الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العباءة زي الموروث وألفة الموضة

عبدالله رحيل

2022 / 8 / 9
الادب والفن


حظيت المرأة منذ القدم، منذ النشأة الأولى للبشرية، على وجه البسيطة، في سابق العصر والأوان، باهتمام واسع ومميّز، فقد اُتّخذت رمزاً للعفة والطهارة، والعبادة والقداسة، والإيمان؛ حينما بحث الإنسان عن شيء يقربه لخالقه، اتخذ المرأة سبباً لذلك؛ فأُنشِئت لها التماثيل للعبادة في الأديرة، والصوامع، والبيع، وشغلت المرأة في فكر الإنسان محوراً مركزياً للحياة المجتمعية؛ لأنها هي التي تعطي الحياة في اعتقاداتهم القديمة؛ لذلك أصبحت المرأة مثار إلهام، وإبداع للإنسان في المجالات الثقافية، والإبداعية عامةً، فهي مثار الفلاسفة، وعناوين الأساطير القديمة، وهي محور إبداع الشعراء، فلها الكلام المُنمّق الجميل المُقفَّى، ولها سيرورة الحكايا، وعنوان إرث الشعوب، ولجمالها ولقيمتها التاريخية الرئيسة، تقام الحروب، وتغزو الجيوش المدن والبلدان، فكانت القديسة، والآلهة، والعاشقة، والمحبوبة، التي لا يمكن لحياة الإنسان أن تحلو دون وجودها، فكانت عشتار وبابل، وملكة سبأ، التي ذكر خبرها في القرآن الكريم، وكانت القديسة مريم العذراء، التي أنجبت النبي عيسى عليه السلام دون أب.
فلهذه المنزلة العظيمة للمرأة، والمحورية في الحياة، ابتدعت الطبقة المثقفة المبدعة في التاريخ لها عالما خاصاً، يقضي ببيان أهمية وجودها، الذي لا تستقيم الحياة دونه، ولما كان الزي، والثوب المُنمَّق، واللباس المزركش الطويل الفضفاض، الذي يليق بالمرأة الطويلة الناعمة المرفّهة، الحسناء الجميلة، فقد ابتدع المصممون للباس المرأة العباءة، وتصميمها لجسد المرأة الناحل الممشوق؛ ليكون لباسا يلفُّها بالقيمة، والوقار، والجمال؛ ليكون على المدى تراثاً، وموضة للمرأة باختلاف الزمان والمكان، وفي المجتمعات كلها، العربية منها، والأجنبية.
العباءة وتاريخ نشأتها
خلال السنوات، التي تلت الحرب العالميّة الثانية، بدأت العباءة العربية بالانتشار في العالم الغربي، ولأنّ الدول الأوروبيّة والأمريكيّة، كانت أكثر انفتاحاً على دول المغرب العربي، فقد تواجد القفطان على منصات العرض العالميّة، وهو نوع من العباءات، التي تتميّز بالحزام عند الخصر، وبالأكمام الواسعة غير المحدّدة عند الرسغين، ومع مرور الوقت، ازداد الطلب على العباءات بمختلف أنواعها، وموديلاتها، لا سيما أنّ العديد من الأميرات، والملكات، والشيخات العربيات، ارتدين العباءة في مناسبات عالميّة، ولفتن الأنظار بلياقتهنّ، وأناقتهنّ المغلّفة بالحشمة، وبالوقار.
العباءة، لغةً، هي كساء من صوف أو غيره، مفتوح من الأمام، واسع بلا أكمام، يُلبس فوق الثياب، ويرجّح أنها مفردة آرامية الأصل، وتختلف باختلاف من يرتديها، فثمّة عباءة يرتديها الفلاح، أو الراعي فوق الثياب، وهي رداء خشن واسع غير مردَّف، أي بلا أكمام، أما العباءة النسائية، فُعُرِفت قديماً بالبساطة والسعة، وسهولة الحركة، فكانت فضفاضة، دون أكمام، وحسب بعض الباحثين في تاريخ ذلك الزمن، كان ارتداء العباءة، والحجاب دلالة على حياة الرفاهية، فهي كانت زيّ النساء، اللواتي لا يقمن بأي عمل، أي أفراد العائلات الثرية، ومن خلالها كان يتمّ التمييز بينهنّ، وبين نساء الطبقات الشعبية.
في الماضي، كانت العباءة عبارة عن ثوب فضفاض أسود اللون يغطّي الجسد، ويخفي معالمه لمزيد من الحشمة، والاحترام، وللدلالة على التزام الأخلاقي من ترتديه، أما اليوم، فباتت العباءة زيّاً قائماً بحدّ ذاته، ينافس فساتين السهرة، التي تحمل توقيع أشهر دور الأزياء العالميّة، ويتغلّب عليها، وقد شُكلّت العباءة لتكون مناسبة لشكل المرأة المرفّهة الراقية، حتى تغطي ما ترتديه من الملابس العادية، ويرى بعض المؤرخين، أنّ أصل العباءة، وتاريخ نشأتها، كان ما قبل أربعة آلاف سنة، تحديداً في حضارة ما بين النهرين، وهي العراق، وبعضهم يرى أنها وجدت وقت دخول الإسلام، قديماً كانت السيدة الثرية من الطبقة الراقية في المجتمع، هي من تستطيع لبس العباءة، وتغطية جسمها، ورأسها، ولم يكن يسمح للفقيرات أن يلبسنّ العباءة؛ بسبب غلاء ثمنها، وعجزهن عن اقتنائها، ولكن في وقتنا الحالي، أصبحت العديد من النساء، يلبسنّ العباءة؛ لتوفرها في طبقات المجتمع كلها، وأصبحت العباءات حالياً، تختلف عما كانت عليه قديماً، إذ تمتاز بمواكبتها للعصر، والموضة، واتسامها بالألوان، والمطرزات المتنوعة، وصنعها من خامات نفيسة، وبأشكال متعدّدة، ولها أسماء مختلفة عديدة في مدن العالم، فيطلق على العباءة اسم كبايا في دولة ماليزيا، وأفغانستان، ومن ناحية أخرى تعد اللباس الأساسي، والرسمي في بعض الدول العربية عامة، والخليجية بشكلٍ خاصّ، مثل دولة الإمارات العربية المتّحدة، والمملكة العربية السعوديّة، وغيرها من دول الخليج العربيّ، وفي بعض الدول تُلبس العباءة مع نقاب، وهو لباس يغطي الوجه، باستثناء العيون، بحيث تأخذ عدة ألوان، فمثلاً تكون سوداء اللون في دول الإمارات، والسعودية، والبيضاء والمطرزة في دول الشام كالأردن.
أنواع العباءات
العباءة العربية
هي عباءات خاصّة بالدول العربيّة، وتمتاز بالستر والحشمة، وتتعدد ألوانها بين الأسود والرمادي، فعلى سبيل المثال تمتاز العباءة في المملكة العربية السعودية بحشمتها، وتغطي جسم المرأة كاملا مع نقاب الوجه، وتكون فضفاضة لاتصف، ولا تشفّ الجسم، وليست رقيقة، ومن خامات ممتازة مثل: الدانتيل، والحرير، تلبسها المرأة في شتى مجالات الحياة، كالعمل والدراسة، وحتى المناسبات المتنوعة، كالأفراح، والأعياد.
صحيح أنّ أصل العباءة يعود إلى بلاد ما بين النهرين، إلا أنّها انتشرت قبل مئات السنين في كل الدول العربيّة، واختلف شكلها، وموديلها باختلاف الظروف المناخيّة، والحياتيّة، والعادات، والتقاليد والخصائص، التي تميّز كل دولة، لذلك اختلفت العباءة في السعوديّة، عن تلك التي انتشرت في الإمارات، أو في فلسطين، أو الأردن، أو العراق، وتميّزت العباءات الخليجيّة بالاعتماد على الأقمشة الخفيفة كالحرير، والكريب الناعم، والمخمل الخفيف؛ بسبب درجات الحرارة العالية، التي تميّز تلك الدول.
أما العباءات التي انتشرت في بلاد الشام، فكانت تحاك من الصوف، والمخمل السميك والكشمير، واعتمدت على الألوان الزاهية، والتطريز، والزركشة، ومما لا شكّ فيه أنّ نساء البادية العربيّة، كنّ السبّاقات في ارتداء العباءة السوداء، لأنّها عمليّة، ومريحة، وتتلاءم مع حياة الصحراء، وظروف العيش فيها، ولأنّ اللون الأسود، هو سيّد الألوان، ولطالما رمز إلى الشياكة، والرقي، والهيبة، كان اللون الذي اختير للعباءة النسائيّة الخليجيّة.
العباءات الأجنبية
هي عباءات، قام بعض المصممين العالميين بتصميمها، وعرضها في صالات الأزياء، مستوحين ذلك من العباءة العربية المشهورة، تحديداً في الدول الخليجية، لكنها تختلف بأنّها تشف، وتصف الجسم، وتحتوي على ألوانٍ صارخة، وتستخدم لتصمميها أنواع خاصة من الأقمشة، كالستان والشيفون، وعمل المصممون على التغيير في شكلها، فجعلوها بلا أكمام، أو مفتوحة من الجوانب، وضيقة، ورقيقة، وأضافوا عليها بعض الرسومات الغريبة، التي لا تتماشى مع التقاليد المشرقية، ولا مع النظرة الدينية لها، ويلبس هذه العباءات عارضات الأزياء، والممثلات العالميات، وغيرهن، وتألق مجموعة من كبار المصممين في تصميمها، من أبرزهم إيلي صعب، والمصممة الإماراتية حصة العبيدلي، إضافةً إلى كبرى دور الأزياء مثل، ديور وماكوين، وغيرها.
العباءة في الدول الخليجية
تحافظ بلدان الخليج على موروثاتها، حتى في ملابس شعوبها، التي من بينها العباءة النسائية المعروفة شعبياً بـ”العباية”.
وبرغم مسايرة الكثير من النساء الخليجيات للموضة، لكنهن لم يتنازلن عن “العباية” التي يصررن على أن تكون أساس أناقتهن في المناسبات، بل إن سيدات الأعمال الخليجيات، يحافظن على ارتدائها في اجتماعات، ومناسبات مهمة، تجمعهن بمثيلاتهن من دول أجنبية، والأمر ينطبق على الشخصيات الحكومية النسوية، ما يدل على احترام المرأة الخليجية لثقافة، وتاريخ، وتراث بلدها، وفي محاولة منها؛ لتكون سفيرة لهذا الإرث الثقافي، والاجتماعي، والإسلامي.
ففي السعودية تتميز العباءة باللباس الفضفاض، والغرابة بالقصة والتصميم، ثم تغير شكلها حتى أصبحت موضة العصر في اتخاذ أشكال أجسام المرأة العصرية، ويعدّ ثوب النشل النجدي من أشهر وأرقى الملابس النسائية في المملكة، إذ يتميز بقصته الواسعة، وحياكته الرقيقة من الخيوط الذهبية المطرزة بشكل أنيق، ويعدّ اللون الأسود المطرز بالذهبي من أرقى الأثواب.
وفي قطر تشتهر العباءة القطرية، بأن يندرج كثيراً فيها استخدام الأحزمة العريضة على الخصر، والأكتاف، وتكون بارزة ومشغولة بالشك، والكريستال، وتفضل المرأة القطرية ارتداء عباءة الرفع الحريرية، المشهورة بين النساء القطريات، التي تلبس مع شيلة خفيفة مطرزة، أو مشغولة بالخرز بأشكال دقيقة ومختلفة.
أما العباءة الإماراتية، فتمتاز بالقصات الفضفاضة، التي تحدد معالم الأنوثة في جسم المرأة، بشكل مموّه، وتكثر فيها الحواشي الملفوفة، والقصات غير المنتظمة، وغالباً تكون سوداء بلا نقشات، أو إضافات لونية، وبعضها يضاف إليه قطع قماش من نوع آخر، يكون أكثر لمعاناً، ليضفي بعض التموجات على العباءة.
تعتبر العباءة الكويتية الأكثر تميزاً بين العباءات الخليجية، إذ تحمل تفاصيل وملامح تراثية، وتقليدية من خلال قصاتها المختلفة، ولا تتمسك بطابع محدد، ما يجعلها محط أنظار الخليجيات، التي تفضل الكثيرات منهن اقتناء عدد منها، كما عرف عن العباءة الكويتية أيضاً تأثرها بالأزياء الأخرى كالهاشمي الأردني، والثياب الهندية، والإيرانية؛ نتيجة اختلاط المرأة الكويتية بباقي الشعوب منذ زمن طويل، ما جعل هذه الثقافات تلقي بظلالها على العباءة الكويتية.
يأتي “النشل” في مقدمة الأزياء النسائية الشعبية، وهي عباءة، وثوب يبرز إتقان، ومهارة الخياطة في البحرين، وما تمتاز به من فن، وذوق مطعم بالأصالة، فيما تمتاز عباءة أو ثوب “النغدة” المطرز بالخوص الذهبي، أو الفضي بالإبهار لما فيها من النقوش، بالإضافة إلى تميزه باللمعان.
ما يميز الزي التقليدي النسائي بسلطنة عمان، هو اختلافه عن باقي العباءات الخليجية، فمنذ عرفت العباءة العُمانية كانت غنية بألوانها، وأنيقة في تصميماتها، مع احتفاظها بطابع الاحتشام، كما أنها مختلفة، ومتنوعة من منطقة لأخرى، تماماً مثل الزي الفلسطيني، وتتميز العباءة العُمانية بشريط لاصق على الجانب الأيسر.
ويبقى اللباس الأسود الفضفاض، الذي يكون عنصر جمال، وأناقة، ورتابة المرأة العصرية، هو المفضل عند نساء اليوم؛ لأنه اللون الذي يظهر جمال مفاتن المرأة المناسب لمراحل سنها المختلفة، في كل زمان، وقديما كانت المرأة المنتخبة الجميلة، هي التي تلبس الخمار الأسود الحالك، ففي أسواق بغداد القديمة، تغنّى مغنٍّ في أسواقها، بأشعار تعد أجمل ما قيل في وصف المرأة النبيلة، وهي ترتدي اللباس الأسود الجميل المتمثل بالعباءة، والخمار، فقال ربيعة بن عامر الدارمي في ذلك شعرا:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبّد
قد كان شمّر للصلاة رداءه
حتى وقفتي له بباب المسجد
قل للمليحـة بالقميصِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بعاشقٍ متمرّدِ
أدى التحية في مقامكِ هاتفاَ
لا سيدّ لي أنت وحدك سيدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما