الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب منذر سفر: هل القرآن أصيل؟ 2

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1 - القرآن ليس هو الأصل
تم نقل الرسالة الإلهية إلى محمد وفقًا لوضع معين أكثر تعقيدًا مما يتخيله المرء إن استند فقط على السردية الإسلامية الأرثوذكسية السائدة. وهي القائلة، شرع الله في الإملاء الحرفي لرسالته، وهكذا فإن محمد قد استنسخ في القرآن كلمات خلقها الله منذ الأزل.
في الواقع ، إن النص الذي نزل على النبي يأتي من نص آخر محفوظ لدى الله. إنه "اللوح المحفوظ "، وهو ملك حصري لله، ولا يصل إليه إلا الملائكة / الكتبة أو الملائكة / الرسل، مثل جبرائيل. من هذا الأصل فقط نقل النص القرآني إلى محمد، ثم إلى الرجال إلى أن وصلنا بالتواتر. وهكذا ، للوهلة الأولى ، يؤسس القرآن تمييزًا ذا أهمية حاسمة في عملية الوحي.
في الواقع، هذا سؤال محوري في البحث عن صحة النص الموحى به. لذلك فإن العقيدة القرآنية واضحة: النص القرآني المنزل لا يمثل سوى نسخة لا يُفترض أن يتم الخلط بينها وبين "الأصل السماوي"، وبهذا المعنى، لا يمكن أن يدعي "الأصلية". وهنا، النص القرآني لا لبس فيه: الأصل السماوي محدد بمصطلح "كتاب"، وهو ما يعني مكتوب، بينما يسمى النص المشتق منه عن طريق الوحي القرآن ، وهو في الأساس كيان طقسي يدل على التلاوة.

بين النسخة والأصل، هناك قصة كاملة تعيدنا بوضوح إلى طبيعة الوحي وطريقة النقل التي من المفترض أن تستعيرها. كما فهمنا، فإن السؤال الحاسم الذي نود طرحه للوهلة الأولى هو سؤال لاهوتي أكثر منه تاريخي. وسنرى أن الفلسفة القرآنية لطبيعة الوحي، تنير بطريقة أصلية وغير متوقعة، تاريخ نقل القرآن إلينا.

دعونا أولاً نصحح سوء الفهم الذي طالما تمسكت به الأرثوذكسية الإسلامية. ولإثبات أن النص القرآني أصيل تمامًا، زُعم أن الله نفسه تعهد بالحفاظ عليه من أي تغيير بسبب تقلبات نقله عبر الزمن والأجيال.
وقد استندت هذه العقيدة بشكل أساسي إلى سورة الحجر الآية 9:
((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)). (1)
--------------------------------------
(1) - بخصوص هذه الآية جاء عند "الطبري": (يقول تعالى ذكره: ( إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ ) وهو القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه ، والهاء في قوله: ( لَهُ ) من ذكر الذكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل).
--------------------------------------

غالبًا ما يتم الاستشهاد بهذه الآية للتأكيد على أصالة القرآن. لكن هل "الذكر" يشير هنا إلى النص القرآني؟ في الواقع ، تُظهر دراسة تكرارات هذا المصطلح في القرآن أن الذكر يحدد نوع القصة المقتبسة (ذكر - اقتبس) لأغراض تربوية أو بيداغوجية ، لاستخلاص العبرة منها. يستخدمه القرآن للإشارة على وجه الخصوص إلى قصص الشعوب القديمة مثل عاد ، ثمود ، إلخ. وهي دعوة للمؤمنين لأخد العبرة والتذكر. وهكذا فإن لدى الله روايات مفصلة عن هذه الشعوب التي يحفظها. وهذا ما يتكرر في أماكن أخرى، مثل سورة عبس :
((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ )). (2)
----------------------------------
(2) – جاء في تفسير الطبري، " يقول تعالى ذكره: كَلاّ ما الأمر كما تفعل يا محمد، من أن تعبِس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدّى لمن استغنى إنّها تَذْكِرَةٌ يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة، يقول: عظة وعبرة فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، يقول: فمن شاء من عباد الله ذكره، يقول: ذكر تنزيل الله ووحيه، والهاء في قوله "إنّها" للسورة، وفي قوله "ذَكَرَهُ" للتنزيل والوحي في صحف، يقول إنها تذكرة فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهّرَةٍ، يعني في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهّر عند الله. وقوله: بِأيْدِي سَفَرةٍ، يقول: الصحف المكرّمة بأيدي سَفَرة، جمع سافر. واختلف أهل التأويل فيهم ما هم؟ فقال بعضهم: هم كَتَبة. وقال آخرون: هم القُرّاء. وقال آخرون: هم الملائكة. قال: السّفَرة: الذين يُحْصون الأعمال. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الملائكة الذين يَسْفِرون بين الله ورسله بالوحي. وسفير القوم: الذي يسعى بينهم بالصلح، يقال: سَفَرت بين القوم: إذا أصلحت بينهم.
------------------------------------------------

لذلك من الواضح أن الذكر لا يشير إلى النص القرآني بل كل القصص المأخوذة من "الأوراق السماوية"، تلك التي تحظى بالرعاية الإلهية الأكبر. وينطبق الشيء نفسه على القرآن المأخوذ دائمًا من "أصل سماوي"، سورة البروج، الآيات 21 - 22: ((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )). (3)
---------------------------------------------------
(3) - جاء في تفسير الطبري ، "( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ) يقول - تكذيبا منه جلّ ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعر وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم. وقوله: ( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم مُثْبَت في لوح محفوظ حفضًا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ ... محفوظ من التغيير والتبديل في لوح.( فِي لَوْحٍ ) قال: في أمّ الكتاب... ( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) عند الله. وقال آخرون: إنما قيل محفوظ لأنه في جبهة إسرافيل.
-----------------------------------------------------

حتى إذا كان النص هنا لا يوضح ،بشكل جلي ومباشر، ما إذا كان هو اللوح (الأصل) أو التلاوة التي هي موضوع الحفظ ، على أي حال ، يتم توثيق هذه التلاوة عن طريق اللوح المحفوظ السماوي الموجود على النحو التالي: نسخة أصلية، ومثل أي عمل أصلي ، فهو موضوع كل العناية: سورة الواقعة الآيات 77 – 80 ((إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (4).
-----------------------------------------------
(4) - جاء في تفسير الطبري، ( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ): هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من تراب أوغبار ولا غيره. وقيل عن الحسين: ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) زعموا أن الشياطين تنـزلت به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، ما ينبغي لهم أن ينـزلوا بهذا ، وهو محجوب عنهم .وقيل في ( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) هو كتاب في السماء. ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب. ( إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) أي الملائكة الذين في السماء، وقال آخرون: هم حملة التوراة والإنجيل، أوهم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل. ودقق "قتادة" أكثر، " ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) ذاكم عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرَّجِس". وقوله: ( تَنـزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) يقول: هذا القرآن تنـزيل من رب العالمين، نـزله من الكتاب المكنون، و القرآن من ذلك الكتاب.
------------------------------------------------------

لم يهتم هؤلاء الأوصياء السماويون في أي وقت بالحفاظ على النسخة المروية (القرآن) أو الحفاظ عليها من أي تغيير أثناء نقلها عبر الأجيال. وإنما اهتموا بـ "الكتاب المكنون".
علاوة على ذلك ، فإن النص الذي أنزل على محمد ما هو إلا مقتطف من الكتاب العظيم في حوزة الله والذي يتضمن ، من بين أمور أخرى ، تاريخ العالم. عندما تحدى فرعون موسى بطرح هذا السؤال عليه: "وماذا عن الأجيال السابقة؟ فأجاب: " قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى، قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِل رَبِّي وَلَا يَنْسَى " - سورة طه الآيات (51 - 52) ، فهي إذن مكتبة سماوية حقيقية تضم معرفة العالم، والتي يستخرج منها الوحي القرآني ، وكذلك الآيات الإبراهيمية الأخرى.

إنها فكرة قديمة أن هذا الكتاب السماوي سجل على "طاولة محفوظة". وأول من أبلغ عن ذلك كانوا السومريين (5) . لقد ترك لنا السومريون فكرة "المصير المكتوب". و "المكتوب" مفهوم شائع جدا وراسخ في العقلية الشرقية والعربية الإسلامية ، وهو موجود في القرآن من بتعبير " كُتِبَ ألّا" بمعنى (لقد تَقرّرَ أن".
-------------------------------------
(5) - ص 47 - 48 " Jeffery, The Qur’ân as --script--ure"
----------------------------------

مثلما أن أصل الكتاب المقدس - وليس نسخته – هو الذي يتعهد الله بالحفاظ عليه ، على سبيل المثال عندما يأمر الله محمدا: ((وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) – سورة الكهف آية 27. بما أن النص الأصلي لا يخضع لمبدأ التغيير ، فلا يمكن للنبي أن يأذن لنفسه بتعديل النسخة التي يتم تلاوتها. يمكننا أن نرى بوضوح أن الأصل يعمل كمصدر للمصادقة وفي نفس الوقت كرادع ضد أي محاولة للتزوير ، بما في ذلك من جانب النبي.

هذا الأصل ، في مكان آخر ، يسمى "أم الكتاب":
((وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) سورة الزخرف 2-4 (6) . مفهوم "الأم" هذا يعني في اللغة العربية المصدر أو المركز ، كما هو الحال في التعبير القرآني عن "أم المدن" (أم القرى) ، تعيين مكة كعاصمة - مركز. إنها وظيفة الأصل أن تكون بمثابة المصفوفة - matrice - أو النواة التي تُستخرج منها النسخة. وهكذا نرى ظهور علاقة "وراثية" أو حتى أسبقية بين أصل غير قابل للتغيير ونسخة معرضة لجميع المخاطر.
-----------------------------------
(6) - جاء في تفسير الطبري، (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) قسم من الله أقسم بهذا الكتاب الذي أنـزله على نبيه محمد (صَ) أنه تنـزيل من حكيم حميد، لا اختلاق من محمد ولا افتراء من أحد. ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ))...إن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا.
-------------------------------------

ومع ذلك ، هناك مصطلح آخر مستخدم في القرآن للدلالة على هذه العلاقة المضطربة بين الأصل والنسخة ، وهو فعل "صَدّقَ"، كما ورد في سورة فاطر آية 31 : ((وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)). يُعلن الوحي هنا ، من خلال فعل "صَدّقَ" ، المطابق للأصل السماوي أو المخلص له.
___________________ يتبع: " 1-1 نقل المعنى _____________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد