الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اِشْتِكَالُ ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ: بَيْنَ ٱلْاِهْتِرَازِيِّ ٱلْوَاقِعِ، بَيْنَ ٱلْاِرْتِهَازِيِّ ٱلْفَاقِعِ (1)

غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)

2022 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


حَتَّى ٱلْعِلْمُ ٱلْمَهِيعُ دُونَمَا تَنْظِيمٍ أَوْ نُهْيَةٍ سَلِيمَةٍ،
لَإِزَاءَ ٱلْنَّقِيضِ ٱلْمَغِيضِ، لٰكِنْ بِهِمَا، أَبْخَسُ قِيمَةٍ!
آرتور شوبنهاور

(1)

مِمَّا كانَ عَلى الدَّوامِ ثائرًا مَائِرًا لِلعُجَابِ والاِستغرابِ، أيَّامَ الصِّبَا والتَّصَابِي، أنْ أَتَصَفَّحَ الإِدْرَاءَ فِيمَا تُدْرِيهِ الصَّحِيفَةُ اليوميةُ مُذَّاكَ، أَيَّةً كانتْ صَحِيفَةً حِينَذَاكَ بالمِثَالِ، وأنْ أَرَانِي مَاثِلاً آثِلاً أمَامَ عددٍ من الصَّفَحَاتِ «نفسِهِ» كلَّ يومٍ بالتَّمَامِ والكَمَالِ، وليسَ لِي في هكذا حَالٍ مُحَيِّرَةٍ أيَّمَا تَحْيِيرٍ إلاَّ أَنْ أتَسَاجَلَ، لا بَلْ إلاَّ أَنْ أتَهَاجَلَ، قُدَّامَ السُّؤَالِ: تُرَى أَيَّةُ عبقريَّةٍ فَذَّةٍ تلكَ التي «تَسْطِيعُ» أن تَحُطَّ أَنْبَاءَ العَالَمِ كُلِّهِ في مَحَطٍّ وَرَقِيٍّ (والآنَ، قدْ صَارَ مَحَطًّا «رَقَمِيًّا» كذاكَ) واحدٍ، مَحَطٍّ مُحَدَّدِ الطُّولِ والعَرْضِ و«اللااِرْتِفَاعِ» و«اللاقَاعِ» كلَّ صَبَاحٍ في جَانبٍ أوَّلَ من هذا العَالَمِ القابِلِ، أو حتَّى كلَّ مَسَاءٍ في جَانبٍ آخَرَ منهُ في المقابِلِ؟ كلُّ هذا وذاكَ كانَ قائمًا دائمًا بذاتِ العُجَابِ وذاتِ الاِستغرابِ، وأشدَّ منهمَا حتَّى، إلى أنْ وقعَ ناظرايَ وقْعًا عَلى قولٍ فكاهيٍّ جِدِّ سَاخرٍ منسوبٍ، فيما، إلى الأديبِ والمفكِّرِ الإيرلنديِّ الكبيرِ، جورج بيرنارد شو (1858-1950)، و«محسُوبٍ» كذاكَ، أكثرَ من مَرَّةٍ، عَلى الكاتبِ والممثِّلِ الكوميديِّ الأمريكيِّ، جيروم آلَنْ ساينْفيلد (1954-)، قولٍ فكاهيٍّ جِدِّ سَاخرٍ يسيرُ بِمَا معناهُ في الأصْلِ الإنكليزيِّ، هكذا: «إِنَّهُ لَخَطْبٌ يدْعُو إلى الدَّهْشَةِ والذُّهُولِ حَقًّا أَنَّ كَمِّيَّةَ الأَنْبَاءِ التي تحدثُ في أَنْحَاءِ العَالَمِ بأسْرِهِ كلَّ يومٍ إنَّمَا تَتَوَافَقُ تَوَافُقًا تامًّا وكامِلاً مَعَ مِسَاحَةِ الصَّحِيفَةِ بالذَّاتِ دونمَا زيادةٍ أو نُقْصَانٍ». ومن فَحْوَاءِ هذا القولِ الدَّالِّ هُنَا، عَلى سَبِيلِ المثالِ لا الحَصْرِ، نرى أنَّ المِسَاحَةَ الكُلِّيَّةَ التي تقتضيهَا تلكَ الصَّحِيفَةُ المُسَمَّاةُ تسميةً حنينيَّةً أو حُنَانِيَّةً بـ«القدس العربي»، تلكَ الصَّحِيفَةُ العربيةُ الفلسطينيةُ الغنيةُ عن التعريفِ من حيثُ التَّبَجُّحُ المستديمُ بِهَرَفِ النَّبَاهَةِ في «الاِستقلالِ السياسيِّ»، أو مَا شَابهَ، ومن حيثُ التَّفَخْفُخُ القديمُ بِخَرَفِ النَّزَاهَةِ في «الاِستدلالِ الأساسيِّ»، أو مَا أشبهَ، نرى جَلِيًّا أنها تبلغ بالحَدِّ العَدَدِيِّ الإجْمَاليِّ اليوميِّ أربعًا وعشرينَ صفحةً لمْ يطرأْ عليهَا أيُّ تغييرٍ جذريٍّ بالمطلقِ (أو بالكادِ) منذُ أكثرَ من ثلاثينَ عَامًا. وهكذا، فإنَّ هذا الحَدَّ العَدَدِيَّ الإجْمَاليَّ اليوميَّ وحدَهُ، ووحدَهُ فحسبُ، إنمَا يدلُّ، في جملةِ مَا يمكنُ لَهُ أَنْ يدلَّ عليهِ مِنِ احتمالِ أيٍّ مِنْ مقولاتِ مَا يُدعى دُعَاءً نفسيًّا تجريبَوِيًّا بـ«الاِشتراطيةِ» أو بـ«الاِرتهانيةِ» Contingency، إنمَا يدلُّ عَلى احتمالَي مقولتَيْنِ اشتراطيَّتَيْنِ أو ارتهانيَّتَيْنِ عَلى أدْنَى تخمينٍ: إمَّا أَنَّ الناشرَ كاذبٌ وأَنَّ المنشورَ بالإتباعِ صادقٌ أو كاذبٌ، وإمَّا أَنَّ الناشرَ صادقٌ وأَنَّ المنشورَ بالإتباعِ كاذبٌ أو صادقٌ. وفي كلٍّ من هٰتينِ المقولتَيْنِ الاِشتراطيَّتَيْنِ أو الاِرتهانيَّتَيْنِ، إذن، يتجلَّى الناشرُ من لدنْهُ بالتجلِّي «الفاعليِّ» Active، في حينِ أنَّ المنشورَ من طرفِهِ فينجلي، عَلى النقيضِ، بالاِنجلاءِ «المنفعليِّ» Passive، وأيَّةً كانتْ حُمُولتُهُ بذات الإتباعِ – هذا فيمَا خَلا «عشوائيةِ» هذهِ الحُمُولةِ بالعَيْنِ ومَا يترتَّبُ عليها بَدَهِيًّا مِنِ افتقارٍ إلى كلٍّ من عاملِ «التَّنْظِيمِ» وعاملِ «النُّهْيَةِ السَّلِيمَةِ»، مِمَّا يجعلُ الكَمَّ العِلْمِيَّ، حتَّى لو كانَ مَهِيعًا، أَبْخَسَ من نقيضِهِ المَغِيضِ لامُفْتَقِرًا إلى أيٍّ من هٰذينِ العاملينِ، كمَا جَاءَ في العِبَارةِ التَّصْدِيرِيَّةِ المُسْتَقَاةِ من الفيلسُوفِ الألمانيِّ، آرتور شوبنهاور (1788-1860)، هذا الفيلسُوفِ الفَنَّانِ الذي لَمْ يَرَ العَالَمَ الظاهريَّ حَوْلَنَا إلاَّ نِتَاجًا مُتَمَخِّضًا عن إرَادَةٍ بَاطِنِيَّةٍ عَمْيَاءَ طَلِيسَةٍ.

تلكَ هي الحَالُ الفريدةُ إِذَّاكَ، إذنْ، وهي قائمَةٌ قِيَامًا دَوَامًا بذاتِ العُجَابِ وذاتِ الاِستغرابِ في ذاتِ صَحِيفَةٍ عربيةٍ فلسطينيةٍ بأكملِهَا كُلِّيًّا وكُلِّيَّةً، كمثلِ صَحِيفَةِ «القدس العربي» تلكَ الآنفةِ الذِّكْرِ قبلَ قليلٍ: فَمَا بَالُ الحَالِ الأكثرِ فرادةً، هَا هُنَا، في عَيْنِ «مَقَالٍ»، أو بالحريِّ في عَيْنِ «مُقَيِّلٍ» (إذا جَازَ التَّصْغيرُ الصَّرْفِيُّ معجميًّا، في هذا السِّيَاقِ، من كلمةِ «مَقَالٍ» عينِهَا) كانَ قدْ تَمَّ نشرُهُ بالجِمَاعِ والإجْمَاعِ في القسمِ الثقافيِّ من هذهِ الصَّحِيفَةِ العربيةِ الفلسطينيةِ بالعَيْنِ؟ مَا بَالُهُ، كذاكَ، من «مُقَيِّلٍ» نموذجيٍّ، لا بَلْ جِدِّ نموذجيٍّ، كانَ قدْ كتبَهُ اليَرَاعُ الفَذُّ كَتْبًا من ذلك البَنَانِ الأَفَذِّ، بَنَانِ «الشاعرِ» و«النَّاقِدِ الأَدبيِّ» المغربيِّ الأَفَذِّ الأَفَذِّ، صلاح بوسريف – أو هكذا فيمَا يتبدَّى نافذًا، أو «نافدًا»، من قولٍ إلى قولٍ بالمِرَارِ والتَّكْرَارِ عن نفسِهِ بالحرفِ إنْ كانَ مُصَوَّتًا أو حتَّى مُدَوَّنًا بسَوَادِ المِدَادِ أو ذَهَبِ المَاءِ، سَواءً بِسَوَاءٍ؟ مَا بَالُهُ، باختصَارٍ شديدٍ، من «مُقَيِّلٍ» يتحدَّثُ فيهِ هذا «الشاعرُ» و«النَّاقِدُ الأَدبيُّ» الأَفَذُّ الأَفَذُّ، إبَّانَئِذٍ، عنِ قيمةِ العملِ الأخيرِ، أو أخيرِ الأعمَالِ، لِصِنْوِهِ البهيرِ الفنانِ التشكيليِّ (والكاتبِ) المغربيِّ، شفيق الزُّكَارِي، إذْ هُنَا يسيرُ نصفُهُ الأوَّلُ (نصفُ «المُقَيِّلِ» ذاتًا) بالحِذْفَارِ والحَذَافِيرِ عَلى النحوِ المُتَبَهِّرِ التالي: [المُدْهِش والخارِقُ، ما يفتح أُفُقَ الدَّهْشَة، بل يجعل الواقعي يبدو أكثر واقعيةً في سِحْرِيَّتِه وغرائِبِيَّتِه، وفي ما يَخْتَزِنُه في مَشْهَدِيَّتِه من مُفارقاتٍ وتناقضات وتضَادّ (أو تضَادَّات)، هي، تشبه في جوهرها قُبَّعَة السَّاحِر الذي يُحَوِّلُ اللون إلى معنىً يفوق المعنى ويتجاوزه، بل هو يَسْتَوْلِدُ المعاني الخِبِيئة، يُخْرِجُها من ظلمتها، التي غالباً ما تَحْجُبُ عنَّا ما في الواقع من عَراء، لا نراه بحكم العادة. لا يتوهَّم شفيق الزُّكَارِي، في هذا العمل الجديد، علائِق غير معقولة بين مخلوقاته، فهو، بعكس من ذهبوا في هذا المَنحَى، أعاد للطبيعة ما افْتَقَدَته في علاقة البَشَرِيّ بالبَهِيمِيّ أو الحيوانيّ، كلاهما، هنا، لِبَاس للآخر، وهما في وضع الانفصال ليسا سوى صورة لذلك العراء الأنطولوجي الذي نحيا فيه، وهو ما يُشَكِّلُ واقعنا اليومي، بكل مفارقاته وصراعاته المُفرِطَة فى شراسَتِها. هل تخلَّص الإنسان من الحيوان (الكَامِنِ) فيه؟ هل هُمَا خلائق وُجِدَتْ لتكون بذاتها، أم الوجود، هنا، هو وجود بالالْتِبَاس، وبالأقنعة، التي وراءها يتخَفَّى كُل كائن لينسب العطب والخلل إلى الآخر، أو الوجود، في أعمال شفيق الزُّكَارِي المُرْعِبَة هذه، هو وجود بالسِّحْرِيّ الذي كان أوَّل ما التجأ الإنسانُ إليه ليفهم به كيف تدور الأرض، وكيف الزوابع والعواصف والكوارث تجري في الأرض، وهذه، عنده، طريقة لنقد واقعنا الراهن، ولوضع الإنسان في سياق الازدواجية التي تسكن ذاته، وتحكم رؤيته للآخرين. أليس هكذا بدأنا طفولتنا في رسم السِّحْرِيّ العجائبيّ باعتباره معقولاً وواقعاً؟ إننا إزاء خيال طفولي يَسْتَعِيدُ بِداياته الأولى، وهي بدايات اكْتِشَاف واسْتِشْفَاف، ورغبة في اعتقال غمامة في زُجاجة. وهذا يعود بنا إلى فرويد في قولته الشَّهِيرَة «الطفل أبُ الرَّجُل»] (اُنظرا هُنَا، عَلى سَبيلِ المثالِ، «مُقَيِّلَهُ» الأَلْمَعِيَّ واللَّوْذَعِيَّ، كُلاًّ وكُلِّيَّةً، بشديدِ الإمْعَانِ والتَّمَعُّنِ، وعَلى قدرِ الإمْكَانِ والتَّمَكُّنِ: «إمْسَاكُ الوَاقِعِيّ بِيَدِ السِّحْرِيّ»، القدس العربي، 4 كانون الأول 2019).

وهكذا أيضًا، وقدْ بَلَغَنِي بأمْسٍ ليسَ بالبعيدِ حقيقةً، مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذكَرَ اسْمُهُ عَلى هذا المَلأِ الأدْنَى، أنَّ مَا كتبَهُ «الشاعرُ» و«النَّاقِدُ الأَدبيُّ» الأَفَذُّ الأَفَذُّ من «مُقَيِّلٍ» أَلْمَعِيٍّ ولَوْذَعِيٍّ كهذا إنَّمَا هو عينُ المثالِ الملمُوسِ يبرقُ بالعَصِيِّ حَازمًا رَامِغًا، وعينُ الدليلِ المحسُوسِ يمرقُ بالقَطْعِيِّ جازمًا دَامِغًا، عَلى مِيدَاءِ تسطيحِ العقولِ إن ذَهَبَتْ هُنَاكَ وإن هُنَا آبَتْ، عقولِ القارئاتِ المُتَلَهِّفَاتِ والقُرَّاءِ المُتَلَهِّفِينَ جُلاًّ إلى معرفةِ الحقيقةِ والحقائقِ أيَّةً كانتْ، وعَلى مَدَى استغبائهنَّ واستغبائهِمْ في العَهْدِ والمعهودِ، وعَلى مَدَى استغبانهنَّ واستغبانهِمْ في الرَّدِّ والمردُودِ، وعَلى مَدَى استهجانهنَّ واستهجانهِمْ في الرَّصْدِ والمرصُودِ، من لدنْ «مثقَّفٍ» عربيٍّ منضوٍ تحتَ لواءِ لَفائفِ «الشعرَاءِ» وعَصَائبِ «النُّقَّادِ الأُدَبَاءِ» في هكذا أزمنةٍ عَصِيبَةٍ كَئِيبَةٍ كَأْدَاءَ. مَا كتبَهُ «الشاعرُ» و«النَّاقِدُ الأَدبيُّ» الأَفَذُّ الأَفَذُّ من «مُقَيِّلٍ» أَلْمَعِيٍّ ولَوْذَعِيٍّ كهذا، لكي نكرِّرَ مرَّةً أُخرى، لا يتجاوزُ حجمَ نصفِ صفحةٍ يتيمةٍ لطيمةٍ بالمَقَاسِ المُقَاسِ، ومعَ ذلك، وفوق كلِّ ذلك، فإنَّ فيهِ من كوارثِ المغالطاتِ الأدبيةِ والفلسفيةِ واللغويةِ وحتى النسبويَّةِ مَا هبَّ ودبَّ. سَيُكْتَفَى، في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، بالإشارةِ العَجْلَى (لكنِ المُثْلَى) إلى مغالطةٍ مزدوجةٍ ذاتِ شقَّيْنِ اشْتِكَاليَّيْنِ في «ٱلْمَنْظِمِ ٱلْإِدْرَائِيِّ»، أحدُهُمَا «تقويليٌّ نسبويٌّ» والآخَرُ «تأويليٌّ فلسفيٌّ لغويٌّ»، لكيمَا يُصَارَ إلى تشريحِ المغالطاتِ الأخرياتِ بالتفصيلِ، وغيرها كذلك، في قسمٍ لاحقٍ فيمَا بعدُ. قبل كلِّ شيءٍ، والحَالُ هُنَا، يصرِّحُ «الشاعرُ» و«النَّاقِدُ الأَدبيُّ» الأَفَذُّ الأَفَذُّ، في الختام من نصفِ «مُقَيِّلِهِ» المُثْبَتِ أعلاهُ، بالتصريحِ الصريحِ بمَا يلي: [وهذا يعود بنا إلى فرويد في قولته الشَّهِيرَة «الطفل أبُ الرَّجُل»]. فأمَّا من حيثُ الشِّقُّ «التقويليُّ النسبويُّ»، أوَّلاً، فإنَّ هذهِ «القولةَ الشهيرةَ» التي تمَّ الاِختتامُ بهَا في نصفِ «المُقَيِّلِ» المُثْبَتِ أعلاهُ ليستْ «قولةً شهيرةً» مُسْتَقَاةً من العَالِمِ والمُحَلِّلِ النفسَانيِّ النمسَاويِّ زيغموند فرويد (1856-1939) في الأصلِ، ولكنَّهَا في حقيقةِ الشَّأْنِ «بيتٌ شعريٌّ» مُقْتَبَسٌ، بالتأكيدِ الشديدِ، من قصيدةٍ شعريةٍ معروفةٍ كانَ الشاعرُ الإنكليزيُّ الفَذُّ وليام وُورْدْزْوُورْث (1770-1850) بالذاتِ قدْ نظمهَا نظمًا تحتَ العنوانِ اللافتِ للاِنتبَاهِ بالتدليلِ الشعريِّ والجَمَاليِّ: «وَهَا إِنَّ قَلْبِي يَطْفِرُ» My Heart Leaps Up، إذْ تدُورُ هذهِ القصيدةُ الشعريةُ الفريدةُ، أكثرَ مَا تدورُ والحَالُ هُنَا، حولَ فكرةِ «حُبِّ الطبيعةِ والكَوْنِ»، كفكرةٍ رئيسيةٍ دونَ سِوَاهَا. وأمَّا من حيثُ الشِّقُّ «التأويليُّ الفلسفيُّ اللغويُّ»، ثانيًا، فإنَّ البيتَ الشعريَّ المعنيَّ الذي يُشيرُ إلى تلكَ «القولةِ الشهيرةِ»، حينَ ظُنَّتْ ظنينًا أنَّهَا «قولةٌ فرويديَّةٌ بامتيازٍ» في تصريحِ «الشاعرِ» و«النَّاقِدِ الأَدبيِّ» الأَفَذِّ الأَفَذِّ، إنَّ هذا البيتَ الشعريَّ المعنيَّ هو: The Child is father of the Man، تمامًا مثلمَا جاءَ بالحرفِ الواحدِ في النصِّ الإنكليزيِّ الأصليِّ من قصيدةِ وُورْدْزْوُورْث تلكَ. وهكذا، فيمَا يتبيَّنُ بكلِّ وضُوحٍ وبكلِّ جَلاءٍ، فإنَّ هذا البيتَ الشعريَّ المعنيَّ لا يعني بتاتًا «الطفلُ أبُ الرَّجُلِ»، كمَا ينقلُ ويُشَكِّلُ «الشاعرُ» و«النَّاقِدُ الأَدبيُّ» الأَفَذُّ الأَفَذُّ حرفيًّا في تصريحِهِ بهكذا رُوحٍ ذُكُورِيَّةٍ جِدِّ طَافِحَةٍ، بَلْ يعني خلافًا لذلكَ «الطفلُ أبو الإنسَانِ»، سَوَاءً كانَ هذا الإنسَانُ الأخيرُ رجلاً أمِ امرأةً، لأسبابٍ شعريَّةٍ نفسَانيةٍ سيتمُّ تبيَانُهَا بالتفصيلِ في قسمٍ آخَرَ في حينٍ آخَرَ.

غيرَ أنَّ مَا يُثيرُ شيئًا من رُوحِ الدُّعَابةِ، في الأخيرِ، ممزوجةً بشيءٍ من رُوحِ التَّطّنُّزِ والتَّهَكُّمِ ومَا إلى ذلكَ إنَّمَا يتجلَّى في ذلكَ المشهدِ المَسْرَحِيِّ المَاتِعِ والشَّيِّقِ عندمَا نوَّهتْ إحدى القارئاتِ الفطيناتِ إلى أهميَّةِ سَائرِ الملاحظاتِ النقديَّةِ البنَّاءَةِ والجَادَّةِ التي أبدَاهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذكَرَ اسْمُهُ عَلى هذا المَلأِ الأدْنَى، وعندمَا نوَّهتْ باللِّزَامِ من ثمَّ إلى اسْتِيجَابِ إبداءِ الرُّدُودِ الموضُوعيَّةِ والعِلْمِيَّةِ عليهَا من طَرَفِ «الشاعرِ» و«النَّاقِدِ الأَدبيِّ» الأَفَذِّ الأَفَذِّ نفسِهِ حتَّى لا يظلَّ الحِوَارُ المعنيُّ مبتُورًا من طَرَفٍ واحدٍ ليسَ غيرَ (وإلاَّ كانَ مَتْنُ «مُقَيِّلِهِ» المُنَقَّلِ والمُشَكَّلِ مجرَّدَ تَنْميقٍ كلاميٍّ يُخْفِي من وَرَائِهِ فكرًا غايَةً في الكَلالَةِ والضَّحَالَةِ). فمَا كَانَ من «الشاعرِ» و«النَّاقِدِ الأَدبيِّ» الأَفَذِّ الأَفَذِّ نفسِهِ، بعدَ أن أدركَ واستدركَ تنويهًا آخَرَ من قارئةٍ فطينةٍ أُخرى بأنَّ كلَّ مَا كتبَهُ من «شعرٍ» ومن «نقدٍ أدبيٍّ» لَيَحْتَاجُ بإلحَاحٍ شديدٍ إلى إعادةِ نظرٍ جذريَّةٍ وجَادَّةٍ في حَالِ امتناعِهِ عن إبداءِ الرُّدُودِ الموضُوعيَّةِ والعِلْمِيَّةِ، فمَا كَانَ منهُ إلاَّ أن قالَ بحرفيَّتِهِ قولاً ممتعضًا وبنبرةٍ استعلائيَّةٍ ارتهازيَّةٍ فاقعَةٍ: [حين يخرج هذا الذي «لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذكَرَ اسْمُهُ عَلى هذا المَلأِ الأدْنَى» من الغابة التي يختفي فيها باسم مستعار، سأجيبه. فأنا لا أخوض الحروب في الظلام]. ويا لَهُ من ردٍّ ختاميٍّ يطفحُ بالحكمةِ والاِتِّزَانِ ذاكَ الذي أبدتْهُ القارئةُ الفطينةُ الأولى سَائرًا بحرفيَّتِهِ كذاكَ، هكذا: [الأخ الكريم صلاح بوسريف، ليس هناك من يدعوك إلى خوض الحروب لا في الظلام ولا حتى في النور؛ نحن ندعوك إلى النقاش الجاد في القضايا المعنية بدون أيتما حروب على الإطلاق؛ فالمغالطات والمثالب التي أشار إليها الأخ الكريم الذي «لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُذكَرَ اسْمُهُ عَلى هذا المَلأِ الأدْنَى» في «أطروحاتك» هذه إنما هي واضحة وضوح الشمس؛ فيرجى مناقشتها بجدٍّ وبدونِ مراوغةٍ أو تحجُّج بسطحيات الأمور كسعيك لمعرفة الأسماء وما شابه ذلك]!!؟

[انتهى القسم الأول من هذا المقال ويليه القسم الثاني]

*** *** ***

بلفاست (إيرلندا الشمالية)،
29 تموز 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي