الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة العنف والارهاب جزء من ثقافة الاسلام السياسي وأنظمة الاستبداد الديني

امير حويزي

2022 / 8 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


مجموعة من نشطاء عرب الاهواز التقدميين (عاتق)

"قد اختلف معك في الراي لكني مستعد ان أدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عن رأيك". قول منسوب الى الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير ڤولتير المعروف بنقده اللاذع للدين والكنيسة وهيمنتهما على الحياة العامة والذي ألهم بافكاره الثورية والتنويرية الثورة الفرنسية والاحداث والتطورات الراديكالية في اوروبا واميركا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
ومنذ ذلك الوقت قطعت المجتمعات وشعوب العالم خطوات كبيرة نحو تحقيق الحرية والديمقراطية ولو باشكال ودرجات مختلفة. لكن بعد مرور ما يزيد عن قرنين مازالت هناك أنظمة في مجتمعات العالم الثالث لا تحترم هذه المبادئ والحقوق الثابتة. ليس هذا فحسب لكنها تسمح ايضا لنفسها باصدار احكام قتل واعدام ضد مواطنين حول العالم مانحة نفسها دور القاضي والمحلّف والجلاد في آن واحد.
ان الاسلام السياسي والاستبداد الديني الرسمي وغير الرسمي والارهاب الاسلامي بشقيه السني والشيعي اصبح يشكل تهديدا خطيرا متزايدا ليس فقط على الشعوب والمواطنين في منطقة الشرق الاوسط بل على كل شعوب العالم.
ان محاولة اغتيال الكاتب البريطاني سلمان رشدي طعنا خلال القائه محاضرة حول حق حرية التعبير في نيويورك لم يكن يحدث لولا نشر وترويج ثقافة العنف والارهاب بكل اشكاله الايديولوجية والفكرية والاجتماعية والسياسية والعنيفة في المجتمعات العربية والاسلامية ومنها نظام الجمهورية الاسلامية.
لم تظهر التحقيقات بشكل رسمي حتى الان الدوافع الرئيسية وراء محاولة الاغتيال هذه لكن ما تم اعلانه وتأكيده هو ان المتهم مواطن اميركي يدعى هادي مطر وهو من اصول لبنانية موال لحزب الله ومتعاطف مع نظام الجمهورية الاسلامية اذ عُثر على صور لقادة ورموز ايرانيين من بينهم قاسم سليماني وآية الله الخميني والمرشد خامنئي في حساباته على التواصل الاجتماعي.
تشير الدلائل ان المتهم اقدم على هذا العمل الاجرامي تنفيذا لفتوى اصدرها آية الله الخميني عام 1989 تقضي باهدار دم سلمان رشدي بسبب روايته "آيات شيطانية" التي تسيء للاسلام والنبي محمد حسب زعم المسلمين ورجال الدين الذين تؤكد الاحصائيات ان غالبيتهم العظمى لم يقرأوا الرواية اصلا! لسنا هنا بصدد الدفاع عن معتقدات وافكار الكاتب او مضمون ما جاء في هذه الرواية، لكننا ندافع عن حقه في الراي والتعبير مؤكدين ان هذا العمل الارهابي هو في الحقيقة هجمة ضد هذه الحقوق ومبادئ حقوق الانسان التي تؤكد على حق الحياة للافراد وحمايتهم من الاساءة والاذى والعنف.
تسببت الفتوى منذ صدورها بمقتل عشرات الاشخاص خلال اعمال العنف التي اندلعت في العديد من البلدان الاسلامية وحول العالم. وتم اغتيال والاعتداء على عدد من الكتاب والادباء في عدة بلدان من بينهم الكاتب الياباني هيتوشي ايكاراشي مترجم الرواية الذي تم اغتياله في اليابان، والمترجم الايطالي ايتوري كابريولو الذي طُعن في شقته بمدينة ميلان شمال ايطاليا، والناشر النرويجي وليام نيكارد الذي اصيب ثلاث مرات بعيارات نارية خارج منزله عام 1993 لكنه نجا من الموت، وكذلك الكاتب التركي الساخر المعروف عزيز نسين حيث تعرض الفندق الذي كان يحتمي فيه من هجوم الاسلاميين المتشددين الى اشعال نار وحريق اودى بحياة اكثر من 37 شخصا.
حريّ بنا ان نذكّر هنا ان الاسلام السياسي بكل اطيافه هو عدو التنوير والافكار الحرة وقيم المجتمع المدني. وما تعرض له رشدي اليوم من اعتداء غادر وما تعرض له في الامس نجيب محفوظ من اعتداء وحشي مماثل واغتيال المفكر الكبير فرج فودة في مصر يثبت مرة اخرى ان ثقافة العنف والارهاب هي جزء من ثقافة الاسلام السياسي وانظمة الاستبداد الديني مثل نظام الجمهورية الاسلامية.
تأتي محاولة الطعن هذه ضمن استراتيجية النظام القائمة على قمع النشطاء والمعارضين في الداخل منذ عقود، وخطاب التكفير والتحريض على القتل، و في اطار ما يفعله النظام عبر عملائه واتباعه في الخارج من خطف واغتيالات تستهدف المعارضين الايرانيين ونشطاء الاقليات القومية مثل الاكراد والعرب وغيرهم. ان هذه الفتوى في الحقيقة ليست جديدة فقد اصدر آية الله الخميني آنذاك فتاوى عديدة علنية وسرية ضد النشطاء واصحاب الراي المختلف مثل فتوى تصفية السجناء السياسيين عام 1988 التي راح ضحيتها اكثر من 3000 شخص، بالاضافة الى ما كان يصدره من بيانات وتصريحات كانت بمثابة فتاوى واحكام تقضي بملاحقة وقمع واعدام المعارضين. ان طعن سلمان رشدي جاء ضمن هذه العقلية والثقافة الارهابية لنظام الجمهورية الاسلامية القائمة على تلفيق الاتهامات ضد المواطنين الابرياء مثل محاربة الله والافساد في الارض الى جانب التهم الامنية كتهديد الامن القومي وزعزعة النظام.
لكن ما هو مخيف وصادم هو اشادة كثير من المسلمين بعملية الاغتيال في ايران وخارجها حول العالم وفي الدول العربية. وهذا يظهر حجم وعمق الفاشية الفكرية التي تعشش في عقول المجتمعات الاسلامية والعربية. لم يصدر حتى الان موقف رسمي من قبل الحكومة الايرانية وذلك ربما خوفا من عرقلة الاتفاق النووي الذي يدرك النظام انه بحاجة ماسة الى توقيعه مع الغرب للخروج من عزلته الدولية وانهاء العقوبات الاقتصادية التي انهكت البلاد. لكن مستشار فريق التفاوض النووي الإيراني، محمد مرندي، أبدى في تغريدة على تويتر تأييده ضمنيا للعملية قائلا: "لن أبكي على كاتب ينشر كراهية لا نهاية لها وازدراء للمسلمين والإسلام". وأشاد الاعلام الايراني وخاصة صحيفة كيهان المقربة من علي خامنئي بعملية الطعن قائلة "مبروك لهذا الرجل الشجاع ... لنقبّل اليد التي مزقت رقبة عدو الله بسكين".
أدانت منظمات حقوق الانسان الايرانية والدولية والاحزاب والمنظمات الايرانية السياسية باتجاهاتها المختلفة القومية واليسارية والاسلامية المعتدلة هذا العمل الارهابي. وبدورنا ندين بشدة هذا العمل الارهابي الهمجي ونطالب بالغاء فتوى قتل الكاتب سلمان رشدي وكل الفتاوى الرسمية وغير الرسمية وكل الدعوات والخطابات والبيانات التي تشجع وتحرض على العنف والكراهية والتمييز على اساس العقيدة والدين والمذهب والقومية والعرق والجنس وكل اشكال التمييز الاخرى ضد كافة المواطنين الايرانيين والشعوب والقوميات الايرانية.

مجموعة من نشطاء عرب الاهواز التقدميين (عاتق)
23 مرداد 1401 شمسي / 14 اوغسطس (آب) 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي