الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة لمفهوم الكتاب والسنة

عدنان إبراهيم

2022 / 8 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكتاب، والوحي، ومصدر التلقي، والحجة، والعصمة، كلها بمعنى واحد متقارب أعنيه، يشير ‏إلى مصدر موثوق للمعرفة، سماه القرآن بالعلم. ‏

أريد أن أتحدث عن ثلاثة أمور فيما يخص هذا الموضوع المهم: قانون التطور، وقانون العرف، وقانون الرمز.

‏1-‏ قانون التطور
هل العلم بالحقائق العقدية أمر ثابت في كل مراحل التاريخ؟ أم أنه يتوقف على درجة النمو الروحي والمعرفي للناس؟
العلم متطور، هكذا هو، كما أن الشمس جسم ملتهب ومضيء، وهذا شيء طبيعي، لأن الناس هم الذين يبنون صرح العلم من خلال الجهود المستمرة في التجربة والنقد والشك والإستبعاد والإثبات، إلى الوصول إلى اليقين أو الإقتراب منه في كل مسألة، هذا أمر بديهي بالنسبة للعلم الحقيقي، وليس ما يطلق عليه علماً وهو روايات وأكاذيب.
فإذا كان العلم متطوراً وقدرة الإنسان على المعرفة متطورة أيضاً، وأن هذه حقيقة كونية مؤكدة، فلا شك أن الحقيقة الشرعية ستراعي هذا الضعف البشري رحمة بالناس، فلا يعقل أن يخاطَب رجل منذ ألفي سنة بحقيقة علمية وضعها إنسان الحضارة الحديثة.
إذن يجب مراعاة عامل ‏التطور الكوني في الخطاب القرآني.. وهذا هو سبب التفاوت الذي نجده بين علوم ومكتسبات الحضارة الحديثة وبين بعض الحقائق الدينية.
وإن ((إسقاط عامل التطور شرعياً مع إثباته كونياً)) خطأ فادح وقع فيه المسلمون.
بينما انتبه له العلماء في أوروبا منذ القرون الوسطى، ‏وكانت الحرب مع الكنيسة والبابوات حول هذه النقطة، وليس كما يصور الكذابون عندنا ‏أنها كانت حرب لمجرد القول بكروية الأرض وبضعة مسائل متفؤقة.. الأمر يدور حول ‏مسألة تطور المعرفة وليس الأمر سطحياً كما جرت عليه عادتنا في فهم الأمور.‏
وللأسف نحن حتى الآنواقعين في قبضة التفكير البابوي الكنسي القديم، لأننا جبناء، ‏نخاف من الإعتراف والبوح بما نشعر به من ؤيبة وما يثور في عقولنا من أسئلة، خشية ‏التكفير.. خشية الصد والقسوة.. نحن نخاف من التفكير العلني.. نفكر في الخفاء ومن ‏وراء الجدران، من وراء حجاب.. حتى لا يقال عنا الزنديق اللعين رأس الكفر والزندقة الخ ‏ما يحتويه القاموس العربي من شتائم.‏

ماذا يعني تطور المعرفة؟ يعني أن قدرة الإنسان الأول المعرفية (الهومو إريكتوس، ‏والهومو سابينس والنيندرتال الخ) لا تتجاوز تدبير احتياجاته الأساسية كباقي الحيوانات، ‏وحينما تطور هذا الإنسان الأول واحترف الصيد والطبخ ثم احترف الزراعة على نطاق ‏ضيق يسد احتياجاته: نمت لديه القدرة على التوسع في فهم أمور أوسع من نطاق ‏الإحتياجات الأولية من طعام وشراب وبقاء على قيد الحياة.. وهذا هو حال الناس في ‏عصور الأنبياء أثناء خضوعهم تحت نير العبودية للملوك والأباطرة في حالة تشبه حالة ‏الحيوانات أيضاً، لأنهم كانوا يعتقدون ألوهية الإمبراطور ويعملون نظير الطعام فقط، ولا ‏يفكرون في مفهوم الحرية لأنهم لا يعرفونه، حيث أنهم ولدوا هكذا أباً عن جد وكابراً عن ‏كابر.. فهؤلاء كان الأنبياء يريدون تحريرهم أولاً من اعتقاد ألوهية بشر مثلهم عليهم، ثم ‏إعطاؤهم مفاهيم بسيطة للغاية تناسب عقليتهم وما يرونه حولهم مما يفهمونه ويعقلونه.‏
ومحاولة إعطاء مفهوم عقائدي يتناسب مع تكوينهم العقلي المتواضع رحمةً بهم.‏
وأضرب مثالاً بنظرية الخلق من طين.. لم يكن الإنسان منذ بدء الخليقة قادراً على مجرد ‏تصور نظرية التطور والترقي من جنس لآخر، وأن الكون كله في عملية اتصال واتحاد ‏وترق مستمر، إلى أن ظهر تشارلز داروين وكتاب أصل الأنواع، فأحدث نقلة نوعية في ‏تاريخنا العلمي العام، ثم تطورت الأبحاث من بعده وتضافر العلماء على البحث والتنقيب، ‏حتى تكونت لديهم حصيلة معرفية وتراكمية تتضمن أحافير تثبت وجود بشر قبل آدم ‏بملايين السنين.‏
ومع أن كتاب داروين ظهر سنة 1859 م أي منذ 160 سنة تقريباً، ومع أننا في عصر ‏المعلومات وسمعنا كثيراً عن إنسان الكهوف الذي لا يتكلم، إلا أننا لا زلنا حتى هذه ‏اللحظة سنة 2022 نعتقد أن آدم خلق من طين، وكأن القوم أموات غير أحياء، أو ‏يعيشون في جزيرة منعزلة، فما هذا ؟ هذا كتب مقدسة يا سيدي (وضع خطاً تحت كلمة ‏مقدسة لكي تفهم المعنى).‏
وأما من تحرر من سطوة التقديس والخرافات والدجل الديني هذا: فيعلم أن الأنبياء كانوا ‏يعلمون الناس في عصور وسيطة بما يناسب عقليتهم رحمة بهم، وأن اللوم لا يقع على ‏الأنبياء قطعاً - بل لهم كل الشكر والتقدير فيما أسهموا به في إحداث نقلة نوعية في تقدم ‏العلوم والفنون والصناعات – ولكن اللوم يقع على بني قومنا الذين يعادون كل الدنيا ‏بأسرها ويرمون كل من يخالف معارف العصر الوسيط بالكفر والزندقة، ويأبون إلا أن ‏يظلوا يفكرون كما كان يفكر البشر منذ ألفي سنة,, ‏
لماذا ؟ لأنهم يعتقدون أن الكتب المقدسة تعطي حقائق علمية مطلقة
لماذا أيضاً ؟ لأنهم لا خبر لديهم عن نظرية التطور ولا يعلمون تاريخنا البشري، ويظنون ‏أن عقل وفهم آدم هو عقل وفهم وعلم ألبرت أينشتاين، بل ربما يفوقه، هكذا يعتقدون، ‏لمجرد أنه آدم المذكور في القرآن والتوراة، ليس هناك تطور بشري ولا علمي.. وهذه ‏مصيبتنا حرفياً، وهي سبب خوفنا وجمودنا.. أننا نظن أن الكتب المقدسة بما فيها القرآن ‏تعطي حقائق علمية. ولذلك فليس من الغريب على من يعتقد أن آدم خلق من ماء وتراب، ‏أن يعتقد عودة الأجساد بمطر كمني الرجال، ونبات ‏الأموات من قبورهم من ماء وتراب كما حدث لآدم من قبل.‏
وليس الأمر كذلك.. فلا آدم خلق من تراب ولا نحن سنعود لتلك الأجساد مرة أخرى.. ‏فالقرآن على وجه الخصوص كتاب تربوي بالدرجة الأولى، ومن شأن المربي أن يستخدم ‏الترغيب والترهيب، ولو لم يقع ما يقوله ولا حتى واحد في المليون.. فليس هناك لا عذاب ‏قبر ولا جهنم ولا شيء من هذا، فليس المراد هو إعطاء حقائق علمية وإنما تربية الإنسان ‏الوسيط وتهذيب نفسه السبعية العدوانية. ‏
وقد لاحظ علم الأديان أن الأديان تشترك في كتبها المقدسة – بما فيها القرآن - في كثير ‏من القصص، بما فيها قصة آدم وحوا،، ونظرة في كتب أبكار السقاف وخزعل الماجدي ‏تنبيك عن هذا.. فهل سنترك نظرية التطور المبرهنة علمياً بالآثار والأحافير ونقول أن ‏اشتراك الأديان في شيء يعني تأكيده، الخ التمنطق المضاد للعقل ونتأنث لشيطان الوهم؟ ‏القرآن ساق هذه الأسطورة لعلاج مشكلة معرفية قائمة في هذا الزمان، ولكنه لا يعطي حقائق نهائية، وبالذات فيما يخص أمور الغيب على وجه الخصوص، لأنها قضايا معقدة وليس من السهل فهمها لمعظم الجيل المعاصر حالياً، بعد كل هذا الشوط الكبير والجبار الذي قطعه الإنسان في العلم والمعرفة، فما بالك بالأقدمين..‏
‏ ‏
‏2-‏ قانون العرف: ‏
أذكر أني قرأت ذات مرة في مقدمة كتاب جامع الأصول لابن الأثير اعترافاً لرجل ‏من أهل الحديث اسمه ابن أبي العرجاء – من الوُضّاع المشهورين – أقر فيه بأنه ‏اختلق حديث أرض فدك الذي يعتمد عليه الشيعة في مظلمة السيدة فاطمة الزهراء ‏عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام.. وكنت أحزن قبل قراءة هذا الإعتراف وأقول ‏بيني وبين نفسي: كيف يعقل أن يفعل هذا عمر بن الخطاب وهو الرجل العادل ‏الشهم المحب لأهل بيت النبوة، فلما كنت أواجه الشيعة بهذا الإعتراف كانوا ‏يرمونني بكل مدرة وعظم ويتهمونني بالنصب، مع أنني لم أختلق الإعتراف ولكني ‏أشير لهم بأن هناك شمعة نور فقط!‏
ليست هذه المشكلة، المشكلة أن ابن الأثير بعد ذكره لهذه الراوية في المقدمة، ذكر ‏حديث فدك من ضمن أحاديث جامع الأصول.‏
لا تغتظ يا سيدي.. فهذه طبيعة العلم الديني، الذي هو رواية وحكاية لقصص ‏وأساطير مختلقة، ويسمى علماً. بينما العلم هو الفحص والتنقية المستمرة، وطرح ‏الخبث ونقد المشكوك فيه بشجاعة.. هذا يسمى علماً، وأما قبول الباطل بسبب ‏التقديس والخوف من غضب الرب وعباد هذا الرب الذين يدافعون عنه وعن ‏مقدساته ومعلوماته ومعطياته المطلقة عن حدود الزمان والمكان: فهذا يظل باطلاً ‏والساكت عنه شيطان أخرس.‏
الدين وصل إلينا عبر وسائط، من الناس ومن العديد من الفلاتر، من أخطرها ‏فلتر السلطة، فلا يمكن الجزم بكل ما فيه من حقائق، لأن معظمها من صناعة ‏العُرف، لأن تأثيره - كما يقول علم الإجتماع الديني - أقوى من الدين نفسه، بل ‏إن الُعرف هو الذي يحدد مسارات الدين واتجاهاته القسرية وطبيعته ومذاقه، ‏بحسب كل بلد أو كل حضارة لها طبيعتها الخاصة.‏
ولذلك نجد التشدد الرهيب في مسألة المرأة والحجاب والجنس في الإسلام، ولا نجد ‏مثل هذا في المسيحية، لماذا ؟ لأن الإسلام نشأ ونما في دول معظمها دول ذات ‏ثقافة شرقية وحضارات لها طابع محافظ، ففي التاريخ الفارسي والعثماني وحتى ‏الآن في المسلسلات والمتاحف توجد مصطلحات حريم السلطان وقصر الحرملك ‏أي الخاص بالحريم، وفرضية النقاب على الحرائر ومنعه عن الإماء، كل هذه ‏ثقافة تلك الدول وليست صناعة إسلامية، ولكنها العرف، العرف، العرف.‏
وكذلك في اليهودية نرى نفس التابو ونفس الرهبة تجاه المرأة والنظر إليها كوعاء ‏جنسي، والتشدد في الحجاب والنقاب، لأن اليهودية نشأت في ربوع بلاد الرافدين ‏والحضارة الكنعانية وهي حضارة شرقية محافظة أيضاً، وكانت الحروب بين ‏الوثنيين في تلك الفترة – سواء في شبه الجزيرة العربية أو في بلاد الرافدين – ‏تستحل الزنا وانتهاك أعراض النساء، وربما ساهم هذا في تشكيل هذه العقلية في ‏الإسلام واليهودية، وخلق تابو الجنس، وتابو العفة والشرف الخ، ولكن الأصل هو ‏طبيعة الشرق نفسه.‏
لماذا لا نرى هذه الوسوسة في المسيحية فيما يخص المرأة ؟ لأن المسيحية نشأت ‏في أحضان الحضارة الرومانية حيث التفسخ والإنحلال وعدم المبالاة بما يفكر فيه ‏أصحاب الحرملك وحريم السلطان ومن يجعلون عرضهم وشرفهم بين أفخاذ النساء. ‏
لماذا – في واقعنا – نرى أن المرأة خارج المسجد أقوى، تحكم دول (رئيسة ‏سنغافورة حالياً امرأة مسلمة السيدة حليمة يعقوب) وإذا دخلت المسجد أو جاء ذكر ‏الدين تسربت النظرة الجنسية والحجاب يا أختاه وهذا الكلام الفارغ.. هل كان القرآن ‏عاجزاً أن يصرح بذكر الوجه أو الرأس في آيات الحجاب؟ لماذا ترك مساحة ‏للعفو؟ لكي يتأقلم المسلمون مع طبيعة كل عصر ومصر ومعاييره في الحشمة، ‏فهو يريد الحشمة وعدم الإثارة وفي نفس الوقت يريد منح الحرية للإنسان وعدم ‏التضييق عليه ووضعه في إطار يقيد حريته.. القرآن رحمة بالناس منذ نزوله، وهو ‏يترك مساحة للعفو ولكننا لا نريد أن نعفو.. نريد أن نتشدد كتشدد اليهود ونضيق ‏الحياة علينا وعلى المرأة على وجه الخصوص، لأنها لا تفتي في المجامع الفقهية ‏حتى في أمورها الخاصة.‏

‏3-‏ قانون الرمز:
وأسميه قانوناً لأنه يسيطر على كل الكتب المقدسة.. فكل القصص والألغاز الموجودة في الكتب المقدسة هي رموز لحقائق إيمانية ‏وروحية، وليست على حقيقتها.. وأضرب مثالاً بقصة رؤيا ابراهيم عليه السلام في ‏ذبح ولده اسماعيل.. وقصة الخضر.. ففي القصة الأولى أمر إلهي بقتل الأولاد، ‏مع ورود النهي عن هذا في أكثر من موضع، ثم يحدث الفداء بالكبش، ولكن في ‏القصة الثانية يتم تنفيذ قتل الأطفال فعلياً ! هل تظن أن الله يحرق الناس في ‏جهنم ويأمر أب حليم بذبح ابنه البار ؟ ألا يمكن أن يكون ابنه هي نفسه الأمارة ‏المدللة ؟ لماذا لا.. بل هو كذلك، وكتب تفاسير الصوفية مليئة بهذا.. لأن الكتب ‏المقدسة في الديانات التوحيدية مثل الكتب المقدسة الهندية تماماً في استهداف ‏الغاية التربوية، ولكننا قوم متفلتون عن الصراط عصيون على الفهم الدقيق ‏الراقي.. نظن أن العلم هو جمع المعلومات والقصص بينما هو نور ينفع الروح ‏وينفسح له القلب.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت