الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة المغربية: مجالات التمكين وسبل التنمية المرتقبة

عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)

2022 / 8 / 17
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لا شك أن هناك معان ودلالات تطرحها تلك الصورة التي يركبها المجتمع المغربي عن المرأة المغربية من خلال ما يبنيه من ثقافة عالمة كانت أم شعبية. فالمرأة المغربية كائن عاش، لقرون عديدة، الغبن الاجتماعي والثقافي بجميع مقاييسه. الشيء الذي جعل هذه الصورة، بفعل هذا الغبن، تكون مشحونة بحمولات رمزية مكثفة وجد مركبة.
وما دام موضوعنا، الذي نتناوله يخص مختلف مجالات التمكين لدى المرأة المغربية، فهو، ولا شك سيكون مرتبطا بدلالة هذه الصورة، وبمختلف مرجعياتها وسياقاتها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، والقانونية، فالأمر بات يستدعي معه التفكير في إيجاد طريقة منهجية للتعامل مع مثل هذه الظواهر المعقدة، ومقاربتها بشكل علمي وازن. فلا يمكن، والحالة هذه، الاقتصار على ما يقدمه الواقع الاجتماعي من تمثلات وتصورات عن المرأة المغربية نتيجة نظرته الثابتة والراسمة لإيقاعات زمن سيكولوجي بطيء، بل ينبغي الانطلاق من تلك التمثلات وتلك التصورات وتلك النظرة الاجتماعية لبلورة وصياغة نموذج تحليلي قادر على فهم الظاهرة انطلاقا من أسسها ومرجعياتها الثقافية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والدلالية التي تشكلها.وهذا التصور المنهجي يدفعنا إلى طرح الأسئلة المرتبطة بدلالات التمكين في أبعاده المختلفة عند المرأة المغربية، وأسسه الأنثروبولوجية والسوسيولوجية والقانونية والاقتصادية والسياسية ،المشكلة كقاعدة عامة للمجتمع المغربي؛ وكذا خلفيات تلك الأسس والمرجعيات الدلالية المؤطرة لها.
إن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، لا يستلزم الوقوف، فقط، عند رصد المجتمع الذكوري، وإبراز مختلف تجلياته السلطوية المؤثرة تاريخيا واجتماعيا وثقافيا على وضعية المرأة المغربية، كما درجت بعض الكتابات على " تأصيل " هذه الموضوع وجعل مسألة رفع الحيف والغبن عن واقع المرأة مرهون بانحسار " ذكورية " هذا المجتمع وزوالها، بل ينبغي بلورة رؤية علمية جديدة ذات نقد مزدوج:
- نقد الموروث الثقافي ونسف قواعد مختلف المركزيات، مع محاولة الالتفات لمختلف هوامش هذا الموروث الثقافي بغية الانصات لأصواته المقموعة؛
- نقد الأسس السوسيولوجية والثقافية التي انبنى عليها مجتمعنا المغربي بُعَيْدَ التغلغل الكولونيالي؛ ذلك التغلغل، الذي استحدث أنماطا ثقافية ذات أبعاد حضارية أوروبية، وغرسها بالقوة في لحمة مجتمعنا المغربي التقليدي، فغذا هذا الأخير، مجتمعا حداثيا في الظاهر، وتقليديا في الباطن.
وعليه، يمكن القول، بأن المرأة المغربية قد أثبتت جدارتها وقدرتها، ارتباطا بوضعيتها الاجتماعية الحالية المتسمة بالتجدد، لدواع اقتصادية وسياسية، واجتماعية، وثقافية، وحقوقية.
إذا كان مفهوم "التمكين" يعني امتلاك القدرة الذاتية على تبني اختيارات ملائمة لمواجهة وضعيات حياتية صعبة فإن مفهوم " تمكين المرأة "، يعني تعزيز تلك الاختيارات نحو التغيير والاستقلالية الذاتية. إنه محاولة إحداث نوع من التغيير ذو حدين في العلاقات الاجتماعية الرابطة ما بين المرأة والرجل: حد يجعل من جهة أولى، الرجل قادرا على تغيير صورته النموذجية التي يحملها عن نفسه كإنسان يملك القوامة على المرأة، وحد آخر يجعل، من جهة أخرى، المرأة كيانا كامل الأهلية يقود حياته بنفسه دونما حاجة إلى وصاية الرجل أو المجتمع.
إن الحديث عن المرأة المغربية هو حديث بالدرجة الأولى عن تمكينها ككيان مهم داخل المجتمع، وهذا التمكين يحتاج إلى تكريس وضع جديد لها، وضع يتفاعل بقوة تفاعلا إيجابيا وبناء مع عصرنا المتشبع بالحداثة الفكرية والسياسية والتنوير المعتمد على التفكير العقلاني والنقدي. وهكذا نرى أن العديد من المواثيق الدولية قد دعت إلى إنهاء التمييز ضد المرأة بكافة أشكاله، كالقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتعلّقة بحقوق المرأة التي نجدها قد دعت إلى ذلك، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
هذا وقد انخرطت بقوة، في تسعينيات القرن العشرين وبداية هذه الألفية الثالثة، الهيئات الحكومية المغربية وشبه الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، في هذا الورش التأسيسي الكبير والواسع لثقافة حقوقية وسياسية وفكرية، واستجابت بوعي إلى تلك المواثيق الداعية إلى تمكين المرأة في العديد من المجالات. وعليه، يمكن القول، بأن هناك مجالات تمكين تدفع المرأة، بشكل عام، والمغربية، بشكل خاص، إلى السيطرة على مواردها ومصادر دخلها، مع تعزيز قدرتها الاستقلالية، وهذه المجالات متنوعة ومختلفة وهي: مجال التمكين الاجتماعي مجال التمكين الثقافي، مجال التمكين السياسي، مجال التمكين القانوني ومجال التمكين الاقتصادي.
فعلى مستوى المجال الاجتماعي يمكن القول بأن المجتمع المغربي يتسم بالتحول المستمر. فمنذ سيرورة التحديث لبنياته الاجتماعية، يسعى اجتماعيا إلى الحسم بشكل جذري في إشكالية تقليد/حداثة.
أما على مستوى التمكين الثقافي للمرأة، فإن الجانب الثقافي يتيح للمرأة المغربية المشاركة التعليمية؛ ممّا يُساهم في محو أمية هذه الأخيرة، وتحسين صورتها وأدوارها وإنجازاتها في المجتمع، وبالتالي الحدّ من التمييز ضدّ جنسها، وذلك من خلال الحدّ من المعايير التقليدية التي تُركّز على تفضيل الذكور على الإناث.
يُتيح التمكين السياسي للمرأة الانخراط الكلي والعضوي في النظام السياسي، كفاعلة سياسية لها مكانتها وكلمتها التي يحفظها لها القانون والدستور، من حق في التصويت، وانخراط في الأحزاب السياسية، وتمثيل للدولة، وطنيا، ودوليا. وقد استطاعت المرأة المغربية أن تغنم مكاسب سياسية في هذا المجال الخصب والهام؛ لكن يبقى غير كاف ويحتاج إلى المزيد من التعبئة المجتمعية. فنسبة مشاركة المرأة المغربية في العمل السياسي لا يعبر عن دينامية داخلية بقدر ما تعبر عن ارادة دولاتية.
يُتيح التمكين القانوني للمرأة المغربية اعتراف ودعم المجتمع لحقوقها القانونية وممارسة هذه الأخيرة على أكمل وجه؛ حتى تتمتع بكرامتها ومواطنتها الحقة.
إن بناء اقتصاد قويّ داخل أي مجتمع لا يتأتى بمجتمع يبخس عمل ركن من أركانه الأساسية، ألا وهن النساء. فتمكين المرأة اقتصاديا، معناه أن نتيح للمرأة فرص المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية، داخل كل قطاعات المجتمع وكل وحدات الإنتاج. وهذا أجراء مساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتّفق عليها دوليا. إن زيادة قدرتها على الإنتاج المادي للثروة، سيساعدها على إثبات شخصيتها الاقتصادية، كذات قادرة على صنع القرارات داخل أسرتها وداخل مجتمعها، بحسب موقعها من الإنتاج الاقتصاد.
وفي الختام يمكننا القول بأن كل هذه الصيغ المختلفة المعبرة عن التمكين لدى المرأة المغربية في شتى مجالات المجتمع، هي تحصيل حاصل، لتمكين نعتبره جد قاعدي وأساسي، فبدونه لا يصح الحديث عن شيء اسمه التمكين، إنه تمكين يمس جوانب الصحة النفسية التي تفتقد إليها نساؤنا، يسعى إلى تحقيق الراحة النفسية للمرأة المغربية. فهذا النوع من التمكين سيجعلها، في نهاية المطاف كائنا متمتعا بكامل آدميته، محترما لذاته ومعززا لكفاءته الذاتية. كما قد يزيد من الارتفاع في منسوب الوعي الاجتماعي ضد ظلم المرأة.
إن التمكين النفسي للمرأة المغربية يشعر هذه الأخيرة بالاندماج والاستحقاق، ويُعزّزه. فنساء المغرب ما زلن يعانين الغبن الاجتماعي وسوء التقدير وأشكال مختلفة ومتنوعة من سوء المعاملة . فعندما تتلقّى الفتيات والنساء الدعم النفسي، فإن ذلك يُساعدهنّ على تأمين مستقبل أفضل، وسيساعدهن على الزيادة في قدرتهنّ على رعاية أنفسهنّ وأطفالهنّ، وزيادة قدرتهنّ على التفاعل الاجتماعي، وغيرها من الأمور الإيجابية.ويتجلى ذلك الدعم في تقديم المساعدة المعنوية لهن، كتقديم النصائح والإرشادات أثناء الولادة والوضع أو في فترات الخطوبة او بداية الاستعداد للدخول في عش الزوجية ، أو فتح ورشات التكوين للفتيات وللنساء في وضعيات صعبة لتسهيل إعادة اندماجهم في المجتمع ، مع تمكينهنّ في المنزل أو العمل أو المجتمع من خلال شكرهنّ، وإظهار التقدير لهنّ، أو مكافأتهنّ.فلا تمكين حقيقي للمرأة المغربية إلا بالتمكين النفسي .
فهل يستجيب المجتمع المغربي لذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولادة طفلة من رحم امرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة | بي


.. الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري




.. إعلاميات مداهمة ستيرك وميديا خبر هي لطمس وإسكات صوت الحقيقة


.. دراسة بريطانية: الرجال أكثر صدقا مع النساء الجميلات




.. بسبب فرض الحجاب وقيود على الملابس.. طلاب إيرانيون يضربون عن