الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن انتفاضة الصدريين في العراق

راتب شعبو

2022 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بالقياس مع بقية التيارات والأحزاب الشيعية، يبدو التيار الصدري جهة شيعية ذات نزوع "عراقي"، سواء في موقفه من الاحتلال الأميركي أو من التدخلات والتبعيات الإيرانية أو في علاقته بالقوى العراقية الأخرى، العربية السنية والكردية ورفضه المحاصصة الطائفية. ولكن "عراقية" هذا التيار لا تؤسس لوطنية عراقية كما يتردد في خطاب الصدر وأنصاره، هذا لأن الوطنية العراقية تصطدم مع المرجعية المذهبية التي يستندون إليها، من جهة، ومع التبعية المطلقة "للقائد" من جهة أخرى، وهذا ما يجعل الطاقة الشعبية التي يتمتع بها هذا التيار، قليلة الفائدة، إذا كنا نسعى إلى نظام سياسي وطني يتمتع بقدر معقول من العدالة والتوازن السياسي.
يحار المرء عن أي تغيير جذري يتحدث السيد مقتدى الصدر حين يطلب من أنصاره مواصلة الاحتجاج معتبراً ذلك "فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي" في العراق. معروف إن الصدر هو من الأسس الثابتة لهذا النظام، وأن السبب الأول لخروج أنصاره إلى الشارع واقتحام المنطقة الخضراء واحتلال مبنى البرلمان، هو الضغط على شركائه في "النظام"، بسبب عدم رضاه عن الحكومة التي تنوي تشكيلها مجموعة الكتل البرلمانية الشيعية المتحالفة تحت اسم "الاطار التنسيقي"، الذي سبق، بدوره، أن عطل على الصدر، صاحب أكبر كتلة برلمانية في انتخابات أكتوبر/تشرين أول الفائت (73 نائباً من أصل 329)، وصاحب أكبر تحالف نيابي (175 نائباً باسم "انقاذ وطن"، مع الحزب الديموقراطي الكردستاني والنواب العرب السنة)، تشكيل حكومة أرادها، كما قال، حكومة "أغلبية وطنية" مقابل إصرار خصوم الصدر، ذوي النزوع السياسي الطائفي والتبعية الإيرانية، على حكومة توافقية يشارك فيها الجميع. وعلى كل حال، كان من المفهوم أن يفشل "الإطار" في تشكيل الحكومة ضمن مهلة الأربعين يوماً التي "منحها" لهم الصدر، لأنه لا يمكن تشكيل حكومة توافقية إذا كان تيار الصدر لا يريد المشاركة فيها.
أمام هذه الإعاقة المتبادلة، ومع الفشل في تشكيل حكومة عراقية بعد ثمانية أشهر من الانتخابات النيابية، طالب الصدر نوابه بالاستقالة، فاستقالوا كلهم في حزيران/يونيو الماضي، في خطوة غريبة أدت إلى تفكك تحالف "إنقاذ وطن"، وسمحت لقوى "الإطار"، خصوم الصدر، بإمكانية تشكيل حكومة، بعد أن أصبح الصدر خارج البرلمان، غير أن الصدر لم يرض عن رئيس الحكومة المقترح، فلجأ إلى منع تشكيلها في الشارع، مستفيداً من شعبيته.
لكي ندرك المسافة التي تفصل حركة الصدر عن مسار بناء نظام وطني عراقي، يكفي أن نتذكر الاعتداءات المسلحة للصدريين ضد انتفاضة أكتوبر/تشرين أول 2019، ذات المرجعية الوطنية المستقلة عن "القادة" المعممين وغير المعممين، الانتفاضة التي كانت، لذلك، عرضة ليس فقط لرصاص أجهزة الأمن بل ولرصاص المسلحين التابعين للأحزاب الشيعية ومنها تيار الصدر. يكفي أن نتخيل رد فعل أجهزة الدولة العراقية لو اقترب المنتفضون التشرينيون من المنطقة الخضراء، دع عنك احتلال مجلس النواب والاعتصام فيه. أجهزة الأمن العراقية تعاملت مع الصدريين باستيعاب "حضاري" لأنهم في الحقيقة من أهل النظام ولأن احتجاجهم مدفوع برغبة "القائد" في أن يكون سيد النظام، الرغبة التي يمكن أن تقود إلى مجازر وليس إلى "تغيير جذري" للنظام. أما المتظاهرون الذين خرجوا في 2019 ضد النظام من خارج النظام، فقد كانوا يُقتلون بمجرد اقترابهم من جسر الجمهورية الذي يفضي إلى المنطقة الخضراء. وقد واجه هؤلاء كل النداءات الداعية إلى دخول المنطقة الخضراء واعتبروها فخاً واتفقوا على عدم دخولها، لانهم يدركون أن الرصاص سيكون بانتظارهم.
يحق للمتابع أن يتساءل ما هو النظام الذي يدعو إليه الصدر، وما هي الديموقراطية التي يمكن أن تنجم عن حركة شعبية مذهبية تأتمر لشخص واحد وتتقلب مع أهوائه، وكأنها جيش منظم.
ربما يريد الصدر أن يكون نوعاً من "المرشد الأعلى"، أن يكون في لب النظام السياسي وأن يكون خارجه في الوقت نفسه، مستفيداً من موقعه كرجل دين شعبي فيعطي الشارع انطباعاً بأنه فوق السياسة وأكبر منها، وأنه قادر على تعطيل النظام رغم استقالة كتلته النيابية بالكامل.
يسهل القول إن معنى الصراع الحالي الذي يشهده العراق، وتشهد أمثاله اليوم البلدان العربية التي انفجرت فيها ثورات أزاحت أنظمة الحكم التسلطية المزمنة المستقرة فيها، هو تأسيس نظام سياسي ديموقراطي، بمعنى تأسيس علاقة مطردة يتمكن من خلالها الجمهور أن ينتج شرعية سياسية (سلطة شرعية) وأن يسحب الشرعية من السلطة وفق مبادئ مستقرة وسلمية. غير أن هذا الكلام هو من العمومية بمكان يجعله، تقريباً، بلا فائدة.
الصراعات على السلطة، والحشود الشعبية التي تستخدم في هذه الصراعات، غالباً ما تكون ذات مردود ديموقراطي ضئيل، إن لم يكن سلبياً، فضلاً عن حجم الخسائر الفادحة التي تستجرها. من المفيد ملاحظة أن التبعية السياسية للجمهور في بلداننا تقوم على أساس قلب أدوار ضار بالجمهور وبالبلد، فبدلاً من أن تكون النخبة أو "الزعيم" في خدمة الجمهور وتابعة لمطالبه وخاضعة لمحاسبته سياسياً حين تفشل في تحقيق مردود سياسي ومعيشي ملموس، يصبح، في واقع الحال، الجمهور المعتاد على وهم أن في الزعيم بلواه وفيه أيضاً خلاصه، مجرد أداة في يد النخب المتصارعة.
في العراق، ينظر مناصرو الصدر إلى زعيمهم على أنه رمز للمعارضة ومكافحة الفساد. لنا أن نتخيل، على خلفية الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الصدر، وعلى خلفية إدراك البعد المذهبي للتيار، وإدراك حدود "مشروعه" السياسي، كيف يصادر مثل هذا التصور الصراعَ الديموقراطي الحقيقي الذي يقوم أساساً على إدراك الناس لمصالحها المباشرة، وعلى ربط القيمة السياسية للأحزاب أو النخب بمدى خدمتها لهذه المصالح.
قد تكون الخطوة الأهم في سياق السعي لتأسيس علاقة تأثير متبادل بناءة بين السلطة والمجتمع، هي أن يتحرر الصراع السياسي من التبعيات الدينية والطائفية، وأن يتحرر الناس من التبعيات السياسية فيكون احترام القيم العامة (الحريات والعدل والمساواة والوطنية ... )، والمردود المباشر على مستوى حياتهم المادية والمعنوية هو مقياس تقييمهم للنخب السياسية، دون استلاب لزعيم سياسي أو ديني لن يقودهم إلا إلى المزيد من البؤس والتهميش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو