الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على سبيل الفرض والافتراض ح8

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سمع بعض المارة مناجاة الرسول وهو معلق بأستار الكعبة، فمنهم من رق قلبه لكلام النبي ومنهم عظمت الجلافة والنكاية التي في قلبه، لكن الرسول ما زال مؤمنا أن نصر الله حتم ومدد الله أت وكل شيء بيده لا يحصل منها إلا ما شاء الله وما أمتنع إلا لحكمة أو عظيم أمر، تقاطر المؤمنون على الكعبة يجأرون إلى الله مما هم فيه ويرددون مع النبي " لبيك اللهم لبيك"، تصاعدت الأصوات مع تكاثر الملبيين فأرتجت الأنحاء وتسلل الخوف بطيئا إلى قلوب المشركين والمنافقين وظنوا أن الله قد أحاط بهم وقد لا يكون لهم نجاة بعد ذلك من غضب واقع و سخط قادم، فنزل كبار السادة من قريش ورجالاتها يكلمون ويطمأنون النبي أنهم على العهد ماضون ولا غيلة ولا غدر ولا أنتقام، فقريش حرية بالوفاء لا تغدر بعهد ولا تتخلى عن موثق لها مع أعدائها فكيف تخون عهد ذي القربى ومن دمها الواحد.
وما مرت ساعة إلا والنفوس قد هدأت وغاشية الرحمن قد نزلت لتضرب وجوه النفاق من عبدة المعبد ومرتزقة الكهنة وحقد الموتورين من بقايا جاهلية القوم قبل نزول دين محمد، عادت الحياة لتدب من جديد في أوصال أسواق مكة ودروبها وبيت الله تصدح فيه أصوات المصلين الملبيين المحوقلين، والرسول يلتف من حوله كبار رجالات قريش من أبناء العم وأبناء العشيرة وسادة العرب وقوام بيت الله، في كل موقف صلاة كان المشهد يتكرر وكانت القلوب التي تزور مكة للتجارة أو الحج لا بد من أن تهفوا للمنظر، فمن جاء مشركا عاد مؤمنا، ومن جاء مشككا عاد متيقنا أن الله ينصر رسله وهو القادر على كل شيء قدير.
بقيت مكة ساكنة فرحة بما منحها الله تشريفا فوق بيته القديم نبيا ورسولا وبركة لا حدود لها، لم تخرج مكة بلباسها الجديد بل أتتها العربان والأعراب والعرب من كل حدب وصوب تتلمس الفخر والإيمان منها ومن فتاها الصالح الذي لم يعد فتى، فقد داهمته الشيخوخة وهو قد عبر الستين من سنتين، لم يرزق ولدا ولم يترك من بعده نبيا بواصل رحلة الشرف والإيمان من بعده، فقد ترك فيكم آيات بينات ومقام ومقال وإرث الأنبياء، يا بني الإنسان كونوا كما أراد الله لكم عمارا ومصلحين لا بغضاء ولا تفتتنون بمال وجاه وسلطة، فكلكم من أب واحد وأم واحده وكلما تفرعتم ترجعون إلى ذلك الأب، يا بني آدم أتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
كانت خطبة سيد مكة الأخيرة وقد فيض الله لها جمعا من الحجيج ومن أهل الدار ليبلغهم كلمة الوداع، إعلان رحيل لمغير السنن البالية وقوانين الجاهلية، من كنت مولاه فهذا كتاب الله مولاه وأحسنكم خلقا أحسنكم إيمانا وفضلا، وخير الناس من نفع الناس لا من قهر الناس على ما لا يريدون، لا خير فيمن شبع وجاره جائع ولا خير فيمن ظن حياته بموت الأخرين وفنائهم، فكلنا خلق الله وأمانته في أعناقنا، أوصيكم بالنساء خيرا وبالأولاد رحمة، فما بنيت بيوتكم بالمحبة ستنتج أمة أقوى من حجارة الجبل وأصلد في مواجهة الخراب، يا أيها الناس أسمعوا مقالتي فهذه مكة وجهة المؤمنين وغاية لهفة قلوب الصالحين العارفين، أجعلوها كما أراد الله حيث تهفو القلوب أمنا وسلاما ومحبة... تواضعوا للناس يرفكم الله الدرجات العليا في الدنيا والأخرة.
مرت أيام قليلة حتى أشتد المرض بنبي مكة وصالحها ومصلحها، وفود العرب تتقاطر من كل حدب وصوب، الدعوات لا تنقطع والمؤمنون في قلوبهم التي ترفع الدعاء صباح مساء أمل في أن يكون الحال مجرد مزنة في سماء صيف تمر كما مرت الكثير من الأزمات من قبل، المقربون والسابقون وأل بيت النبي قلوبهم واجمة ونفوسهم معتلة من لحظة الفراق، شيوخ مكة وساداتها وسدنتها عرفوا متأخرا قيمة الرجل المسجى على فراش المرض، يتمنون لو أنهم ما فعلوا ما فعلوا ولا غرهم حلف الشيطان.. السلام الذي عرفته مكة والأمان المقترن بالإيمان أعطى معنى فعليا للحياة بعدما كانت لهم لعبوا ولهوا وتفاخر وتكاثر بالأموال والأنفس، يا ويح قريش ومكة لو ذهب رجلها العظيم الذي بنى لها مجدا لا يضاهى وعزا لا ينال إلا بالمكرمات وجود النفس وطهارة الروح.
في صباح يوم كان ليله طويلا أليللا لا نجوم فيه وقد تكدر قمره وأنطمس نوره، صحت الناس على خبر ضجت له حتى جدران البيوت وحجارة الطريق، مات محمدا الذي كان لكم درب السماء ونور الأرض في ظلام الوجود، لقد رحل المربوب إلى ربه داعيا لكم أن ينور القرآن قلوبكم وتضيء كلماته لكم طريق الحياة، لا تختلفوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم الطيبة، كونوا أخوانا على كلمة الحق تنصرونه وينصركم ولا تبالون، اليوم أكمل الله لكم الدين وأتم نعمة الإيمان فمن تمسك بحبل الله نجى ومن ضل وأضل فلا خسران أبدا أعظم من خسران الضالين المضلين، رسول الله ارك لكم رسالة سمعتم بدايتها ونهايتها هذه، كلنا من تراب خلقنا الله منه ونحن له راجعون، فلا مفر من حكم الله ولا مهرب من قدر مقدر.
ها وقد مرت أعوام وأعوام وتبدلت أقوام بأقوام ومكة هي مكة ملاذ المؤمنين وسيدة القرى العربية تستقبل وتودع أفواح الراغبين بالحج والعلم والنور الذي كان يشق عباب الظلمات، ما مات محمدا وقد ترك فيها مكارم الأخلاق ومناهج السلم والأمان، قريش التي كانت سيدة مكة لم تعد تلك القبيلة ذات القدح المعلى في الفخر والأنفة والكبرياء، لقد تحولت تلك الأنجم العالية إلى عباد صالحين يزرعون الخير ويسهرون على الفضيلة أن تنتهك، كل الناس ترى اليوم أن فضل محمد ليس فقط فضل حمل رسالة الله، بل فضل محمد أنه صنع أمة الفضل ومجتمع الإيمان الذي لا تهزه ريح ولا تعصف به الأهواء والمحن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت