الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟

علي فضيل العربي

2022 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لا شكّ أنّ العالم يمرّ في هذه الأيام ، و في كنف الربع الأول من القرن الواحد و العشرين بفترة عصيبة ، تشبه تلك التي جرت قبل قرن - أي في النصف الأول من القرن العشرين – لكنّها تختلف اختلافا بيّنا من حيث النوايا والوسائل و الأهداف . فهو يعيش مجاذبة عنيفة و مؤثّرة بين سياسة القوة ، و قوّة السياسة .
و الأسئلة الذي أرّقت العقلاء ، و مازالت تؤرّقهم هي : هل البشريّة – التي تنشد السلام – في حاجة اليوم إلى حروب جديدة و بأسلحة لا تبقي و لا تذر ؟ هل قدر البشريّة أن يحكمها ثلّة من مجانين القوّة و الرعونة ، فيودون بها إلى قاع الكارثة ؟ لماذا ينتج هؤلاء المجانين كل هذه الأسلحة الفتّاكة ؟ إلى أين يتجه العالم المعاصر يا ترى ؟ هل أفلس الفكر الديمقراطي و أفلست معه المنظومة الديمقراطيّة المبنيّة على الحريّة و الأخوّة و المساواة و حقوق الإنسان ؟ أما آن للعقلاء أن يتوقفوا عن ممارسة هذه الرعونة المجنونة ، و يستثمروا أموال الشعوب و ثرواتها العقليّة و الماديّة فيما فيه خير الإنسانيّة جمعاء ؟
لقد شهد العالم خلال الحربين الكونيتين صراعا مسلحا داميّا ، مأساوياّ ، عندما فشلت السياسة و رجال السياسة في كبح تهوّر رافعي ألوية الحرب و دعاة القوّة و الرعونة . و خرجت البشريّة منهما – أي من الحربين الكونيتين الأولى و الثانيّة - منهكة اقتصاديا محطّمة نفسيا و اجتماعيا و أخلاقيّا ، ناهيك عن الخسائر البشريّة الفادحة في البنية التحتية في دول أروبا بجناحيها الغربي و الشرقي . هل استفاد الإنسان ماديا و معنويّا من الحربين الطاحنتين ؟ كلا ، لقد كان القتلى و الضحايا و الجرحى و المعاقين و المشرّدين و اليتامى و الثكالى يعدّون بالملايين . و هُدّمت مدن و قرى برمتّها على رؤوس ساكنتها البريئة .
أليست الأرض تسع الجميع ؟ كلا ، إنّها تسع البشر جميعا بشتى ألوانهم و لغاتهم و جنسياتهم و إيديولوجياتهم و طموحاتهم و رغباتهم ، و تسع الحيوان و الشجر و الحجر و جميع المخلوقات ؟ لماذا ضعفت فطرة التعايش السلمي و التعاون على البناء بدل الدمار ؟ فلماذا ، إذن ، كل هذه الحروب المدمّرة للإنسان و الحيوان و الطبيعة ؟ لماذا هذا الجنون و الرعونة و إفناء الذات و زرع روح الكراهية و مشاعر البغضاء بين أبناء آدم عليه السلام ؟ ألم يتّعض دعاة الحرب و و موقدوها و خائضوها بما سببته الحروب السالفة من مآس و كوارث على الإنسان و الطبيعة ؟
يبدو أن البشريّة ، و أخصّ بالذكر فئة العلماء السذج و ممارسي السياسة بروح الرعونة الفرعونيّة و النمروديّة ، لم تتعلّم جيّدا ما ينفعها ، و ما يدفع عنها الضرر ، و لم تستفد من الدروس الماضية و التجارب السالفة . فقد ظهرت كأنّها تلميذ غبيّ لا يفقه دروس معلّميه .
أخشى أن تندلع حربا عالمية ثالثة ، تدّمر الأخضر و اليابس ، و تعيد الإنسان إلى حياة الكهوف و المغارات و السيوف و العصيّ .
لقد بالغ الإنسان المعاصر في الغرب و الشرق في البحث عن وسائل الدمار ، و تصنيع الأسلحة الفتاكة ؛ تقليدية و كيماوية و نوويّة . و كأنّه على مشارف حرب ضروس سيخوضها - مرغما – ضدّ أمم أخرى أو ستشنّ عليه من كوكب آخر ، غير كوكب الأرض ، و ربّما من خارج مجرة درب التبّانة .
ماذا يريد الإنسان من وراء هذه الأسلحة المدّمرة ؟ ألم يستفق العلماء و رجال السياسة و أصحاب مصانع أسلحة الدمار الشامل و بناة المحطّات النوويّة من غفلتهم و عنجهيتهم ؟ إلى أين يريدون الوصول بطموحاتهم القاتلة و الفتّاكة ؟
يجب على العالم أن يقف لحظة تأمّل لراهنه الذي يتهدّده الفناء . و لابد أن تتجنّد الشعوب في اقصى الأرض و أدناها ، و تضغط على حكوماتها المدنيّة و العسكريّة ترغمها على تدمير الأسلحة الفتاكة كلّها عاجلا و ليس آجلا ، و دون استثناء أو تواكل . لا بد أن يعود الإنسان إلى رشده و وعيه .
إنّ العالم يمرّ بلحظات فارقة . فهو بين أمرين لا ثالث لهما : فإمّا العودة إلى فطرته البشريّة الآمنة ، المسالمة أو المضيّ إلى الفناء العام . لقد جانب الإنسان في الغرب و الشرق معالم الحضارة ، و زيّف مفاهيمها النبيلة ، و حرّفها عن مسارها الإنسانيّ النبيل ، و حوّل جزءا هاما منها إلى وسائل للإفناء الذاتي و القتل العشوائي ، الفردي منه و الجماعي ، و شيّد منها قوّة تدميريّة هائلة . إنّ هدف الحضارة هو النفع العام و الخاص . و هي آلية لتحقيق السعادة الإنسانيّة ، و إشاعة الأمن و الطمأنينة و التكافل و جلب المنفعة بين الناس كافة ، و إزالة الخوف و الهلع من النفوس و حماية الإنسان من الأخطار المحدقة به .
لقد كان الإنسان في فترة ما قبل التاريخ و نظيره في القرون السالفة ، و قبل ظهور بوادر النهضة الفكريّة و الصناعيّة – يبحث – بجدّ و شغف – عن كلّ ما يحفظ حياته ، و يحقّق سعادته و رفاهيته ، و ينمّي ثروته ، و يحميه من مخاطر الطبيعة . فلمّا بلغ ما كان يصبو انحرفت به شهواته و غرائزه و أطماعه ، و تمرّد ضميره الأخلاقي عن المباديء الساميّة .
ما أحوجنا اليوم – أكثر من أيّ وقت مضى – إلى الإنسان المتعلّم ، الراشد ، الواعي ، الذي يتصرّف مع نفسه و مع غيره بحكمة و بعد نظر . كان الإنسان في القرون السالفة ، الساحقة عرضة لخطر الطبيعة المحيطة به ؛ ضحيّة الوحوش الضاريّة ، و هيجان الطبيعة بفيضاناتها و عواصفها المدمّرة و زلازلها و حرائق غاباتها . فلمّا استطاع حماية نفسه من معظم المخاطر ، اتّجه إلى إنتاج وسائل التدمير الشامل . ألا يدعو الأمر إلى العجب و الدهشة و الحيرة التساؤل ؟ أيّ منطق هذا الذي أوصله إلى حافة الفناء ؟ هل يعقل أن يتصرّف الإنسان العاقل ، في هذا العصر ، بسلوك رعونيّ ، لا أخلاقيّ ، جنونيّ ؟
إن العالم ليس في حاجة إلى حروب مدمّرة و نزاعات دمويّة ، و تفاخر و تهديد بالسلاح الفتّاك . العالم في حاجة ماسة إلى التعايش في كنف السلام و التعاون و الأمن و الطمأنينة ، لأنّ الله تعالى قد خلق الناس شعوبا و قبائل من أجل التعارف و التعايش و تعمير الأرض بما يصلح لهم و ينفعهم في دنياهم و آخرتهم . إنّ مبدأ التدافع بين البشر ، ليس هدفه الإفناء و إزهاق الأرواح البريئة من أجل إشباع الغرائز البهيميّة ، و إنّما من اجل إصلاح النفوس و الأبدان و إشاعة الخير و السلام بين ذريّة آدم عليه السلام .
العالم في حاجة ماسة إلى محاربة الجوائح ؛ كالأمراض المزمنة و غير المزمنة و الأوبئة الفتّاكة و المجاعة و الجهل و التصحّر و التلوّث البيئي الذي انتشر في البراري و البحور و المحيطات و الأنهار ، نتيجة النفايات المنزليّة و نفايات الصناعة النوويّة و تجاربها و تسرّبات إشعاعاتها .
لا أعلم مبرّرا منطقيّا واحدا ، و لا هدفا مشروعا لهذا التسابق الجنوني في ميدان التسلّح التقليدي و غير التقليدي غير الجنون و الرعونة . و كأنّ العالم المصنّع - الذي يدّعي المدنيّة و الحضارة ، و يتشدق بحقوق الإنسان و الحيوان – يسابق أجل فنائه و موعد خرابه واندثاره .
أتمنى أن يعود الإنسان المعاصر في غرب الأرض و شرقها و جنوبها و شمالها إلى رشده . و يعاد بناء مجالس عالميّة قويّة ، تدافع عن السلام العالمي بقوة الكلمة و اليد . إنّ منظمة الأمم المتّحدة ( بل المتفرقة ) ، و مجلس الأمن و المنظّمات الأخرى ، السياسية منها و الحقوقيّة ، لمّا تعد تفي بطموح الإنسان المتعطّش للأمن و السلام و التآخي و التعاون ، بغض النظر عن الجغرافيا و الهويّة و الإيديولوجيا و المكانة العلميّة و التكنولوجيّة . و أكبر دليل على ذلك ما شهده العالم من حروب مدمّرة في الشيشان و أفغانستان و البلقان العراق و سورية و اليمن و ليبيا و أخيرا أوكرانيا .
لم يَجْنِ العالم من تلك الحروب القاسية سوى المآسي التي يندى لها الجبين . و ازداد تجار السلاح و مروّجو المخدّرات و الأدويّة ثراء على ثراء . بينما عمّت الأوبئة و الفقر و الأمراض النفسيّة و مشاعر الكراهيّة في أوربا العجوز و بقيّة العالم ، و خاصة البلدان الخاضعة للاحتلال الأجنبي أو الحكم الديكتاتوري المستبّد .
و أخيرا و ليس آخرا ، و من باب التأكيد و الإصرار و التمنّي ليس إلاّ ، أدعو – و أنا العبد الضعيف – الشعوب الواعيّة إلى الضغط على رجال السياسة للتخلّص نهائيّا من ترسانة الأسلحة النوويّة و الكيماويّة و الجرثوميّة و غلق المحطات النوويّة غلقا نهائيّا . كما أدعو العلماء الشرفاء إلى الوقوف صفّا واحدا في وجه الفكر التدميري ، و الامتناع عن البحث و الخوض في هذا الميدان ، و في كل ما يضر البشريّة ماديا و معنويّا و أخلاقيّا . إنّ البشريّة تستغيث بكم أيها العلماء الشرفاء ، فلا تخيّبوا ظنّها فيكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح