الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السردية -المجتمعوعقلية- أو الفناء البشري؟(1/2)

عبدالامير الركابي

2022 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد ممكنا، ولا جائزا باية حال، بقاء الكائن البشري رازحا تحت وطاة المروية، او السردية الجسدية الحاجاتية كقاعدة نظر الى المجتمعية وتاريخها، ومسارها، والاهداف والمنطويات المضمرة بين تضاعيفها، وماهي صائرة اليه، وهو مالم يعد يحظى اصلا بالقدر الذي كان يحظى به من الايمانيه الانية ومايرافقها من نزوع للتكريس، وبالذات تلك التي عممها الغرب الحديث ابان نهضته الالية البرجوازية، وتهاوت اركانها ومرتكزاتها بمرور الزمن والتجربة، مابين القرن التاسع عشر والاحتدامية الابتدائية المصنعية الطبقية، واليوم بعدما اثبتت مسارات القرن العشرين تهافت ماسمي بالكلاسيكيات النظرية، وثبوت انتمائها لمافات، ولما هو سابق من حيث المنطلقات والتاسيسات، بحيث جرت معالجة الانقلابية الحاصلة وقتها بمنطق الماضي، في الوقت الذي كانت اللحظة تؤسس لمستقبل مختلف نوعا ومآلا.
والجدير بالتلبث والانتباه بخصوص ماتقدم، ليس الخطا او الصواب، النجاح او الفشل في رؤية ومقاربة المتغيرات الحاصلة وقتها، بل بالدرجة الاولى وقبلا، اكتشاف مترتبات القصور الاعقالي، واثرها ونتائجها وقد تحولت الى عامل مدمر، اثاره وماينجم عنه غاية في الخطورة، قد تصل الى الكارثة الشامله، وصولا لاحتمالية الفناء وزوال الكائن البشري من على كوكب الارض، وهو مامن شانه ان يتاتى من الاصرار على اعتماد المنظور الارضوي الاحادي للتاريخ والحاضر المجتمعي، مايضع الكائن البشري خارج الفعل الموافق لضرورات وممكنات الاستمرارية، والانتقالية المقررة المتلائمه مع المجتمعية واصل كينونتها.
والمعضل الحال على التاريخ البشري اليوم، اننا وفي الوقت الذي صرنا على مشارف وعند نهايات الزمن الاحادي الارضوي، وهيمنته مفاهيم ورؤية، الا ان هذا قد وجد مع ماصار يعزز بقوة، مع الانقلابيه الالية، ومايواكبها ورافقها من جملة منجزات شامله في المناحي الحياتية، ماجعل لهذا، او صيغته الحالية الارفع والاعلى قوة فعل ونفوذ كاسح، تكرست معه جمله من المفاهيم والاعتقادات المخالفة للحقيقة التاريخه، والمتصادمه معها كليا. ماقد وضع البشرية امام حالة قصوى من الانفصام، ما بين حال سائر موضوعيا وواقعا نحو نهاية الارضوية، ولحظة قصورية ارضوية ناهضة ومتعالية، راسخه ومعتبرة قمة وغاية الممكن المجتمعي التاريخي.
وتتاتى اولى مظاهر القصورية الخطرة من زاوية رؤية الغرب للالة المنبجسه بين ظهرانيه، واعتباره اياها وبمنتهى السذاجه، عنصر وحالة انتقال من اليدوية الى مابعدها،مرحليا وتعاقبيا، من دون توقف عند مايترتب على دخول عنصر حاسم ثالث، على ثنائية ( مجتمع بيئية)، لاعلاقة لها ونوع حضورها وفعلها، باليدوية المتوافقه مع العنصر البيئي الفعال، وهو ماتؤدي الاله الى كسره، والى ادخال عنصر ثالث عليه من خارج اللوحة، لهاقوة اثر وفعالية انقلابية، معها يصير الفعل في المجتمعية من خارجها امرا واقعا، بما يعني انبثاق حالة تفاعل وتصير غير مسبوق، يشمل الالة ذاتها، ويضعها ضمن سياقات حالة تصادمية، تمنعها من ان تستمر كماهي او كما وجدت ابتداء.
وكلما ارادت الاله ان تفعل في البنية المجتمعية البيئية، والمتشكلة انماطا خلال الاف السنين من التفاعليه، كلما استدعى ذلك ونتج عنه، مايناسبه من ردود فعل ينيوية تكوينيه، فالمجتمعات البيئية، ومنها الطبقية والازدواجية في المقدمه، هي مادة حية مكتملة، من غير المتوقع، ولا الجائز الاعتقاد بانها ستقف مستسلمة امام الالة وفعلها، والميل الواعي لاستخدامها، ليس هذا وحسب، بل ولابد من الانتباه الى نوع ردة الفعل المفترض توقعها من مادة، لها ديناميات فعلها المطابقة لكينونتها، والتي كانت بالاصل المصدر الذي منه واتفاقا مع متطلبات سيرورته وتصيّره التاريخي، انبثقت الالة نفسها.
ومن بين مايجهد الغرب الى اعتباره مواكبا للحظة الالية المصنعية، موضوع " الصراع الطبقي" والقول باحتداميتة القصوى وتلازمه مع "حتمية" انقلابية تنهي الطبقية، هذا في الوقت الذي تكون الطبقية قد انتهت اصلا مع انبثاق الاله، فالالة يوم توجد تتراجع الاسباب التي اوجدت الانشطارؤ الطبقي الاوربي، ومع العنصر الالي الجديد، لاتعود الطبقات كما كانت من قبل، واصطراعيتها الراهنه صارت محكومة لاشتراطات عالم مستجد، من غير نوع التفعالية الرئيسية السابقة.
ولا تقف القصورية الاوربية المعممة، وعجز الغرب عن رؤية الغرب كما قد صارراهنا، عند الحدود المشار اليها من حيث تعميم المرتكزات المنظورية المتوهمه الارضوية، بمناسبه انقلاب يتعداها ويتجاوز نوعها، وهو حالة اصطراعية مستجدة، ذاهبة الى مابعدها، تشهد البشرية ابانها تحولات ومتغيرات نوعية تشمل المسارات والظواهر الاساسية المعتمدة حتى حينه، ومنها " الكيانويات"، و "الوطنيات" السائرة مع دخول الالة حيز الانتاجية وتكثيرها المتعاظم، الى الاختلال، خصوصا مع تحول الانتاج حكما وطبيعة الى ذلك العابر للوطنيه، وصولا لتعدي نفوذ الشركات العابرة للجنسيات نطاق سلطة الدول المحلوية، في الوقت الذي يؤدي فيه فعل الالة الواعي الى افراغ مايعرف ب " الديمقراطية" من معناه، ليحل مكانه عالم " الانسان ذو البلعد الواحد" (1)حيث صناعة الحاجات البشرية.
ثمة ظاهرة تخص فعل الدينامية غير المؤشر عليها، رافقت ولازمت ظاهرة الغرب الحديث ينكر الغرب تحت واجهة "الغرب" واستلام الولايات المتحدة الامريكية زمام قيادته، كون الكيانيه الامريكية المجتمعية هي نمط مختلف كليا ونوعا، صفته الاساس كونه "مجتمعية مفقسه خارج رحم التاريخ" والحاضنه البيئية، قياسا بالمجتمعات كافة، مايضعها بموقع قياساته والاقتراب من كينونته المستجدة خارج المنظومة التصورية والمنهجية الغربيه التي تظل بناء على قصوريتها تمارس بحمية، اسقاطيتها الممارسة على اجمالي المجتمعات خارج اوربا باسم نمط غير مكتشف ولا مجرب، فعلا ونوعا.
كان المطلوب المتعذر والمستحيل، ان يذهب الغرب بناء على ما تسنى له من نهوض شامل، لو انه استطاع، الى اجتياز ذاته، فيغادر مرويته القاصرةعن نفسه والعالم، تلك الارضوية التي تنظر للمجتمعات على انها حالة (تجمع + انتاج الغذاء)، لترى اليها من منظاراخر، مقاربته هي التي يتحقق عندها ومعها الانقلاب الضروري الاكبر المؤجل، والواجب كشف النقاب عنه، ذلك الذي يحيل الظاهرة المجتمعية الى حقيقتها كوسيلة وبوتقه ضرورة، حامله للعقل وترقيه النشوئي، لا كظاهرة بذاتها ولذاتها.
فالعقل السائر قدما من الارضوية الى الاكوان العليا(2)،او الكون الموازي اللامرئي، وبحكم حاجته الى حامل مادي، احتاج كمحطة اخيرة، ان يجتاز تصيّرا، طورا اخيرا من سيرورة ترقيه، هي المجتمعية، وبعدما عبر هو الطور الاول الحيواني، حيث الغلبة شبه المطلقة للجسدية، الى ان تغير شكل الكائن الحيواني، وصار منتصبا على قدمين، ويستعمل يديه، وقفز معه بالتوازي، العقل وحضوره لندخل من يومها طور الازدواج الجسدو /عقلي " الانسايواني"، وصولا الى المحطة النوعية الثانيه، مع تبلور المجتمعية كازدواج يبدا باللاارضوية التي هي مجتمعية التطابق مع اشتراطات العيش على حافة الفناء، كما وجدت ابتداء في سومر جنوب ارض مابين النهرين، قبل ان تظهر شمالها في "عراق الجزيرة"، صيغة المجتمعية الارضوية بالتزامن مع نموذجية الارضوية النيليه، حيث البيئة المتلائمه مع حاجات الكائن البشري والميسره وجودا وانتاجا، ليدخل العراق من يومها حالة الازدواج التصارعي بين نمطيتين وكينونتين نوعيتين، احداهما هي مايناظر العقل، تبدا حياتها اصطراعا مع البييئة الطارده، واخرى جسدوية ارضوية حاجاتيه، ماخوذه رغبة وطبيعه بدافع ومحرك السيطرة التغلبية، واخضاع الاخر غير القابل هنا للخضوع، باعتباره عالما اخر مختلف، متوفر على كل مقومات واسباب الاستقلالية، فاما ان يكون كما هو، او يزول من الوجود.
ولم تتكفل البيئة فقط بجعل الابتداء المجتمعي لاارضويا ازدواجيا في ارض مابين النهرين، ومن ثم دوراتيا بين صعود وانقطاع، بل اوجدت لوحة انماطية كامله، من احادية دولة، واحادية لادولة متنوعه، بين احادية دولة طبقية، هي الاعلى ديناميه ضمن صنفها الاوربية، ثم اعرق احاديات الدولة بلا طبقات، مع بطء الديناميات النيلية، ذهابا الى اللادولة المحاربة الجزيرية المحكومه لاقتصاد الغزو، موزعه على الكوكب الارضي بما يتناسب واشتراطات التفاعلية اللاارضوية، المنتهية عند اخر المطاف، بخضوع المجتمعت ككل لاشتراطات العيش على حافة الفناء، في الوقت الذي تكون الاسباب المادية والاعقالية الضرورية للتحرر من الجسدية، وانفصال العقل عنها، قد توفرت ب"التكنولوجيا العليا" وسيلة الانتاج العقلي، و"قران العراق"، بالتزامن وفي غمرة دخول المجتمعات طور التازم الاقصى، الناجم عن الانقلابيه الاليه، وبلوغ الارضوية نهاية ممكناتها وقدرتها على الاستمرار.
هكذا تكون المجتمعية وجدت لتحقيق غرض بعينه، يخص نشوئية وارتقائية العقل محور الحياة والوجود على كوكب الارض، وهي محكومه وجودا وتفاعلية وآليات الى اشتراطات هدفها التي وجدت لاجله، ولغرض تاديته، بمعنى انها ظاهر ليست ابدية، بل ينطبق عليها قانون انتهاء الصلاحية، مع خضوعها لحتميات التصير العقلي، مع ان الجسدوية تكون غالبة ومهيمنه على الاعقال البشري الانسايواني على مدى ليس بالقصير، يصير في نهايته ظاهرة خطرة ومدمرة، وقد تتحول الى افنائية، فاللاارضوية ابان جموحها البدئي ومنطلقها، تعجز عن ان تحقق ماهي متطابقة معه من تحولية فوق ارضوية، فتنتكس في حينه، بانتظار الاعقال اللاارضوي المتعذر وقتها، مترافقا مع الوسيلة المادية الازمه للتحول، مايؤدي من حينه الى انتصار وغلبة التصور والرؤية الارضوية، الموقت لكن الطويل الامد.
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من المناسب هنا من تذكر "هربرت ماركوز" وكتابه/ الانسان ذوالبعد الواحد/ صادر عن دار الاداب/ بيروت/ ترجمه جورج طرابيشي/ من دون نسيان ارضوية واحادية ماركوز.
(2) ليست الماركسية الطبقية وماديتها التاريخية هي الوحيدة من بين منجزات الغرب الكبرى، المحكومه للقصور الاحادي، بل ايضا المنجز العقلي الاخر الهام، كما يتمثل بنظرية دارون عن النشوء والارتقاء، والتي يتضح قصورها في احاديتها وارضويتها الجسدوية الفاضخه، مايحول بينها وبين ان ترى في العقل محورا للارتقاء وللوجود الاصل وليس الجسدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة