الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تردي البحث العلمي في المجال الإنساني

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 8 / 2
الادب والفن


بعد رحلتي التعليمية والعلمية الشاقة خلصتُ إلى حالة من الرؤية المستقلة النقدية تجاه الحالة العربية في البحث العلمي في مجال الدراسات الإنسانية؛ إذ تتقافز أمامي أخطاء، وإن شئت فقل خطايا، تشيع في معظم البحوث المُنتَجة خلال العقد الأخير من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين! وهذا ما يُعبَّر عنه عند الباحثين في هذه القضية بـ(أزمة البحث العلمي في العالم العربي، أو مشكلات البحث العلمي، أو ضعف البحث العلمي، أو تخلف البحث العلمي، وغير ذلك من الإطلاقات الدالة على الإحساس الجمعي بشيوع سلبيات في البحث العلمي بوطننا العربي)!
إنها خطايا انحدرت بنا إلى هُوَّة سحيقة، انزلقت بهذه البحوث إلى مجرد (أكليشيهات) أو (إسطمبات) أو (منسوخات) أو (فضفضات) أو (دردشات) أو أشتات من (الشاتات)! أو (رغي)، أو(لغو)، أو(ثرثرة)...!
إنها بحوث ينتجها الباحث خلال قعدة أو قعدتين أو ثلاث على الأكثر! على أريكته أو سريره! كل جهده فيها قص ولصق، وإعادة تدوير لما قيل ماضيًا، ولما يقال في زمنه وما يسمعه بأذنه!
صرنا لا نجد في تلك الدراسات الإنسانية الحالية ذلك العناء اللذيذ الذي كان عند أسلافنا القدامى، أو أجيالنا الأولى، ويكاد ينعدم فيها المنهج العلمي الدقيق في إجراءاته، السديد في نتائجه عند التجريبيين والتطبيقيين!
هذا إضافة إلى الابتلاء في هذه الدراسات بمرض السرقات العلمية، لاسيما في عصر(الإنترنت) حيث سهولة الحصول على المعلومة، وعلى الجهود العلمية للآخرين، والمكر في إعادة تدويرها، والسطو عليها بطريقة غبية أو ذكية، في حالة أليمة محزنة مخزية!
إننا عندما نعقد مقارنة بين البحوث التي أُعدِّت والكتب التي ألفت في تخصصات الدراسات الإنسانية المختلفة خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتلك التي أعدت وألفت خلال النصف الثاني وما بعده، يتضح لنا البون الشاسع بين العرب الأوائل الراحلين في بداية العصر الحديث والعرب الأواخر الحاليين! حيث نجد لديهم سلبية، ونجد عشوائية، ونجد فوضى، ونجد خلطًا، ونجد ضعفًا، ونجد سطحية، وسذاجة، وتكرارًا، وابتذالاً، ولغوًا، ولغطًا، ونجد أخطاء طباعية! وأخطاء لغوية، وأخطاء فكرية، وأخطاء دينية، وتشنجات وتعصبات تفتن وتفرق وتمزق وتنال من وحدة كل وطن، وكل مجتمع، وكل دولة، وكل نظام!
والخلاصة أن هذه - التي تُسمَّى زورًا!- (البحوث) تخلو من أي إعمال عقل، أو أية شخصية، أو أي أسلوب خاص، أو أي جهد أو أية جِدِّية!
والأغرب أن نجد انفصامًا بين البحث المكتوب والباحث الكاتب، حيث نجد شخصية الباحث عند مشافهته غير شخصيته في بحثه؛ فقد يكون البحث دقيقًا وعميقًا، ومكتوبًا بطريقة جادة، ولكننا نجد صاحبه ضحلاً في لغته، ضحلاً في تفكيره، ضحلاً في رؤيته لمشكلات تخصصه، ضحلاً في فهم اصطلاحات بحثه، ضحلاً في الإلمام بمصادر بحثه ومراجعه، غير قادر على تطبيق بحثه، غير قادر على إفادة مجتمعه من بحثه! باحث لا يمتلك أدوات بحثه الأساسية، ولا يوجد في عقله ما يدل على أنه حقا تخصص في هذا الفرع من الدراسات الإنسانية!
كم أخذ باحثون رسائل ماجستير، ورسائل دكتوراه وهم لا يجيدون أولياتها ومسلماتها، وأبسط معارفها، وأبجدياتها وبديهياتها؟!
كم من باحث في مجال العلوم اللغوية وهو لا يقيم جملة عربية صحيحة؟!
كم من باحث في مجال النقد الأدبي وهو لا يجيد قراءة نص أدبي عربي قراءة صحيحة، فضلاً عن عجزه عن تبيُّن سماته وهناته؟!
كم من باحث في مجال العلوم الشرعية وهو لا يحفظ من كتاب الله تعالى ولا سنة نبينا-صلى الله عليه وسلم- شيئًا، بل إن من منهم من لا يجيد القراءة للقرآن الكريم؟!
كم من باحث في مجال العلوم التربوية وهو لا يجيد تطبيق طرق التدريس في التعامل مع الطلاب؟!
كم من باحث في علم الفلسفة وهو حائر متحير، لا يعرف لنفسه منهجًا ولا طريقًا، ولا يقدر على إيجاد حل أيسر مشاكله، فضلا عن مشاكل الآخرين؟!
وكم... وكم... وكم...إلخ ؟!
أين ذلك البحث العلمي الذي يُمثِّل عملاً عقليًّا عميقًا، وجهدًا فكريًّا دقيقًا، ينطلق من مشكلة محددة، فيبذل تقصيًّا شاملاً لجميع الشواهد والأدلة والبيانات التي يمكن تحليلُها، وعن طريق هذا التحليل يتمُّ حل المشكلة المحددة"؟!
و لا يقتصر هذا الخلل على أصحاب الدراسات العليا والشهادات الفائقة في جامعاتنا، فهو جاثم أيضًا على ذوي الشهادات المتوسطة عند طلابنا الجامعيين ومن قبلهم؛ فقد كشفت حالتنا التعليمية الآنية- خلال هذا الغزو الكُورُوني- عن ضعف شديد لدى الشباب من طلاب المراحل التعليمية المختلفة؛ حيث تبين عجزهم عن كتابة المقالات والتقارير والأبحاث، وغيرها من الأنواع الكتابية العملية المستخدمة في مجالات علمية وتعليمية متنوعة؛ إذ اتضح لنا -عند لجوئنا في عملية تقييم الطلاب إلى استبدال الأبحاث بالامتحانات- أن الكثيرين منهم غير قادر على كتابة مقال أو بحث، فضلاً عن توثيقه، فضلاً عن تعميقه، فضلاً عن القدرة على إرساله عبر وسائل البريد الإلكتروني المختلفة، وأنهم عالة متواكلون على ما يُسمَّى (السناتر التعليمية، والسيابر التكنولوجية)!
إن هذه الحالة التعليمية والعلمية والبحثية المُزرية تستدعي منَّا وقفة مستقلة، ورؤية نقدية لذواتنا، ومحاولة صادقة للنظر في كيفية تحديد هذه السلبيات الجاثمة، وعلاجها، ووقاية الأجيال القادمة منها، وهو ما يُسمَّى (الأمن الفكري)! حيث الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما أسباب الخلل في البحث العلمي الإنساني؟
- ما مظاهر الخلل في البحث العلمي الإنساني؟
- كيف نعالج الخلل في البحث العلمي الإنساني؟
- كيف نقي الأجيال القادمة من الابتلاء بالخلل في البحث العلمي الإنساني؟
ومن ثم وجبت الدعوة إلى (الأمن الفكري في البحث العلمي)؛ رغبة صادقة في استقرار كل مجتمع وحماية أفراده بالتصدي للأفكار المنحرفة والمتطرفة والهدامة، والجهود الغُثائية السطحية، والشهادات العلمية التجارية الهشَّة الفارغة؛ وبثًّا لروح التفاهم والتسامح والمواطنة في المجتمع، مع مختلف الثقافات والأجناس والحضارات الأخرى.
إننا نحتاج حقًّا إلى وقفة مستقلة ونقدية وحرة ومتأنية حالية، ومستقبلية في جميع قطاعات المعرفة البشرية بوطننا وأمتنا؛ لاسيما فيما يتعلق بمجالات المعرفة الإنسانية الأصيلة قديمًا وحديثًا ومعاصرًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني