الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن التنوير من سلسلة الوعي المجتمعي - الكتاب الثاني ، ح1

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2022 / 8 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يدعي البعض ان التنوير ليس له وجود في الوقت الحالي، ويجب مغادرته الى مباني فكرية جديدة ، واجد ان هذه مغالطة كبيرة فمن يريد الحداثة وما بعدها في مجتمع ما قبل تنويري هو من يعيش المغالطة ، نحن اليوم بحاجة الى التنوير بشكل اساسي كخطوة اولى لاشاعة ثقافة حقيقية داخل المجتمع اما من يريد ان يقفز فوق حاجات الثقافة الحقيقية فهو موهوم ولن ينجح في ابراز المفاهيم التي يحتاجها المجتمع. ومن يريد القفز فوق مفهومه في ظل ظروفنا الحالية لن يكون بمقدوره النجاح وان يناقش ما جاء بعده من افكار بسبب الحاجة الثقافية اليه، لذلك ادعو اغلب المشتغلين في هذا الموضوع ان يبرزوا المفاهيم ما بعد التنويرية اما الحديث عن موته فهو خرافة ، فعلينا ان نستوعب هذه المفاهيم تمهيدا لخلق حالة تنويرية يتعاضد بها كافة المشتغلين بالثقافة كي يصنعوا الوعي به، فأوربا ابتدأت بالتنوير وما زالت تعود اليه عند الحاجة وهي قد غادرته منذ مئتي سنة حيث الافكار الفلسفية الكبرى التي يشتغل عليها الاوربيين اليوم في مفاهيم يتم مناقشتها اليوم وفق مستوى عال من التعددية الثقافية ، التلاقح الثقافي التراكم المعرفي، البرادايم، وهكذا لكننا ما زلنا بعيدين عن مفاهيم الطفرة .
ما زلنا بحاجة التنوير كي نحدث الثورة حول المفاهيم الدينية ، وبالمناسبة فان مناقشة لسيطة لاغلب مفكري العرب اليوم كل مناقشاتهم تنويرية ، تتعلق باعادة قراءة التراث وابراز اشكالياته ومناقشته .
على سبيل المثال لدينا نصر حامد ابو زيد هو مفكر يناقش التنوير من خلال كتبه (مفهوم النص دراسة في علوم القران) او في كتبه الاخرى مثل (اشكاليات القراءة واليات التأويل* او(الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرلاان عند المعتزلة) ، ان جل اهتماماته هو احداث فتح حول قضايا التنوير في التراث فنرى ان ابا زيد في كتابه (مفهوم النص) يناقش قضايا عدة من مثل (ان حب الخلاء في عار حراء لم يكن انعزالا عن حركة الناس في الواقع انما كان طقسا يمارسه اخرون الى جانب الرسول وقبله هؤلاء الاخرون هم الاحناف الذين تحصرهم السيرة في (ورقة بن نوفل ) و(عبد الله بن جحش) و(عثمان بن الحويرث) و(زيد بن عمرو بن نفيل) وهكذا يبين ابو زيد مفاهيم وردت في تراث المسلمين لم يتم تسليط الضوء عليها ، كما يدعو الى ايجاد ثغرات بها كي يبين حقائق مثيرة من مثل ان النبي ما كان اول شخص قد قام بالتخلي او انه لم يلتق بأصناف قبله ، نقل عنهم الكثير من الاخلاق والعقائد التي كانت كثيرة يشتركون بها فكيف وانى لنا ان نشتغل بمفاهيم كبرى في الفلسفة وما زالت الاسطورة الدينية تحيط بحياتنا لذلك فمن الافضل للذين يدعون الى الدراسات الفلسفية الكبرى على الرغم من اهميتها وشغلنا عليها مستمر لغرض ايجاد ثغرات في المجتمع من خلالها ، فمن الافضل لهم فضح وكشف المقدس، كي يتسنى للمجتمع وضع صياغة جديدة له في ظل المتغيرات العالمية .
التنوير اهم ما يمكن الاشتغال عليه وفضح اشكاليات كثيرة في التراث لذلك قدمت كتابا اسميته(النص وازمات المجتمع) اتحدث فيه عن البخاري والدارمي والكافي وما احدثوه ونقلوه من حديث ومناقشة هذه الاحاديث وكذلك قراءة مغايرة للقران (ايات الدعوة للقتال) (ايات العذاب) (ايات الترهيب) والترغيب وهكذا سيكون مشروعا متخصصا لمناقشة النص الديني مناقشة تستمد الافكار التنويرية الحديثة والعقلية وكيفية قبول البعض والغاء الاخر كخطوة بالاتجاه الصحيح لوضع مفاهيم واقعية في هذا المجال، بدلا من التنظير غير المستساغ وبدلا من الاطالة والاطناب دون وجود شيء مكتوب لدى البعض سوى مهاترات وتراهات وكسل لايقوى صاحبه من خلاله على كتابة شق ورقة، لذلك نحن مسؤولون عن الاجابة عن عدة اسئلة منها :الهوية وعلاقتها بالتنوير
التراث ماله وما عليه؟ خلق نماذج تنويرية مجتمعية بعيدا عن المزايدات المعرفية والنرجسية العالية
الهوية ليست بكعناها الانغلاقي البائس ، الهوية هي الاخر بقدر ما هي انا ، الهوية سنقرؤها من وجهة نظر سلوكية اجتماعية يسعفنا في هذا المجال فرانسيس فوكوياما الذي اعاد تشكيل النظام الاجتماعي وفق مفهوم الهوية التي تتأتى في بعض الاحيان من خلال السلوكيات فمن الممكن ان سلوكا تؤسسه مجموعة بشرية يعتبر بمثابة هوية لها بعيدا عن مفاهيم الطائفة والمذهب والقومية التي هي جزء من الهوية ولكن كيف تتكون الهوية من سلوك معين ؟
بداية اقول ان الهوية عندما تتأتى من سلوك وتتشكل منه هذا معناه انها مفهوم يخضع للتغيرات وليس مفهوما غائبا بحد ذاته ويشرح فوكوياما ان بعض القواعد السلوكية التي اسستها بعض الشرائح المجتمعية اسهمت في انتاج هوية لهؤلاء المتبعين لها والمخالف لهذه القواعد فهو خارج الهوية الجديدة ومنها ما شرحه فوكوياما حول طبقة الكادحين( حيث يصطف عدد كبير من الناس خارج مطعم بوب في سبرنغ فيلد خلال ساعة الازدحام الصباحي ، تقف سيارة ويصعد بها شخصان او ثلاثة دون ان تكون هنالك أي معرفة لاي من هؤلاء الاشخاص بسائق السيارة لأيصالهم الى وسط المدينة في واشنطن ويتكرر المشهد مساء، بشكل معكوس بسيارات تحمل اشخاصا غرباء من وسط المدينة لايصالهم الى منطقة تركوا فيها سياراتهم) استنادنا لفوكوياما وهو مفكر ما بعد حداثي لا يعني اننا نتناقض في مطالبتنا بالتنوير ونحن نستلهم من الحداث وما بعدها افكارنا، اكرر ما ناقشته سلفا في بعض دراساتي وهو انني عندما اطالب بالتنوير لا يعني ان اترك الدراسات الحداثية وما بعد الحداثة لتفسير الظواهر الثقافية الملحة بل على العكس ان اسخر الحداثة وما بعدها في دراسات هذه اافكار ولكن يكون تركيزي على معاني التنوير لاسيما ما يتعلق بالتراث اكثر كونه يشكل أي التراث اليوم اصعب شيء لي طريق تقدم مجتمعاتنا لذا فنحن بحاجة الى التنوير اكثر من أي شيء اخر .
اعود الى فوكوياما حيث اطلق الاشخاص الذين يشتركون في الركوب بهذه الطريقة على انفسهم (الكادحون) وبدأت هذه الممارسة عام 1973 ويشير فوكوياما اليهم انهم اسسوا مجموعة من القواعد والسلوكيات عبر السنوات فلا يجوز للسيارات ولا للركاب تجاوز الصف ويحق لاي راكب ان يرفض الصعود في سيارة معينة وتجنب الحديث في الوماضيع الحساسة مثل الجنس والدين والسياسة ، يعلق فوكو ان هؤلاء خلقوا (رأس مال اجتماعي) بمعنى ان هوية انبثقت من رغبة الاشخاص وحاجاتهم الى الوصول الى مكان عملهم بشكل اسرع.وبالتالي فوفق هذه النظرة اخرجنا الهوية من منظورها التقليدي وربطناها بمنظور حديث في قراءتها تمهيدا لتأسيس مفاهيم فكرية اوسع من التنوير حتى ، بل مفاهيم تتعلق بقدرة هذه الهوية الجديدة على ايجاد طبقات اجتماعية فاعلة جديدة بعيدة عن تكتلات العرق والمذهب والدين التي ما زالت تحكمنا تحت مسمى الهوية ، فالهوية مفهوم صيرورة يخضع لهذا الموضوع وبشكل كبير كما شرحه فوكوياما وبيناه.
كما ان الهوية تنفتح على الهويات الاخرى وتسمح بالتعددية الثقافية متى ما قرنت الهوية مع التنوير ، صحيح ان مفهوم التنوير مفهوم قديم لكنه ما زال يصلح في مجتمعات تعتبر الهوية لها ميزة مقدسة وليست مجرد محترمة اننا ايضا امام صراع هوياتي (الوضع العراقي انموذجا)حروب تخاض على اساس الهوية (سنية –شيعية) ، (عربية –كوردية) (كوردية –تركمانية) وهكذا نواجه صراع هوياتي مزدحم في العراق تحول في يوم من الايام الى صراع وحروب مما ادى الى نسف المشاريع التنويرية في العراق التي ارسى بعضها اسماء لها ثقلها في مشاريع كثيرة كعلي الوردي ونوري جعفر ومدني صالح ومحمد جبار المعيبد ووطه باقر وغيرهم كثير حيث لا توجد حواضن لهذه المشاريع الا في الرعيل المدني الذي اضحى متسترا عن اعين المؤسستين الدينية والعشائرية على حد سواء.

الرؤية الدينية واحدة على مدى الازمنة والامكنة :
نعم وهذا ما اشار اليه الكثير من العلماء وهنا يقول غوستاف لوبون حول السحر مثلا" يظهر دور الايحاء والعدوى الذهنية فيها على صعيد كبير فالشعادات المستحصلة اثناء الدعاوي المتعلقة بأعمال السحر والشعوذة في مختلف البلدان متطابقة والدين والشعائر المرتبطة به تتخذ اشكال العدوى التي تسري بين الناس حيث تنتقل العدوى بين هؤلاء الناس بشكل كبير جدا خالقة تواشجا بين العناصر المندفعة ) واشير هنا الى شعائر عاشوراء التي تتخذ شكل عدوى بين الناس فتتشكل حشودا من الناس مندفعة دون ادنى وعي منها مؤمنة بقضية من الاستحالة الوقوف ضدها كما ان الشعائر تعتمد على التاكيد والتكرار وهما عنصران قويان جدا في خلق ونشر الاراء ، هذا ما يشير اليه لوبون ايضا وقد استخدم الدين الية التكرار في كل شيء، حتى انك تراه في النص الديني كي يخلق الراي العام، حول المكرر وفيما بعد الاعتقاد وقد حل المعري هذا الاشكال عندما حاكى القران في كتاباته وعندما عارضه الناس والعلماء اجاب اجابته المشهورة"لم تصقله المحاريب اربعمائة سنة،"وهنا يشير الى الفارق الزمني بين ما كتبه وبين كتابة القران فطالب ان يعطى كتابه اربعمائة سنة كي يكرر وتلوكه الالسن وتحفظه فسيكتب له طراوة القران واهميته ويصبح كتابا عقائديا
اما التراث فنحن نعيش ازماته وما زالت الفضائيات والاعلام يقوم اشكالياته لعى التراث وما زال يناقش من هو احق بالخلافة ابي بكر ام علي ، هل صحيح ما تعرضت له فاطمة بنت محمد من كسر لضلعها ام لا؟ والملاحظ لهذه القضايا يجد ان البحث فياه لن يقدم ولن يؤخر بتاتا وكاننا ما زلنا نعيش مع أناس سبقونا في الزمن 1400 سنة فهذه الاشكالية يجب ان يقف بوجهها التنوير ويدعو الى تسفيهها.
والعدوى الذهنية هي عدوى معدية حسب لوبون وهي تنتقل من جيل الى اخر ومن قوم الى اخرين، بفعل العقائد المزيفة بالعواطف التي يشتقها الناس لهم.
ومن باب التنوير هو اعادة قراءة الاديان بصورة ليست مألوفة كما لدى اصحابها ، ومنها الاسطورة في الدين فهل حملت الاديان الاساطير؟ والجواب نعم قد حملتها وعلى التنوير ابرازها ولنأخذ الديانة اليهودية على سبيل المثال فقد اشار الكاتب (هوارد شوارتز) في مقال مترجم له بعنوان "الاسطورة في الديانة اليهودية" الى هذه المفاهيم، فالاسطورة هي : التي تتحدث عن القصص المقدسة للشعب حول اصوله والهته واجداده وابطاله ضمن ثقافة معينة وهذا ما نجده ليس فقط في الديانة اليهودية بل في كل الديانات ، يقول شوارتز" قد مارست الاساطير المنفردة سلطة كبيرة على الحياة اليهودية وحتى في الايام الحالية يعيد اليهود عيش تجربة الخروج exodus والتي تذكرهم بالهروب من العبودية للمصريين ويتلون التوراة من جديد على جبل شفوت وهو احتفال بتلقيهم التوراة ولم يهدأ التوق الى المخلص في بعض الحلقات اليهودية الملتزمة ، باليهودية الاصلية" هاورد شوارتز، ت:عبد الامير حميد، الاسطورة في الديانة اليهودية، ص21، العدد 1 السنة الخمسون كانون الثاني- اذار 2015 ، بغداد ، فنلاحظ ان اليهود ما زالوا يعيشون مع اساطيرهم وليس هم فحسب بل المسلمين من اكثر الناس التصاقا باساطيرهم وتجد في قضية الامام الحسين لدى الشيعة ابعاد مهمة في هذا المجال حيث نسجت مئات بل الاف الاساطير حول قصة مقتله منها (الجن ينعوه بشعر) او ياتي اليه ابيه في ليلة مقتله او غيرها من الاساطير التي رووها المحبون لتمجيد التضحية حسب رؤاهم وتعتبر هذه القصة هي اكبر قضية سردية تراثية حوت من الاساطير والعجائبية الشيء الكثير وهي معاشة حتى اليوم ويستردها الاتباع بمزيد من العجائبية بل الغرائبية في الكثير من الاحيان.
القصص الاسطورية هائلة في هذا المجال التراثي وينبغي احداث الوعي حولها ودراستها وقراءتها قراءة واضحة الدلالات .
التنوير في جوانب الابداع...
كذلك فان التنوير يستلزم ابراز جوانبه ليس في المجال الفلسفي فحسب بل في المجالات الابداعية كافة حيث يتم التعبير عن هذه المسائل ب "رؤى التنوير عبر الرواية او الشعر او المسرح او السينما" واستحضر هنا رواية "البيت الصامت"لاورهان باموق حيث يقول ما نصه في البيت الصامت" لا اله موجود ولا الاخرة، الدنيا الاخرة كذبة مقرفة ، لفقوها لنا من اجل ضبطنا في هذه الدنيا ولم يبق لدينا، ادلة على وجود الله غير تلك الترهات الجدلية" نص وضفه المؤلف من خلال الرواية يشكل بحد ذاته فكرة اتفقنا معها او اختلفنا ولكنها فكرة فلسفية كبرى مناقشة الاله عبر الرواية .
كذلك فان التنوير تناولته السينما بأكثر من فلم وجسدت هذه الافلام افكارا فلسفية كبرى لسنا في دور الحديث عنها
التنوير اساس التحضر وبدونه لن يستطيع المتشدق بالحداثة في مجتمعنا وما بعدها ان يؤسس لنظرياته المجتمعية وما زال لا يفقه شيئا من اساسيات التنوير وغارق في جهالاته بدعوى ما بعد الحداثة التي نريدها بشكل كبير ونركز عليها بشرط الانتقال اليها تدريجيا والتاسيس لها بشكل صحيح ، فمن يحارب التنويرمن المشتغلين بالثقافة يغرد خارج السرب فهو يحارب هذا وينتقد ذاك ليس ضمن دلالات علمية بل مجرد تشدقات تعلو بنرجسية طاغية حتى اضاع الصواب ، فلأحداث الوعي التنويري من خلال قراءة كل التجارب التنويرية في العالم ومحاولة استنساخها حتى مع مراعاة الظروف للمجتمع بغية التهيئة للتغيير وسيكتشف المجتمع الاشكاليات رويدا بل سيسهم ومثقفيه في رفد المنظومة بشتى انواع الافكار من الحداثة وما بعدها رويدا بل حتى ضخ هذه الافكار بالتزامن مع ضخ افكار التنوير الاساس الذي بني عليه قاعدة تغيير اساسية ومهمة ترتكز اساسا على اعادة قراءة الموروث بكل تفاصيله وهذا ما سنعمل عليه في كتابنا القادم" النص وازمات امجتمع"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت