الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة النظام السياسي العراقي ... هل ثمة بارقة إنفراج؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ما إنفك العراق منذ غزوه وإحتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا يعاني الأمرين , هدر للمال العام وسفك للدماء لا ينقطع ,وتشريد للناس وسبي للنساء وهتك للأعراض تحت مسمع ومرأى كبار القوم دون أن ينبس أيا منهم ببنت شفا في عراق يتظاهر فيه كثيرون بمظاهر التقوى والزهد بلبوس التدين ومخافة الله زورا وبهتانا , فعدالة الأرض من عدالة السماء والعبرة في الأفعال لا في الأقوال , فالحديث النبوي الشريف يؤكد ذلك : من رأى منكم منكرا فليقومه بيده , فأن لم يستطع بلسانه , وأن لم يستطع بقلبه وهذا أضعف الإيمان , فعليه لا يجوز السكوت أبدا عن المظالم التي يتعرض لها الناس جهارا نهارا تحت أية ذريعة , وإنما يجب أن تتصاعد الأصوات الخيرة وتهدر بصوت مدوي , كفى ظلما وإستهتارا بكل قيم الأرض والسماء , لتهز عروش الظالمين الذين كانوا بالأمس حفاة عراة يعيشون في المهاجر على معونات الحكومات الأجنبية التي إحتضنتهم بصفة لاجئين مشردين من بلادهم . وهنا لا نقصد الإساءة لأحد أو الإنتقاص منه , بل تذكيرهم بأحوال الناس ممن شاءت الأقدار أن يكونوا تحت سلطتهم , وعليهم رعايتهم بحكم موقعهم القانوني والشرعي , ناهيك عن مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية .
فهل يعقل أن بلدا عظيما كريما كالعراق الأشم , الذي وهبه الله الخير العميم من ثروات طبيعية وموارد مالية كثيرة وقدرات بشرية متطورة , قادرة أن تجعل منه بلدا متطورا ينعم شعبه بالرفاهية والعيش الكريم دون منة من أحد , بدلا من أن ينبش أطفاله في مكبات النفايات بحثا عن لقمة العيش ,ويحرموا من فرص التعليم وهم في عمر الزهور , ليسجل العراق أعلى معدلات التسرب من المدارس وإرتفاع معدلات الأمية بعد أن تخلص منها تماما في عقد السبعينيات من القرن المنصرم , ويفتقر شعبه إلى الأمن والآمان ولا يجد فيه كثيرون مأوى يأويهم من حر الصيف اللاهب أو برد الشتاء القارس, سوى خيام مهلهلة في معسكرات النزوح التي نصبت لهم خارج المدن بعد أن إضطرتهم أعمال العنف والإرهاب ترك مساكنهم, ليعيشوا لاجئين في وطنهم تحت رحمة الفاسدين والمفسدين حيث تتناقل وسائل الإعلام عن تلاعب مسؤولين كبار يالأمول المخصصة لإيواء النازحين على قلتها دون ذمة أو ضمير.كان العراق بلدا كريما مضيافا لكل القادمين إليه طلبا للرزق , فقد إستضاف العراق في عقد السبعينيات ملايين المواطنين العرب وبخاصة المواطنين المصرين والسودانين والفلاحين المغاربة للعمل في جميع المهن دون أية قيود وبدون تأشيرات دخول , بينما أغلقت معظم الدول العربية أبوابها بوجه العراقيين على الرغم من أن حكوماتها كانت أحد أسباب ما حل بالعراق من دمار وخراب وتشريد شعبه.
والحديث عن هموم العراق والعراقيين حديث مؤلم وطويل لا ينتهي , فقد تحمل العراقيون من الهموم والمآسي ما يهد الجبال , وطال صبرهم الذي لا يضاهيه سوى صبر نبي الله أيوب , دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل بالخلاص من هذا الكابوس الثقيل الذي أطبق على أنفاس العراقيين سنين طويلة . ويتوهم كثيرا من يعتقد أن خلاصهم من هذا الواقع المزري , يمكن أن يتم على أيدي أيا من رموز السلطة الذين جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية الغازية والمحتلة لأرض العراق وتدمير كل مقومات دولته ومعالمها الحضارية وكل أشكال الحياة المدنية وقيمها الإنسانية , ولا ممن أفرزتهم العملية السياسية لاحقا وتنعموا بمغانمها حيث يصعب عليهم التخلي عنها مهما فعلوا أو قالوا , فهؤلاء طلاب سلطة وجاه يتصارعون فيما بينهم لتوزيع مغانم السلطة ومراكز نفوذها . لم يعد أي منهم يشعر حقا بما يعيشه الآخرون , بل يتخذون منهم أوراقا سياسية لمساومة خصومهم ليس إلاّ, ولم يروا فيهم سوى بيادق شطرنج للعب السياسي , فالأدوات الفاسدة المستفيدة من النظام السياسي الحالي لا يمكنها أن تكون أدوات إصلاح نظام سياسي ستكون هي في النهاية أكبر المتضررين منه , إنما هي ألاعيب سياسية معروفة في الأوساط السياسية قد تنطلي على بعض البسطاء والسذج من الناس لبعض الوقت , فحبل الكذب قصير كما يقال. وهنا يحضرني قول الإمام الشافعي :
ما حَكَّ جِلدَكَ مِثلُ ظُفرِكَ فتَـوَلَّ أَنتَ جَميعَ أَمرِكَ
وَإِذا قَــصَــدتَ لِحــاجَــةٍ فَـاِقـصِد لِمُعتَرِفٍ بِقَدرِكَ
كما أنها ليست صحوة ضمير في ساعة رحمانية وهداية من هؤلاء الساسة تجاه شعبهم ,كصحوة الحر الرياحي بن يزيد الذي إنتقل من معسكر يزيد بن معاوية إلى معسكر الإمام الحسين بن علي عليهما السلام , ليموت شهيدا بين يديه , فهؤلاء القوم أحرص ما يكونوا على الحياة وملذاتها .
ولأن ظاهرة الفساد والرشوة وشراء الذمم باتت جميعها مستشرية في العراق على نطاق واسع , إذ لم تعد مقتصرة على كبار القوم , بل أصبحت متغلغلة لدى شرائح واسعة من رجال الأعمال ومدراء المصارف الحكومية والأهلية وموظفي القطاعين العام والخاص, إذ يصعب اليوم إنجاز أبسط المعاملات لدى معظم هذه الدوائر دون وساطة أو دفع رشاوي تحت مسمى الإكراميات . ولم تسلم من آفة الفساد الجامعات التي تعج بتزوير الشهادات ومنحها لمن لا يستحقها من أجل منافع شخصية لا صلة لها بالعلم والعلماء ,وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات باتت هي الأخرى منابرلتزييف الحقائق وتلميع صور السياسين الكالحة وإضفاء هالة من القدسية عليهم , مع علمها أن الكثير منهم لا يفقه ألف باء السياسة . ويمثل بعضهم مصالح دول إقليمية ودولية أكثر من تمثيله لمصالح العراق بدعاوى زائفة شتى , فلا عجب أن يحضى هؤلاء بدعم مالي سخي ودعم لوجستي بالعتاد والسلاح من قبل تلك الدول , للوقوف بوجه كل من يحاول تهديد مصالحها من قريب أو بعيد , وتوفير ملاذات آمنة لهم ولعوائلهم إن دعت الحاجة ذلك .
وإزاء هكذا تشابك مصالح داخلي وإقليمي ودولي , فأنه ليس من السهل تحقيق أي قدر معقول من الإصلاح السياسي عبر الإحتجاجات والمظاهرات الصاخبة والإعتصامات كما يعتقد البعض , أو أن يتخلى القابضون على السلطة منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا عنها طواعية . ربما أكثر ما يمكنها تحقيقه تدوير الوجوه الفاسدة وإستبدالها بأخرى , ولن يكون التدوير نافعا كما حال تدوير النفايات التي باتت تشكل مصادر نافعة لتوليد الطاقة . وهذا ما أثبتته وقائع المشهد السياسي وآخرها مظاهرات ساحة التحرير ببغداد ومدن وسط وجنوب العراق التي دامت شهورا طويلة وقدمت ضحايا كثيرة دون جدوى , إذ ما زال الوضع العراقي على حاله إن لم يكن أكثر سوءا وتعقيدا من أي وقت مضى , تمثل ذلك بضف مشاركة الشعب بالإنتخابات النيابية التي جرت وفق قانون إنتخابي جديد على أساس الترشيح الفردي وإعتماد الدوائر الإنتخابية المتعددة بدلا من الدائرة الإنتخابية الواحدة لعموم العراق, والتي فازت بمعظم مقاعد مجلس النواب , الكتل والأحزاب ذاتها المتصدية للمشهد السياسي منذ العام 2003 وإن إختلفت موازينها , الأمر الذي أدى إلى نشوب صراعات حادة بين هذه الأحزاب بصورة غير مسبوقة تهدد السلم المجتمعي , حيث تعذر تشكيل حكومة بموجب النتائج الإنتخابية بعد مضي نحو عام من إعلان نتائجها في إنتخابات قيل أنها إنتخابات مبكرة لحاجة العراق لحكومة جديدة لمعالجة أوضاعه المتأزمة , وإذا بهذه النتائج تزيد المشهد تأزيما , وتصبح بذاتها أزمة مستحكمة عصية على الحل.
يتطلب إصلاح النظام السياسي في العراق إجراء عملية جراحية لإسئصال جميع الأدران والأورام السرطانية التي علقت به , وهو أمر لا يمكن تحقيقه من قبل فرقاء العملية السياسة أنفسهم , ولا حتى من القوى السياسية المعارضة لها ,لضعف إمكاناتها الحالية وعدم إمتلاكها أدوات التغير القادرة على تحقيق إصلاح سياسي حقيقي , كما كان يجري في السابق في العراق عبر إنقلابات عسكرية تحت مسميات ثورية مختلفة , أوى كما يجري حاليا في دول المنطقة وغيرها , بسبب عدم وجود قوات عسكرية وأمنية تحت قيادة موحدة . ويبقى الأمل معقودا بالخلاص من هذا المأزق وتحقيق قدر من الإصلاح على همة العراقيين الغيارى على مصلحة بلدهم , وفي مقدمتهم علماء العراق ومفكريه ومبدعيه ومثقفيه , بنشر الوعي بين الناس ونبذ كل أشكال الحقد والكراهية والعنعنات الدينية والطائفية والأثنية من منطلق أن العراق وطن الجميع ومن حق الجميع العيش فيه بأمن وآمان وبحرية وكرامة إنسانية . ويمكن أن تلعب منظمة الأمم المتحدة دورا هاما بتقريب وجهات نظر الفرقاء السياسين وتوفير منصة مناسبة للحوار والمصالحة الوطنية والحكم الرشيد الذي يضمن حقوق الجميع .وربما تكون مبادرة الإتحاد الأورببي بإجتماعه المنعقد في الثاني والعشرين من شهر حزيران هذا العام والتي حظيت بدعم مجلس الأمن الدولي , مخرجا مناسبا للخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي يعاني منها النظام السياسي المأزوم والتي باتت تهدد بإنهياره التام .تضمنت المبادرة الآتي:
1.الإتفاق على إما حل البرلمان أو نقض إستقالات أعضاء البرلمان قضائيا ورجوعهم لممارسة حقوقهم التشريعية مع باقي الكتل السياسية الفائزة بإنتخابات أكتوبر 2021 .
2.قيام حكومة وطنية عراقية مدعومة من المرجعية الدينية في النجف ومن المجتمع الدولي وكل الكتل السياسية في العراق , ويكون أعضائها في إدارة الدولة والمال ممن لم يشاركوا بأي منصب وظيفي في كل الحكومات بعد 2003 , وتكون الحكومة بصلاحيات تشريعية وتنفيذية في حال حل البرلمان , وأمدها سنتين دون المساس بتشريعاتها ( إن وجدت ) بالثوابت الوطنية لجمهورية العراق وكل مكونات الشعب العراقي.
3. تعمل الحكومة الإنتقالية على تأسيس دولة المواطنة بعيدا عن الإنتماءات الحزبية والقومية والطائفية , وتعتمد في خياراتها على الكفاءة والخبرة دون تدخل من أية جهة كانت داخلية أو خارجية .
4. توكيل الحكومة الإنتقالية مهمة التصويت على النظام السياسي العراقي إلى مفوضية الإنتخابات لإجراء إستفتاء عام للشعب العراقي لإختيار نوع النظام بعد تشكيل لجان في كل النواحي والأقضية ومراكز المحافظات لشرح أنواع النظم الساسية للشعب العراقي ( رئاسي مطلق / رئاسي مشترك / رئاسي برلماني ) .
5. التهيئة لإنتخابات مبكرة بإشراف ومراقبة لجان مشتركة من المنظمات الدولية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية المختصة بالشأن الإنتخابي مع ممثلي المرجع الأعلى في كل محافظات العراق .
6. التأكيد على وحدة العراق أرضا وشعبا ومتابعة مصالحه في كل مكان , والعمل على إسترداد الأموال المهربة وإحالة المهربين والفاسدين إلى الجهات القضائية المختصة .
7. فرض سلطة الدولة على جميع القطاعات العسكرية والأمنية العاملة في العراق , وإحالة غير المنضبطين إلى المحاكم العسكرية المختصة , وحصر السلاح بيد الدولة وحسب أوامرها فقط , بعد تشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة التي تشمل جميع الوحدات والأجهزة الأمنية والعسكرية وصنوفها العاملة في العراق .
8. وضع برنامج وطني لإعمار المناطق المتضررة وتأمين الخدمات لجميع المحافظات , وإنهاء معاناة المهجرين بالبدء الفوري بتوفيركل مستلزمات رجوعهم لمناطقهم .
9. الحرص على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى مبنية على التعاون المشترك والإحترام المتبادل وحسن الجوار وفق أسس مبنية على أساس الثوابت الوطنية الراسخة والمصالح المشتركة والإتفاقات والمعاهدات الدولية .

ويبقى السؤال الأهم كيف سيتم تنفيذ هذه المبادرة , وما هي آليات تنفيذها وضمان الإلتزام ببنودها ؟. وعلى أية حال يحدونا الأمل ببناء عراق حر مزدهر قريبا بإذن الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تمد أوكرانيا بصواريخ متطورة بعيدة المدى | ا


.. من دبي.. إطلاق مكتبة للتأثيرات الصوتية تساعد المصابين باضطرا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. عبدالملك الحوثي يشعل البحر الأحمر والمحيط الهندي وواشنطن تقد




.. أعضاء الحملة الانتخابية لبايدن يؤكدون تمسكهم باستخدام تطبيق