الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيلنسكي إزاء بوتن: صراع النازيات

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا رصدنا المعجم المضاد للسياسة في بعدها المحلي كتدبير للشأن العمومي، وفي بعدها الخارجي الدبلوماسي كتدبير للعلاقات الأممية والقضايا العالمية، نجد على رأس لائحة هذا المعجم المفردات التالية: النازية/الفاشية، الشعبوية، الشوفينية، الدوغمائية، الديماغوجية....
هذه المفردات يحيل بعضها على بعض من حيث المشترك الدلالي، وهي مفاهيم غالبا ما يستعملها الخصوم ضد بعضهم، وهذا إن دلّ، فعلى أن العقل السياسي الأممي أجمع على طرد هذه الذهنيات من دائرة السلوك السياسي وخارج أسوار الأخلاق السياسية.
لعل أكثر هذه المفردات تداولا منذ شهور، مفردة "النازية"، فما هو تاريخ هذه الكلمة؟
يرجع تاريخ هذه المفردة إلى هتلر وحزبه "حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني" (Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei)، وقد تأسس هذا الحزب على خلفية قومية عنصرية صنّفت المجموعات العرقية ووضعت العرق الآري الجرماني في قمة الهرم، متبوعا بالأعراق القريبة منه في النسب مثل البريطانيين وشعوب الفايكينغ القاطنة بأوروبا الشمالية، ووضعت الغجر واليهود والروس في أسفل السلم.
وقد تسببت هذه الأيديولوجيا في اندلاع الحرب العالمية الثانية، ومن هذه الحرب خرجت ألمانيا من قوميتها "النازية" العنصرية إلى القومية المدنية.
والنازية (Nazisme) مشتقة من اسم الحزب (National-socialisme)، وهي كلمة مركبة تعني لغويا القومية الاشتراكية، بينما على المستوى الاصطلاحي حملت معنى العنصرية، كما حمل الخطاب الذي يتبناها معنى الدوغمائية والشوفينية والشعبوية وكل المعاني المضادة للسلم والعيش المشترك والمواطنة وحسن الجوار.
في سياق الحرب الروسية الأوكراينية، يبرر بوتن هذه الحرب بدعوى مكافحة النازية الأوكراينية وبالمقابل يتهم زيلنسكي روسيا بالنازية.
بخصوص بوتن، فإن سياسته اشتهرت بدعمها للقوميين الأوروبيين المتطرفين ولنزعتهم "النازية"، ولم يحدث، أبدا، أن أدان بوتن أي حزب من هذه الأحزاب ذات النزوع القومي اليميني المتطرف.
فضلا عن تشبعه بفكر ألكسندر دوغين المعادي للغرب والحالم بالمجد الأوراسي، كشفت التقارير الإعلامية، أن بوتن، خاصة بعد مرور خمسة أشهر على بداية الغزو، لا يعمل بمفرده، بل هو محاط بدائرة من الأشخاص حريصون بنفس القدر على خداع الغرب، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية.
الصحيفة الأمريكية خصت بعض شخصيات بالذكر، وصفتهم بـ"دائرة الشر"، وأولهم نيكولاي باتروشيف، رئيس مجلس الأمن الروسي، أقرب مستشار لبوتن، وصديق شخصي منذ فترة طويلة، وصقر الكرملين الذي يمكنه بسهولة تولي مقاليد روسيا، على الأقل مؤقتا، إذا أصبح بوتين عاجزا.

ويتمتع باتروشيف بنفوذ كبير في بيروقراطية الكرملين، وهو أحد المهندسين الرئيسيين لعقيدة بوتين، التي تسعى إلى إعادة دول الحقبة السوفيتية السابقة (مثل أوكراينا) إلى السيطرة الروسية.
أما أوكراينا، وفضلا عن وجود تيار قومي متطرف يدعى الشتراوسيين، فقد اتضح أن زيلنسكي لا يقل تطرفا عن بوتن في فهمه للقومية في بعدها النازي، حيث يسعى إلى إسقاط الهوية الأوكراينية عن خصومه السياسيين.
الحرب الروسية الأوكراينية هي حرب يقودها تيار روسي نازي ضد أوكراينا، وفي ذات الوقت يستثمرها تيار أوكرايني نازي ضد روسيا. هذه الحرب التي يخوضها النازيون ضد بعضهم تترجم ضعف الثقافة الديمقراطية في البلدين، بل تعكس جهل النخب السياسية والفكرية المريضة بمعاداة الغرب في كلا البلدين، ومن هذا الجهل المؤطر للخطاب العصابي وجد المغامرون ضالتهم في "القومية" بهدف السيطرة على شعوبهم واحتكار السلطة والثروة.
وقد حاولنا في أكثر من مقال إلى التمييز بين القومية المدنية (Nationalisme civique) التي قامت على مبادئ العيش المشترك والمواطنة وعدم الميز العنصري، والقومية الأيديولوجية، الإثنية أو الدينية (Nationalisme ethnique) التي يعمل دعاتها على نشر خطاب الكراهية والعنف بين الثقافات والشعوب.
وأنا أنهي هذا المقال وأعدّه للنشر، صادفت منشورات تندد بتصريحات أحمد الريسوني، وهي تصريحات وصف فيها "الدولة الموريتانية" بالغلطة، كما دعا الملك المغربي إلى غزو تندوف باعتبارها أراض مغربية. وأحمد الريسوني هو عضو مؤسس والرئيس الحالي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقطر.
تصريحات أحمد الريسوني هي مثال ساطع للفكر النازي، وهو لللأسف فكر متأصل في النخب المغاربية ولاسيما الإسلامية. تصريحات الريسوني تقف على الطرف النقيض من الخطاب الملكي الأخير، بل الريسوني، لا يحرض فقط الملك المغربي على غزو تندوف، بل يحرض الشعب المغربي ضد المملكة المغربية بوصفها اختارت التطبيع مع إسرائيل.
ينتمي الريسوني مع السياسة الجزائرية إلى نفس الخندق المناهض للتطبيع، ما يدل على أن هناك اختلال منطقي لدى المناهضين للصهيونيا في علاقتهم بدول الممانعة، ومن جهة أخرى يتقاسم الريسوني نفس الأيديولوجيا مع إسرائيل، من حيث أن هذه الأخيرة تؤمن بالدولة اليهودية (أي الدولة الإثنية، العنصرية) وهو يؤمن بالدولة الإسلامية، وبالتالي هناك مساحة نازية مشتركة بينه وبين دعاة الدولة اليهودية.
وصف بعض الجزائريين الريسوني بفقيه البلاط المغربي وهو توصيف مجانب للصواب وللموضوعية، فتصريحات الريسوني تحرض الشعب المغربي ضد الملك وضد الدولة المغربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل. ولأنه يرأس تنظيما إسلاميا عالميا تحتضنه قطر، فهذا يعني أنه يشتغل لمصلحة هذا التنظيم ولمن يحتضنون هذا التنظيم بما فيهم جزائريون ينتمون إلى هذا التنظيم أو يتعاطفون معه بشكل أو بآخر.
في المحصلة، هناك خلل في الإدراك، وهناك جهل في السياسة، وإذا سارت الأمور في هذا المنحى وجف الخيال السياسي في الفضاء المغاربي، فليس مستبعدا أن تندلع حرب مغاربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah