الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية حسن طوبار: صفحة من النضال الوطني

عطا درغام

2022 / 8 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في نضال الشعوب رجال وقفوا في وجه العدو الغاشم رفعةً لأوطانهم وحماية لشرفهم ، وعزتهم وكرامتهم، واثقين بالله وبأنفسهم، ولم يلههم ترف العيش ولا الفراش الوثيرة ، وإنما جادوا بما لديهم حتي فارقتهم الحياة، لتظل ذكراهم خالدة خلود أوطانهم.
فلو رجعنا إلي حركة النضال والمقاومة الشعبية ضد الغزو الفرنسي في الفترة ما بين (1789- 1800) علي بلاد " البحرالصغير"، أقاليم (المنزلة- دمياط- المنصورة) ، وحركة المراكب المصرية الجريئة في " بحيرة المنزلة " بقيادة شيخ العرب الكبير"حسن طوبار"، ومهاجمتها المستمرة للأسطول الفرنسي لتحرير " دميان" والتصدي لأسلحته ومدافعة بإمكانيات بسيطة، كانت تملكها أهالي المناطق، وما دونه التاريخ من جرأة واستبسال المصري محافظًا علي كرامته،معتزًا بنفسه..أعطته كل هذه المقادير القدرة علي الوقوف ضد هذا المحتل الغاصب قوة وصلابة.
لقد كان لهذا النضال الأسطوري العظيم الذي قاده الزعيم"حسن طوبار" شيخ إقليم المنزلة وكامل المشايخ، أهمية بالغة في تغيير معالم تاريخية لا زلنا نجهلهل، وكذلك في تغيير جغرافية المنطقة، وسائر الأقطار التي تمتد من مصر إلي الشام إلي تركيا إلي الهند.
لقد تباهي "نابليون" بانتصاراته العظيمة علي أوربا، ونري ذلك في مقولته عندما أقام احتفالًا عسكريًا بميدان الأزبكية في القاهرة بمناسبة عيد الجمهورية الفرنسية "22 سبتمبر 1789" حين قال:
"أيها الجنود نحتفل اليوم بمستهل السنة السابعة للجمهورية".
منذ خمس سنوات خلت كان استقلال الشعب الفرنسي مهددًا ،ولكنكم جاهدتم فاحتللتم (طولون)، وكان هذا الاحتلال فاتحة انهيار صرح الأعداء.
ولم ينقض عام حتي هزمتم النمسويين في (ديجو)، وفي السنة التالية رفعتم علم النصر فوق "جبال الألب" ومنذ عامين كنتم تهاجمون ( مانتو) وحزتم ذلك النصر الباهر في ( سان جورج)، وفي العام الماضي بلغتم مناب نهري (الدراف والأيسونزو) بعد أن انتصرتم في "ألمانيا"، فمن كان يظن يومئذ أنكم ستكونون اليوم علي ضفاف النيل في بطن القارة القديمة".
لقد ظن"نابليون" أن الطريق إلي مصر مفروش له بالورود ، إلا أنه وجد شعبًا يستعذب الموت في سبيل الحرية.
وغاب "نابليون بفرحته هذه لتلك الانتصارات وقال:
"ما أوربا إلا حجر فأر، وما وجدت العظمة إلا في الشرق".
فالمواقف البطولية للزعيم "حسن طوبار" في "بحيرة المنزلة" والأقاليم المجاورة ضد الغزو الفرنسي. كانت لهم كبير الأثر في إعطاء الفرصة الكافية لتمكين " أحمد باشا الجزار" حاكم عكا من عمل الاستحكامات القوية لحصونه، والتي ساعدت علي الانتصار علي جيوش "نابليون" فكانت عكا هي الصخرة التي تحطمت عليها آمال " نابليون" في الشرق.
فلو قُدر" لنابليون" الانتصارعلي "عكا" لواصل مسيرته لاحتلال "الأستانة" ثم"الهند"، وبهذا تكون قد تحققت نبوءته في إنشاء إمبراطورية شرقية كبيرة تخضع تحت العلم الفرنسي، وفي نفس الوقت يستطيع ضرب تجارة إنجلترا في الهند والانتصار عليها.
لقد كانت مواقف الزعيم"حسن طوبار" وحروبه المستمرة عثرة أمام تحركات جيوش"نابليون" اهتمامًا بالغًا، فهي المفتاح الوحيد لتوسعاته في الشرق للهجوم منها،أو لتصدي الهجمات، كما كان يريد تأمين مواصلات جنوده ما بين دمياط والمنصورة والصالحية وبلبيس..
لقد اعترف "نابليون" وهو في منفاه في جزيرة " القديسة هيلانة " قائلًا" : لو أنني استوليت علي "عكا " لوصلت إلي "الأستانة"، ولأسست أسرة بها"
وقال أيضًا إنه حينما عزم علي إنفاذ مشروع الحملة علي القطر المصري.كان يقصد إنشاء إمبراطورية شرقية كبيرة، وكان ينوي توطيد مركزه في مصر، وكذلك غزو الهند، وكان يقدر الوصول إليها في شهر مارس 1800 م، ولقد كان للزعيم "حسن طوبار" الدور الأكبر في التصدي والصمود أمام جيوش "نابليون".
وحسن طوبار شيخ إقليم المنزلة وكامل المشايخ، والده شيخ العرب الكبير حسن المتولي طوبار شيخ إقليم المنزلة.
وتوارث المشيخة من أربعة أو خمسة أجيال سابقة، يتبعه أربعون رئيسًا من مشايخ البلاد، وتعلم وحفظ القرآن الكريم، ويحب الشعر، وفتح الكتاتيب علي حسابه الخاص، وكان يعطي المعلمين أجورهم، كما أوقف بعض الأراضي الخيرية لمساندة المحتاجين، وبني المساجد والمضايف لاستقبال الغرباء عن البلدة.
كان "حسن طوبار" شغوفًا بتربية الخيول الأصيلة، وكان له حصانه الخاص، وسرجه المطهمة ، وسيفه المرصع بالأحجار الكريمة.
كان "حسن طوبار" من أغني أغنياء القطر المصري، وربما أغناهم، له سلطة تقوم علي نمانته في النفوس، وثروته وعصبيته، ومن ذوي قرباه وأتباعه وأشياعه وأرقائه، وعلي مؤازرة العرب له . فهو واحد من أكثر ملاك مصر ثراءًا. وتقول عنه التقارير الفرنسية" لعله الوحيد الذي تجرأ علي تكديس هذا الكم من الأموال والأملاك العقارية التي كان يمتلكها وعائلته من أكبر عائلات المنزلة".
"كان حسن طوبار يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية حقولًا وبساتين في "المنزلة" و"دمياط" وبعض النواحي الأخري. بالإضافة إلي العديد من المتاجر والوكائل، وكل مصانع حلج الأقطان، والغزل والنسيج والصباغة، ومعاصر زيت السمسم ومضارب الأرز وآلات لتبييضه ، واهتم بصناعة السفن والقلاع، وكان له أسطول بحري تجاري وآخر لصيد الأسماك، وعند قدوم الحملة الفرنسية علي مصر اهتم كثيرًا ببناء القوارب علي حسابه الخاص وتسليح المتطوعين، لمهاجمة الفرنسيين.
وكان من أملاك "حسن طوبار" وأخيه "شلبي" وآثارها في أماكن متعددة بدمياط. مبني المحافظة، وعمارات الأوقاف ومبني المحكمة، وسوق الحسية، ومضرب البدري، و11 بيتًا كانوا مهجورين. كما كانت أراضيهم الزراعية في دمياط. ابن قفل وجريبة وشط جربية وغيط العنب وغيط النخيل والبستان وحوض طبل ونواح أخري.
وكان لحسن طوبار قصران كان أحدهما في" حوض السيد" بين دمياط والخياطة والآخر في حوض" ابن قفل ناحية شط جربية"
ويقول أحمد لطفي السيد": إن قبيلة حسن طوبار من القبائل المتحضرة في الدقهلية وخاصة في نواحي المنصورة".
ويقول الجنرال" أندربوسي" أحد قواد الحملة الفرنسية البحرية: إن هذه القبيلة (طوبار) مستقرة في مدينة "المنصورة" كما أنها احتكرت حق الصيد في "بحيرة المنزلة" وكانوا يستطيعون الوصول إلي ترعة" بحر مويس" عن طريق الصالحية التي يتفرع منها، ومن هنا يبلغون" البحيرة " للاتصال بسكان" المنزلة والمطرية "، ويتحكمون في كل " البحيرة" والبلاد الواقعة علي شطآنها.
وامتد نفوذ هذا الشيخ الأسطوري العظيم امتدادًا، وكان اسمه يتردد علي الشفاه ما بين"المنزلة" و"دمياط"و" المنصورة" وما حولها حبًا وتقديرًا له.
ويقول عنه الچنرال لوجيه أحد قواد الحملة الفرنسية": في كل جهة مررنا بها من المنصورة إلي المنزلة كنا نسمع ثناء الأهالي علي"حسن طوبار" وهو محبوب بينهم حبًا شديدًا، وهو غني تقدر ثروته بالملايين، يمتلك الأراضي الواسعة، ومصانع القطنن ومصانع الصباغة والمتاجر الكبري.
ومما لا شك فيه أن هذا الشيخ الأسطوري العظيم، استطاع أن يوطد روابط قوية بينه وبين أقربائه والأهالي والأقاليم المجاورة، لما كان يحمله من صفات طيبة ؛ لمساندة الجميع في السراء والضراء، في أفراحهم وأحزانهم، حتي الأرقاء كان يقيم لهم أفراحهم بزواجهم من بعضهم البعض. كل هذا الترابط كان يجعلهم في أمن وأمان، كما كان يقدم الهدايا والتحف لذوي القربي، ومشايخ البلاد، ويساعد المحتاجين ، ويُقطع بعضهم وبعض العرب الوافدين الأراضي لزراعتها والعيش فيها.
ولم يأت ذلك من فراغ؛ فإن أصوله العريقة التي كانت تتميز بالحكمة والعدل ساعدته علي امتداد سلطانه إلي مختلف الطبقات، وأصبح نقطة التقاء بين الجميع لحبهم له.
وبالرغم من هيبته بين الجميع، إلا أن أبواب قصوره كانت مفتحة دائمًا للفقير والغني، وكان يستقبل الكثير من أهله وهم كانوا كثيري العدد، كما كان يستقبل عرب الصحراء، وعرب"غزة " و" الشام " وكانوا يجلونه ويحترمونه احترامًا شديدًا، وكانوا يتركون خيولهم وجمالهم علي مساقة من القصر، ويأتون إليه مترجلين، إلا أنهم كان يقابلهم بحفاوة وتكريم ويستضيفهم ببذخ وسخاء، ويجل مكانتهم، حتي أن بعضهم استقر في تلك المنطقة التي كانت أكثر أمنًا واستقرارًا رزقًا لهم.
وكان حسن طوبار يحتفي بالمناسبات. ففي شهر رمضان يكثر من قراء القرآن الكريم، والتواشيح الدينية ، وتُذبح الذبائح وتوزع علي الفقراء ، كما كانت تُوزع الكساوي والياميش والحلوي والأرز والسكر والتمور.
وبالرغم من أن "حسن طوبار" كان واسع الثراء، ونفوذه قوي وحب الناس له، كل ذلك كان كفيلًا بأن يُبعده عن الأحداث والحرب، ويعيش منعمًا، مستغرقًا في ثرائه، مبتعدًا عن المواقف التي تقلق حالته وتهدد حياته وثرواته، منذ احتلال القوات الفرنسية لمصر، إلا أن حبه وولاءه لوطنه، ووطنيته العظيمة دفعته تلك للتضحية بروح عالية، رافضًا الاستسلام وأن يكون تحت ظل علم أجنبي ، وكان مبدؤه لا مال ولا حياة دون عزة وكرامة..
لقد كان "حسن طوبار" زعيمًا ذكيًا، وخصمًا عنيدًا لا يستهان به؛ فالفرنسيون كانوا يعملون له حسابًا كبيرًا ويكرهونه، ولا يأمنون جانبه؛ لأنه كان " العقل المدبر" لحركات المقاومة ضدهم في بلاد "البحر الصغير"، بخططه وخداعه لهم.
لقد حاز اهتمامات چنرالات فرنسا في كثير من تقاريرهم المتبادله، حتي أن هؤلاء الجنرالات وجنودهم كانوا ينزعجون منه في "بحيرة المنزلة ". وحاولوا أسره أو تدمير أسطوله البحري أو خداعه أو مهادنته أو التقرب إليه، أو محاوله إرسال الهدايا إليه ،إلا أنه كان رافضًا، كما كان يرفض كل مطالب الفرنسيين ومتيقظًا لكل الاحتمالات.
فقد حاول الجنرال" فيال" قائد منطقة "دمياط" في ذلك الوقت أن يقدم له سيفًا مذهبًا، إلا أنه سخر منه ورفض مقابلته ، وحاول الجنرال " داماس" مقابلته إلا أنه رفض أيضًا، كما رفض محاولات الچنرال" دوچا" مع قواده. ولما أرسل إليه " نابليون" بعض الهدايا الثمينة رفضها كما رفض مقابلة القائد الفرنسي.
وعندما استولي الفرنسيون علي " المنزلة " وتجولوا في شوارعها، راع انتباههم قصور"حسن طوبار" لسعتها وجمال تنسيقها علي الطراز الشرقي البديع، فأراد الفرنسيون دخولها، إلا أن الأهالي والحراس رفضوا تسليم مفاتيحها.فقام الچنرال " لوچيه " ومعه بعض الضباط بفتح أحد الأبواب، وارتادوا داخل حجرات القصر؛ فراعهم سقوفه المنقوشة بالألوان المذهبة الزاهية، تتدلي منها الشمعدانات بأقواس من الكريستال الملفوف الرائعة الجمال وجدرانها وأعمدتها ذات الفخامة وجمال تأثيث هذا القصر.
ولاحط الضباط شدة غضب الأهالي والحراس لانتهاك حرمة منازل"حسن طوبار"، فخشي القائد الفرنسي ثورة غضبهم فانسحبوا من القصر ، واحتلوا دارًا أخري بالمنزلة جعلوها المعسكر العام للحملة.
لقد عجب هؤلاء الضباط لهذا الرجل العظيم، الذي لم يقبع في فراشه الوثيرة بين الخز والديباج وراح يحاربهم.
ونجح الكاتب أحمد طوبار في الكتاب الذي يحمل عنوان (حكاية حسن طوبار: صفحة من النضال الوطني) في رسم صورة قلمية لحلقة مهمة من حلقات مسلسل المقاومة الشعبية للحملة الفرنسية، التي تعتبر أول تحد غربي لمصر في التاريخ الحديث، بشكل مبسط وعرض علمي بعيدًا عن التعقيد ملتزمًا بالتسلسل المنطقي للأحداث، من خلال إلقاء الضوء علي شخصية " شيخ العرب حسن طوبار" وهو من أهم الشخصيات التي تصدت للحملة الفرنسية ،وكان له دور كبير في تحطيم حلم الإمبراطورية الفرنسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ