الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع بوب أفاكيان [ حول قضايا حارقة : البيئة و الهجرة و حقوق الإنسان و الطبقات و حرّية الصحافة و سلاسل العمل – التزويد ]( الحوار بأكمله )

شادي الشماوي

2022 / 8 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


حوار مع بوب أفاكيان [ حول قضايا حارقة : البيئة و الهجرة و حقوق الإنسان و الطبقات و حرّية الصحافة و سلاسل العمل – التزويد ]( الحوار بأكمله )
جريدة " الثورة " عدد 746 ، 11 أفريل 2022
https//revcom.us/en/bob_avakian/interview-bob-avakian

ما يلى نصّ إجابة على أسئلة حوار طُرحت على بوب أفاكيان ، المنظّر الشيوعي و مؤلّف الشيوعيّة الجديدة و رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة . و الأسئلة المطروحة في هذا الحوار ستّة وهي ترد بالخطّ العريض و يشار إلى صاحبها ب " المحاوِر " بينما أجوبة بوب أفاكيان ترد بعد ذكر إسمه . و نلفت نظر القرّاء إلى أنّ الأسئلة قد أعدّت قبل غزو روسيا لأوكرانيا و ما تلى ذلك من أحداث و إلى أنّ بوب أفاكيان أتمّ إجابته عنها بُعيد بداية الحرب التي نجمت عن ذلك الغزو .
و قبل إيراد الأسئلة و الأجوبة ، ترد بعض التعليقات التقديميّة من المحاوِر و بعض الملاحظات من بوب أفاكيان .
----------------------
( الأرقام بين قوسين في فقرات الأسئلة تحيل على المراجع أوّلا على سنة نشر (2016 ) كتاب بوب أفاكيان " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " و ثانيا ، على رقم الصفحات في ذلك الكتاب ) .
[ ملاحظة : تقسيم الحوار المجرى من طرف جريدة " الثورة " يقدّم سبعة أجزاء و المترجم أدمج الجزء الأوّل و الثاني].

المُحاوِر :
عقب قراءة " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " (2016) و التفكير في المواضيع التي برزت بحدّة أكبر في السنوات الخمس فقط منذ نشره ، و تجلّت أكثر مع وباء كوفيد - 19 ، ندرك بصفة إستعجاليّة حتّى أسطع الحاجة إلى تغييرات في " النظام الذى يمثّل جوهريّا مصدر الكثير من البؤس و العذابات في العالم " (1) . و المحاور التي أرجو أن نتناولها بالحديث في حوارنا عديدة : البيئة و الهجرة و حقوق الإنسان و الطبقات و حرّية الصحافة و سلاسل العمل – التزويد .
بوب أفاكيان :
قبل تناول الأسئلة الخاصة التي ستلقيها وهي جدّية و هامة و تتّصل بتطوّرات هامة و حارقة في العالم ، أودّ أن أسوق بإختصار بعض الملاحظات العامة إستنادا إلى قراءاتى بصدد هذه القضايا . الإجابة على هذه الأسئلة من جهة بسيطة و أساسيّة و من الجهة الأخرى معقّدة : بسيطة و أساسيّة بمعنى أنّ المشاكل المعنيّة قابلة للمعالجة – و لا يمكن معالجتها إلاّ – بثورة و نظام مختلف راديكاليّا ، نظام إشتراكي غايته الأسمى عالم شيوعي ؛ و معقّدة بمعنى أنّ القيام بهذه الثورة عمليّا و تاليا تحقيق التغييرات التي سيسمح بها هذا النظام الجديد راديكاليّا سيتطلّب العمل و النضال عبر بعض الأوقات الصعبة و التناقضات الشديدة التعقيد . و في إجاباتي هنا ، سأبذل قصارى الجهد لتوفير ما يتناول بالحديث المسائل الأساسيّة المعنيّة بينما أحيل على أعمال توفّر المزيد من النقاش الأشمل و الأعمق لما تثيره هذه الأسئلة . و بوجه خاص ، أحيل القرّاء على " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفته . و قد صيغ هذا الدستور و المستقبل في الذهن – كمرشد ينطوى على جملة من الأهداف و المبادئ و الإجراءات الملموسة قصد إنشاء مجتمع إشتراكي من خلال الإطاحة بالنظام الرأسمالي- الإمبريالي الذى يحكم الآن هذه البلاد و يهيمن على العالم ككلّ . و في إجاباتي على الأسئلة المطروحة في هذا الحوار ، إقتبست بصفة واسعة جدّا فقرات من هذا الدستور بإعتبار أنّه يقدّم أجوبة هامة بصيغة مكثّفة .
و في ما يتعلّق بالإقتصاد الإشتراكي و تعاطيه مع البيئة الوسع ، مفيد للغاية هو كذلك مقال " بعض المبادئ المفاتيح للتطوّر الإشتراكي المستدام " . و فضلا عن كتاب " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " ، هناك عمل آخر من أعمالي ، " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " المناسب كخلفيّة و لمزيد التعمّق في ألجوبة على الأسئلة الهامة المطروحة في هذا الحوار . و يحلّل عمل حديث من أعمالي بعمق لماذا يمكن القيام بثورة فعليّة في الولايات المتّحدة نفسها ، في خضمّ التناقضات الحادة و المتفاقمة التي تميّز المجتمع و العالم ككلّ و كيف يمكن أن تُنجز هذه الثورة – ثورة تمكّن من إحداث ضروب من التغييرات العميقة المناقشة في هذا الحوار . ( و هذا العمل هو " شيء فظيع أم شيء تحريريّ حقّا : أزمة عميقة و إنقسامات متعمّقة و إمكانيّة حرب أهليّة مرتقبة – و الثورة التي نحتاج بصفة إستعجاليّة - أساس ضروريّ و خارطة طريق أساسيّة لهذه الثورة " قد كُتب قبل الغزو الروسيّ لأوكرانيا و مزيد إحتدام التناقضات بين الإمبرياليّة الروسيّة و الإمبرياليّة الأمريكيّة / الناتو التي رافقت هذه الحرب ، مع الخطر المتصاعد لنزاع عسكريّ مباشر بينهما ؛ غير ّانّ هذا العمل يوفّر تحليلا أساسيّا للقوى الكامنة و المحرّكة للنزاعات الكبرى في هذه البلاد و في العالم الأوسع و إمكانيّة معالجتها معالجة إيجابيّة بواسطة الثورة ) . و تتوفّر هذه الأعمال و " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " و التحليل الجاري للحرب فى أوكرانيا و أحداث عالميّة كبرى أخرى على موقع أنترنت revcom.us .
يقع ذكر " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " – كلّ من الكتاب و المنهج و المقاربة بصورة عامة – مرّات عديدة في هذا الحوار ، في الأسئلة و الأجوبة على حدّ سواء ، و رغم أ،ّ هذا ليس مجال النقاش الواسع لمبادئ الشيوعيّة الجديدة و مبادئها ، يبدو أنّه من المفيد و المناسب الإشارة إلى لبّه : تمثّل الشيوعيّة الجديدة و تجسّد معالجة لتناقض حيويّ وُجد صلب الحركة الشيوعيّة في تطوّرها إلى يومنا هذا ، بين منهجها و مقاربتها العلميّين جوهريّا من جهة و مظاهر من الشيوعيّة مضت ضد ذلك من الجهة الأخرى ؛ و ما هو الأكثر جوهريّة و أساسيّة في الشيوعيّة الجديدة هو مزيد تطوير الشيوعيّة و تلخيصها كمنهج و مقاربة علميّين و التطبيق الأكثر صراحة لهذا المنهج و هذه المقاربة العلميّين على الواقع عامة و على النضال الثوريّ للإطاحة بكافة أنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و إجتثاثها و التقدّم نحو عالم شيوعيّ خاصة . و يشكّل هذا المنهج و هذه المقاربة أساس و قاعدة كلّ العناصر الجوهريّة و المكوّنات الأساسيّة لهذه الشيوعيّة الجديدة .
و تعبير مكثّف لهذا هو التوجّه و المقاربة الأساسيّين للبحث علميّا عن الحقيقة و البحث عن الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه بما في ذلك تاريخ الحركة الشيوعيّة في ما يتعلّق ليس بمظهرها الرئيسي فحسب - مكاسبها الواقعيّة جدّا و الحقيقيّة - بل كذلك ثانويّا لكن بشكل هام بأخطائها الحقيقيّة و أحيانا حتّى المريرة ( ما أشرت إليه على أنّه " حقائق مزعجة " ).
و إمتداد حيويّ لهذا هو المبدأ المناقش في عدد من أعمالي بما فيها في ذلك " " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " أنّ :
الشيوعيّة الجديدة تنبذ تماما وهي مصمّمة على أن تجتثّ من الحركة الشيوعيّة الفهم و الممارسة السامين القائلين بأنّ " الغاية تبرّر الوسيلة " . و المبدأ الأساسيّ للشيوعيّة الجديدة هو أنّ " وسائل " هذه الحركة يجب أن تنبع من " الغايات " الجوهريّة و أن تكون منسجمة معها للقضاء على كلّ الإستغلال و الإضطهاد عبر الثورة المقادة على أساس علميّ . "
هذا هو التوجّه و المنهج و المقاربة الأساسيّين الذين طبّقتهم في نقاش مسائل هامة أُثيرت في هذا الحوار .
و في الختام ، كمقدّمة ، أودّ أن أشكر أناسا آخرين إطّلعوا على أسئلة هذا الحوار و قدّموا ملاحظات مساعدة بهذا المضمار و خاصة منهم ريموند لوتا الذى وفّر تعليقات قيّمة .
---------------------
[ -1 – التغيّر البيئيّ -العدالة البيئيّة ]

المُحاوِر :
تميّز عن حقّ " إمكانيّات ما يمكن أن يحدث " مع التجديد و إرادة التشويش على الوضع السائد مقابل الحديث عن التغيير فقط " بما هو محدّد و مقيّد بما هو موجود بعدُ " (2) . و الأمر الأخير موثّق جيّدا في مسار الإتفاقيّات المناخيّة .
هل لديكم أيّة أفكار أو وجهات نظر ثاقبة عن كيف أنّ قرارات ندوة ال26 ( ندوة أحزاب – قمّة حكومات حول ألزمة المناخيّة العالميّة ) ستنفّذ بمعنى أنّها ستُحدث تغييرا حقيقيّا و ضروريّا ؟
و هكذا إلى حدّ الآن ، لم تخدم الحروب و الآفات و الكوارث الطبيعيّة إلآّ مزيد الإستقطاب في صفوف الناس . كيف سينهى نظام معاد تشكيله وفق فلسفة حزبكم الإستغلال و الإضطهاد ، و سيحرّر الإنسانيّة و يوفّر لكوكبنا فرصة شفاء و تغيّر ؟
بوب أفاكيان :
بادئ ذي بدء ، أودّ أن أحيل القرّاء على موقع أنترنت revcom.us أين توجد تغطية هامة لندوة ال26 و كذلك تحليل له دلالته لأزمة البيئة العامة و لماذا لا يمكن معالجتها في إطار هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي .
صدر التقرير تلو التقرير عن أجهزة علميّة تدرس الأزمة المناخيّة و الإستنتاج الذى تمّ التوصّل إليه هو أنّ هذه الأزمة مريعة حتّى أكثر من ما أشارت إليه دراسات سابقة . و كما يلفت النظر مقال حديث على موقع الأنترنت الذى مرّ بنا ذكره للتوّ : " يوم الإثنين ، 28 فيفري ، نشرت الندوة العالميّة حول التغيّر المناخي ( IPCC ) ، نتائج أحدث تقرير لها نعته السكرتير العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتاريس ب " أطلس عذابات الإنسانيّة " ".
و يشير المقال إلى أنّ 3.3 مليار إنسان " يعيشون في بلدان " متعرّضة بدرجة عالية إلى الضرر كبشر " نتيجة تغيّر المناخ وفق التقرير الجديد للندوة العالمية حول التغيّر المناخي . و عرض الإنعكاسات الرهيبة لهذا :
لنفكّر في هذا للحظة : أكثر من ثلاثة مليارات إنسان يعيشون إضطرابا و هم تحت تهديد إعصارات قويّة و ارتفاع مستوى البحار و الجفاف الكارثيّ و الفيضانات المميتة و نقص كبير في المواد الغذائيّة و إنفجار فيروسات و أمراض ناجمة عن تغيّر المناخ .
و تعبير صارخ عن منتهى " عدم التكافئ " في العالم هو أنّ الجماهير الشعبيّة التي تعانى أكثر من غيرها من أزمة المناخ المدمّرة تعيش بكثافة في البلدان الأفقر في العالم ، بلدان لا تزال تحت سيطرة النظام الرأسمالي – الإمبريالي بينما هذه البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة هي " المتسبّب " الأساسيّ لإحتدام الأزمة . الواقع هو أنّ تلك الندوة ، شأنها في ذلك شأن إتفاقيّات باريس و ندوات و إتفاقيّات مشابهة قبلها ، لن تفعل و ليس بوسعها أن تفعل شيئا لتغيير المسار الكارثي لإحتدام الأزمة .
و لذكر بُعد من هذا له دلالته ، رفضت الولايات المتّحدة ( إلى جانب منتجين كبار آخرين للفحم الحجريّ كالهند و الصين و أوستراليا ) أن توقّع على الإتّفاق الذى ينصّ على التقليص التدريجيّ لإنتاج الفحم الحجريّ كقرار صادر عن تلك الندوة، على محدوديّة ذلك الإتّفاق .
الولايات المتّحدة أكبر منتج للنفط و الغاز الطبيعي في العالم وهي من أكبر المتسبّبين في إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري، هي الثانية في الترتيب بعد الصين ( و الإنبعاثات للفرد الواحد في الولايات المتّحدة أعلى من تلك في الصين ؛ أعلى من كلّ البلدان التي يعدّ سكّانها أكثر من مائة مليون نسمة ). و لم يشهد إنتاج الولايات المتّحدة من الوقود الأحفوريّ إرتفاعا كبيرا مع الناكر للأزمة المناخيّة ، ترامب ، فقط بل مع أوباما كذلك و الآن مع رئاسة بيدن . فالنفط حاجة إستراتيجيّة للتنافس الإمبريالي و النزاع و الهيمنة الإمبرياليّين . و جيش الولايات المتّحدة هو أكبر مؤسّسة مُستهلكة للنفط في العالم ، و للتشديد تشديدا قويّا على ألمر ، لا إمكانيّة للتخلّى أو حتّى التقليص من هذا الإستهلاك الضخم للنفط طالما يظلّ هذا النظام و جيشه في السلطة وهو يفرض مصالح الطبقة الحاكمة الرأسمالية – الإمبرياليّة فهو أداتها العالية التدمير .
في ظلّ هيمنة النظام الرأسمالي – الإمبريالي و بفعل ديناميكيّته ، تدمير البيئة الطبيعيّة لا يمكن إلاّ أن يتواصل و يتسارع – و حتّى إن وقع إقتراح " بدائل طاقة نظيفة " كإنتاج سيّارات كهربائيّة ؛ فإنّها في ظلّ هذا النظام ستعنى مزيد تسميم البحيرات و الأنهار و مزيد تدمير بعض أكبر الغابات الممطرة في العالم ، و كذلك إضمحلال أنواع و عمليّا سيفرز المزيد من إنبعاثات الكربون . و يحلّل عدد من المقالات على موقع أنترنت revcom.us بما فيها مقالات كتبت زمن إنعقاد ندوة ال26 و إثرها تحليلا علميّا ينتهى إلى أنّه لا يمكن لهذه الإجراءات أن تعالج و في الواقع ليس يمكنها إلاّ أن تزيد في حدّة أزمة البيئة – و جوهريّا ليس بوسع النظام الرأسمالي – الإمبريالي إلاّ ، و لن يفعل إلاّ ، التشديد من هذه الأزمة و التسريع فيها .
و إنعكاس بارز آخر للوضع الدقيق منتهى الدقّة مع نهب البيئة الطبيعيّة – و ل " عدم التكافئ " المميّز للعالم – هو واقع أنّنا سنحتاج إلى ما يعادل الخمسة كواكب كالأرض لبقيّة العالم لو كان لبقيّة العالم مستوى الإستهلاك الموجود في الولايات المتّحدة . و هذا شيء يحتاج إلى و سيتمّ تغييره راديكاليّا مع المجتمع المرتأى في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " . أزمة البيئة أزمة عالميّة تشمل الإنسانيّة و لا نقدر على معالجتها في نهاية المطاف إلاّ على صعيد عالمي . و في الوقت نفسه ، بينما من المرجّح جدّا أنّ ذلك سيعنى دمارا له دلالته – بصفة طاغية نتيجة أعمال القوّات التي تقاوم بعنف إلغاء حكم الرأسماليّة – الإمبرياليّة – ستمثّل الثورة في هذه البلاد قفزة كبرى ليس في تحرير الإنسانيّة عامة و تشجيع و دعم النضال الثوريّ عبر العالم فحسب و إنّما أيضا و بوجه خاص بمعنى القدرة على معالجة الأزمة البيئيّة بما في ذلك عبر بُعد أكبر بكثير من التعاون الأممي الذى ستشجّع عليه و تناضل من أجله الحكومة الإشتراكيّة الجديدة . و التغييرات الراديكاليّة في افقتصاد و العلاقات الإقتصاديّة و المؤسّسات و السيرورات السياسيّة و الثقافة و النظام التعليمي و في مجال الإيديولجيا و الأخلاق – و كذلك التوجّه الأممي الجوهريّ – المجسّدة في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ستعطى دفعا كبيرا لمقاربة كامل الحياة و المجتمع بطريقة مغايرة بعمق .
بمعنى خاص من التطوّر و التغيير الإقتصاديّين و صلة ذلك بمعالجة الأزمة البيئيّة ، سأحيل مرّة أخرى على الدستور و على " بعض المبادئ المفاهيم لتطوّر إشتراكي مستدام " حيث جرى التعرّض إلى كلّ هذا بصورة أشمل ممّا يمكن القيام به هنا . لكن مختصرين الأبعاد الهامة لهذا ، نقول إنّ كامل نظام النقل و أيضا المقاربة العامة لتشكيل السكّان و عملهم و من ذلك العلاقة بين المناطق المدينيّة و المناطق الريفيّة ، سيحتاجون التغيير و سيتغيّرون جوهريّا و سيقع تجاوز وضع التبعيّة السخيفة للوقود الأحفوريّ حيث يرتهن النقل بالسيّارات و حيث ، لذكر مظهر هام من المشكل ، أعداد كبيرة من الناس يتنقّلون ، و هم عادة بمفردهم في السيّارات لمسافات طويلة قاصدين عملهم أو عائدين منه .
و ابعد من ذلك ، تحتاج شبكة الطاقة ( تخزينها و توزيعها و إستهلاكها ) كلّها أن تتغيّر تغييرا راديكاليّا نحو الترفيع الهام من مصادر الطاقة المتجدّدة . و هذا شيء ككلّ غير مدرّ للربح في ظلّ هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و الواقع هو أنّه فيما توجد مصادر طاقة متجدّدة في ظلّ هذا النظام أسعارها عالية جدّا و ليست مدرّة للربح مثل إقامة الاقتصاد على الوقود الأحفوريّ و بالتالى ليست " قابلة للتسلّق " ، و بما هو مقاربة أساسيّة ل " تحقيق الثراء مع الإعتناء بالطبيعة " ؛ " تحقيق الثراء " هو المبدأ المرشد و المحدّد ( حتّى مع مخطّطات ك " الاتفاق الأخضر الجديد " ) – لا وجود لا لأساس إقتصادي و لا ل " رأس مال سياسي " للإستثمار الكبير ( بتريليون دولار ) سيقتضيه الأمر لتحقيق تحويل حقيقي للإقتصاد ليصبح معتمدا على الطاقة المتجدّدة .
لكن مع القضاء على هذا النظام و دوافعه و حدوده التي يحرّكها الربح – و تعويضه بإنتاج محدّد إجتماعيّا يسترشد بحاجيات الجماهير الشعبيّة و بمصالحها الجوهريّة – الموارد الإجتماعيّة و غبداع الناس يمكن إطلاق العنان لهم و دفعهم لتلبية الحاجيات الإجتماعيّة بما فيها الحاجيات الإستعجاليّة لمعالجة أزمة البيئة .
و كتعبير عام عن هذه المبادئ ، على قاعدة ملكيّة الدولة – العامة الإشتراكيّة لوسائل الإنتاج ( المصانع و التقنية و المخازن و البنية التحتيّة و الرض إلخ ) و التخطيط الاقتصادي الشامل ؛ سيغدو من الممكن أن نستخدم بعقلانيّة موارد المجتمع لفائدة الإنسانيّة ؛ و للدفع و التعديل الواعيين للتطوّر الإقتصاديّ و للتفاعل مع الطبيعة بصفة مستدامة – و الأهمّ ، ستجعل سلطة الدولة و الاقتصاد الجديدين ممكنا إطلاق العنان للطاقة الخلاّقة و النشاط الواعي للشعب ؛ و تلبية مجمل الحاجيات الماديّة و الثقافيّة – الفكريّة و تخطّى الإنقسامات الكبرى بين العمل الفكريّ و العمل اليدويّ ( الذين يشتغلون غالبا في مجال الأفكار و الإدارة و الذين يعملون أساسا بأيديهم ) ؛ و المضيّ نحو العمل على إنقاذ الكوكب من أجل الأجيال الراهنة و القادمة .
و يعرض " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " كيف سيتمّ تركيز المؤسّسات و الهياكل السياسيّة الجديدة راديكاليّا و تسييرها – بما يخوّل للجماهير الشعبيّة و منها و بوجه خاص المضطهَدين و المستغَلّين سابقا بأكثر مرارة ، ليتولّوا مسؤوليّة أكبر حتّى في توجيه المجتمع . و ستكون هذه المؤسّسات أدوات لمواصلة تغيير المجتمع و النضال لإنجاز ذلك على أرض الواقع .
و إلى جانب تغيير الاقتصاد لإجتثاث علاقات الإستغلال ، هدف مركزيّ للمجتمع و الحكومة الجديدين كما يرتئيهما " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " هو إلغاء إضطهاد النساء و كلّ الميز العنصري و الإضطهاد القائمين على الجندر و كذلك تحرير جميع الأمم ( أو " الأجناس " ) المضطهَدة بعنف في ظلّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و مجدّدا ، السياسات و الإجراءات الملموسة في هذا المضمار معروضة في هذا الدستور .
---------------------------------
[- 2 - الهجرة و اللاجئين ]

المُحاوِر :
إضافة إلى الهجرة الضخمة الناجمة عن الحرب و النزاعات ، فوضى المناخ عامل كبير و مع ذلك لا وجود لقوانين أو سياسات عالميّة حقيقيّة لمعالجة مشاكل لاجئى المناخ . كيف يمكن للشيوعيّة الجديدة أن تتعاطى مع قضيّة المهاجرين و اللاجئين ؟
بوب أفاكيان :
للإمبريالية صلة وثيقة ب " أزمة اللاجئين " الأشمل : فالولايات المتّحدة دعّمت بعنف أنظمة حكم قمعيّة و موّلت " فرق الموت " في ما يسمّى ب " خلفيّتها " في أمريكا الوسطى ؛ و قد دمّرت الفلاحة الإمبرياليّة و الإتّفاقيّات التجاريّة التي مرّرتها الولايات المتّحدة مثل نافتا ( NAFTA ) الفلاحة المعيشيّة ؛ و قد فكّكت المجتمع و الإقتصاد و زعزعتهما عمليّات الغزو و الاحتلال المنفّذين من طرف الولايات المتّحدة كما جدّ ذلك في أفغانستان و العراق ؛ و النزاعات الإمبرياليّة في سوريا و ليبيا . و الآن هناك عمليّة الغزو الروسيّة لأوكرانيا – التي أفضت إلى تحوّل ملايين الأوكرانيّين إلى لاجئين – وهي حرب تتميّز أيضا بالتدخّل المتصاعد للولايات المتّحدة و " حلفائها " بتسليح الجيش الأوكراني و مساعدته بطرق أخرى ، و تنامى خطر حدوث مواجهة عسكريّة مباشرة بين الولايات المتّحدة / الناتو و روسيا بتبعات قد تكون كارثيّة و تمثّل تهديدا للإنسانيّة في وجودها .
و من المتوقّع أنّه طوال الثلاثين سنة القادمة ، سيفرّ حوالي 200 مليون " لاجئ مناخ " من حوادث مناخيّة قصوى و من التدهور البيئيّ الجاريّ . و حاليّا ، يعانى حوالي 8 ملايين إنسان من إنعدام الأمن الغذائيّ في " الممرّ الجاف " الممتدّ من جنوب المكسيك إلى غواتيمالا و السلفادور و الهندوراس و نيكاراغوا و كستاريكا .
و لا يملك الإمبرياليّين إجابة على هذا عدا المزيد من الفظائع : إيقافات عنيفة و مخيّمات إعتقال بائسة و قاسية بشكل لا يوصف و الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة و تعزيز الحدود التي تفرز تهريب المهاجرين و تحويلهم إلى سلعة يتاجر فيها للعمل الإجباري و الإستغلال الجنسيّ .
إنّك على حقّ تماما في قولك إنّه لا وجود لقوانين عالميّة و لحماية عالميّة تعالج الأمر أي تعالجه معالجة إنسانيّة جدّية . القوانين المفروضة هي قوانين الإمبرياليّين المهيمنين على العالم : معدّلين الحدود و معسكرينها لصيانة المصالح الإمبرياليّة و اقصى إستغلال للمهاجرين الذين يعبرون إلى قلب الأراضي الإمبرياليّة و هم مضطرّون إلى " حياة الظلّ " بلا حقوق. إنّه لواقع زمننا هذا أنّ الحدود بين الولايات المتّحدة و المكسيك و البحر الأبيض المتوسّط صارت مقابر للمهاجرين و اللاجئين ، و أنّ مخيّمات اللاجئين تستغلّ بصورة متزايدة ل " تجارة الجنس ".
مثّل إستخدام المهاجرين ككبش فداء لدي الشوفينيّين و إستهدافهم بالبرنامج الإبادي نقطة تجميع محوريّة للحركة الفاشيّة و نظام ترامب / بانس الفاشيّ في الولايات المتّحدة ( و لقوى فاشيّة شبيهة في بلدان أخرى ). و تضاعف عدد الناس الذين وقع إجتثاثهم من بلدان العالم الثالث و هاجروا إلى الولايات المتّحدة و بلدان أوروبيّة و في عديد الحالات جلبوا معهم تقاليدهم الدينيّة و غيرها من التعبيرات الثقافيّة الهامة المختلفة عن ما كان مهيمنا، و أحيانا جلبوا " الثقافة التقليديّة " الفريدة من نوعها – إستغلّها الفاشيّون للترويج لرهاب الأجانب كعنصر هام كبير و قوّة محرّكة لنموّ الحركات الفاشيّة .
في تعارض مع كلّ هذا ، مثلما جرت صياغة ذلك في الدستور الذى ألّفته و الذى ذكرنا آنفا :
" توجه الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا هو الترحيب بالمهاجرين من كافة أنحاء العالم الذين لديهم رغبة جدّية فى المساهمة فى أهداف هذه الجمهورية و غاياتها، كما وردت فى هذا الدستور و فى القوانين و السياسات المرسومة
و المتبعة فى إنسجام مع هذا الدستور." [ الباب الثاني ، القسم الثالث د ]
و هنا أيضا ، يقع تفصيل القول في السياسات الملموسة المجسّدة لهذا التوجّه الأساسيّ .
و بطبيعة الحال ، لا يمكن معالجة الظروف القاسية و الباعثة على اليأس بصورة متنامية و التي تفرض و ستفرض على الجماهير الشعبيّة ليس النزوح فحسب بل الهجرة عبر العالم ، لا يمكن معالجتها بمجرّد سياسات و تحرّكات بلد لوحده حتّى المجتمع التحريري المرتأى في هذا الدستور . و هذا بُعدٌ هام آخر من لماذا يعدُّ التوجّه الأساسي للشيوعيّة الجديدة و للمجتمع الإشتراكي التي تهدف إلى إنشائه بواسطة الثورة توجّها أمميّا ؛ و يجب أن يكون التقدّم بالنضال الثوريّ ضد حكم الرأسماليّة – الإمبرياليّة و كافة القوى الإضطهاديّة عبر العالم هو التوجّه الأكثر أساسيّة لهذا المجتمع الجديد . و هذا التوجّه الجوهريّ ليس و لا يجب أن يكون مجرّد إعلان بل عمليّا يجب أن يكون متجسّدا في السياسات و التحرّكات العمليّة للقوى الثوريّة و المجتمع الجديد راديكاليّا و التحريريّ الذى يقاتلون من أجل إنشائه . و في الوقت نفسه ، مجدّدا ، ستوجّه الثورة في هذه البلاد من خلال الإطاحة بالطبقة الحاكمة الرأسمالية – الإمبرياليّة الأقوى ، ستوجّه صفعة هائلة و تصبح مصدر إلهام لمليارات المضطهَدين بمرارة في العالم و كافة الذين ، في كافة أنحاء العالم ، يتطلّعون إلى عالم دون حكم المستغِلّين و المضطهدِين و العذابات الكبرى التي ينزلونها بجماهير الإنسانيّة و التهديد الوجوديّ الذى يمثّله هذا النظام لمستقبل الإنسانيّة .
------------------------------
[ -3- حقوق الإنسان في سلاسل العمل ]

المُحاوِر :
ضمن سلاسل العمل – التزويد ، أكّدت على أنّ " الشعوب المسحوقة جرّاء السير اليوميّ لهذا النظام عبر العالم – سواء في مصانع النسيج في أماكن مثل بنغلاداش و غواتيمالا و الهندوراس أو السلفادور – تقع التضحية بحقوق الإنسان و الوكالة الفرديّة " ( 3)
و مواطنون من هكذا أماكن عادة ما يظهرون على الحدود باحثين عن ظروف إقتصاديّة أكثر نجاعة مضيفين عاملا آخر يدفع نحو معادلة الهجرة .
كيف تحمى أو ستحمى الشيوعيّة الجديدة حقوق الإنسان ؟ حتّى بالإعلان العالمي القائم ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتّحدة سنة 1948 ) هذه الحقوق من العسير تكريسها نظرا لأنّ لكلّ أمّة طريقتها الخاصة في الحكم و تأويلها الخاص ل " حقوق الإنسان " .
بوب أفاكيان :
في ما يتّصل بإعلان الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان و غيره من الإعلانات المشابهة ، هناك مظهر محوريّ هو أنّ هذه الحقوق كما عدّدت و صرّحت مجرّد إدّعاءات نظريّة ( بغضّ الطرف عن كيف تستخدم أيضا كهراوة ديبلوماسيّة – إيديولوجيّة في النزاع ما بين القوى الإمبرياليّة و تعلّة لإلقاء القنابل و التدخّلات العسكريّة باسم " حقوق الإنسان " ) . و كما أشرت إلى ذلك ، في إطار ميزان القوى الراهن في العالم ، لا وسيلة حقيقيّة ل " فرض " هذه الحقوق – و بمعنى أكثر أساسيّة ، لا وجود لوسيلة حقيقيّة ل " تفعيل " هذه الحقوق في إطار الاقتصاد و النظام الرأسماليّين – الإمبرياليّين العالميّين . ففي المجتمع الرأسمالي القائم على الملكيّة الخاصة و الإنتاج من أجل الربح ، قدرة إستئجار و تسريح العمّال المأجورين يجرى بالتفاعل مع ظروف السوق المتقلّبة و عمادها الربح للحصول على قوّة عمل متنقّلة و إحطياتي عمل ( مستعدّ للإستغلال ) ، من المقتضيات الأساسيّة و شرط دائم لسير هذا النظام . فالبطالة ليست ظرفا مؤقّتا أو ظرفا طارئا للحياة في ظلّ الرأسماليّة . إنّما هي مبنيّة في أسسه و مظهر ضروريّ لسيره . لذا لا يمكن أن توجد حقوق إنسان " مفعّلة " خاصة في ما يتّصل بالعمل و بالدخل إذ هي لا تتماشى مع هذا النظام .
و قد أشرت إلى الأمم المتّحدة . " المجتمع العالمي " كما تمثّلأه الأمم المتّحدة ليس في الوقاع مجتمعا و إنّما هو بالأحرى تعبير آخر عن الهيمنة الإمبرياليّة العالميّة ، عن عالم منقسم إلى مستغِلّين و مستغَلّين ، إلى أمم مضطهَدة و أخرى مضطهِدة، و يشهد صراعات بين الإمبرياليّين المتنازعين . ليست الأمم المتّحدة جهازا فوق الأمم بل هي مؤسّسة تعكس ( و تؤبّد ) هذه الإنقسامات و النزاعات . في عالم اليوم ، الأنظمة القانونيّة في البلدان ، كلّ بلد على حدة ، و على الصعيد العالمي ، تنهض على و تعزّز علاقات إستغلال إقتصاديّة و إجتماعيّة إضطهاديّة محدّدة . و الواقع هو أنّ العدالة الإجتماعيّة لا يمكن تحقيقها في إطار الأنظمة القانونيّة الموجودة و التي تخدم الرأسمالية – الإمبرياليّة و أنظمة الحكم الرجعيّة الأخرى .
و على عكس هذا كلّه ، يُجسّد " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " و يفصّل القول عن الحقوق الأساسيّة للناس و العديد من هذه الحقوق غير مذكور حتّى في دساتير الولايات المتّحدة و البلدان الرأسماليّة المشابهة ، و أكثرها أساسيّة غير ممكنة التحقيق في ظلّ حكم هذا النظام و في إطاره . و هذه الحقوق مصاغة في إطار و في علاقة هامة بهدف إلغاء جميع الإستغلال و الإضطهاد . و ينعكس هذا في عنوان الفصل الثالث من هذا الدستور " حقوق الناس و النضال لإجتثاث كافة الإستغلال و الإضطهاد " حيث تمّ شرح ذلك شرحا تفصيليّا و بالملموس . و قد وقع التعبير عن ذلك بطريقة مكثّفة في التالى ، ضمن القسم الأوّل من ذلك الباب :
" أهمّ حقّ أساسي للبروليتاري بمعية الجماهير الشعبية العريضة ، فى الجمهورية الإشتراكية الجديدة ، هو حق تحديد توجه المجتمع و الإلتحاق بالنضال مع الآخرين عبر العالم فى سبيل القضاء النهائي على علاقات الإستغلال و الإضطهاد و النهوض بدور متصاعد محدّد فى إيجاد حكومة كأداة لبلوغ هذه الأهداف ."
و زيادة على ذلك ، في تعارض مع التشويه الرائج جدّا للشيوعيّين في ما يتّصل بالدولة الإشتراكيّة على أنّها التجسيد الأتّم لمصالح الجماهير الشعبيّة ، و مؤسّسة يجب أن يخضع لها الجميع خضوع العبيد ، يمثّل التالى من الباب الثالث دحضا قويّا لذلك :
" هدف حكومة الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا هو العمل وفق المبادئ و الأهداف الواردة فى هذاالدستور لأجل تلبية الحاجيات الأساسية و قبل كلّ شيئ مصالح البروليتاريا الأكثر جوهرية و الأوسع نطاقا ، إلى جانب الجماهير الشعبية العريضة فى هذه الجمهورية و فى النهاية فى العالم بأسره ، بغاية المساهمة قدر الإمكان فى تحرير الإنسانية جمعاء، من خلال التقدّم صوب الشيوعية.

وفى نفس الوقت نظرا للتناقضات الباقية و العميقة بع د داخل هذه الجمهورية و فى العالم قاطبة - بما فيها التناقضات بين
هذه الجمهورية و الدول الإمبريالية و الرجعية ، وأيضا التناقضات بين علاقات الإنتاج الإقتصادية والعلاقات الإجتماعية،
و إنعكاس كلّ هذا فى مجالات السياسة و الإيديولوجيا و الثقافة فى هذا المجتمع ذاته - سيوجد ، و لبعض الوقت سيتواصل
وجود تناقضات بين الشعب و الحكومة فى هذه الجمهورية و هناك إمكانية أن تعمل الحكومة ، أو خاصة مجموعات أو أشخاص ذوى سلطة داخل الحكومة ، فى تعارض مع الهدف و الدور الصحيحين لهذه الحكومة . لهذه الأسباب ، يجب التمسّك بالإجراءات التى ينبغى إتخاذها للسماح للناس فى هذه الجمهورية بحماية ذاتهم ضد سوء تصرّف الحكومة و تجاوزاتها . و يجب أن توضع بوضوح خطوط عريضة جوهرية حسبها يمكن تقييم سياسات الحكومة و أعمالها فيما يتصل بحقوق خاصة و قبل كلّ شيء الحقّ الأكثر أساسية للشعب فى هذه الجمهورية . "

و يعرض القسم الثاني من هذا الباب ، " الحقوق القانونيّة و المدنيّة و الحرّيات " ، الحقوق الملموسة للناس و الحماية من تجاوزات الحكومة عرضا مختلفا بصورة لها دلالتها عن - و أبعد من - الحقوق الشكليّة المتضمّنة في الدساتير البرجوازيّة لكنّها عمليّا عادة ما تُداس بشكل فضيع .
و في ما يتعلّق بكلّ هذا ، أحيل على التالى من بيان السنة الجديدة ( " سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء " ) الذى كتبته قبل سنة ( جانفى 2021 ) مع دعوة للتفاعل الجدّي مع ما يؤكّده البيان و مع المقارنة التي يعقدها بين " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " و دستور الولايات المتّحدة الأمريكيّة ( و بالمناسبة أي دستور آخر حتّى دساتير البلدان الإشتراكية السابقة كالصين و الإتّحاد السوفياتي ) :
" إنّه لأمر واقع أنّه لا وجود في أي موقع آخر ، في أيّة وثيقة تأسيسيّة أو مرشدة مقترحة من أيّة حكومة ، لأيّ شيء يُشبه ليس فحسب حماية المعارضة و الحثّ عليها و على الغليان الفكريّ و الثقافي المتجسّدين في هذا الدستور ، بينما لهذا في نواته الصلبة أرضيّة من التغيير الإشتراكي للإقتصاد ، بهدف القضاء على كلّ الإستغلال و التغيير المناسب للعلاقات الإجتماعيّة و المؤسّسات السياسيّة و إجتثاث كافة الإضطهاد و التشجيع عبر النظام التعليمي و في المجتمع بأسره لمقاربة أنّ هذا " سيمكّن الناس من إتّباع الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح الفكر النقديّ و الفضوليّة العلميّة ، و على هذا النحو التعلّم المستمرّ من العالم و القدرة على المساهمة بشكل أفضل في تغييره وفقا للمصالح الجوهريّة للإنسانيّة " . و كلّ هذا يفكّ أسر و يطلق العنان للقوّة الإنتاجيّة و الإجتماعيّة الهائلة للبشر المتسلّحين و الملهمين للعمل و النضال معا تلبية للحاجيات الأساسيّة للناس – مغيّرين المجتمع تغييرا جوهريّا و مساندين و داعمين النضال الثوريّ عبر العالم – و غايتهم الأسمى عالم شيوعيّ ، خالى من كلّ الإستغلال و الإضطهاد ، بينما في الوقت نفسه نعالج الأزمة البيئيّة و الإيكولوجيّة الوجوديّة حقّا على نحو له مغزى و يكون شاملا وهو غير ممكن في ظلّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي . "
------------------------------------
[-4 - الطبقات ]

المُحاوِر :
النقاش اليوم في المجال العام لا سيما ذلك المقام ضمن إطار فكر التقاطع (intersectionality ) يقول أشياء أقلّ عن الطبقة كهيكل منه عن العنصر و الجندر و السياسات الحزبيّة . و التشرّد بصفة عامة مسألة طبقيّة ، مثلا ، ونسبته عالميّا عالية على الدوام خاصة إذا أخذنا عامل المهاجرين و اللاجئين في الحسبان . و نموذجيّا ، يبالغ مثقّفون و سياسيّون و يقذفون بعيدا بحلّ ممكن لتوفير السكن فيستندون إلى " النقص في الجرد " . و هذا الأفق يعالج السكن على أنّه سلعة تعتمد على العرض و الطلب . و يتعاطى أفق آخر مع السكن و تمويل السكن على أنّه ملكيّة تدّخر و ترسمل . و بالتالى ، هناك من يرون المسألة من خلال عدسات حقوق الإنسان الأكثر ليبراليّة أي تأكيد أنّ السكن حقّ من حقوق الإنسان .
و أنت تناقش تغيير الظروف الكامنة التي تولّد الإختلافات بين الناس بتغيير العلاقات الاجتماعية الجندريّة و العنصريّة و كذلك العلاقات بين العاملين أساسا بالفكر منجزين عملا فكريّا و العاملين بالساعد منجزين عملا يدويّا لأجل تجاوز الإنقسامات الإضطهاديّة . و كما تقول الإنقسامات الطبقيّة العميقة و الإستغلاليّة و الإضطهاديّة متجذّرة جوهريّا في قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج ( 20-21).
هل أنّ نقاش العمل و الإنتاج يطال صناعات الخدمات و العمل المنجز الآن عن بُعد و عبر الأنترنت ؟

بوب أفاكيان :

ندب التشرّد ... رعب الطرد من المنزل ( وهو الآن يتصاعد بحدّة أكبر مع الوباء و إنتهاء التعليق المؤقّت لإسترجاع الديون و الدعم الماليّ المحدود ) ... و النقص المقرف في توفير السكن اللائق في الولايات المتّحدة – و كلّ هذا متجذّر في طبيعة النظام الرأسمالي – الإمبريالي و سيره و في التغيّرات و التحوّلات الخاصة في العقود الأخيرة . لا وجود جوهريّا ل " حقّ السكن " في ظلّ هذا النظام . فهذا الاقتصاد ليس منظّما حول الحاجيات الإنسانيّة و فيه لا تحدّد الأولويّات الإجتماعيّة و لا تُرسم المخطّطات لتوفير موارد وفقتلك الحاجيات . في ظلّ هذا الاقتصاد و هذا النظام ، السكن سلعة تُنتج من أجل الربح . السكن موضوع إستثمار ماليّ و مضاربة ماليّة . و أزمة الرهن العقّاري لسنة 2007-2008 نتجت عن ذلك – و قد قلبت حياة ملايين الناس و بدّدت مدّخراتهم و دفعت بالأسواق الماليّة العالميّة إلى حافة الإنهيار المالي .
توسّع الضواحي للبيض لا غير من جهة و الميز العنصري في السكن في أحياء داخل المدن من الجهة الأخرى ، بأعداد ضخمة من السود متركّزين في مشاريع السكن ، في التفرة الموالية لنهاية الحرب العالميّة الثانية – ينجم كلّه عن سياسة متعمّدة من الحكومة و مؤسّسات خاصة أيضا . ( تطوّر السكن في الضواحى عامة خُصّ به البيض فحسب طوال عدّة سنوات ، و لم تقدّم القروض الحكوميّة إلاّ للبيض بينما وقع إقصاء السود بوجه خاص من نيلها و وجّهوا نحو السكن العمومي في مناطق تتميّز بالميز العنصريّ ).
و اكثر جوهريّة ، تعدّ هذه الظواهر تجسيدا للدور المحدّد لنمط الإنتاج و للتطوّرات و التغييرات في نمط الإنتاج هذا ( الرأسماليّة – الإمبرياليّة ) في تداخل مع التناقضات الإجتماعيّة الأخرى .
و في ما يتّصل بتقديم مقاربة يمكن أن تتعاطى بفعاليّة و تتجاوز كلّ هذا ، يخفق إطار " فكر التقاطع " إخفاقا شنيعا . و هذا إطار يُشخّص و يتّخذ أشكالا مختلفة من الإضطهاد على أنّها مستقلّة مع أنّها متشابكة مع مع أنظمة التمييز العنصريّ . لا يشمل و في الواقع يمضى ضد و يقوّض الفهم الأساسي لكيف يسير كامل هذا النظام . إنّه لا يستوعب أنّ الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، كنظام علاقات إنتاج عالمي ، هي التي تحدّد الإطار الأساسي و تضع حدود التغييرات .
و بالنتيجة ، ضمن مشاكل جدّية أخرى ، يخفق " فكر التقاطع " في الإعتراف و ليس بوسعه أن يعارض بفعاليّة عديد الطرق التي بها يدفع هذا النظام " فئات " مختلفة من الناس ضدّ بعضهم البعض – في هذه البلاد و على النطاق العالمي – شيء لا يمكنت في نهاية المطاف تجاوزه إلاّ بتوحيد الشعب لينهض ضدّ كلّ إضطهاد يتوجّه إلى و يستهدف بنضاله في النهاية الإطاحة بالنظام الرأسمالي-الإمبريالي الذى يمدّ جوهريّا فيه كلّ هذا الإضطهاد في مظاهره العديدة والمختلفة جذوره.هناك أشكال متجذّرة بعمق في الإضطهاد الاجتماعي – للنساء و للمتحوّلين جنسيّا ؛ و السود و المضطهَدين عنصريّا الآخرين ؛ و المهاجرين – مبنيّة في أسس مجتمع الولايات المتّحدة و تطوّر النظام الرأسمالي -الإمبريالي . فهذا النظام هو الذى يُشكّل و يطبع العلاقات الإجتماعيّة و الأفكار في هذا الزمن ، وهو يعيّن حدود أنواع التغييرات التي يمكن أن تحصل في إطار هذا النظام .
والمقتطف التالى من " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ( وهو مضمّن أيضا في " " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ) يكثّف فهما حيويّا لديناميكيّة ( أو جدليّة ) العلاقة بين النظام الاقتصادي الكامن ( نمط الإنتاج ) و العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة المتنوّعة – و إمكانيّة و أساس تغييرها تغييرا راديكاليّا ، تحريريّا :
" في نهاية المطاف ، نمط الإنتاج يحدّد أساس التغيير و حدوده ، بمعنى كيفيّة معالجة أي مشكل إجتماعي ، مثل إضطهاد النساء ، أو إضطهاد السود أو اللاتينو ، أو التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، أو وضع البيئة ، أو وضع المهاجرين و ما إلى ذلك . و في حين أنّ لكلّ هذه الأشياء واقعها و ديناميكيّتها الخاصة و ليست قابلة للتقليص إلى النظام الاقتصادي ، فإنّها جميعا تسير في إطار و ضمن الديناميكيّة الجوهريّة لذلك النظام الاقتصادي ؛ و ذلك النظام الاقتصادي ، ذلك النمط من الإنتاج ، يحدّد أساس و في نهاية المطاف حدود التغيير في ما يتعلّق بكافة المسائل الاجتماعية . ومن ثمّة ، إذا أردنا التخلّص من جميع هذه الأشكال المختلفة من الإضطهاد ، ينبغي علينا أن نعالجها في حدّ ذاتها ، لكن ينبغي علينا كذلك أن نحقّق هذه التغييرات بالمعنى الجوهري . و لوضع ذلك بصيغة أخرى : يجب أن يتوفّر لدينا نظام إقتصادي لا يمنعنا من إحداث هذه التغييرات ، و بدلا من ذلك لا يسمح لنا فحسب بل يمدّنا بأساس مناسب للقيام بهذه التغييرات " .
كلّ هذا يمثّل قاعدة حاجتنا إلى " ثورة شاملة " لتركيز إقتصاد إشتراكي جديد و مجتمع إنتقالي نحو عالم شيوعيّ قصد تجاوز كلّ الإستغلال و العلاقات الإضطهاديّة و كلّ الأفكار و القيم المتناسبة معها و التي تعزّزها .
إنّك تُير مسألة الخدمات الصناعيّة و التغييرات في العمل و الإنتاج . و فعلا جدّت تغييرات لها دلالتها في " التشكيلة الإجتماعيّة و الطبقيّة " للولايات المتّحدة بإتّجاه بعيد عن الوضع الذى كانت فيه نسبة كبيرة من السكّأن " بروليتاريا كلاسيكيّة " تشتغل في عدّة مجالات من الصناعة كعمّال مأجورين مستغَلّين ، نحو وضع صارت فيه هذه البروليتاريا نسبيّا نسبة مائويّة صغيرة من السكّان .
و تسلّط ورقة بحثيّة لريموند لوتا نُشرت على موقع أنترنت revcom.us بعمق الضوء على هذه التغييرات و غيرها (" الطفيليّة الإمبرياليّة و إعادة التشكّل الاجتماعي والطبقي في الولايات المتّحدة من سبعينات القرن العشرين إلى اليوم : إستكشاف النزعات و التغيّرات " . فمع سبعينات القرن العشرين ، أنهت الولايات المتّحدة الإنتقال من مجتمع كان فيه معظم العمّال بصفة طاغية يشتغلون في قطاعات " إنتاج السلع " إلى مجتمع فيه الغالبيّة منهم يشتغلون في قطاعات " إنتاج الخدمات" كالبيع بالتفصيل و الماليّة و الرعاية الصحّية و التعليم .
و كما يشير ريموند لوتا ، قطاع الخدمات هذا غير متجانس و يشهد إستقطابا : بمهندسين أجورهم عالية و مديرين ماليّين و أطبّاء و محامين و فئات محترفة – تقنيّة أخرى في قمّة الهرم ؛ و موطظّفين و عمّال قابضين و ممرّين بالمستشفيات إلخ في أسفله . و وجود لا لمساواة كبيرة في ألجور و إختلافات في التعليم فحسب بل هناك أيضا ، كما تمّ التعريج عليه في كتاب " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي"، نوع من ما يشبه " الجيب " الفاصل بين الفئات و القطاعات الإجتماعيّة في مجتمع الولايات المتّحدة ( المدارس و المعاهد و الرعاية الصحّية و الترفيه إلخ ).
و يتطلّب تجاوز كلّ هذه الإنقسامات ثورة تأخذ كلّ هذا بعين الإعتبار . و الثورة لا تحدث وفق أنماط جامدة – و أقلّ حتّى بالتمسّك بمفاهيم فات أوانها و لم تعد تتناسب مع الواقع الفعليّ ( إن تناسبت أبدا ). و بوجه خاص ، فضلا عن التشويهات الرائجة في وسائل الإعلام " السائدة " و غيرها – تقدّم نسخة " شعبويّة " ل " طبقة عاملة " ( أساسا من البيض ) في الولايات المتّحدة في حين أنّ من يقع الحديث عنهم واقعيّا و على نطاق واسع ليسوا سوى برجوازيّين صغار ( مثلا ، أصحاب المشاريع الصغرى من الصناف المتباينة ) - هناك مفهوم تتمسّك به فئات من " اليسار " و مفاده أنّ الإشتراكية ستتحقّق ببناء " حركة عمّاليّة " بغعادة إحياء النقابات و توسيعها – و هذه وصفة في أفضل الأحوال لبناء حركة إصلاحيّة تظلّ بصلابة ضمن حدود النظام الرأسمالي - الإمبريالي القائم .
في هذا الصدد ، من المهمّ أن ناخذ بعين النظر التحليل الهام للينين بشأن ظاهرة الطفيليّة في البلدان الإمبرياليّة ( واقع أنّ إقتصاديّاتها تقوم بدرجة كبيرة على منتهى إستغلال الناس في مستعمرات الإمبرياليّة – ما يُحال عليه اليوم على أنّه العالم الثالث أو جنوب الكوكب ) - و واقع أنّ هذا قد أفرز إنقساما في صفوف الطبقة العاملة في البلدان الإمبرياليّة ، بين فئة هي فعلا " متبرجزة " نتيجة غنائم النهب الإمبريالي التي تحصل عليها ، من جهة و من الجهة الأخرى ، فئات أدنى و أعمق من البروليتاريا التي تواصل التعرّض إلى الإستغلال الخبيث في البلدان الإمبرياليّة ذاتها .
و منذ الزمن الذى أنجز فيه لينين هذا التحليل ( قبل أكثر من قرن الآن )، هذه الطفيليّة و إنعكاساتها أمست أبرز حتّى و إتّخذت أبعادا جديدة ، خاصة خلال زهاء الخمسين سنة الأخيرة كما يحلّل ذلك لوتا في ما يتّصل بالولايات المتّحدة ، البلد الإمبريالي الأكثر طفيليّة مقارنة بجميع البلدان الإمبرياليّة الأخرى .
و يطرح هذا تحدّيات كبرى للقيام بالثورة و المضيّ قدما فيها . إستراتيجيّا ، هناك مهمّة كسب و تعبأة القوى الأساسيّة للثورة أو حجر أساسها ، القوى التي " تتحمّل جهنّم أكثر من غيرها " ، المضطهَدَة باشدّ العنف ، في ظلّ هذا النظام – و العديد من عناصرها يعملون و / أو يبقون على قيد الحياة خارج الاقتصاد " النظامي / الرسميّ " للتشغيل النظامي ( مرّة أخرى ، ما لا يتناسب مع التوصيف " الكلاسيكيّ للعمّال " ) و هناك مهمّة كسب و تعبأة فئات عريضة منها الأفضل أجرا في قطاعات الخدمات ، لتشارك في هذه الثورة . و بهذا الصدد ، يجدر بنا أن نشير إلى أنّ ماو تسى تونغ قاد ثورة في الصين كانت تعتمد أساسا على فئات من السكّان – في تلك الحال ، الفلاّحين المضطهَدين – الذين لم يكونوا جزءا من الطبقة العاملة التي كانت ترتأى كقوّة أساسيّة للثورة الإشتراكيّة ، حتّى و الإيديولوجيا و البرنامج الذين يقودان هذه الثورة ينسجمان مع المصالح الجوهريّة للبروليتاريا في وضع نهاية لكلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد . و في هذه البلاد سنواجه تحدّيا مشابها بمعنى إنجاز الثورة التي لن تعتمد أيضا على الطبقة العاملة " الكلاسيكيّة " بطبيعة الحال رغم أنّ بروليتاريّين مستغَلّين خاصة ضمن الفئات الأدنى و الأعمق من هذه الطبقة سيشاركون مشاركة هامة في هذه الثورة . و ثمّة تحدّى آخر طرحته بشكل واضح ألا وهو كيف سيتجاوز المجتمع الإشتراكي الجديد الإنقسامات الأخرى ( و تلك في صفوف الفئات المتمايزة من عمّال الخدمات ).
في مقاربة هذا ، لا يمكننا أن نجمّد الهيكلة الإجتماعيّة القائمة كمعطى و إنّما بالأحرى يمكننا فهمها على أنّها شيء يجب تغييره تغييرا راديكاليّا . و عديد مواطن الشغل المصنّفة على أنّها خدمات – في الماليّة و العقارات و التأمين – مبذّرة و غير ضروريّة من وجهة نظر إقتصاد إشتراكي عقلاني " قائم على الحاجيات ". و كامل هيكل " المجتمع الإستهلاكي " و بنيته التحتيّة للبيع بالتفصيل و الإشهار مشابه في هذا الصدد . و كلّ هذا ( و أكثر ) سيقتضى تحوّلا نحو قاعدة إنتاج أكثر تعويلا على الذات و إستدامة لتوفير الحاجيات الأساسيّة و غيرها من الحاجيات الأخرى – و في الوقت نفسه يجب أن تخدم قاعدة الإنتاج هذه و المؤهّلات المرتبطة بها و القدرات التقنيّة و العلميّة للمجتمع الجديد و الثقافة الجديدة أيضا ، يجب أن تخدم نضالات المستغَلّين و المضطهَدين عبر العالم . و لكلّ هذا تبعات على قوّة العمل و على نوع العمل المطلوب . و في هذا السياق من إعادة الهيكلة و التغييرات الراديكاليّة ، ستوجد حاجة إلى تجاوز الإنقسامات الباقية . و لنعد إلى مسألة السكن. فقد تحدّثت قبلا عن التخطيط الاقتصادي لتلبية الحاجيات الإجتماعيّة و سيكون من الضروري – و في المجتمع الإشتراكي ستوجد قاعدة ل – تنيظم نقاش حيويّ عبر المجتمع كافة و جدالا ضمن سيرورة التخطيط مع مساءلة مستمرّة للمخطّط و تطبيقه . و سيشمل هذا إستنهاض المهندسين المعماريّين و المهندسين المدنيّين و المخطّطين المدنيّين و عمّال البناء و الشباب و كذلك الناس القاعديّين ليتجمّعوا معا بشكل تعاونيّ و جماعي في سيرورة معالجة " مسألة السكن " . و المعرفة المختصّة ستُنشر شعبيّا في حين سيتعلّم المختصّون من معرفة الناس القاعديّين و من الشباب و تجربتهم الحياتيّة و تطلّعاتهم. و كلّ هذا سينجز بينما يجرى خوض الصراع حول تجاوز الإختلافات في دور الجماهير في الإقتصاد و في العلاقات الإقتصاديّة ، خاصة ، مرّة أخرى ، التناقض بين العمل الفكريّ و العمل اليدويّ . و ستقع مقاربة معالجة مسالة السكن بطريقة متعدّدة الجوانب : مازجين العمل ذي المغزى و المحقّق للذات مع السكن المرتبط بالمجال العام . و ستتمّ مقاربة ذلك على نحو يعارض تفتيت الحياة الإجتماعيّة و يتجاوز إرث الميز العنصريّ ( 80 بالمائة من تجمّعات السود في المدن الكبرى للولايات المتّحدة أكثر ميز عنصريّ اليوم ممّا كانت عليه قبل 15 سنة ! ) . و بصفة حيويّة سيحتاج هذا إلى مقاربة لمعالجة مسألة السكن مع عدم نسيان الأزمة البيئيّة – بمعنى المواد و المواقع و الإعداد للكوارث الطبيعيّة و الأزمات الصحّية .
و من الأشياء التي برزت بفعل الوباء و تمزيقه ل " الحياة العاديّة " الدور الأساسي الذى لعبته عدّة أصناف من عمّال الخدمات في افبقاء على سير المجتمع . بداهة ، هناك عمّال الصحّة و المساعدون و عمّال الصيانة في ذلك القطاع و كذلك أناس في قطاع التعليم . و مثلما وقع عرض ذلك في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ، سيرتكز نظام الرعاية الصحّية في المجتمع الجديد على مبدا أو مقاربة " خدمة الشعب " محطّما الحدود بين الأطبّاء و المرضى ، و بين مختلف قطاعات عمّال الصحّة ، و بين المؤسّسات الصحّية و التجمّعات السكّانية المحيطة بها . و قد كشف الوباء أيضا مدى حيويّة المخازن و التموين و عمّال التسليم / التوصيل و معظم العاملين في هذه المجالات من ذوى الأجر الزهيد وهم عُرضة لضوابط عمل قاسية – و يقع التضحية بصحّتهم على معبد الربح . و أبرز الوباء كذلك بحدّة و ببساطة مدى نقص التنسيق العام و توجيه الإقتصاد و المؤسّسات الإجتماعيّة – في ردّها على و عملها تجاه هذه الأزمة بطريقة مناسبة لحدّتها و إنتشارها و توفّر رفاها للجماهير. و قد شاهدنا كيف أنّ الاوباء قد شدّد من اللامساواة في المجتمع . و سؤالك عن العمل عن بُعد سؤال مثير فالإستعمال المتنامي للعمل عن بُعد يطرح بعض التحدّيات ذلك أنّ بعضه مثلا معظم العمل في التمويل و العقّارات إلخ ، كما اشرت سابقا ، إجتماعيّا غير ضروريّين من وجهة نظر التنظيم العقلانيّ للإنتاج و المجتمع . و مع ذلك ما سيكون ضروريّا إجتماعيّا سيتطلّب على ألرجح أو سيعنى مكوّنا من العمل عن بُعد – لأسباب تعود إلى الصحّة العامة و كذلك إلى التأكيد على مرونة العمل و الحياة . لكن في ظلّ هذا النظام القائم ، يعرف العمل عن بُعد في حدّ ذاته إستقطابا إقتصاديّا و إجتماعيّا : مع تطوّر الوباء ، تمكّن تسعة بالمائة فقط من العمّال من ضمن ال25 بالمائة من المأجورين الأدنى أجرا من " العمل عن بُعد " إنطلاقا من منازلهم مقارنة بأكثر من 60 بالمائة من ضمن قمّة ال25 بالمائة من الذين يكسبون أعلى الأجور .
في المجتمع الإشتراكي الجديد ، سيعمل الناس على معالجة المشاكل الكبرى و تلبية الحاجيات الكبرى للمجتمع و العالم الإفتراضي و الواقعي أيضا . غير أنّه ثمّة مشاكل كبرى لزاما الخوض فيها . كيف نقاتل التفكّك الاجتماعي في ظلّ ظروف العمل عن بُعد ؟ كيف يمكن تطوير التقنية و نشر وسائل التواصل الإجتماعيّة لتواجه ذلك و كيف يمكن التشديد على افدماج الاجتماعي الواقعي و على التشارك و التعلّم ( في تعارض مع الترويج للنفس و الميزة التنافسيّة الفرديّة إلخ ) ؟ كيف يمكن للعمل عن بُعد القابل للإنجاز من المنزل في المجتمع الجديد أن لا يعزّز البطرياركيّة / النظام الأبويّ و يضع أعباءا جديدة على كاهل النساء كمقدّمات للرعاية رئيسيّا ، كما يحدث الآن ؟ و يلمس هذا مسألة أشمل هي مسألة الإدماج الاجتماعي لرعاية الأطفال و تجاوز وضع حيث تكون الأسرة النوويّة هي الوحدة الأساسيّة للبقاء على قيد الحياة و الإدماج الاجتماعي في مجتمع قائم على السلعة .
إنّ تحويل مواقع العمل و بيئة العمل و رفع آفاق الناس أبعد من مواقع العمل و إقامة " تناسب " حقيقيّ مع المجتمع الأوسع و قضيّة تحرير الإنسانيّة جمعاء – كلّ هذا سيكون محور إهتمام لدي المجتمع الإشتراكي الجديد و شيئا سيُوضع بإستمرار موضع مساءلة .
و مع الاقتصاد الإشتراكي المرتأى في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ، مجمل طبيعة العمل و مضمونه سيكونان مختلفين جذريّا ، في خدمة أهداف مختلفة راديكاليّا . و معنى ملموس لهذا مضمّن في الباب الرابع من هذا الدستور و بوجه خاص في القسم الثامن ، " التشغيل والعمل ، المصنع الاجتماعي والعلاقات بين المدن والأرياف " بما في ذلك " حقّ الشغل والدخل مضمونان " و أبعد من ذلك :
" مكان العمل ليس مجرّد وحدة إنتاج . مكان العمل موقع سياسي - إيديولوجي و ثقافي؛ موقع صراع لإعادة تشكيل المجتمع. يجب نقاش المسائل الحيوية - من الشؤون العالمية للسياسة التعليمية - للنضالات لتجاوز اللامساواة القومية إلى تحرير النساء.

يبحث الإقتصاد الإشتراكي عن تجاوز تأثير التقسيم الإضطهادي للعمل للمجتمع الرأسمالي القديم ، المخدّر و المسبّب
للإغتراب . و ستكون للأشخاص فى وحدات العمل مسؤوليات خاصة ، لكنّهم سيتقلّبون بين المواقع و المهام . و ستقوم
بعثات من مختلف وحدات و قطاعات الإقتصاد بالتبادل مع الوحدات و القطاعات الأخرى . و مع إنتشار الثورة و تقدّمها
عالميّا ، سيجرى هذا التبادل بصفة متصاعدة على النطاق العالمي .

و يهدف الإقتصاد الإشتراكي إلى تحطيم الحواجز بين وحدات الإنتاج و الحياة الإجتماعية المحيطة و إلى مزج العمل مع الإقامة و التجمّع السكّاني . و يسعى التخطيط الاقتصادي - الإجتماعي جهده لتشجيع مدن يمكن أن يحافظ عليها و أن تزدهر على نمط جديد من " المجال الإجتماعي" يخوّل للناس التفاعل ذو المغزى التام و التنظّم السياسي و إبداع الثقافة و التمتّع بها ، و الترفيه و الراحة. و يبحث التخطيط الإقتصادي - الإجتماعي عن دمج الفلاحة و الصناعة ، إلى جانب النشاطات المدينية و الريفية - بوسائل جديدة - وربط الناس وثيق الإرتباط بالأرض الفلاحية و بالطبيعة. "

و مرّة أخرى ، كما شدّدت على ذلك في المقتطف السابق من " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " ، أهمّ شيء هو نمط الإنتاج ، و علاقة هذا بالتغيير الثوري للمجتمع ككلّ . و إليكم موقف لماركس وقع تكثيفه في صيغة " الكلّ الأربعة " مناسبة جدّا . كما وضع ذلك ماركس ، الثورة الإشتراكية و سلطة الدولة الإشتراكيّة ( دكتاتوريّة البروليتاريا ) التي تنشأ عنها ، تهدفان إلى إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة و كلّ علاقات الإنتاج التي تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقيّة و كلّ العلاقات الإجتماعيّة المتناسبة مع علاقات الإنتاج هذه و تثوير كلّ الفكار المتناسبة مع علاقات الإنتاج هذه . بإختصار ، وضع نهاية لكلّ ألوان الإستغلال و الإضطهاد . و يجب أن يكون هذا هو التوجّه و الهدف الجوهريّين للسيرورة الثوريّة ، و ليس فحسب بمعنى بلد معيّن بل بكامل العالم في الذهن و في أفق النظر .
----------------------------------------
[-5- الصحافة و حرّية الصحافة ]

المُحاوِر
الصحافة المرتبطة بالشركات ليست حرّة طالما أنّها " مملوكة و تتحكّم فيها مصالح قويّة . إنّها في الواقع آلة دعاية الطبقة الحاكمة الرأسماليّة الإمبرياليّة " ( 14 ) .
إنّ إمتلاك الشركات لوسائل الإعلام تشير إلى الحاجة إلى المزيد من الصحافة المستقلّة . و يُكرّس صحفيّون لا عدّ لهم و لا حصر متشبّثون بأخلاقيّات المهنة حياتهم ليبحثوا بعمق و لينشروا تقاريرا دقيقة برغم المخاطر المحدقة بذلك و الأجور الزهيدة بشكل بارز .
و في هذه اللحظة ، كيف يمكنكم تصوّر تخلّص وسائل الإعلام السائدة من ملكيّة الشركات ؟
بوب أفاكيان :
لنبدأ بسؤالك الأخير هنا ، الحقيقة الصريحة هي أنّه لا مجال في ظلّ هذا النظام ل تخليص وسائل الإعلام السائدة من ملكيّة الشركات .
" ملكيّة الشركات " لوسائل الإعلام بالتأكيد أمر واقع . فبوسعك النظر إلى ايّ عدد من الدراسات حول نموّ تمركز ملكيّة الصحف و محطّات الإذاعة و التلفزة و التسجيل/ النسخ في صناعة الموسيقى ... و ما إلى ذلك و القائمة طويلة . لكن الواقع الأكثر جوهريّة هو أنّ وسائل الإعلام في ظلّ هذا النظام تنحو إلى أن تكون و ليس بوسعها إلاّ أن تكون أداة بيد الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، حتّى و العديد من وسائل الإعلام تمثّل فئات مختلفة من هذه الطبقة الحاكمة – و على سبيل المثال ، وسائل إعلام مثل السي أن أن و الأم أس أن بى سى و جريدتي النيويورك تايمز و الواشنطن بوست ، الذين يمثّلون الفئة السائدة من هذه الطبقة الحاكمة ، هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، فوكس " نيوز " الممثّلة للفئة الفاشيّة .
على الرغم من الإختلافات الواقعيّة و الحادة جدّا بينهما ، وسائل الإعلام السائدة في هذه البلاد ( بما فيها " وسائل الإعلام الرقميّة الكبرى المعتمدة على الأنترنت ) كلاهما " السائدة " و الفاشيّة في الواقع أدوات دعاية بيد الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة .
و لعلّ لا شيء قد جسّد هذا بأكثر وضوح من كيف تتعاطى وسائل الإعلام هذه مع الغزو الروسيّ لأوكرانيا . فرغم بعض موقف عدّة فاشيّين و بصفة بارزة دونالد ترامب الذى مدح فلاديمير بوتن ، فإنّ " تغطية " هذا الغزو و هذه الحرب ( و ما يحفّ بها من أحداث ) من طرف وسائل الإعلام السائدة قد مثّلت بصفة طاغية إن لم تكن كلّية ، دعاية غير مزوّقة تروّج لمصالح إمبرياليى الولايات المتّحدة و " حلفائها " في تعارض مع مصالح الإمبرياليّة الروسيّة . و كان هذا هو الحال منذ البداية مع وسائل الإعلام الممثّلة للفئة " السائدة " من الطبقة الحاكمة لكن حتّى الحزب الجمهوريّ الفاشيّ و الناطقين بإسمه إنضمّوا إلى درجة لها دلالتها إلى هذا الخطّ – حتّى و هم على جبهات عدّة يواصلون مهاجمة بيدن و الديمقراطيّين ( و تظلّ الإنقسامات العميقة صلب الطبقة الحاكمة و في المجتمع ككلّ و ستطلّ تؤكّد نفسها و تتفاقم ).
و كما هو الحال دائما في مثل هكذا وضع ، تميّزت وسائل الإعلام بظهور في كلّ مكان ل " محلّلين " متشكّلين من ضبّاط عسكريّين سابقين و من أعوان السى آي آي و عملاء و موظّفين آخرين تابعين للسلطات الإمبرياليّة للولايات المتّحدة و الجرائم ضد الإنسانيّة . و قد تمّت ملاحظة أنّ هذه " التغطية " للحرب في أوكرانيا و الحداث المتّصلة بها تفتقر إلى مشاركة أناس يمثّلون أيّة آفاق أخرى مغايرة لهذا .
و كما كتبت بشأن الغزو الروسيّ لأوكرانيا و صلته بالوضع الأشمل للنزاع بين القوى الإمبرياليّة :
" من الأكيد أنّ القوّة العظمى للإرهاب و العدوان الروسيّ و غزوها لأوكرانيا مثال واضح على ذلك و شيء على جميع النزهاء و الشرفاء معارضته . لكن لا يجب على أيّ إنسان نزيه و شريف أن يقف إلى جانب إمبرياليّي الولايات المتّحدة في نزاعها مع الإمبرياليّة الروسيّة . و للأسباب التي سأتعمّق فيها ، من النفاق التام و المقيت بالنسبة لإمبرياليّي الولايات المتّحدة و الناطقين الرسميّين بإسمهم في وسائل الإعلام و غيرهم من ممثّليهم أن يقدّموا أنفسهم على أنّهم يندّدون بصفة شرعيّة بهذا الغزو الروسي بينما الولايات المتّحدة هي البلد الذى إلى درجة بعيدة جدّا قد قام بأكبر عدد من الغزوات و عمليّات التدخّل العنيف الأخرى في شؤون البلدان الأخرى .
بشكل ما ، هؤلاء " المتعلّمون " قد " نسوا " غزو الولايات المتّحدة و إحتلالها ل " بلد مستقلّ " آخر هو العراق سنة 2003 – على أساس أكاذيب صارخة عن الإمتلاك المفترض للعراق ل " أسلحة دمار شامل " و إرتباطه الوثيق بالإرهابيّين الأصوليّين الإسلاميّين كالقاعدة . و كان هذا الغزو للولايات المتّحدة جريمة حرب عالميّة بارزة ، نجمت عنها حركات أودت بحياة مئات آلاف البشر و جعلت الملايين لاجئين و أطلقت العنان ل دوّامة موت و دمار في تلك الناحية من العالم . ( أحد أهمّ المشاهد المقيتة المعروضة بوسائل الإعلام " السائدة " هذه الأيّام مثل السي أن أن ، مشهد وجود مسؤوليّين حكوميّين من " قدماء المحاربين " المشاركين في جريمة حرب الولايات المتّحدة في العراق و هم يندّدون بغطرسة الغزو الروسي لأوكرانيا على أنّه عمل غير قانوني لبلد قويّ يعتدى على بلد أضعف منه ، و بشكل ما ، " إستبعدت " وسائل الإعلام هذه النفاق المثير للغضب لمجرمي الحرب الأمريكيّين هؤلاء و هم يندّدون بجرائم حرب الآخرين " إستبعدت " ذلك النفاق عمدا و تجاهلته ). "
( و قد ورد هذا في مقال " الشوفينيّة الأمريكيّة الوقحة : " معاداة الإستبداد " ك " غطاء " لدعم إمبرياليّة الولايات المتّحدة " الذى يمكن العثور عليه على موقع أنترنت revcom.us ، إلى جانب مقال " مصاحب " : " الطفيليّة الإمبرياليّة و إعادة التشكّل الاجتماعي و الطبقي في الولايات المتّحدة من سبعينات القرن العشرين إلى اليوم : إستكشاف النزعات و التغيّرات " ) .
في كلّ هذا ، الواقع ليس ببساطة أنّ وسائل الإعلام هذه تملكها شركات قويّة و مؤسّسات ماليّة تتحكّم في مليارات الدولارات؛ المشكل ألعمق يكمن في واقع أنّ البنية الفوقيّة لهذا النظام – المؤسّسات السياسيّة و القانونيّة و كذلك مجال الثقافة و الإيديولوجيا بما فيه وسائل الإعلام – ستتماشى و يجب أن تتماشى جوهريّا مع طبيعة النظام و بصفة خاصة مع النظام الاقتصادي الكامن ، أو نمط الإنتاج . و في عدد من الأعمال منها " " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، حلّلت بشيء من العمق لمذا ذلك كذلك. و هنا النقطة الأساسيّة يمكن أن تلخّص بإقتضاب في فهم أنّه إذا كانت البنية الفوقيّة بأيّة طريقة هامة و طوال أيّة فترة زمنيّة هامة ، خارج العلاقات و الديناميكيّة الأساسيّين لنمط الإنتاج الكامن ، سيشهد المجتمع فوضى جدّية و في نهاية المطاف لن تقدر الأمور على أن تسير . ( و تعبير مدهش لهذا ذكرته في كتاب " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " هو واقع أنّه في ظلّ هذا النظام ، لا يمكن أن يوجد " حقّ الأكل " – أو بصفة أعمّ ، لا حقّ في الحاجيات الأساسيّة للحياة – بمثال من الفوضى و الإنهيار الناجمين عن ذلك ضمن حدود هذا النظام حيث الحاجيات الأساسيّة للحياة تنتج كسلع يجب أن تشترى عبر تبادل سلعة أخرى هي المال ، و يُعلن القانون أنّ للناس " حقّ الأكل " و هذا يعنى أنّه إذا لم نستطع شراء حاجياتنا الأساسيّة ، بوسعنا الحصول عليها بلا مقابل ! ) .
و بالعودة إلى دور وسائل افعلام ، هذه العلاقة بين البنية الفوقيّة و نمط الإنتاج الكامن تعنى أنّ وسائل الإعلام السائدة في هذه البلاد ( حتّى بإختلافات واقعيّة جدّا بين فئات مختلفة من الطبقة الحاكمة ) ستتماشى و يجب أن تتماشى و أن تكون تعبيرا عن المصالح الأساسيّة للنظام الرأسمالي
- الإمبريالي و طبقته الحاكمة – واقع مسجّل بشكل دقيق كلّما كانت المصالح الحيويّة للرأسماليّة – الإمبرياليّة الأمريكيّة موضع رهان و بصفة بارزة تكون على الصعيد العالمي المصالح " القوميّة " ( أي الإمبرياليّة ) لهذه الطبقة الحاكمة معنيّة بصورة لها دلالتها . و هذا الواقع يشرح صعوبة أيّة محاولة حقيقيّة للإستقلال و نقصد عمليّا محاولة إيجاد عمليّا صحافة باحثة عن الحقيقة . و يشدّد هذا على أهمّية دعم الذين يبحثون حقّا عن تكريس هكذا صحافة .
لكن ، مجدّدا و بأكثر جوهريّة ، يتحدّث هذا عن الحاجة إلى طابع و دور مختلفين راديكاليّا لوسائل الإعلام - و الواقع هو أنّ هذا يتطلّب مجتمعا مغايرا جذريّا . و كما جرى الكلام عن ذلك في المقتطف أعلاه من بياني للسنة الجديدة 2021 ( ردّا على السؤال الثالث ) ، توجّه و هدف المجتمع الإشتراكي الجديد المرتأى في دستور ذلك المجتمع ، هما " تمكين الناس من البحث عن الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح فكر نقدي و فضول علميّ ، و بهذه الطريقة المعرفة المستمرّة للعالم لإمتلاك قدرة أفضل على المساهمة فى تغييره وفق المصالح الجوهرية للإنسانية. ". و ينسحب هذا ليس على النظام التعليمي فحسب و إ،ّما أيضا على وسائل الإعلام – على مؤسّسات المجتمع عامة . و كما يتناول ذلك " دستور الجمهورية الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " بالحديث ، ستوجد وسائل إعلام تابعة للدولة في المجتمع المرتأى لكن بدور مختلف جدّا عن دور وسائل الإعلام المهيمنة لهذا النظام ( و بالمناسبة ، دور مختلف بدلالة عن وسائل الإعلام في المجتمعات الإشتراكيّة السابقة ). سيكون الدور الأساسي
" توفّر الحقيقة و المعلومات الهامة و التحاليل الهامة لشؤون الدولة و تطوّرات أخرى هامة فى المجتمع و العالم للناس فى المجتمع ... و خدمة لهذا الهدف ذاته ، إضافة إلى إنشاء و تسهيل عمل وسائل إعلام بديلة مستقلّة عن الحكومة ، فإنه يجب السماح بدرجة هامة بتقديم وجهات نظر و تحاليل متنوّعة بما فى ذلك تلك التى تختلف و تتعارض مع التى تقدّمها الحكومة وممثّلوها ، و توفير الوقت و الفرصة لذلك عبر وسائل الإعلام ذاتها."
و فضلا عن ذلك ، لا يجب فحسب توفير الإعتمادات و التمويلات و غيرها من الموارد لوسائل الإعلام المستقلّة و إنّما ينبغي أيضا لهذا أن
" يجب تسهيل تنوّع الرؤى و الآراء و تشجيعها و نشرها مع تمثيل هام لرؤى و لآراء تذهب ضد رؤى الحكومة و آراءها فى أي وقت معطى ، بما فى ذلك بعض التى يمكن أن تعارض ليس فقط سياسات و أعمال معينة للحكومة لكن أيضا المبادئ و الأهداف الأساسية للجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا."
و هذه المبادئ المتّصلة بوشسائل الإعلام ( المنصوص عليها في الفقرة الأولى و القسم 2 ، I من هذا الدستور ) معتمدة على و تنجم عن الفهم القائم على العلم بأنّ السيرورة موضوع الكلام هنا مهما كانت معقّدة و حتّى مضطربة أحيانا ، ستساهم بطريقة حاسمة في بلوغ الجماهير الشعبيّة فهما متنامي العمق للواقع و على هذا النحو يتمّ تعزيز قدراتها على تغيير الواقع تغييرا جوهريّا في مصلحة الإنسانيّة للتحرّك صوب إلغاء و إجتثاث كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد .
------------------------------
[-6- سلاسل العمل – التزويد ]

المُحاوِر:
في نقاش قبل الوباء ، ذكرت شريط " يوم دون مكسيكيّ " (2004) لتسجيل نقطة حول العمل و آليّات الإنتاج و كيف يجرى نقل السلع إلى السوق ؛ أساسا و بيّنت مدى إرتباط العالم بالعمل . تلك النقطة التي جرى التشديد عليها بواسطة الشريط ، تثير سؤالا مركزيّا : ماذا لو أنّ العمّال المكسيكيّين ( و غيرهم من الناس من أمريكا الوسطى ) أوقفوا العمل ليوم واحد حتّى ؟ و من ثمّة توسّعت في طرحك السؤال ، ماذا لو أنّ كلّ الناس عبر العالم قاطبة الذين ينتجون و يوزّعون كلّ هذه الأشياء التي يستخدمها الناس كلّ يوم ، ماذا لو توقّفوا عن العمل ليوم أو لأسبوع أو لشهر ؟
لقد شاهدتم هذا يحدث مع جائحة كوفيد-19 و يفترض تفحّص العلاقات التي " يدخل فيها الناس لإنجاز الإنتاج ... علاقات الإنتاج و التوزيع و النقل ..."
لقد أكّدت على أنّ طريقة أخرى لتحليل هذا هي التساؤل : " ما هو نمط الإنتاج الذى عبره يتمّ إنجاز كلّ هذا ؟ " و في نهاية المطاف، أكّدت أنّ هذا " يحدّد الإطار الأساسي لكلّ ما يحدث في المجتمع ..." إذا توقّف الإنتاج ، سيتوقّف المجتمع. ( 53)
كان كلامك تنبّئيّا . هل بوسعك أن تفصّل القول في ما عنيته بإن حاول شخص أو قسم من المجتمع أن يُنتج خارج أنماط الإنتاج القائمة ، فإنّ ذلك الشخص أو تلك المجموعة إمّا ستمنى بالفشل و إمّا تقوم بثورة .
مع الوضع الراهن لسلاسل التزويد ، ما هي الخيارات التي ترونها ؟
و زيادة على ذلك ، سلاسل التزويد المعولمة ترتهن إلى درجة كبيرة بنقل ليس صديقا للبيئة . ما هي البدائل الأفضل المتوفّرة الآن أو التي يمكن إيجادها للمساعدة على إنقاذ حياة الكوكب و كذلك تلبية حاجيات المجتمع ؟

بوب أفاكيان :
" سلاسل التزويد "المُعَولمة هي بأكثر أساسيّة أدوات للإستغلال الرأسمالي - الإمبريالي و في نهاية المطاف منتهى إستغلال مليارات الناس بمن فيهم أكثر من 150 مليون طفل في العالم الثالث . وهي أدوات نزاع بين " التكتّلات " المختلفة من الرأسمال الإمبريالي و الدول الرأسماليّة – الإمبرياليّة .
و تجدر الإشارة كذلك إلى أنّ عددا غير متناسب من الناس في خطوط تجميع معولمة – من المعامل الهشّة في المكسيك إلى مصانع النسيج في البنغلاداش و خطوط التجميع الأكتروني في الصين – هم نساء تتعرّضن إلى أقصى الإستغلال و عادة إلى الإعتداءات الجنسيّة .
و جزء هام آخر من هذه الصورة هو أنّ دور تأثير سلاسل التزويد المعولمة شهدت قفزة نوعيّة مع الإنقلاب على الإشتراكيّة و إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين أواخر سبعينات القرن العشرين و تاليا إنهيار الإتّحاد السوفياتي التحريفي ( الإشتراكي إسما لكن الرأسمالي - الإمبريالي في الواقع ) في بدايات تسعينات القرن العشرين و تغيير إقتصاد دولة رأسماليّة إلى إقتصاد رأسمالي أكثر " كلاسيكيّة " .
تربط سلاسل التزويد العالميّة المصانع و المناجم و المزارع ؛ و المخازن و التوزيع . و هذا تعبير عن سيرورة الإنتاج العالية التشابك في عالم اليوم ، الإنتاج المنجز من خلال تقسيم عميق و إستغلالي للعالم إلى حفنة من البلدان الرأسماليّة – الإمبريالية و تلك المفقّرة ، ألمم المضطهَدَة لجنوب الكوكب حيث تعيش غالبيّة الإنسانيّة .
توسّعت سلاسل تزويد شركة آبل – التي دونها لن تكون شركة ذات ما يناهز 3 تريليون دولار كما هي اليوم – بشكل كبير إلى مصانع في الصين و مناطق أخرى من آسيا تدار كمعامل هشّة وحشيّة ؛ و بعمق إلى مناجم الكوبالد في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة حيث يحفر زهاء الأربعين ألف طفل أنفاقا و يكسّرون أحجارا دونها لن توجد هواتف أي فون . هناك ديناميكيّة الإنتاج العالي التنظيم بوحدات فرديّة من رأس المال – مثل شركة آبل و دال و ج أم و تيوتا – تفرض معايير فعاليّتها و تطبّق التقنية المتقدّمة للتموين إلخ . لكن كلّ هذا يخدم المعركة التنافسيّة للتكتّلات الكبرى لرأس المال للتقليل من التكاليف و توسيع و ضمان حصّة السوق و تحقيق أقصى الأرباح . و سلاسل التزويد هذه أسلحة لخوض هذه المعركة .
و كلّ هذا فوضويّ . لا وجود ل " بُعد نظر " لما يفعله هذا للكوكب و لا قياس داخلي للإنعكاسات على الصحّة العموميّة . و سلاسل التزويد هذه شديدة التلويث ( ملوّثة و مسمّمة الماء و الأرض ) ؛ و النقل لمسافات طويلة معتمد على الوقود الأحفوريّ كما أشرت ؛ و كلّ هذا يفضى إلى تبذير هائل . و دور سلاسل التزويد هذه و التعويل عليها أمر في الآن نفسه عقلاني و لاعقلانيّ . إنّه عقلانيّ من وجهة نظر و في إطار المصالح الخاصة لمختلف كتل رأس المال إذ يخوّل لها أن توسّع نطاق عمليّاتها للإستفادة من " تقسيم العمل " العالمي بما فىه ما يتعلّق ببعض الإختصاص المناطقيّ .
لكن كلّ هذا غير عقلانيّ تماما بمعنى الظروف الأساسيّة و الحاجيات الأساسيّة للجماهير الشعبيّة التي هي مستغَلّة أقصى الإستغلال كي تسير " سلاسل التزويد " هذه و بمعنى كيف يفاقم من ارتفاع حرارة الكوكب و الأزمة البيئيّة و الإيكولوجيّة العامة . ( و مثال صارخ آخر : النقل البحريّ للحاويات بما أنّ النقل يرتبط ب " سلاسل التزويد " هو أحد أكبر القطاعات الملوّثة عالميّا ، وهو مرتهن تماما بأقصى إستغلال العمل في العالم الثالث ) .
و التناقض عقلاني / لاعقلاني تعبير عن التناقض العام تنظيم / فوضى الذى يحرّك الرأسماليّة و يؤدّى بإستمرار إلى إضطرابات و أزمات متكرّرة بأنواع متباينة . ( و مثلما أشار إلى ذلك ماركس بشأن الرأسماليّة : فوضويّتها الكلّية هي نظامها ) . هناك تنظيم على مستوى تخطيط الشركات و في عمليّات الوحدات الأساسيّة للإنتاج ، و ما إلى ذلك ، لكن هناك فوضى في ما يتعلّق بسير الاقتصاد – و اليوم هو إقتصاد عالي العولمة – ككلّ ، و الفوضى كما تتمظهر في التنافس و النزاع بين مختلف كتل رأس المال و مختلف البلدان الرأسمالي - الإمبرياليّة .
و " سلاسل التزويد " هذه لها أيضا بُعد له دلالته لظاهرة لاحظها ريموند لوتا ( في ورقته البحثيّة " الطفيليّة الإمبرياليّة و إعادة التشكّل الاجتماعي و الطبقي في الولايات المتّحدة من سبعينات القرن العشرين إلى اليوم : إستكشاف النزعات و التغيّرات " ).
يتميّز الإقتصاد الإمبريالي العالمي بوضع فيه سيرورة الإنتاج ( المنجزة بشكل متنامي في العالم الثالث ) و الإستهلاك النهائيّ للسلع ( المركّز في البلدان الإمبرياليّة الثريّة ) منفصلين بصفة متصاعدة عن بعضهما البعض . و هذا تعبير كبير عن الطفيليّة الإمبرياليّة المعاصرة اليوم .
و مع كلّ العذابات الفضيعة التي يتسبّب فيها هذا و كلّ الفوضى و التفكّك الذين يمكن أن يعنيهما ، لا وجود لخيار فعّال لسير سلاسل التزويد هذه – لا بديل فعّال في ظلّ هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و يبرز هذا بدرجة عالية مرّة أخرى لماذا نحتاج إلى نظام مختلف راديكاليّا – إنّه يجسّد موقفى الذى إقتطفت :
" إن حاول شخص أو قسم من المجتمع أن يُنتج خارج أنماط الإنتاج القائمة ، فإنّ ذلك الشخص أو تلك المجموعة إمّا ستمنى بالفشل و إمّا تقوم بثورة ."
و كما تطرّقت إلى ذلك في ردوديّ على الأسئلة السابقة التي طرحتها في هذا الحوار ، الحلّ الفّعال الوحيد لهذا هو وضع نهاية له – القيام بثورة تخلق بديلا للنظام الرأسمالي - الإمبريالي المهيمن حاليّا ، بديلا يكون فعّالا و مستداما لأنّه يسير على أساس القوى المنتجة الموجودة و رفع العراقيل أمام إستخدامها إستخداما عقلانيّا . فالمطلوب هو نظام إقتصادي جديد راديكاليّا كقاعدة لمجتمع جديد راديكاليّا في مجمله بعلاقات إجتماعيّة جديدة و بنية فوقيّة مغايرة جذريّا في السياسة و الإيديولوجيا بما في ذلك الأخلاق ، ما يتناسب مع هذا النظام الاقتصادي و يعزّزه . و النظام الاقتصادي الإشتراكي يقوم على ملكيّة إشتراكية و تخطيط إشتراكي و الإنتاج من أجلالإستخدام الإشتراكي و تحسين تلبية حاجيات الإنسانيّة ما وصفته ب " أساسا مواتى " لإنجاز تغييرات إجتماعيّة راديكاليّة في إتّجاه القضاء على الإضطهاد .
و بطبيعة الحال ، كما شدّدت على ذلك هنا و في عدد من الأعمال ، هذا التغيير الإشتراكي قبل كلّ شيء مسألة معقّدة و أحيانا يكون موضوع صراع شديد – يقتضى تعبأة الجماهير الشعبيّة في نضال واعى متنامي لتجاوز العراقيل و ليس أقلّها مقاومة القوى صلب البلد الإشتراكي نفسه بحثا عن دفع الأشياء خلفا إلى الطريقة القديمة للقيام بالأشياء بما يتناسب مع علاقات النظام الرأسمالي – الإمبريالي . و هناك حاجة إلى التقدّم بالنضال الثوريّ و تغيير العالم ككلّ ، في تعارض مع الدول الرأسماليّة – الإمبرياليّة الباقية ( و غيرها من الرجعيّين ) ، و التأثير و القوّة الذين سيظلاّن يمارسونهم في عدّة أبعاد من العلاقات العالميّة و منها تلك التي تتعارض مع الدول الإشتراكيّة القائمة و تغييرها تغييرا ثوريّا بصفة مستمرّة .
و كتعبير له دلالته عن هذا ، طالما يتواصل وجود هذه الدول الرأسمالية- الإمبرياليّة ( و غيرها من الرجعيّين ) ، و خاصة حيث تظلّ مثل هذه الدول مهيمنة على العالم ككلّ ، فإنّ الدول الإشتراكيّة الناشئة ستضطرّ إلى تطوير افقتصاد و تغييره في هذا الإطار . و ضمن أشياء أخرى ، سيحتاج هذا إلى قدر معيّن من التجارة إلخ مع هذه البلدان الإمبرياليّة و الرجعيّة و هذا في حدّ ذاته سيعنى سيرورة من الصراع الشديد لبلوغ و الحفاظ على مثل هذا التفاعل الاقتصادي على قاعدة منسجمة مع و عمليّا تتقدّم بالتغيير الثوريّ صلب البلدان الإشتراكية نفسها و بأكثر جوهريّة في العالم ككلّ . و للتقدّم بهذه السيرورة كلّها في تناغم مع و على قاعدة ما وقع عرضه في " بعض المبادئ المفاتيح للتطوّر الإشتراكي المستدام " و في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " سيستدعى الخوض الجمعي بصفة واسعة و التجديد الخلاّق لرسم حلول و تجاوز صعوبات – و كلّ هذا يجب و يمكن أن يُطلق له العنان بالإطاحة بالنظام الرأسمالي- الإمبريالي و إرساء الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة .
و في هذا الصدد ، الآتي من كتابي " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " يتحدّث عن بعض المبادئ الأساسيّة :
" ثمّة نقاش هام لهذا في " الشيوعية الجديدة " ، و كذلك في " العصافير و التماسيح " : كيف نعالج معالجة صحيحة هذا حتّى تتقدّم الثورة عبر مراحل ، داخل البلد الإشتراكي نفسه و في الإطار العالمي الأشمل - و عبر كلّ مرحلة من هذه السيرورة ، يرتفع عمليّا مستوى قوى الإنتاج و الوفرة النسبيّة ، بينما في الآن نفسه ، تضيق الإختلافات في صفوف الشعب إلى أقصى درجة ممكنة ، دون القفز فوق ما هو ممكن نظرا للقاعدة الماديّة المعطاة المتوفّرة وقتها . هذا تناقض حاد آخر ينبغي فهمه ، و قبل كلّ شيء ينبغي الإعتراف به ، ثمّ الإشتغال عليه بمقاربة علميّة ، ماديّة جدليّة ، بما فيها الإقرار بأنّنا نقوم بذلك في إطار لا يوجد فيه بلدنا الإشتراكي في جزيرة منفصلة و إنّما في عالم أشمل يتعيّن علينا التفاعل معه حتّى إقتصاديّا . لن نستطيع أن نكون مكتفين إقتصاديّا بصفة مطلقة ، حتّى و إن وجب علينا إستراتيجيّا أن نكون مكتفين ذاتيّا إقتصاديّا ، كبلد إشتراكي . " [ التشديد مضاف ]
و ماضيا نحو إختتام إجاباتي ، دعنى أشرح أكثر بإقتضاب المسألة العميقة و المعقّدة للعلاقة بين التطوّر و التغيير الإشتراكيّين صلب بلد إشتراكي خاص و التقدّم بالثورة عبر العالم بإتّجاه هدف الشيوعيّة . ثمّة أهمّية كبرى لإنشاء دول إشتراكيّة كرافعة لتغيير المجتمع تغييرا راديكاليّا و تحريريّا في كلّ بُعد من أبعاده – لكن أيضا و قبل كلّ شيء ، كقاعدة إرتكاز لمزيد تطوير و التقدّم بالثورة عالميّا صوب الهدف الأسمى للشيوعيّة . ثمّة إمكانيّة قطع خطوات جبّارة في التغيير الجذريّ للمجتمع على نحو تحريري بخلق دولة إشتراكية و تاليا مواصلة التقدّم على طريق الإشتراكية . لكن العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهاديّة التي ميّزت و هيمنت على التفاعلات الإنسانيّة لمئات السنوات في المجتمع الرأسمالي و آلاف السنوات بأشكال أخرى من المجتمع الإنساني – لا يمكن إلغاؤها نهائيّا ضمن حدود البلدان الإشتراكية بذاتها . فهذا يتطلّب التقدّم نحو الشيوعيّة على الصعيد العالمي .
قبل عدّة سنوات ( أو عمليّا الآن قبل عدّة عقود ) ، أثرت التالي في خطاب " كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها " :
" بمعنى الحفاظ على السلطة و مزيد التقدّم على الطريق الإشتراكي – و ليس فقط من وجهة نظر دولة إشتراكيّة بل بالخصوص من وجهة نظر البروليتاريا العالميّة – المشكل أكثر بكثير ، هو وجود حدود كما قلت لمدى إمكانيّة المضيّ بعيدا في تغيير القاعدة و البنية الفوقيّة داخل البلد الإشتراكي دون إنجاز المزيد من الخطوات المتقدّمة في كسب و مزيد تغيير العالم ؛ ليس بمعنى كسب المزيد من الموارد والناس كما يفعل الإمبرياليّون ، بل بمعنى نجاز التغييرات الثوريّة ... "
و يشدّد هذا مرّد أخرى على أهمّية الأمميّة و الإعتراف بالحاجة إلى أن نبقي بإستمرار في أذهاننا ، كمبدأ مرشد وموضوعيّ: ليس فحسب الحاجة الإستعجاليّة للإطاحة بالنظام الرأسمالي- الإمبريالي القائم الذى هو سبب هكذا فضائع و عذابات غير ضروريّة لجماهير الإسنانيّة ، و يمثّل تهديدا متصاعدا لللإنسانيّة في وجودها ذاته ؛ ليس فقط التقدّم الكبير الذى يمثّله تعويض هذا النظام الذى فات أوانه تماما بنظام مختلف راديكاليّا ، نظام إشتراكي تحريريّ ؛ و إنّما أيضا بالحاجة إلى مواصلة التقدّم بإتّجاه الهدف الأسمى الشيوعيّة عبر العالم ، مع بلوغ " الكلّ الأربعة " و تحرير الإنسانيّة ككلّ من كافة الأنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، و في نهاية المطاف تجاوز النزاعات العدائيّة التي تفرزها تلك العلاقات .
على ضوء كلّ هذا ، يبدو من المناسب الإختتام بالآتي المتّصل بالقضايا التي ستتمكّن الإنسانيّة من معالجتها عن وعي إثر التحرّر من العوائق و تجاوز حدود العالم الراهن – الذى يهيمن عليه النظام الرأسمالي - الإمبريالي و تحرّكه الحروب و الغزوات و تعرقله العلاقات الاقتصادية و الإجتماعيّة الإستغلاليّة و الإضطهادية و يميّزه تقليص التفاعل الإنساني إلى علاقات سلعيّة – بكلّ الجنون و البؤس و الألم العقليّ الذى يعنيه بالنسبة إلى جماهير الإنسانيّة :
" اليوم من الممكن فقط أن نخمّن و أن نحلم بالتعبيرات التى ستتخذها التناقضات الإجتماعية فى المجتمع الشيوعي المستقبلي و كيف ستتمّ معالجتها . كيف ستجرى مقاربة مزج قوى الإنتاج المتقدّمة وهو أمر يتطلّب درجة هامّة من المركزية و اللامركزية و مبادرة محلّية ( مهما كانت ستعنيه كلمة " محلّية " حينها ) ؟ كيف ستجرى مقاربة تنشأة أجيال جديدة من البشر – وهي عمليّة تقع الآن بشكل متذرّر و عبر العلاقات الإضطهادية فى المجتمع – فى المجتمع الشيوعي ؟ كيف ستتمّ إعارة الإنتباه إلى تطوير مجالات خاصة من المجتمع ، أو إلى التركيز على مشاريع معيّنة دون جعلها " محميّة خاصة " لبعض الناس ؟ كيف ستتمّ معالجة التناقض لتمكين الناس منتحصيل مهارات و معرفة شاملين و فى نفس الوقت و تلبية الحاجة إلى بعض التخصّص ؟ وماذا عنالعلاقة بين مبادرات الناس الفرديّة و النشاطات الشخصيّة من جهة ، و مسؤوليّاتهم ومساهماتهم الإجتماعية من الجهة الأخرى ؟ يبدو أنّه سيكون الحال على الدوام أنّه بشأن أيّة مسألة خاصة ، أو جدال ، ستوجد مجموعة – و كقاعدة عامّة أقلّية فى البداية – ستمتلك فهما أصحّ و أكثر تقدّما ، لكن كيف سيستخدمهذا من أجل المصلحة العامّة و فى نفس الوقت يتمّ منع المجموعات من التصلّب لتمسي " مجموعات مصالح " ؟
كيف ستكون العلاقات بين مختلف المناطق و الجهات – بما أنّه لن توجد بعدُ بلدان – و كيف ستجرى معالجة التناقضات بين ما يمكن تسميته ب " المجتمعات المحلّية " و التجمّعات الأعلى ، صعودا إلى المستوى العالمي ؟ ما الذى سيعنيه بالملموس أنّ الناس حقّا مواطنو العالم ، خاصة بمعنى أين يقطنون ويعملون إلخ – هل س " يتداولون " التنقّل من منطقة إلى أخرى ؟ كيف ستجرى معالجة مسألة التنوّع اللغوي و الثقافي فى مقابل وحدة الإنسانية العالمية ؟ وهل سيقدر الناس فعلا ، حتى بكلّ فهمهم للتاريخ ، على الإعتقاد أنّ مجتمعا كالذى نحن سجناء فيه الآن قد وُجد عمليّا – فما بالك بأنّه جرى التصريح بأنّه مجتمع أبدي و أرقى ما إستطاعت الإنسانيّة بلوغه ؟ من جديد ، هذه المشاكل و غيرها كثير و كثير جدّا لا يمكن أن تكون اليوم سوى موضوع تخمين و حلم ؛ لكن حتّى طرح مثل هذه المسائل و محاولة تصوّر كيف يمكن أن تعالج – فى مجتمع حيث لم تعد توجد إنقسامات طبقيّة و لم يعد يوجد عداء إجتماعي و هيمنة سياسية – هو بذاته أمر محرّر بشكل هائل لأيّ إنسان ليست لديه مصلحة راسخة فى النظام الحالي . "
( " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، الفصل الثاني ، المقتطف 4 )
بالنسبة إلى الذين ليست لهم هكذا مصلحة شخصيّة ، هنا أساس حلم مؤسّس على العلم و ملهم – و أمل للإنسانيّة على أساس علميّ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا