الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحطيم التقاليد في إطار التقاليد . توظيف الدين والتراث في الصراع الدولتي .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إن من الأخطاء الشائعة في معالجة المسألة التراثية ، وما يتصل بها من تناول الحركات السياسية المختلفة ذات الصبغة الدينية ، هو الانطلاق في التعامل مع الموروث العقائدي الثيوقراطي . أي الديني ، من اعتباره شيئا من مخلفات القرون الوسطى ، يمكن التخلص منه بالتنوير والدعاية المادية الالحادية . ويقوم هذا الاعتبار ، عند الكثيرين ، على تصور حول مسيرة أروبا في العصر الحديث ، يرى فيها كفاحا بين فكر مادي ، وإلحادي ، ولائكي من جهة ، وإيديولوجية غيبية دينية من جهة ثانية . ويتوهم أصحاب هذا التصور أن التيارات المتمثلة بالشك الديكارتي والمادية الإنجليزية في القرن الثامن عشر ، والمادية الفرنسية في القرن الثامن عشر، والإلحاد البرجوازي عامة ، جاءت فأطاحت بالظلامية القروسطوية ، وفتحت الباب للإنطلاقة البرجوازية التقدمية في حينها . وعلى هذا النحو يرون انّ على المتنورين الثوريين في بلادنا ، انْ يقوموا بالمهمة نفسها التي أنجزتها البرجوازية الاوربية ، وأن يلجؤوا الى الوسائل نفسها ، الى الدعاية المادية والإلحاد للقضاء على الفكر الغيبي ، ومنه القضاء على مكونات الإسلام السياسي التي تريد الرجوع بالمجتمع ، الى العصور الخوالي لما يزيد عن اكثر من 1400 سنة ، لوضع حد للصراع حول عظام وهي رميم ، منذ اول بزوغ للإسلام .
ان من الخطأ القاتل القيام بالإسقاط على المجتمع المغربي ، وعلى مجتمعات الدول العربية المتشابهة . إن خصوصية المسألة التراثية في المجتمع المغربي ، تجعل من غير الجائز النظر الى الموروث التراثي المغربي ، على غراره في الغرب الأوربي . فقد أظهرت الحياة نفسها ، صبيانية ما راج في حينه من تصدٍّ لذلك الموروث ، من مواقع الإلحاد خلال سبعينات القرن الماضي ، وأقنعت الأغلبية التي راجعت ، أو تراجعت ، أو انقلبت ، بالضرر العملي لمثل هذا التوجه الانتحاري الذي أساء لأصحابه ، فزاد من غربتهم عن مجتمع تحكمه التقليدانية ، وتضبط تصرفه القداسة ، والامارة ، والسلطنة . فنحن سنسعى الآن ، للكشف عن الخطل النظري القائم في أساس ذلك التوجه ، والمرتكز الى التصور المذكور أعلاه ، حول طبيعة المواجهة الأيديولوجية في أوروبا أواخر العصر الوسيط ، وهو التصور ، الذي لا يزال ، الى حد ما ، يحجب عن الأنظار المدخل الصحيح الى تناول المسألة التراثية في المغرب ، وفي العالم العربي قاطبة .
عندما أشير الى العالم العربي فالمقصود مصر ، سورية ، لبنان ، العراق ، الجزائر ، سورية ، وفلسطين ...
ففي الحقيقة ، لم تجابه الظلامية الاقطاعية ، ولم تواجه الديانة المسيحية في صيغتها القروسطوية ، من قبل فكر مادي وإلحادي ، بقدر ما جوبهت بحركات الإصلاح الديني والهرطقات الدينية ، التي ظلت عموما في إطار الأيديولوجية الدينية نفسها . وبهذا الصدد سبق لإنجلز التأكيد ، ان نضال البرجوازية في سبيل تحررها من نير الاقطاع ، منذ القرن الثالث عشر ، وحتى القرن السابع عشر ضمنا ، قد صيغ في قوالب دينية " . فقد كانت مشاريع الناس متخمة بالغداء الديني ، ولذا فإن العمل لإنهاض حركة عاصفة كان يتطلب ، وبالضرورة ، ان تقدم لهم مصالحهم الذاتية في لباس ديني " ، وانه في ظروف سيطرة الرؤية الدينية " ، كان لابد لكافة المذاهب الثورية / الاجتماعية والسياسية ، ان تتجلى على الاغلب ، في صورة هرطقات دينية في الوقت ذاته " . كما وينوه إنجلز بأن حركات الإصلاح الديني ، كالكالگينية مثلا ، " كانت تتجاوب مع متطلبات الفئات الأكثر جرأة بين برجوازية ذلك الحين " . أما المادية في إنجلترا مثلا ، فقد وقف أنصارها ( هوبز / لوك ... ) الى جانب الملكية الاستبدادية المطلقة ، والارستقراطية الاقطاعية ، وكانوا معادين للبرجوازية الصاعدة والتقدمية . " ولهذا فانه على النقيض من مادية الارستقراطية .. كانت الطوائف البروتستانية بالذات ، وهي التي تقدم الراية والمناضلين في الصراع ضد آل ستيوارت ، تغدي أيضا القوى المكافحة الرئيسية بين قوى الطبقة الوسطى ( البرجوازية ) التقدمية " .
وعلى هذه الأرضية لم يكن من الصدفة ان الثورة البرجوازية الإنجليزية ( عام 1649 ) لم تتسلح بالمادية وبالإلحاد ، وانما رفعت الشعارات الدينية . وحتى في فرنسا ، حيث لعب مادّيو القرن الثامن عشر دورا بارزا وزاهياً في الصراع ضد الظلامية الاقطاعية ، والذهنية الغيبية ، نجد الاجنحة الأكثر راديكالية ضمن البرجوازية الفرنسية ( اليعاقبة ) Les Jacobins في الثورة الفرنسية العظمى ، لم تنطلق من الفلسفة المادية في برنامجها السياسي ، ونشاطها الثوري . بل انطلقت من أفكار روسو الدينية المثالية . " فالمثالي روسو كان ، بلا شك ، مفكرا اكثر ثورية من الماديين ك ( لامتري ، وهولباخ ، وهيلغيتيوس ) " .
ولعل اكثر ما ينبغي لفت النظر اليه هنا ، فيما يخص دروس التاريخ الأوربي ، هو الأسلوب الذي استخدمته الحركات الإصلاحية ومثيلاتها ، في مجابهة الأيديولوجية القروسطوية ، وفي ترسيخ وعي اكثر تقدما . ففي " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " يذكر ماركس " ، ان لوثر توشح برداء القديس بولس " ، وانه " من اجل الثورة البرجوازية ، استخدم كرمويل ، والشعب الإنجليزي ، اللغة والمشاعر والاوهام ، المستعارة من العهد القديم " ( التوراة ) ، والثورة الفرنسية 1789 / 1814 " لبست قميص الجمهورية الرومانية حينا ، والامبراطورية الرومانية حينا آخر " .. الخ .
ويخلص ماركس الى القول . ان جماهير هذه الثورات وأحزابها وأبطالها ، الذين استعاروا رداء الأجيال السالفة ، حتى وأخذوا بشعارات القرون الغابرة ، إنما كانوا يعملون لحل " مهمة عصرهم ، التحرر من القيود ، وإقامة المجتمع البرجوازي المعاصر " .
فبعد المراجعات ، او التراجع عن اندفاع سبعينات القرن الماضي ، بخصوص الموقف من الدين ومن التراث ، لم يحصل جديد على مستوى صقل الأفكار ، لان اقصى ما توصل اليه المراجعون في مجابهة الموروث الغيبي وامتداداته السياسية ، هو الإقلاع فقط عن استخدام لغة المادية والالحاد ، والتعويل على لغة الاقتصاد والسياسة ، لغة المطالب الاقتصادية المعيشية و ( الشعبية ) . هم يعملون لتعبئة الجمهور دينيا ( الاسلامويون ) ، والمراجعون يحاولون وبأسلوب مبسط ، انْ يبيّنوا للجمهور المغفل والجاهل ، قانون القيمة الزائدة آلية الاستغلال الرأسمالي .. ولكن ما عسى هذا العمل ان يجدي نفعا مثلا ، في تفْهيم عامل متدين ، بأن صاحب المعمل يستأثر بقسم من عمله وأتعابه ، اذا كان هذا العامل يؤمن بأن الاستغلال هو من " قضاء الله وقدره " ، أو " إمتحان " في الحياة الدنيا ، او جزاء لما إجترمه من آثام في " الأجيال السابقة " من حياته ، وغيرها ؟
ان التوجه الفعال الى الجمهور ، يجب ان يكون باللغة التي يفهمها . وفي هذا الاطار يجدر التحدث بلغة الرموز التراثية التقليدية ، لمسايرة التركيبة النفسية للناس الغارقين في التقليدانية ، وفي القروسطوية ، وفي ( الآداب ) السلطانية ..
لان الهدف هو العمل على تدليل التأويل الرجعي للدين ، وترسيخ فهم ، من شأنه ان يساعد على الانطلاق نحو التقدم ، لتأهيل الجمهور للثورة على كل الأشياء البالية، وعلى ممثليها بالمجتمع الراكد والجامد منذ قرون خلت ..
وهنا نؤكد ، في ضوء وقائع التاريخ الإسلامي ، انه لم يكن ، في حين من الأحيان ، فهم واحد وحيد لأحكام القرآن ، ناهيك عن ( السنة ) . وانه لا مجال في الإسلام لمرجع أعلى ، يفرض على الناس تأويلا للدين بما يتناقض مع مقتضيات التقدم ، مع العمل لإقامة العدالة الاجتماعية . فليس في الإسلام كنيسة ، ولا إكليروس ، يكون وسيطا بين الانسان وربه . ومن المعروف انه لم يمض قرنان على دعوة محمد ، حتى افترقت الجماعة ، او الامة الإسلامية الى ثلاث وسبعين فرقة او اكثر ، وصار من المأثور انه ما من فرقة الاّ ولها في القرآن حجة . فكان القرآن و( السنة ) هما المنهل الذي يغرف منه الجميع ، الأغنياء والفقراء ، الحكام والمعارضون ، الظالمون والمظلومون .. وكل شيطان يجد فيهما ما يؤيد مقالته ، ويدعم مواقفه :
-- هذا يفتش في القرآن و( السنة ) عن سند " نظري " للخنوع والاذلال ، و " الطاعة والإخلاص " ( اطيعوا الله ورسوله واولي الامر منكم ) ، وذاك يستلهم منها ما يحفّزه على العمل والنهوض والثورة ، " فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، " ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة أهلها اذلة ، وكذلك يفعلون " ..
-- وهذا يجد فيهما ما يبرر الملكية الخاصة والتفاوت الاجتماعي والاستغلال ، وذاك يعثر فيهما على ما يؤيد قيم المشاعية ، والمساواة ، والعدالة الاجتماعية .
-- هذا يرى فيها دعوة لأن يكون كل مسلم رقيبا وحسيبا على ضمائر الناس ، وذاك يرى ان الله ، والله وحده ، هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وهو – وحده – من يحاسب الناس على إيمانهم وخطاياهم الدينية .
-- هذا يعتبر الدين اقتداء ً بالسلف ، وتقليدا لهم ، وإيمانا بعصمة الأئمة ، وذلك يرى انه لا يصحّ إيمان المقلَّد ، ويروي عن الامام الأكبر نفسه ، علي بن ابي طالب ، قوله : " لا يُعرف الحق بالرجال ، بل أعرف الحق تعرف اهله " .
-- هذا يرى في الإسلام جمعا بين السلطتين الدينية والدنيوية لتركيز الطغيان والاستبداد ، وذاك يفصل بين المنصبين ، مستندا في ذلك الى المأثور عن الرسول نفسه : " انها النبوّة ، لا ملك " ، و " أنتم اعلم بشؤون دنياكم " .
-- هذا يحصر العلم كله في القرآن ، ويتقوقع رافضاً كل علم أجنبي ، وفكر مستورد ، وذاك يروي عن الرسول قوله " أطلبوا العلم ولو في الصين " ، و " خذ الحكمة ولو من فم وثني " .. وهلمجرا ..
ولا مجال هنا لاعتبار الرجحان " الكمي " : أيهما اكبر عددا – الآيات او ( الاحاديث ) التي تؤيد الرأي المعني او تلك التي تعارضه . فالمظلوم ميّال للأخذ بأية واحدة او ( حديث ) واحد ترفض الظلم والاضطهاد ، والاعراض عن عشر آيات ، يفهم منها مباركة الظلم والاستغلال .
هذا ناهيك عن سلاح ( التأويل ) الذي من شأنه ، على الأقل ، تحييد كل الآيات التي يُفهم من ظاهرها ، تأييد الاستغلال مثلا ، وصرفها عن هذا الظاهر ، باعتبارها من ( المتشابه ) ، لا المحكم ، وليس هناك ثمة معيار حاسم في فصل ( محكم ) القرآن عن ( متشابهه ) .
ثم ان التوجه يجب ان يكون الى قلوب عامة الفقراء ، والمحرومين ، والمضطهدين ، بعيدا عن التورط في جدل لاهوتي بيزنطي مع هذا او ذاك من ( المشايخ ) و خطبة الجوامع ..
ونستطرد بهذا الصدد فنقول : ما اضرّ " العلمية " ، و " الاكاديمية " ، و " المبدئية " في أمور ومناسبات كهذه .
ان العشرات من المسجونين بمحاضر بوليسية مزورة بسجون السلطان ، يتعرضون للتنكيل من قبل الجلاد السجان ، وبتعليمات واوامر البوليس السياسي ، ثم يأتي احدهم فيهدي الى ضحايا التعذيب العصري في سجون امير المؤمنين ، السلطان المعظم ، ظل الله في ارضه ، بحثاً له حول " تاريخ التعذيب في الإسلام " ، او بحثاً حول " حدود التعذيب في الإسلام بين المبدأ والتطبيق " / هادي العلوي / ، ينبري فيه للرد على الوعي العام الذي يتوهم انّ " الدين بما هو دين يتعارض مع أخلاقية التعذيب " ، ولفضح " التبسيط الشعبي " القائم على " إغفال التاريخ الشخصي للأديان " ، وعلى " الجهل بالجذور البعيدة للسلوك الديني " ، هذا " التبسيط الشعبي " الذي " اعتاد على اعتبار الدين نقيضا للعدوان ، والنظر الى الجلادين باعتبارهم عصاة او فساقا لا يخافون الله " . وبدل من استخدام التراث الإسلامي لترسيخ قناعات جمهور المؤمنين حول رفض الدين للتعذيب ، نحاول زعزعة هذه القناعات الإنسانية .. والسؤال . ماذا لو تخلى الجمهور المتدين ، لا سمح الله ، عن هذه القناعات ، وآمن – بتأثير كتابات كهذه – بان الدين يبارك التعذيب : هل سيتخلى عن الدين ، كما يتوهم أصحاب تلك الكتابات ، أم يستحسن ويبارك تعذيب السلطان ألأمير المؤمن للمعارضين ، بتهم كيدية مبنية على محاضر البوليس السياسي المزورة .. أليست هذه هي المازوشية بعينها ، التلذذ بتعذيب الذات ؟
اذن لا مصلحة للمعارضين الحقيقيين التقدميين بزعزعة قناعات إنسانية كهذه . وليس لهم من مصلحة في التشكيك باسم العلم والحقيقة ، بما تَكوَّن في وعي الجمهور الفقير والمُفقّر المتدين ، من صور زاهية عن عدالة واستقامة زعماء مسلمون كابي ذر الغفاري ، وعمر بن عبدالعزيز .. وعن دعوة الإسلام الى المساواة وتحرير العبيد ، والى رفض الاستغلال والاضطهاد . على العكس تماما نحن معنيون بترسيخ مثل هذه الصور ، وبتدعيم مثل هذه القناعات .
اما قضية " الحقيقة التاريخية " ، التي تقلق بال بعض الدارسين ، فلعلّ من الأفضل – في أمور كهذه – ترك البت فيها للباحثين المتخصصين بالمعاهد الاكاديمية ، التي ننشئها بعد ان نصل بالجمهور ، الذي تلهمه تلك الصور والقناعات ، الى مجتمعنا ، ودولتنا الديمقراطية المنشودة .
وليس لنا مصلحة في البرهان على " خطل " قول من يقول " الإسلام دين الاشتراكية " ، لنتذكر مرونة موقف لينين حيال شعار مماثل " الاشتراكية هي ديني " ، حيث يقول : " ان موضوعة " الاشتراكية دين " هي بالنسبة للبعض ، شكل الانتقال من الدين الى الاشتراكية ، وللبعض الاخر " شكل الانتقال من الاشتراكية الى الدين " . وكمثال على الحالة الأولى يورد لينين الداعية او المحرض ، الذي يتوجه الى جمهور العمال ، ويحاول تقديم أفكاره " عبر المفاهيم الأقرب الى مدارك الجمهور غير الناضج " . والحالة الثانية تتفق مع مساعي البعض في بلادنا لترسيخ الدين ، او على الأقل ( لترسيخ فهمهم للدين ) من خلال التأكيد على " اشتراكيته " ، التي يطرحونها نقيضا للاشتراكية العلمية . وهذه الحالة الأخيرة التي غزت فهم ( اليسار المغربي ) بكل اصنافه واشكاله ، هي التي جعلتهم يتهيبون اللجوء الى الرموز التراثية ، خوفا من ان يؤدي ذلك الى تعميق تأثير الدين .
" فلو خُيّرنا لاخترنا " – هكذا كان سيجيب المتنورون من اسلافنا . اما اليوم ، في وضعنا ، فلا خيار ، المعركة مفروضة علينا . فإما ان نترك الاخرين ، وبينهم الخصوم الايديولوجيون والسياسيون ، يتابعون تحكمهم بمشاعر الناس الدينية ويوظفونها على هواهم ، او نحاول ، وكل من موقعه سحب البساط من تحت ارجلهم ، ومحاربتهم بالسلاح نفسه الذي شهروه في معركة بناء الدولة الديمقراطية ، بدل الدولة الرجعية .
وليس ثمة خطر ، مما يخاف البعض ، من الانكفاء الى الوراء ، من تعزيز الرؤية الغيبية نتيجة لمخاطبة الجمهور باللغة التراثية . لاحظوا ان حزب العدالة والتنمية اكتسح البرلمان باستغلال واستعمال الدين ، وفي الانتخابات الأخيرة تحول الى خروف من الحجم الأكثر من ضعيف رغم ترويجه خطاب الدين .
فاذا كانت هناك منطقة او جماعة او افراد ، تحرروا من سيطرة الوعي الغيبي ، فما من ضرورة – بالطبع – للتحدث اليهم بتلك اللغة .
ان المقصود هو مخاطبة الجمهور المتدين ، الذي يعيش التراث في اعماقه ، ويتجسد في سلوكه اليومي ، فينجر بسبب ذلك ، وراء المتاجرين بالدين ، والسماسرة تجار الدين .
وفن مخاطبة هذا الجمهور في ظروف الوضع المتميز للمسألة التراثية في بلادنا هو أشبه بالطريقة ، التي استخدمها ممثلو حركات الإصلاح الديني الاوربية ، في تدليل الفهم القروسطوي الطوطمي للدين ، في تحطيم التقاليد في اطار التقاليد ذاتها ، والتي شبهها ماركس بتعلم اللغة الاجنبية : " فالمبتدئ ، الذي يدرس لغة اجنبية ، يقوم دوما بترجمتها ذهنيا الى لغته الام ، فطالما لم يستوعب روح اللغة الجديدة ولم يمتلك ناصيتها ، لا مفر له من تلك الترجمة الذهنية ، الى ان ينسى في اللغة الجديدة ، لغة الام " .
ان التحدث للناس باللغة التي يفهمونها ، هو المدخل الأساسي لأي تغيير . اما التحدث للناس بلغة الخطاب المعقد والمتعالي ، الصعب الادراك على جمهور الناس العادية ، فسيكون صاحبه بمن يوجه خطابه للأشباح الغير مرئية ، الامر الذي يؤدي الى وئد روح الخطاب المنفصل والمفصول عن الناس . ان هذا الأسلوب في التعامل ، كان من اهم العوامل التي دفعت بالحركة اليسارية السبعينية الى الإفلاس . انها خطاب الغربة الذي كان عاملا في غربة مروجيه وسط مجتمع يخضع للتقاليد المرعية ، وللطقوس السلطانية ، ومنغمس كرعية في حياة وعيش الرعايا المرتبطين بواسطة الدين ، براعيهم الكبير الذي يوظف الدين والتراث في رعيهم في سلطنته بكل سهولة ، وبرضاهم الصادر عن بينة واختيار بسبب تفشي الجهل .
الم ينصح لينين ، في اطار الحديث عن كيفية التوجه الى شعوب الشرق ، بضرورة " الاستناد الى القومية البرجوازية التي تستيقظ لدا هذه الشعوب ، والتي لابد لها ان تستيقظ ، والتي لها مبرر تاريخي " ؟ ، ومع ذلك تركت للبرجوازية الكبيرة ، ثم الصغيرة ، مهمة استثارة المشاعر القومية ، ثم قيادة الثورة التحررية والوطنية الديمقراطية . وبقي البعض ينتظر ان تتنازل البرجوازية عن قيادتها ، وان تسلم السلطة على طبق من ذهب ، فقد انتهت مرحلتها ، حتى وقد أخفقت في انجاز مهمتها ، وعليها ان تترك زمام الأمور لمن هو " أجدر " بقيادة الجماهير نحو الدولة الاشتراكية الديمقراطية . وبدلا من الانخراط النشيط في صفوف الحركة القومية الجماهيرية ، وتوجيهها في المسار الصحيح المتسق ، اقتنع هؤلاء بدور الشاهد المتفرج ، ثم المؤرخ الغاضب .
واليوم يتكرر الخطأ ، او يكاد ، بالنسبة للمشاعر وللحركات الدينية السلفية ، التي يمكن القول عنها أنه لابد لها ان تستيقظ ، والتي لها مبرر تاريخي كبير ، حتى واكبر منه في الحركات ( اليسارية ) و ( اليسراوية ) التي أضحت نقطة في أمواج تسونامي يهدد الجميع .
واذا كان المؤمنون هم من لا يلدغون من الحجر مرتين ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات