الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوبزبوم والتاريخ ج4

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2022 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثم يأتي هوبزبوم ليعطي نتيجة مهمة للتأريخ ، الاجتماعي فهو ليس بالتاريخ الاقتصادي ، ففي رؤيته ان الجوانب الاجتماعية او المجتمعية لوجود الانسان لا يمكن ان تفصل عن جوانب وجوده الاخرى ، يقول " للمؤرخ الفكري الا يولي الاقتصاد اهتماما على مسؤوليته، وللمؤرخ الاقتصادي الا يولي شكسبير اهتماما ، لكن المؤرخ الاجتماعي الذي يهمل ايا منهما لن يذهب بعيدا" ويبين كيف ان العاملين في حقول الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا والعلم السياسي والتاريخ والادب والاديان يشتغلون بعضهم طبعا ، الى عمل سيعتبره المؤرخون عملا تأريخيا كما ان هوبزبوم يضع حطة لدراسة تاريخ المجتمع نستطيع تلخيصها بالشكل التالي افادة لكل باحث يريد دراسة اي مجتمع يعيش فيه اولا:/
1- الاكتشاف والتجميع الاحصائي ، يتضمن ذلك ارقام واماكن وازمان حسب رؤيتي
2- معالجة كميات كبيرة من المعطيات.
3- تقسيم العمل البحثي بأجهزة تكنولوية اوجدتها علوم اجتماعية اخرى .
4- الملاحظة والتحليل في العمق لدراسة الاشخاص، الجماعات ، الاوضاع ، اي : الاستعانة بالانثربولوجية /دراسة المجتمعات واساليب التحليل النفسي.
بصفة عامة يذهب هوبزبوم الى ما يسميه ب( الانماط البنيوية –الوظيفية- التي تسلط الضوء على ما تشترك به المجتمعات رغم اختلافها في حين ان المشكلة لديه هي (مالاتشترك به) يقول وقوله مهم جدا لدراسة طبيعة المجتمعات العربية ( المسألة ليست الضوء الذي يمكن ان تلقيه قبائل ليفي ستروس الامزونية على المجتمع الحديث، بل :على اي مجتمع وكيف انتقلت البشرية من انسان الكهف الى العصر الصناعي الحديث؟او ما بعد العصر الصناعي ، ماهي التغيرات في المجتمع التي ارتبطت بهذا التقدم ؟ او كانت ضرورية لتحقيقه او مترتبة عليه؟ هكذا نرى ان المؤرخ الاجتماعي يجب عليه ان يجيب على مثل هذه الاسئلة ويضع ما يشبهها او على منوالها في التفكير والنقد والافكار.
ويبتعد هوبز اكثر بافكاره محللا( في الوقت الذي يعتبر فيه وبشكل كبير الى ان القسم الغالب من النظرية الاقتصادية الحالية بوصفها اطارا لتحليل المجتمعات تحليلا تاريخيا وبالتالي الى مزاعم التاريخ الاقتصادي الجديد ويصل الى النتيجة التالية : (الاعتقاد بأن قيمة الاقتصاد ممكنة لمؤرخ المجتمع قيمة كبيرة ، فالاقتصاد لايملك سوى التعامل مع ما هو من حيث الاساس عنصر دينامي في التأريخ، اي: عملية الانتاج الاجتماعي وعملية التقدم عالميا وعلى مدى زمني طويل وبقدر ما يفعل الاقتصاد ذلك يكون التطور التأريخي ، كما رأى ماركس متأصلا فيه ومثال ذلك الفائض الاقتصادي مفهوم اساسي لاي مؤرخ موضوعه تطور المجتمعات وبشكل واضح) .
هكذا فان ماركس في ضوء ما مر كان يعرف ان النماذج الاقتصادية اذا اريد لها ان تكون ذات قيمة للتحليل التاريخي لا يمكن ان تعزل عن الحقائق الاجتماعية والمؤسسية التي تضم انواعا من التنظيم الانساني المشاعي، القرابي، الثقافات ... الخ. وهوبزبوم يعتبر ماركس قد قام بممارسة المفكر الذي حدد او اقترح اكثر من الاسئلة التاريخية التي يجسد علماء الاجتماع انفسهم مشدودين اليها اليوم.
كيف نستطيع قراءة تاريخ المجتمع العراقي في ضوء افكار هوبزبوم؟
1- علينا ان نبين التاريخ الحقيقي ضمن زمن معين كأحد الابعاد، ويهمنا كثيرا ما حدث فعلا خلال هذا الزمن، هذا هو راي هوبزبوم واذا اردنا تطبيقه على الفترة ما بعد 2003 وحتى 2020 مثلا ونسجل ما حصل فعلا ، وليس قولا من هنا واخر من هناك، ليس لها اي للاقوال مصادر اساسية ، حول اداء الحكومات المتعاقبة ، حالة الشعب العراقي سياسيا ، اقتصاديا ، ثقافيا ، اجتماعيا ... الخ.
من خلال هذا التاريخ يمكن ان يتكون لدينا ما يسميه هوبز (التأريخ الحدسي) او –الافتراضي- وقيمته تتمثل بمساعدتنا على تقييم امكانات الحاضر والمستقبل بدلا من الماضي حيث يحل التاريخ المقارن بدلا من الحدسي اذن سيتكون لدينا قراءة واعية للحاضر والمستقبل بناء على معطيات الماضي وهنا يتكون لدينا التاريخ المقارن او التاريخ الفعلي وهو ما يجب ان نفسره. ان تاريخ اي مجتمع عبارة عن (تعاون بين نماذج عامة من البنية الاجتماعية والتغيير الاجتماعي والمجموعة المحددة من الظواهر التي حدثت فعلا ويصبح هذا ايا يكن النطاق، الجغرافي المكاني او الكورنولوجي لتحرياتنا في اي مكان في العالم، لقراءة تاريخ ذلك المكان ينبغي ان يكون هنالك تعاونا بين (البنية الاجتماعية، التغيير الاجتماعي) وهذه ضرورات علائقية هامة لتفسير ما يحدث في المجتمعات.
والتاريخ هو بالاضافة الى انه تاريخ عام للدولة او للمجتمع ككل الا ان هوبزبوم، يراه تاريخ المجتمع هو تاريخ وحدات محددة من البشر الذين يتعايشون فيما بينهم ويمكن تعريفهم بلغة سوسيولوجية انه ( تأريخ مجتمعات فضلا عن كونه تأريخ المجتمع البشري بخلاف تاريخ القرود او النمل على سبيل المثال) ووفق هذه الرؤية من غير الممكن اتباع قراءة تاريخية واحدة لمجتمع واحد فهنالك حسب هذه الرؤية وحسب تحليلنا لها قراءة للتاريخ الخاص بكل دولة ، ثم قراءة للتاريخ الخاص بكل فئة من فئاتها وبكل مدينة من مدنها وبكل اقلية من اقلياتها بمعنى ان هنالك تاريخا عاما محددا للدولة وتاريخا اخر خاص بكل مكون من مكوناتها اي: تأريخ انواع معينة من المجتمع وعلاقاتها الممكنة .
فتأريخ المجتمع العراقي يختلف حتما عن تأريخ المجتمع القطري او الجزائري او الاماراتي او الكويتي وهكذا، وتاريخ المجتمع العراقي فيه تاريخ الشيعة والذي يختلف عن تاريخ اهل السنة فيه وهكذا تاريخ المسلمين ككل يختلف عن تاريخ المسيحيين ووفق رؤيتنا فان المشاكل التي ستعترض المؤرخ للمجتمعات المتباينة . هي :
1- تفاوت حجم هذه الوحدات وتعقدها ونطاقها في فترات تأريخية او مراحل تطور مختلفة على سبيل المثال وشرحا لهذه الرؤية وتطبيقا لها على المجتمع العراقي / حجم الوحدة الشيعية/السنية داخل المجتمع وتعقدها ونطاقها الجغرافي وحتى الزمني يختلف عن حجم الوحدة السنية وتعقد المشهد فيها :سياسيا ،ثقافيا ، اقتصاديا، دينيا ونطاقها الجغرافي والزماني ومراحل تطور هذه الوحدات ... والامر ينطبق على تاريخ العرب في العراق عموما ، السريان، الكورد، التركمان... الخ. والسبب في ذلك الشرح هو قول هوبز نفسه:
(( ان ما نسميه مجتمعا هو مجرد منظومة واحدة من العلاقات الانسانية بين منظومات متعددة ذات نطاق وشمولية متباينة يمكن تصنيف البشر وفقها في آن واحد وبصورة متداخلة في احيان كثيرة))هوبزبوم، م س ، ص133.
اي : ان ما نسميه المجتمع العراقي هو منظومة واحدة من العلاقات الانسانية بين منظومات متعددة تشمل : السنة، الشيعة، الكورد، العرب عموما، التركمان، السريان، المسيح، اليهود، الصابئة ،البهائيون.... الخ. وهذه المنظومات ذات نطاق جغرافي /زماني وشمولية متباينة يتداخلون فيما بينهم ويصنف تاريخ كل مجموعة على نحو الاستقلال ولكن لديهم كذلك تاريخ مشترك طويل يتمثل بتاريخ النطاق الجغرافي الذي يتشاركونه. مع ذلك فان الدين كالمسيحية والاسلام على الرغم من اهميته في تشكيل المجتمعات التي تنتمي لهذه الاديان فانهما ليسا مجتمعا بالمعنى الذي تستخدم به الكلمة عند الحديث عن المجتمع العراقي ، الكويتي،الافغاني، اليوناني ... الخ. كما ان تاريخ المجتمعات الحديثة كما يشير هوبز يواجه قضية اساسية مهمة تتمثل باتساع نطاقها او ازدياد عدم تجانسها الداخلي او على اقل تقدير ازدياد الطابع المركزي والمباشر في العلاقات الاجتماعية ، بل نحن نزيد على قول هوبز هو ازدياد اللامساواة في هذه المجتمعات الحديثة بل وصل الامر في الفوارق في التقدير المادي والمعنوي للاذكياء والبلهاء يقول توماس ناغل Thomas nagel (( عندما نكون قد انتهينا من الحد من الظلم العنصري والجنسي ، سيبقى لدينا الظلم الكبير للاذكياء والبلهاء الذين يكافأون بشكل مختلف نظير جهد مقارن))
ان ازدياد عدم تجانس المجتمعات الحديثة الذي اشار اليه هوبز يتأتى حسب نظرنا من ازدياد التمييز على اساس العرق، الجنس، المواهب، المناصب، الوظائف، التي ينظر اليها الجميع في ذلك المجتمع على انها مرغوبة مثلا، ونحن بذلك امام التحول من بنية تعددية اساسا االى بنية احادية اساسا.
والسؤال : ماذا ينبغي على القارئ لتاريخ المجتمعات ان يحدد ويطبق من انموذج بحثي لكي يكون واعيا لقراءته المجتمع وبشكل امثل؟
المؤرخ عليه ان يبدأ بالبيئة المادية والتأريخية ثم يمضي الى قوى الانتاج وتقنياته .. هذه حسب هوبز مع الاهتمام بالديموغرافية وبنية الاقتصاد الناجمة عن ذلك، من تقسيم العمل والتبادل والتراكم وتوزيع الفائض وما الى ذلك ، والعلاقات الاجتماعية المنبثقة منها ، مؤسسات وصورة المجتمع وعمله ، وبذلك تحصل على شكل البنية الاجتماعية التي يمكن عند ذاك تحديد خصائصها وتفاصيلها المعينة ، عبر الدراسات المقارنة وما الى ذلك، يقول هوبزبوم (سيجد المؤرخون من المغري ان يلتقطوا علاقة محددة واحدة او عقدة علاقية بوصفها مركزية للمجتمع او نوع المجتمع) هل هو مجتمع صناعي؟ اقطاعي؟ تجاري؟ استغلالي، والنظر لحركة المجتمع التأريخية والتعامل مع الحركات الاقتصادية على انها العمود الفقري لمثل هذا التحليل ، بعد كل هذا سيحدث التالي:
التوترات داخل المجتمع اثناء عملية التغيير والتحول التاريخي للمؤرخ ............ز تقود الى ........ الكشف عن :
1- الالية العامة التي بها تميل بنى المجتمع الى فقدان توازناتها واستعادتها في آن واحد.
2- الظواهر التي تكون تقليديا موضع اهتمام المؤرخين الاجتماعيين مثل: الوعي الجماعي والحركات الاجتماعية والبعد الاجتماعي في التغيرات الفكرية والثقافية . وهكذا يصل هوبز الى نتيجة مفادها اذا اردنا ان نساعد في انتاج نماذج صالحة للديناميات الاجتماعية – التأريخية نماذج تخدم كل العلوم الاجتماعية سيتعين علينا ان نقيم وحدة اكبر بين ممارساتنا ونظريتنا ، الأمر الذي ربما كان يعني اول ما يعنيه في المرحلة الراهنة من اللعبة ، ان نراقب ما نفعله وان نعممه وان نصححه في ضوء المشكلات الناجمة عن الممارسة اللاحقة.
التاريخ الاجتماعي خلال عدة سنوات من عمر هوبز يشخصه كالتالي :
1- الديموغرافيا والقرابة .
2- الدراسات المدينية بقدر وقوعها في حدود مجالنا.
3- الطبقات والفئات الاجتماعية .
4- تاريخ الذهنيات او الوعي الجماعي او تاريخ الثقافة بالمعنى المعتمد عند الانثروبولوجيين.
5- تحول المجتمعات (التحديث او التصنيع)
6- الحركات الاجتماعية وظواهر الاحتجاج الاجتماعي.
يناقش هوبزبوم (الدولة – المدنية) الذي تطرقنا له في بحث خاص سنلحقه في هذه الدراسة لأهميته، لانه يعتبر انه من النادر سياسيا ان توجد كدولة مدينة قائمة بذاتها وكلام هوبز هذا صحيح جدا لان الدولة الامة ما زالت فاعلة وان كانت منهكة وضعيفة ف(المدينة من حيث الاساس كم من البشر الذين يعيشون معا بطريقة معينة ، وعملية التمدين المميزة في المجتمعات الحديثة تجعلها اقل تقدير حتى الوقت الحاضر الشكل الذي يتعايش فيه غالبيتهم). ان موضوعة الدولة – المدينة تتداخل كيفيا مع الانثروبولوجيا الاجتماعية التي اشار اليها هوبزبوم اي : دراسة كيفية بناء الناس لمجتمعات داخل المناطق التي تتسم بالتنوع والتشابك الحياتي فيها. والدولة – الامة (نظام سياسي منظم له السيادة على مساحة محددة ولها حدود متفق عليها مع دول – امة اخرى ) والمدينة صحيح انها كدولة غير شائعة اليوم لكنها الرمز الانقى لمعنى الدولة ، فالدولة الامة ظهرت متاخرة تاريخيا ، وهنالك كثير من الادلة التي تشير الى انها لن تصمد حتى نهاية القرن، حسب بعض توجهات الباحثين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و