الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة لمفهوم الأمة والدعوة

عدنان إبراهيم

2022 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك تفاوت في دلالة مصطلح "الأمة" بين القرآن وبين فهمنا المبني على فهم المفسرين للقرآن.
فبعد أن ذكر الله جميع الأنبياء وتحدث عنهم كلهم بشكل موحد، قال: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
الوحدة بين البشر على اختلاف رسلهم ودياناتهم، أمر مقدم على التوحيد والعبادة.

1- مفهوم الأمة:
هذا المفهوم في القرآن مفهوم كوني مختلف كل الإختلاف عن تصور المفسرين، لأن المفسر يفهم من خلال معطيات ثقافة عصره، ولا لوم عليه في ذلك.. ولكن اللوم يقع على من يقرأ له في عصر مابعد الحداثة، بعد عصور انقضت وقيام ثقافات جديدة وهدم رؤى قديمة، وقيام رؤية مختلفة كل الإختلاف عن عصور ما قبل الحداثة، ويظن أن كلامه صحيح لأنه عالم كبير.. هذه تسمى سلفية، وتفكير ينافي القرآن، لأنه نهى عن التقليد، لأن التقليد يستل عنصر التطور الحضاري والثقافي، ومن ثم يتسبب في استمرار سلطة التفكير الخرافي.

لماذا إذا عقدت ندوة روحية في الولايات المتحدة يحضرها شخصيات يحاضرون فيها من كل دين ما عدا اليهودية والإسلام ؟
يجب أن ندرك كم نحن مغيبون ومتخلون عن دورنا.. نحن نتخيل أننا منوطون بدعوة الناس للإسلام لهدايتهم، بينما نحن متخلفون في فهم الحقائق الدينية أكثر منهم! فإن فهم الكتب المقدسة فهماً صحيحاً يتطلب التواجد في مجتمع متحضر، يستوعب ما هو أبعد من المادة والظاهر، ويتشوّف لتعمير الباطن والإتصال بالمصدر.
يجب أولاً أن نغير رؤيتنا لمفهوم الروحانية، فهي لا تعني الحديث عن الملائكة والجنة والنار كما يتصور البعض، ولكن يمكن أن نعتبرها النسخة الأحدث من الدين، كما هو حال الفلسفة الحديثة فيما بعد كارل ماركس، حيث انصب اهتمامها على الإنسان.. كذلك الروحانية الحديثة تهتم بالإنسان بشكل كلي وتركز على حلول مشكلاته والإستفادة القصوى من تجربة حياته على الأرض.

2- أسْرَقَة العلوم:
نظرة على كتابات نيل دونالد والش أو برمهنسا يوغانندا سوف تحدث عندنا ثورة ثقافية بمعنى الكلمة. وإن من ينقل تلك المعاني إلى المسلمين سوف يعتبر مجدداً في رأيي.. ولكن لا أحب كلمة (أسلمة) لأنها مرادف سرقة ولكن بمصطلح مهذب.. لماذا الإصرار المقيت على عزلة الأمة عن المشاركة في الثقافة العالمية المشتركة، والإستعلاء الكاذب حتى ونحن نتعلم؟ هل هذا إسلام؟ هل يحب الله أن يرى بعض عباده متكبرين وهم متخلفون في كل شيء؟ بين أيدينا ثروة من العلم تسمى الروحانية الجديدة، هي أحدث وأكمل ما توصل إليه البشر - في رأيي - من علم بحقيقة الإنسان واحتياجاته الحقيقية وتحريره من سيطرة الخرافة (في عصور الأنبياء كانت تسيطر على الناس خرافة الشرك والخوف من الجن وآلهة الشر، وفيما بعد الأنبياء سيطر على الناس خرافات دينية أخف من أخواتها الغابرة، ولكنها لا زالت تعرقل سعادة الإنسان وتقمعه في قمقم الخوف والسحق والمحق والإذلال) وقد حان الوقت لتحرير الناس من مخاوفهم الدينية، لكي نسمح لبذرة الخير أن تظهر وتثمر عن حب ورغبة ودافع شخصي، لا عن خوف أو طمع خسيس في متاع أخروي، لا يعبر عن دافع شخصي من محبة نظيره في البشرية.

3- كلام تنمية بشرية:
لقد أهلكنا الجهل والعكوف على القديم البدائي خوفاً من الحداثة، أو اعتقاداً بأن الله خارج المصنع والمختبر، وفي نطاق محدد (دومين الدين).. وهذا هو سبب تخلفنا، لأن (المعونة على قدر المئونة) وقتك حيث تركيزك، هذا أمر مفروغ منه.. لا يمكن أن تفكر أمة في الله تفكيراً (لا دنيوياً) تفكير خرافي يعني.. كلام تنمية بشرية.. حيث لا تنمية ولا يحزنون، لا يمكن أن ينصر الله أمة ولا فرداً يفكر بهذا الشكل.. الإعتقاد يحدد الواقع ويرسمه بالضبط كما هو في العقل والتصور، ولا يمكن اختلال هذا الميزان (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) لا يحدث تغيير واقع الأمة الخارجي إلا بعد تغيير ما في النفوس من انتقاص لله وتحديد وتقليص له سبحانه، أنت عبد محتاج لمدده الدنيوي لمساعدتك وإخراجك من تخلفك، وهو رب قادر على هذا، وكُف عن طقوسك وشعائرك ولغطك، لأنه لن يفيدك في تغيير وتحسين نفسك وواقعك وواقع أمتك مثقال ذرة، وسترى هذا حسرة يوم القيامة، أقول هذا عن برهان يراه الضمير الداخلي، وكفى به برهاناً وواعظاً، ولا أرجم بالغيب.
نحن لسنا بحاجة لاستدلال على هذه المسألة الكبيرة بآيات قرآنية، نحن نعرف كل شيء (كما يقول المصريون: عارف العفريت مخبي ابنه فين).. هل سنتغير ونشهق وتقشعر جلودنا رغبة ومسارعة للتغيير ورؤية الله في المصنع وميدان العمل وقلب الحياة، إذا ذكرنا الآية السابقة يعني؟

4- إله أبي جهل أو إله العز بن عبد السلام:
إن تخلفنا يكمن في بنية فكرنا الديني وتديننا القديم السلفي الذي لا يريد أن يتزحزح.. متى سننبذ إله (يهوة) القديم، ويسمح لي رجل الدين - بعد أن يتخلى عن سلطته المرتبطة بإله التخويف - أن أحتفل بإلهي الشخصي، إله الحياة والبهجة، وليس إله ما بعد الموت والحساب والتقريع على الذنوب، الخ منظومة الفكر الديني المتخلف.. إن مخاوفنا من حساب إله أبي جهل وأبي لهب تنصب في معظمها على التقصير في الصلاة أو أمور تتعلق بالجنس أو كل ما هو شخصي، ولكن الإنسان الغربي لا يكترث كثيراً بما نفكر فيه، ولكن يثور إن اتهمته بالكذب أو الخيانة، أو إذا حدث اختلاس أو سرقة أو رشوة من مسئول، فيتم محاكمته وعزله كائناً من كان، حتى ولو كان رئيس الدولة.. ما سبب هذا التفاوت في الرؤية بيننا وبين الغربيين، تفاوت تفكير الحكيم والمراهق؟ لماذا لا نفكر في الله بشكل أرقى وأرحب ونرى أنه يهتم بقضايا الرأي العام والعدالة؟ ونتذكر حين قبض العز بن عبد السلام سلطان العلماء على المماليك وباعهم في السوق كالعبيد حين تخلوا عن دورهم كحكام.. أليست هذه هي روح الحضارة الغربية اليوم؟ ما سبب تراجعنا ؟ إنه الفكر الديني الناتج عن مجتمع متخلف خلق هذه العقلية التي نعاني منها اليوم.. وهي تتناقض مع القرآن تماماً، ولكن تتوافق مع آلاف الأحاديث المنحولة والمكذوبة تقرباً للحكام تارة، وترغيباً في الزهد والعبادة تارة أخرى.. ولا يمكن أن يثمر الكذب على الرسل خيراً أبداً مهما حسُن المقصد.

5- بائعو الوهم:
ولكي ندرك خطورة التفكير الديني المتخلف، سأذكر حديثاً موضوعاً، ولكن هذه المرة موضوع على ستيف جوبز، أحد أعمدة النقلة الحضارية الحديثة التي نعيشها اليوم.. وعلى قدر التضحيات التي قامت عليها الحضارة الغربية، والجدية في العمل الدؤوب والبحث العلمي في كل مناحي الحياة، على قدر ما نحن مستهلكون قليلي الأدب.. يعني عالة على الناس ومستكبر، يحتقر العلم والعمل وكل شيء، إلا المقدسات الوهمية التي لا يتجاوز وجودها ذهنه.
الحديث الموضوع هو عبارة عن وصية بالإنجليزية تناقلت ترجمتها صفحات وحسابات تواصل اجتماعي عربية انتشرت بغزارة، تحت عنوان: (الكلمات الاخيرة لستيف جوبز)، وايضا (اين تجد كنزك) وهنا بعض ما جاء فيها: "لقد وصلتُ الى قمَّةِ النجاح في الأعمال التجارية. في عيون الآخرين، حياتي كانت رمزًا للنجاح، ومع ذلك، وبصرف النظر عن العمل، كان لدي وقت قليل للفرح". "في هذا الوقت، وأنا ممدد على سريري في المستشفى، أتذكر حياتي الطويلة، وأدرك أن جميع الجوائز والثروات التي كنت فخوراً جداً بها أصبحت ضئيلة وغير ذات معنى مع اقتراب الموت الوشيك". "الآن فقط أفهم، بعدما أمضيت حياةً محاولاً جمع ما يكفي من المال لبقية حياتي، أن لدينا ما يكفي من الوقت لتحقيق أهداف لا تتعلق بالثروة فقط".
السؤال: هل تعلم أن ستيف جوبز الذي كذب عليه هذا السلفي، كان من أعمق الناس في فهم الحقائق الروحية؟ لست متأكداً هل هذا كان على مدار حياته أم في أواخر عمره، ولكن الذي أنا متأكد منه أنه كان مغرماً بكتاب المعلم الروحي المرموق برمهنسا يوغانندا (مذكرات الهند في سيرة يوغي) وأوصى بتوزيع نسخ الكتاب في جنازته، فكان الناس يفتحون الصندوق فيجدون فيه هذا الكتاب الثمين.. الذي أنا متأكد أن هذا السلفي لا يعرف مما ورد فيه من نور حرفاً واحداً، ولا يخطر على باله أصلاً ما يفكر فيه برمهنسا يوغانندا ويعتبره كفر وزندقة بجرة قلم أو جرة ريشة محبرة.

6- من يدعو من؟!
وإن أردنا إعادة مفهوم الدعوة، فإننا نقول أن الأكثر تواضعاً هو المشاركة بورقة عمل أو بحث جاد يفيد البشرية في تجربتها على الأرض، لأن المشاركة والتعاون تعني التواضع والأخوة الإنسانية والتخلي عن جنون العظمة وعقلية الفاتح.. وإن (كنتم خير أمة أخرجت للناس) هذا كان تحميساً لإصلاح الأوضاع المزرية القائمة آنذاك في إمبراطوريات الإستعباد، وقد زالت بالفعل على يد خير الناس في زمانهم.. وأما أن نعتقد أن هذا الخبر على إطلاقه على امتداد الزمان، فهذا إيمان ديني لا علاقة للقرآن به، لأن مهمة تنظيم وترتيب الفكر عبر التاريخ هي مهمة العالم الحقيقي وليست مهمة الكتب المقدسة.. ونحن نعاني من عقدة (ارحموا عزيز قوم ذل) ونتعامل مع الحقائق تعاملاً سطحياً (نعم نحن خير أمة) بدلاً من مواجهة المعركة الحضارية وتوعية الناس بخطر إهمال قيمة العمل على مستقبلهم، وخطر التفكير الديني المتخلف القديم، والتخلي عن دورهم والإعتماد الكلي على الحكومات وأبوة الحاكم وانتظار التوظيف في عصر الذكاء الإصطناعي وبدء التخلي عن دور الإنسان أساساً، ونحن لا زلنا نتحدث عن إطعام الحاكم للشعب.. مصيبة.

7- هل ندرك أننا في أزمة؟؟
نتمنى أن يخرج فكرنا الديني من مجتمع القبيلة والعشيرة، ويتجاوزه إلى مجتمع الدولة.. يقلل الخطباء المغيبون من حديثهم عن عسس عمر بن الخطاب ليلاً في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثون ألفاً، ربما ربع أو عشر عدد سكان الحي الذي يخطب فيه.. تدين جديد، من نوع (أفيقوا يرحمكم الله، فقد أصبتم عقول الناس بالخبل) يتآلف مع الحضارة ويعترف بها.. نحن معترفون بها، ولكن حين يقفز الدين نرتبك ونخبط خبط عشواء، وتظهر أفكار غريبة ومتخلفة، نقبلها كدين وترفضها ضمائرنا.. كالعدوانية والتكفير وتحجير رحمة الله على دين واحد، وباقي الناس كومبارس في الخلفية محتقرين في جهنم.. هذا كله مجابهة مع الحضارة ومع الحداثة، بينما نحن عالة عليها.. وأسهل شيء على المغلوب هو التهكم وعدم الإعتراف بالهزيمة، بينما هذا لو أردنا تسميته بمفردة واحدة، فلن نجد غير مفردة الجنون، وهذا إن ضر أحداً فلن يضر غير مجانين العظمة وحدهم.. ولكلٍ نصيبه من المسئولية في الإصلاح والتوجيه، وكل عالم مخلص يلوح له ما يجب أن يفعله، يحدث هذا لكل إنسان سواء مسلم أو غير مسلم.. لأن هذه هي عناية الله بالإنسان، فهو يرشده ويوجهه، ولكن لا يجبره على فعل شيء، فلو لم يستجب الإنسان فهو يؤخر تقدمه الروحي ويجني على نفسه، ولكن إحساناً للظن نقول: أن العلماء المخلصون قاموا بواجبهم على مر العصور بما كان متاحاً في وقتهم من معارف وعلوم، ولكن ما حدث في المائة سنة الأخيرة قلب تصور البشرية تماماً (كنا نسمع في مطلع الألفية عبارة: العالم أصبح قرية صغيرة) والنقلة التي حدثت في قرن هي أكبر من التطور في التاريخ البشري كله منذ العصر الحجري.. ومن الطبيعي أن تتضح أمور لم تكن مطروحة أصلاً في العقلية الأحادية (الوحيدية إن صح التعبير) ويجاب عن أسئلة لم تكن لها إجابات مقنعة فيما مضى، ونفهم أن الناس كلهم إخوة وأن هناك مفهوم مختلف تماماً للرحِم لم يكن معروفاً من قبل.. وأننا يجب أن نتعاون مع إخواننا ونكون جادين مستنيرين منيرين ماحولنا مثلهم، أو مثل أجدادنا، فهم علمونا أننا نستطيع، وأننا الآن في أزمة ولسنا في الحالة الطبيعية التي تقتضي الكلام الديني البيزنطي.. هذه هي رسالة الوقت ومهمة الساعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و