغلالها لإطعام السكان بشكل أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح