الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 91

ضياء الشكرجي

2022 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُلُوا الأَلبابِ (7)
من موضوعات ما يسمى بعلوم القرآن هو بحث (المُحكَم والمُتشابِه)، كما إن هناك بحوثا قرآنية معروفة أخرى عديدة، كـ(الناسخ والمنسوخ)، و(المكي والمدني)، و(آيات الأحكام)، و(آيات السيف)، وموضوع (القصص القرآني)، وإلى غير ذلك. وما أريد تناوله هنا هو المحكَمات والمتشابِهات، أو المحكَم والمتشابِه في القرآن، حسبما تشير إليه هذه الآية، وما إذا كان وجود المتشابهات في القرآن يمثل عنصر قوة وعامل تدعيم للقرآن وإلهيته، أو عنصر ضعف وعامل تشكيك به. لا بد من توضيح معنى كل من (المحكَم) و(المتشابِه). (المحكَم) هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا، حيث يكون ظاهر النص كفيلا بإعطاء المعنى المراد منه، دون الحاجة للبحث عن تأويل له إلى ثمة معنى آخر. بينما (المتشابِه) هو ما يحتمل معنيين أو أكثر، وبالتالي يحتاج إلى تأويل النص الظاهر إلى معنى آخر، عبر سياقات معينة، وقرائن (متصلة) بنفس النص، أو (منفصلة) في نص قرآني آخر، تقود إلى ذلك المعنى، أو عبر بحث مستفيض في القرآن، من خلال ما يسمى بالتفسير الموضوعي، أو تفسير القرآن بالقرآن، أو عبر نص (مقدس) من النبي (الحديث)، ليكون تفسيره وتأويله موثقا بأدلة نقلية، أو عبر استخدام أدلة عقلية، مما يُعوَّل عليها، عند من يستخدم الدليل العقلي. فهذه الآية تمثل النص القرآني الوحيد الذي يحدثنا عن موضوعة المحكم والمتشابه، والآية تخبرنا عمن يعلم تأويل المتشابه، وذهب المسلمون إلى مذهبين في ذلك، أحدهما هو ما يفهم من الآية بأنه «ما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ»، بينما على قراءة أخرى يفهم منها أنه «ما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ. [وقف لازم] وَ[أَمَّا] الرّاسِخونَ في العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا [...]»، وبالتالي يكون علم معنى المتشابهات مقتصرا على الله وحده. فالفرق - كما مر ذكره - بين القراءتين ليس في اختلاف في الكلمات أو طريقة اللفظ، بل هو اختلاف في قواعد الوقف والوصل، وما كان منهما لازما أو بالأولوية، فهناك قراءتان يؤثر الاختلاف بينهما عـلى المعنى المقصود من هذا النص؛ إذ هناك قراءة تؤدي إلى معنى أن العالِمين بتأويل المتشابِهات هم (الراسخون في العلم) بعد الله، بقول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ؛ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا». بينما القراءة الأخرى تحصر علم تأويل المتشابِهات بالله وحده، حيث تفرض وقفا لازما بعد لفظ الجلالة، وتجعل ما بعدها جملة منفصلة جديدة، فتكون قراءة النص عـلى هذا النحو: «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ.»، جملة تامة كاملة تنتهي بنقطة، أو بعلامة وقف لازم، ثم تليها جملة جديدة وهي: «وَالرّاسِخونَ في العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا»، فتكون كامل هذه الجملة المستقلة عن التي قبلها، معطوفة عـلى سابقتها تلك بالواو، ولا يكون لفظ «الرّاسِخونَ في العِلمِ» كفاعل ثان لفعل «يَعلَمُ تَأويلَهُ» معطوفا عـلى الفاعل الأول «اللهُ». إذن هناك فرق جوهري بين قول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخونَ في العِلمِ، [أولئك الذين] يَقولونَ: آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا»، وبين قول «وَما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلَّا اللهُ [وحده، وأما] الرّاسِخونَ في العِلمِ [فليسوا ممن يشاركون الله في العلم بتأويل المتشابهات، بل يأخذونه على ما هو و] «يَقولونَ آمَنّا بِهِ، كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا [سواء كان محكَما ومفهوما من قبلنا، أو متشابِها ويحتاج إلى تأويل، نحن عاجزون عنه، لأن الله وحده الذي يعلم تأويله]»، فهم يتعبدون بالنص الإلهي، سواء فهموه أو لم يفهموه. وهذا هو التفسير السلفي أو الأشعري، الذي يستبعد العقل من الخوض في محاولة فهم ما لا نص فيه، أو ما هو على غير المعنى الظاهر للنص. وهو فهم واضح تهافته، لأننا إذا فرضنا أن هذا الكتاب مُنزَل من الله الحكيم، والمخاطَب به هو الإنسان، فهل من الحكمة أن يخاطب حكيمٌ مثلُ الله - وهو سيد الحكماء وأحكمهم - مخاطَبين بما لا يفهمونه، بل ولا يجدر لهم أن يحاولوا فهمه؟ ولذا فالمقبول أكثر هي القراءة الثانية التي تفترض أن هناك من الناس من يعلمون تأويله أيضا، ولو دون العلم الإلهي، لكون علمه مطلقا، بينما علمهم نسبي، ولو إن بعض الشيعة يقولون بعلمهم المطلق في هذا المجال، مع فارق أنه ليس كعلم الله ذاتيا ومستقلا، بل هو وبتخريجة غير مقنعة مكتسب منه وبالتبعية له؛ أولئك ممن وُصِفوا بالراسخين في العلم، ممن يُحسنون تأويل ظاهر النص إلى المعنى الحقيقي المراد، وإلا يكون الكلام غير المفهوم والمحظور على المخاطب محاولة فهمه من قبيل اللغو الذي لا يأتي من حكيم. ولكن حيث معظم من قال بعلم الراسخين في العلم بتأويل المتشابِهات هم من الشيعة الإمامية، فهؤلاء أو أكثرهم حصروا علم التأويل بأئمتهم المؤمنين بعصمتهم، ولكن بعض عقلائهم أو عقلييهم ذهبوا إلى توسيع معنى الراسخين في العلم، بحيث لا يكون منطبِقا حصرا على الأئمة المفترضة عصمتهم، إلا ما كان فيه نص متواتر صحيح موثوق من معصوم، سواء كان المعصوم هو النبي نفسه، أو أحد الأئمة الذين يؤمنون بعصمتهم والمنصوص عليهم - حسب عقيدتهم - من الله عبر نبيه، بل يتسع العلم إلى غير المعصوم من المختصين من مفسرين وفقهاء، وإن كان علم غير المعصوم دون علم المعصوم، فيكون التفاوت في الدرجة. وبكل تأكيد للمعتزلة فهم بين فهمين، فلا هم القائلون بتعطيل العقل، كما الأشاعرة، ولا هم القائلون بحصر الرسوخ في العلم بالمعصومين من أئمة الشيعة الاثناعشرية. لنأخذ هذا النص القرآني بالتحليل بشكل سريع ومختصر. يقول النص: «هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ»، أو «لاكِنِ اللهُ يَشهَدُ بِما أَنزَلَ إِلَيكَ أَنزَلَهُ بِعِلمِهِ وَالمَلائِكَةُ يَشهَدونَ، وَكَفى بِالله شَهيدًا»، فيفترض المؤلف أن المتحدث هو الله، فيتكلم عن لسانه، بقولٍ يزعم، أو يعتقد، أنه صادر منه تعالى، ومُنزَل منه إليه، أي إلى المؤلِّف، أو الناقِل، أو المبلِّغ، وكأنه أي المصدر المدَّعى، الذي يُفترَض أن يكون الله سبحانه، يخاطب المؤلف عبر مَلَك أرسله إليه أسماه (جبريل)، فيقول له مؤيدا صدق المؤلف أو الناقل أو المبلِّغ، نعم إن الله يشهد لك بأنه هو الذي أنزله إليك، وليس هو من تأليفك، أو من تلقين أو تعليم شخص آخر أو عدة أشخاص لك به، ويضيف إلى شهادة الله شهادة الملائكة، الذين بكل تأكيد لن نراهم أو نسمعهم في هذه الحياة كي يدلوا بشهادتهم، كما أننا لن نستطيع سماع شهادة الله هذه. وهذه الشهادة تسمى عند المناطقة بالدور، أي إن الدليل عـلى صدق المدَّعي شهادته هو على صدقه، ومثل هذه الشهادة لا يأخذ بها القضاء العادل عادة. فهو إذا ما سُئِل من أين لنا أن نتيقين إن هذا الذي تتلوه علينا هو من الله، فكأننا به يقول اسألوا القرآن الذي هو كتاب الله، فيما إذا كان حقا هو كتاب الله، فسينبئكم بصدقه، وبصدقي. بينما المتسائلون لم يصلوا بعد إلى التسليم بمُدَّعى أنه كتاب الله، بل ما زالوا يشكّون أو يحتملون أو يعتقدون أنه من تأليفه هو، أو من تعليم معلم له، ولو كانوا قد اقتنعوا بأنه كتاب الله، لما طرحوا هذا التساؤل. ثم لنأت إلى ذكر المحكمات والمتشابهات، فيقول النص: «مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ [...] وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ»، أي نصوص لا تحتمل إلا معنى واحدا، وأخرى تحتمل أكثر من معنى، وتحتاج بالنتيجة، وبالضرورة، إلى تأويل. ثم يصف من يحاول تأويله عـلى غير ما يريده المؤلف أو الناقل بأن «في قُلوبِهِم زَيغٌ»، وأنهم «يَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وابتِغاءَ تَأويلِهِ». وكثير من المفسرين، خاصة الذين يعتمدون العقل، هم، ومن أجل جعل النصوص منسجمة مع ضرورات العقل، حيث يجدون أحيانا ما يستطيعون به الدفاع عن القرآن، بإرجاع المتشابهات إلى المحكمات، وإلى العقل وضروراته، فيقسّمون نصوص القرآن إلى ما يمثل الجوهر الثابت، وما يمثل الشكل المتغير. ولكننا يجب أن نقرّ أنه لمن خلاف الحكمة الإلهية، وخلاف اللطف الإلهي بعباده، أن يكلفهم فوق طاقتهم، والقرآن نفسه الذي يفترض أنه كلام الله يقرر «إِنَّ اللهَ لا يُكَلِّفُ نَفساً إِلاّ وُسعَها»، وهذا ما يقره العقل، فمن غير المعقول أن يبعث الله للناس كتابا يحتاج إلى جهد استثنائي، لا يقدر عليه إلا نخبة محدودة، تصل إلى المعاني المنسجمة مع ضرورات العقل ومُثُل الإنسانية، ثم لا يتفق معهم معظم المسلمين، بل معظم العلماء والمفسرين والكلاميين والفقهاء والأصوليين. إضافة إلى الكثير الكثير الذي نجده مما يتنزه الله بلطفه وحكمته وعدله ورحمته عنه تنزُّها كبيرا، ويتعالى عنه تعاليا عظيما. إذن المتشابهات تمثل نقطة ضعف، ومبرر شك، وشهادة ليست لصالح لقرآن. ومن المحتمل إن المؤلف، وحيث إنه ألفه تتابعا، وعلى مدى أكثر من عقدين، رأى نفسه فجأة أنه قد وقع في التناقض في نصوصه، أو رأى أن هناك الكثير من النصوص الباطنية لن يفهمها أحد غيره، وبالتالي وضع هذه الآية بقول: «هُوَ الَّذي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ، مِنهُ آياتٌ مُّحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ». وحتى هذه الآية، جعلها، لا من حيث النص، بل من حيث القراءة، فيما هي أحكام الوقف والوصل، من المتشابهات، فجعلها - أو جعلها جامعو ومدونو القرآن من بعده - تُقرَأ، وبالتالي تُفهَم عـلى نحوَين، إما «ما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللهُ»، وإما «ما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللهُ والرّاسِخونَ في العِلمِ»، ثم أراد أن يخوّف من يجرؤ على الخوض في محاولة تأويل متشابهاته، بقول: «فَأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وابتِغاءَ تَأويلِهِ»، وحيث أنه من الطبيعي ألّا يحب مؤمن بالله وبرسوله وكتابه أن يكون من «الَّذينَ في قُلوبِهِم زَيغٌ»، ولا ممن «يَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ»، إذن فليعطلوا عقولهم ويعوّلوا على علم الله وحده بتأويله، أو في أحسن الأحوال على أشخاص موصوفين بأنهم «الرّاسِخونَ في العِلمِ»، سواء كانوا المعصومين المفترضين وحدهم، وهم مع فرض عصمتهم، ومع فرض وجود كل واحد منهم، لاسيما الأخير، قد رحلوا، وتركوا نصوصا مروية عنهم، مختلَفا في روايتها عنهم، بين صحيح وموثوق وضعيف، أو كانوا هم (العلماء) المعممون الذين صنعوا من أنفسهم طبقة خاصة ذات امتيازات، وما يُسمّى بـ(شأنية) متعالية على بقية الناس المسمَّين بـ(العامّة)، أو الجاهلين في علوم الدين، التي هي عندهم أشرف العلوم وأعلاها وأسماها، لأنها علوم تبني حسب زعمهم للإنسان آخرته، بينما تبني سائر العلوم الأخرى له دنياه، وهو عمل، وإن كان مرضيا من الله، باعتباره تطبيقا لمفهوم عمارة الأرض وإصلاحها الموكلة مسؤوليتهما للإنسان، بوصفه (خليفة الله في الأرض)، وبوصفه مؤتمَنا عـلى أمانة عُرضت «عَلَى السَّماواتِ والأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَها الإِنسانُ»، ولكنه عـلى الأغلب «كانَ ظَلومًا جَهولًا»، فيبقى هذا العمل دون العبادة، إذن تبقى تلك العلوم المعنية به دون علوم الدين شرفا ومنزلة عندهم، أو عند معظمهم، باستثناء القليلين من عقلائهم وعقلانييهم وعقلييهم وإنسانييهم. ثم إن المؤلف أراد بعبارة «ما يَعلَمُ تَأويلَهُ إِلاَّ اللهُ» أنه وضع من الأسرار ما لا يعلمه إلا هو، أي المؤلف، لأنه عندما ألف القرآن، ورأى أن هذا القرآن ليس إلا من تأليف الله، فأصبح (الله) ليس إلا تعبيرا مجازيا عن المؤلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
على سالم ( 2022 / 8 / 18 - 14:54 )
تحليل رائع بدون شك يلقى الضوء على اشياء غامضه ومبهمه فى القرأن يتوارثها القوم بدون فهم اومراجعه ودراسه , نحن فى عصر المعرفه والتواصل والشك والبحث ولامكان هنا للخوف

اخر الافلام

.. أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم


.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟


.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني




.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح