الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموعِظَة على الجبل، والعِظَات المصاحبة

مجدي مهني أمين

2022 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وردت عِظَة الجبل في إنجيل متى في ثلاث إصحاحات كاملة، الخامس، والسادس، والسابع،

وقد استوجبت عِظَة الجبل عظتان، الأولى في 2016، حيث تناول الإعلامي إبراهيم عيسى الحديث عنها في إطار تهنئة الأقباط بعيد القيامة، وبعد مرور ست سنوات تناول الشيخ مبروك حديث الإعلامي إبراهيم عيسى بالكثير من التهكم والسخرية، التهكم على العنوان، الموعِظَة على الجبل، والتقليل من أهمية مضمون النص، وكيف أنه نص لم يأتِ بجديد، وبلغ به الغضب أشده حتى ينال من لقب السيد المسيح.

وقد امتلأت صفحات الميديا بالكثير من الحوارات الموجهة للشيخ مبروك لما تناوله من تقريع وسخرية، خاصة سخريته من لقب السيد المسيح، والحوارات كانت حادة جدا، تشجب ما قام به الشيخ مبروك، والقليل منها يدافع عنه، والكثير منها يدعو لمحاكمته بتهمة إزدراء الأديان، والحوار ترك العِظَة وتولى الأشخاص، تولى تحديدا شخص الشيخ مبروك، فعادة ما تأخذنا الحوارات نحو الأشخاص فنترك الموضوع ونتناول بعضنا البعض بالمديح في حالات الرضا، والقدح والذم في حالات عدم الرضا، وهنا رأيت أن أنفذ وسط الزحام إلى الموضوع، إلى "موعِظَة الجبل."

الحقيقة أني كنت طفلا محظوظا، فقد روت لي أمي منذ نعومة أظافري الكثير من قصص الكتاب المقدس، أكاد أقول أنها روتها كلها لي، وقد أكمل الحكي "الأستاذ كامل"، مدرس التربية الفنية بمدرسة الناصرية الابتدائية، بعض قصصه لم تكن أمي قد روتها لي، كان معلما فنانا وديعا، وكنا نأخذ حصص التربية الدينية في نفس حجرة التربية الفنية، وكنت أجلس في حصة التربية الدينية في نفس مكاني في حصة التربية الفنية، وأسمع الأستاذ كامل وهو يروي لنا القصص الدينية بنفس خيال ونبرات الصوت التي كان يروي لنا بها موضوعات الرسم. أجواء آثرة شيقة نسمع فيها قصصا جميلة محببة، وأنا محظوظ أسمعها في البيت وفي المدرسة، ولم تأتي "موعِظَة الجبل" في أي من هذه القصص على الإطلاق.

ولكن في سنة من سنوات المرحلة الابتدائية، أعطانا حصص التربية الدينية، الأستاذ جميل، معلم شديد الطيبة، وقد أحببناه جميعا، ولكن لم تكن لدية مقدرة الحكي التي يمتلكها الأستاذ كامل.
• فماذا فعل الأستاذ جميل؟

طلب أن يحضر كل منا إنجيلا صغيرا، وجعل حصة التربية الدينية حصة قراءة في الإنجيل، ونكمل حصة بعد آخرى قراءة باقي الإصحاحات، وهنا وصلنا "لعِظَة الجبل"، شدتني كلماتها جدا، شدتني فكرة التطويبات للفئات المهملة والهامشية: المساكين بالروح، الحزانى، الودعاء، الرحماء، أنقياء القلب، صانعي السلام، المطرودين من أجل البِر، وكأن العِظَة تنتصر لهذه الفئات وتدعمهم بقوة، وفي هذا السن الصغير تعلقت بواحدة من التطويبات:
• طوبى لصانعي السلام ، لأنهم أبناء الله يدعون.

هي الآية التي رددتها لأمي عندما عُدت يومها للمنزل، وبدأت أمي تشرحها لي، ورأيتها رؤى العين مع أمي وهي تصنع السلام بين جيرانها وأصدقائها، ورأيتها مع أمي مرة أخرى وهي تزداد محبة لزوجتي عندما رأتها صانعة سلام بين معارفها. ولم ينقطع عن سمعي، طوال السنين، الآيات التي كانت أمي ترددها في كل مناسبة، والكثير منها كان من آيات "موعِظَة الجبل"، نعم أتذكرها وهي تقول:
• أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟
• لكي يروا أعمالكم الحسنة، فيمجدوا أباكم الذي في السماوات.
• فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك.
• ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا.
• لا تقاوموا الشر بالشر.
• أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم.

والحقيقة أنها كانت تصلي لمن يسيئون إليها، بل كانت تستقبلهم بمحبة ومودة وكرم، ولاتحكي عن اساءتهم بأية مرارة، الحُب كان ينتصر، وأنا كنت تعلم.

وفي هذه الأيام، وبعد كل هذا الحوار الدائر حول الموضوع، أعدت قراءة الموعِظَة مرات ومرات، ووجدت آية جديدة تأسرني كثيرا:
• طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون.

نعم، نحن جياع وعطاش للبِر، وعندما كنت أقوم بإعداد كتاب "أبونا منير، دعوة من أجل التغيير" فاجأني أحد المشاركين بقوله:
• أبونا منير كان مهتما إننا نكون أبرار، يعني لغاية فين بقينا أبرار؟ أو لغاية فين ممكن نكمل نكون أبرار؟

فعلا دي كانت مهمة أبونا منير المقدسة معنا جميعا، ولهذا قمت بعمل كتاب عنه، أرجو أن يكون قريبا متاحا لكل القراء. وأنا أعرف ان السيد المسيح قد وضع أمامنا "العُقدة في المنشار" عندما قال:
• كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل.

فالفكرة ان كان المسيح كاملا وبلا خطية، فيمكننا ببساطة أن نخدِّر ضمائرنا ونكتفي بمدحه وتكريمه، ولكن هذه الآية تضعنا في بؤرة الحدث، فهي تدعونا نحن للسعي للكمال، كنت أعرف أهمية الآية والمسئولية التي تلقيها علينا، ولكن لم أكن أعرف أنها أيضا واحدة من أيات "الموعِظَة الجبل"، عرفت ذلك ، هذه الأيام، وأنا أعيد قراءة الموعِظَة.

نعم الموعِظَة على الجبل هي درس يريد أن يرتقي بالإنسانية إلى رتبتها الروحية التي تليق بها.

نعم، إبراهيم عيسى له كل الحق فيما طرحه من دروس وقيم تتضمنها الموعِظَة، وله كل الحق في "أننا كمصريين، مسيحيين ومسلمين، في حاجة لهذه الموعِظَة،لأننا جميعا بعيدين عن معانيها السامية".

نعم، الموعِظَة لها طاقتها الإيجابية التي تبرر موقف إبراهيم في الإشادة بها، ولا تبرر موقف الشيخ مبروك الغاضب منها.
• لعله لم يقرأها وأكتفي بسماع كلمة إبراهيم عيسي ليبني عليها مداخلته، فالعِظَة تتطلب قراءة مرة ومرات، نعم هي بسيطة في صياغة معانيها، ولكن تحقيق المعاني يتطلب صياغة لبرنامج حياتنا كي نحقق الكمال المنشود الذي تدعونا إليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد