الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كتب زميلنا الكاتب أحمد نظيف: "أعتقد أن قيس سعيد، وإن عبّر عن نزوع محافظ، قومي وديني، إلا أنه لا يمكن أن يكون قوميًا أو إسلاميًا بالمعنى الأيديولوجي، وليس من الصواب تصنيفه أيديولوجيًا، وإنما يمكن وصفه على أنه شعبويّ (انظر قسم ملفات في العدد الحالي)". وفي تقديرنا، فإن خطاب قيس سعيد لا يمكن وصفه بالشعبوي لأسباب سنأتي على بعضها بشكل خاطف.
ولدت الشعبوية في روسيا وأمريكا أواخر القرن التاسع عشر، وهي حركة مطلبية تدافع عن جماهير الأرياف التي كانت تمثل أغلبية الشعوب في تلك الفترة. كانت حركة فلاحية ذات خلفية اشتراكية، شعارها تحرير الفلاحين الروس حوالي العام 1870. وفي الفترة ذاتها، انطلقت حركة احتجاجات في الريف الأمريكي موجهة ضد البنوك وشركات القطارات.
وفقا لنظرية النخبة، يمكن القول أن الشعبوية تتوسل البراهين اللفظية (preuves verbales): وفي هذا النوع من التبرير يستعمل البشر جميع أساليب القدرة البلاغية والتعبيرات التي لها قوة الإقناع، والتلاعب بالألفاظ والمعاني من أجل إثبات أن البراهين العقلية والمنطقية تقف إلى جانبهم فحين يوصف، على سبيل المثال، نسق بعينه بأنه ديمقراطي كونه يحقق مصالح الجماهير، فالأمر في الغالب مجرد كلام غامض وفضفاض من وجهة نظر باريتو، والمطلوب هو تحديد ماذا نقصد بمصطلح الديمقراطيا؟ وماذا تعني مصالح الجماهير؟ وكيف تحقق الديمقراطيا مثل هذه المصالح؟ يقول رايموند آرون (R.Aron): إن نظرية باريتو من هذه الزاوية بالذات، إنما تعد إسهاماً في مجال سيكولوجيا العلاقات الجماعية المتبادلة، لاسيما في ميدان السياسة.
الشعبوية بمعناها القدحي هي خطاب يمتلك صاحبه المهارة السحرية في استغلال سيكولوجية الجماهير وحشدهم إلى صفه. ومن وجهة نظرنا، فإن قيس سعيد لا يتوفر على هذه المهارة البلاغية، وإلا كان نجح في إقناع أغلبية الشعب على التصويت بنعم. الأغلبية كفرت بالنهضة وحلفائها التي جاءت بهم مخرجات الثورة، ولكنها امتنعت عن التصويت، وهذا إن دل فعلى أن هذه الأغلبية لم تصدّق قيس ولم تكذّبه، وكأن لسان حالها يقول: لن نقف ضدك ولكن لن نقف معك إلا في سياق ما ستنجزه على أرض الواقع، وعندئذ ستجدنا من الداعمين. ومعنى ذلك، أن هذه الأغلبية التي عزفت عن التصويت، فهي تفكر وتبحث، وقد تخرج من رحمها نخبة جديدة لها فهمها الخاص.
واستنادا على نظرية النخبة لدى باريتو الذي أدخل مفهومين جديدين إلى حقل السوسيولوجيا: التسربات (dérivations) والرواسب(résidus)، فحالما تنتفي بعض (الرواسب) التي كانت معدن قوة هذه النخبة، حينها تتراجع، طوعا أو كرها، لتخلي المكان للنخبة الأجدر. وهكذا فإن ما يطرأ على النُّخبة ليس فقط تغيراً في الأفراد بل تغيراً على مستوى النوع(انظر هامش 1).
وعندما تجف منابع التأمل والإبداع، تهيمن نزعة الاستبداد الناجمة عن رواسب إدمان التكديس والمداومة عليه، فتلجأ النُّخبة إلى القمع والتسلط والترهيب، وهذا ما حدث، بشكل من الأشكال، للنخبة السياسية التي أدارت الحكم قبل قيس سعيد.
والشعبوية، في مجال الصراع على السلطة، هي الأيديولوجيا ذاتها، ودرجة خطورتها تتعاظم كلما افتقر البلد إلى المهارة السياسية (Le savoir-faire politique)، أي أن الشعبوي يستمد قوته من ضعف الطبقة السياسية، لأن الشعبوي يسود كلما جفت منابع السياسة في الوسط الذي ينشط فيه.
وتوصيف ريجيم قيس سعيد بالاستبداد (despotisme) لا يقلل من حظوظ تونس في التغير الإيجابي من حيث أن قيس سعيد يشتغل في إطار توافقي مع عدد من الأحزاب والتنظيمات الكوربوراتية. فالاستبداد من صميم الممارسة السياسية على عكس الطغيان (Tyrannie). وما دام هناك توافق، إذن هناك سياسة، أما إذا غاب هذا الشرط خرج الوضع من السياسة إلى الطغيان؛ ولهذا نجد في التاريخ من يوصف بـ"المستبد المستنير" (انظر هامش 2)، كما يختلف قيس من حيث خطابه التواصلي عن غيره (انظر هامش 2) ولكن سيكون من المبالغة وصفه بالشعبوي كونه لم يقدم وعودا خرافية مشبعة بالأيديولوجيا.
يجد قيس سعيد صعوبة في التعبير عن أفكاره، لكنه في ذات الوقت شديد الحذر في اختيار كلماته، وهذه الصعوبة تجلت أيضا في صياغة الدستور الجديد بحثا عن "معجم" يليق بروح التغيير. ولأن كل تغيير يحتاج إلى مفرداته الخاصة به، فإن هذه المهمة ليست مسؤولية قيس سعيد وحده، بل هي مسؤولية كل النخب التي ناصرته أو التي عارضته بشكل موضوعي أو حتى التي وقفت محايدة، وتتمثل مسؤوليتها في التصدي للمعارضة وللموالاة الشعبويتين. فما جاء به قيس سعيد وما سيجيء به هو نتاج ما يعتمل في العمق التونسي، وإذا لم تستوعب النخب التونسية هذه المعادلة، فسيظل الشعب التونسي عرضة للتلاعب، وستظل تونس، ككل البلدان المغاربية، تعيد إنتاج فشلها أو كما سبق وأن قلت في مقال سابق ستبقى رهينة "البث التجريبي".

ــــــــــــــــ هوامش
1- النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثاني)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744268
2- في معنى الاستبداد المستنير
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=759342
3- قيس سعيد وطريقته في التواصل السياسي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763467








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة