الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة:جُلّنار ليتني كنتُ أميراً للغجر

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)

2022 / 8 / 18
الادب والفن


جُلّنار ليتني كنت أميراً للغجر
تأليف: اسحق قومي.. ألمانيا .1992م __ 2011م..
الطبعة الأولى ألمانيا ـ مدينة بوركن
حقوق الطبع والنشر والترجمة والنسخ محفوظة للمؤلف
طُبع من هذا الكتاب نسخة. تاريخ.2022م.
الغلاف تصميم علي عيد.
التنضيد الإلكتروني :المؤلف اسحق قومي.
التدقيق اللغوي: علي عيد
الإخراج: علي عيد
الرقم الدولي: 978-3-9823554-3-5 ISBN
المطبعة:
Rehms Druck.GMBH
Landwehr.52
Borken- westfalen46325
www.rehmsdruck.de


اسحق قومي



جُلّنار
ليتني كنتُ أميراً للغجر



شتاتلون ـ ألمانيا 2011م.


الإهــداء

إلى أميرة الغجر العاشقة الفاتنة جُلَّنار التي التقيتها بعد مدة طويلة.
وإلى الأرض التي كانت مسارح لطقوسٍ غجرية هناك شمال دارنا.
إلى أولادي وأحفادي..
أهدي كتابي هذا
اسحق قومي
ألمانيا .2011م

مقدمة
من الأنواع الأدبية التي عشقتُ معاقرتها، القصة، والرواية، والقصة القصيرة، وذلك عبر رحلتي الطويلة مع الكلمْ، والتي تجاوزت عامها الخمسين، فأول ما كتبتُ الشعر، وفي الوقت نفسه، تراني أكتب القصة القصيرة، وكان أن بدأتُ بأول قصة عن حياتي، فتصور يا رعاك الله، كم كنتُ مغرماً بالقصص؟!!،منذ حداثتي لتأثري بقصص عديدة قرأتها وأنا لازلت في المرحلة الابتدائية ( في ظلال الزيزفون للمنفلوطي، إحداها) ولم أتوقف عند هذه الرغبة، وإنما تراني أتقدم للمركز الثقافي بالحسكة، بقصة بعنوان (حسّان والبرتقال) لمسابقة أعلن عنها المركز الثقافي في نهاية ستينات القرن العشرين ، ولم أتوقف عند القصة بل كتبتُ عدة روايات بعضها لا زلتُ أحمله معي عبر ترحالي، وتجوالي وبعضها، لم أعد أعثر عليه، وأذكر أول رواية كتبتها، والتي سلمت من نيران تنور والدتي، مع أكوام القصائد، رواية كتبتها في عام 1968م وتحمل العنوان "دموع تأكل بقايا صمت" صمم غلافها الفنان التشكيلي صبري رفائيل، وكان من المفروض أن أطبعها بدار المغرب العربي لصاحبه إبراهيم عباس بعد الاتفاق بيننا وكتابة عقد للطباعة والنشر والدعاية في صحف الصياد والشبكة، لكن الأمر المادي أحال دون تحقيق الحلم هذا مع العلم.
إن الرواية قرأها كلّ من فؤاد هدابا نائب وزير الثقافة اللبناني، الدكتور جان شرور في بيته الذي استضافني فيه ببعبدا وأخيراً الشاعر الكبير سعيد عقل عندما زرته في منزله بالمعلقة في زحلة.
كما ولابدّ من ذكر الروايات التي كتبتها خلال سنوات مختلفة وها هي بعض عناوينها :
رواية عاشق أختي، والمحطة، ومسافر إلى الفراغ، وأنا وأهلي على ضفة الهاوية، وجلجامش يعود ثانية، وفي الطريق إلى الزللو، والانتحار بالحمراء، والمستحيل كان جنونا، وشهرزاد وعناوين أخرى .
وخلال دخولي النيت عام 2006م وجدتُ نفسي أكتب عدة نصوص قصصية وأنشرها عبر المواقع الإلكترونية، ومنها منتداي (مملكة الحبّ والنهار سيجمع البشر). أو في موقعي اللوتس المهاجر، والمملكة الأدبية، وموقع الجزيري كوم، وموقع القامشلي كوم، والمحطة، والقائمة تطول لتصل إلى أكثر من مئة موقع الإلكتروني. نثرتُ فيها القصائد والقصص والمقالات وغيرها.
ولما وجدتُ نفسي أخيراً بأن جهدي القصصي تناثرت عناصره، وتوزع هنا وهناك، لهذا تراني أقوم بجمع تلك القصص القصيرة الخاصة، بالكبار، وأضمها في مجموعة سميتها: جُلّنار ليتني كُنتُ أميراً للغجر. على الرغم من أن قصة جُلّنار القديمة في أحداثها الحقيقية لكنها ليست أول القصص القصيرة.
أتمنى أن أكون قد جمعتُ نثاري القصصي للكبار في كتاب واحد هذا بالإضافة إلى مجموعة قصص قصيرة للأطفال وهي بعنوان: الأزهار تضحك مرتين. اسحق قومي
ألمانيا 1/4/2020م

جُلّنار
ليتني كنتُ أميراً للغجر



تمهيد لقصة جُلّنار
لم يكن ليعلم بأنَّ تلك النار التي أشعلتها في جسده أميرة الغجر مع بداية مراهقته ستظلّ خامدة رغم السنين وستتوقد ثانيةً من خلال لقاء أسطوري ربما قلّ نظيره، ولن يعترف بأنه غادر المكان ولا الزمان ولا المشاهد التي تمور أمام ناظريه رغم بلاد الصقيع.
أجل هي الأحلام حين تُصبح حقائق وتتجسدُ من خلال المصادفة التي في أساسها جزء من قانون عام للوجود.
اندفاعات ذاك الطفل المراهق نحو ابنة أمير الغجر تتوالد في ذاكرته رغم تغير الشخصية البيولوجية والعقلية والعاطفية والقيم والحامل والمحمول من زمان ومكان.
أجلْ.. المصادفة حلمٌ، والحلم يغدو حقيقة، والذاكرة إبداعٌ، لكن لا الزمن يبقى كما هو ولا اللحظة توقف المشاهد على حالها، ولا المكان يروي ما تبقى لعاشقٍ صغير من وهج تلك الرؤى والهالة التي كانت تطرز وجه أميرته ُ الصبية التي كان اسمها جلّنار.
ما أروعَ وما أجملَ وأبهى من المصادفة التي تنتهي بلقاءٍ رحب وغني ومكثفٍ وتُكتب عملاً خالداً تسطره أنامل الكاتب المراهق رغم تقادم سنه.
إنها لوحةٌ واقعيةٌ ومعجزة بلغة الوحي الكتابي. أجل لقد تحققت في رحم الغربة والمصادفة فما كان منه إلا ويرضخ لولادة هذا الجنين الذي له أن يبقى عملاً خالداً.
كما المسافة بين الفراق واللقاء، هكذا تتناسخ من رحم الذاكرة الصور والخيالات وهمسات العاشق المهاجر عبر كينونة الإبداع. وليس ببعيدٍ عنهُ العاشقة جلّنار الأميرة التي لم تشوه صورتها الأيام وتقادم الأعوام في ذاكرته، فكان اللقاء اليتيم بينهما أكذوبة وأعجوبة وغابا عن الوجود ورجعا نحو طفولة بعيدة الأغوار، أمسكت يده وهو يصعد على سلم حديدي يرتجفان كأنهما وقفا أمام حضرة الآلهة وجوقات الملائكة تعزف لحن أجمل مقطوعة لعاشقٍ وعاشقة..
أجل لقاء جميلٌ ورائعٌ مرّ كومض البرق، كلُّ شيءٍ يتغير ويتبدل وسيضمحل ويفنى لكن وجهها يبقى الأنقى. وتبقى جلّنار في نشيد الفتى الذي سيخلدها مدى الأيام.
المؤلف



جُلَّنار
ليتني كنتُ أميراً للغجر
على هامش إحدى المدن الشمالية من سورية عاش مسعود مع أسرته، لم يكن يومها يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، في الجهة الغربية من الطريق المؤدي للمدن والبلدات إلى الشمال بنى والديه دارهم التي تتكوّن من غرفتين، الكبرى للضيافة والنوم والصغرى للمونة وأغراض أخرى، في باحة البيت تنور أمّ مسعود الذي تسجره كلّ يومين من أجل خبزٍ طازجٍ وهناك إلى جانبه تتكوم شُجيرات القطن اليابسة. إلى الشمال من المكان نجد أرضاً واسعةً مرتفعةً محدبةً تمتد حتى الحي الشمالي الذي قُرابة يبعد مئة متر عن تلك الدار. ما أروعَ تلك الأرض وما أروع طقوسها ففي كلِّ ربيعٍ تزهرُ بمختلف الورود والأعشاب وتتواجد الفراشات الملونة التي تملأ المكان وهي تتنقل من زهرةٍ إلى أخرى.. أجل إنها ملاعبُ لمسعود وإخوته وأبناء جيرانه، ها هو يتذكر الغجر الذين يأتون ليلاً ويبنون خيامهم في بداية كلّ شتاءٍ تلك الخيام التي تتجاوز الأربعين خيمةً.
كم من مرة يفاجئُ الغجر أهالي الحي بعودتهم إلى المكان ذاته؟!.
والأغرب والأجمل طريقة بنائهم لخيامهم حيث يبنوها على شكل صندوق مفتوح من الجهة الجنوبية التي كانت تقابل بيت اليافع مسعود.
في وسط تلك الخيام تتكوّن ساحة واسعة يمارس أطفال الغجر ألعابهم وهواياتهم وخاصة ركوب الدراجات الهوائية التابعة لأباءهم.
وللغجر لغة خاصة بهم هي التركمانية كما لهم زيّ من اللباس خاصة لباس المرأة المزهو بألوان رائعة كما يعلو رأسها غطاءٌ رقيقٌ مزركشٌ وواسعٌ تلفهُ المرأة والفتاة حتى أسفل الرأس حول عنقها.
للغجريات زيارتان للمدينة وأحيائها يومياً، الأولى في الصباح والثانية بعد الظهر من أجل بيع أغراض نسائية كالأساور والألبسة والحلي، غالباً ما يبعن تلك الأغراض على شكل مقايضة بالدقيق والبرغل والسميد والسمن والشاي والسكر وغيرها التي يحتاجون لها من أجل العيش، وللنسوة لسانٌ حاذق وقدرة على دخول البيوت بطريقة شيقة يتوزعن كلّ ثلاث نساء مع بعضهنّ في تلك الجولات، عيونهنّ خائفات مرتبكاتٍ وأغلبهنّ جميلات بشكل لا يصدق ولهن دلع غريب لا تجيده النساء في مدينتنا خاصة مع الشباب والرجال.
وأما الرجال فلهم مهن يجيدونها بمهارةٍ من بين تلك المهن.. مهنة تركيب الأسنان الجاهزة من الفضة والذهب حيث ينتشرون في أحياء المدينة على دراجاتهم الهوائية، وهم يتحدثون بالتركمانية التي تُضفي على الدروب نوعاً من الدهشة عند أبناء المدينة.
صباحات المكان تملؤها أصوات الصغار والكِبار، لغةٌ جديدة على أسماع المارة والمقيمين بالقرب من تلك الخيام.
اليافع مسعود يُحب منظر خيام الغجر وكم من مرةٍ يتمنى لو يستطيع أن يذهب ويجلس معهم حول موقد النار الذي يشتعل في تلك الخيام خاصة أوقات الغروب حيث الدخان يتصاعد من أطرافها وأبوابها الضيقة.
كمْ تمنى لو يشرب كأساً من الشاي من يد صبية غجرية؟!!.
في تلك البقعة النائية عن المدينة لم يكن ماء الشرب يتوفر بسهولة سوى عند بيت مسعود وبيوت جيرانه الثلاثة وأقربها إلى تجمع تلك الخيام هو بيته، فكان أن جميع فتيات الغجر يأتين ليملأن صحائفهنّ بالماء من صنبورٍ خارج من غرفة ذاك الدار، وكم من مرةٍ ومسعود ينتظر مجيئهن لأنه أحبّ منظرهنّ ولغتهنّ وحتى جمالهنّ أعجب به وأيّ إعجاب.
كم من مرة جلس مسعود بجانب الصنبور والبرد القارص يلسع جسده؟! لكنه يتحمل كلّ ذلك من أجل صبية فارعة الطول بيضاء الوجه، شعرها أسود كالليل، كان لها عينان واسعتان سوداوان آية في الجمال والروعة يعلوهما حاجبان واسعان، فمها صغيرٌ وبجانب إحدى فتحات أنفها الجميل الذي ثقبته وضعت زهرة من ذهب فأحال وجهها إلى ساحرة وفاتنة.
أما صدرها الفارع يعلوه نهدان كالصقور الجارحة يظهران من خلال ثوبها الشفاف، خصرها نحيل شدته بحبل عريض من الصوف المزركش الذي صنعته لها والدتها.
طويلة القامة خيلاء في مشيتها أميرة للغجر، أجل يُناديها أترابها الأميرة الخانم جلّنار حقاً هي ابنة أمير الغجر. لقد أحبها مسعود وأغرم بها حتى أنه أختلق طريقة كي تتأخر ويراها أطول مدة فكان يطلب من الصبايا أن يملأنّ صحائفهنّ وحين يحين موعد جلّنار كان يدخل إلى الغرفة الصغيرة التي كانت ساعة الماء توجد بها فيغلق الماء، وهكذا تنتظر جلّنار، إلا أنه كان يشعر أحياناً بأنّ عمله غير لائق مع من بدأ يُعجب بها، أما هي فقد أدركت من خلال نظراته وأنفاسه ما يشبه العاشق الحيران ولم تعلم بأنها هي الأخرى بدأت تحبّه وتبادله النظرات والعواطف وترتاح لحديثه، وكم من مرةٍ تدلعت حين كان يُسمعها كلمات تشبه الغزل.
أجل لقد تعارفا بشكل واضح واعترف لها بأنه يُحبّها أما هي فكانت تضحك وبخجل تسير عائدة إلى خيمتها.
عامان والغجر يأتون وتأتي جلّنار إلى المكان نفسه حيث يبنون خيامهم على الطريقة نفسها. وأما مسعود وجلّنار الأميرة الحسناء فكان في كلّ عام يزداد تعلقهما ببعضهما بعضاً، وكان أن بدأ يزور خيمتها ويشرب معها ومع أبيها الشاي في الوقت الذي كان يشعر بتواصل روحي بينه وبين ابنة أمير الغجر، كانت هي الأخرى تبدو عاشقة تجالسه في طرف الخيمة والموقد المشتعل بينهما.
مضى الشتاء والربيع وجاء فصل الصيف حيث سيرحل الغجر عائدين إلى مناطقهم، ها هو مسعود يختلق أعذاراً لتوديع جلّنار يتظاهر بأنه يساعد أهلها في هذه المرة كم كان بحاجة إلى وقت أطول كي يكمل لها بعضاً من كلمة أو ما يشبه الرسالة كتبها عنها ولكنها تودعه على الرغم من إلحاح أهلها.. أما هو فكان إنْ وقف بجانب الموقد الذي يدل على آثار لأقدامها وهي تضع في ذلك الموقد الحطب وتوقد النار ليتها تفعلها الآن..
لا شيء أغلى من اللحظات الأخيرة لعاشقٍ وعاشقة ويعلمان أنهما سيفترقان لربما لن يلتقيا.. تسير جلّنار وراء أهلها لتلحق بهم تتظاهرُ ولكنها تختلق أعذاراً لتعود إلى مكان خيمتها حيث يقف مسعود هناك.. يبدو أنها تفتش عن قرطٍ أضاعته تعود أدراجها إلى المكان ويتحادثان لا تريد أن تفارقه كما هو لا يريد،
لا تقترب مني تقولها فالكلّ علينا ينظر سأتابع مع أهلي الرحيل نلتقي بهذه الكلمات كانت تودعه.
كلمات ودموع وتلويحه أيدي كأنهما يشعران بأنها التلويحة الأخيرة تلك كانت آخر مرةٍ يرى مسعود ابن السادسة عشرة من عمره جلّنار أميرة الغجر.
بقي مسعود يعيش على أمل عودتهم في السنة المقبلة ولكن الأيام تمر والأشهر تتعاقب وها هو شهر شباط في نهاياته، وكان لابدّ من أن يتبع مسعود أباه الذي قرر أن يعمل في زراعة القطن والخضار الصيفية المروية على شاطئ الخابور في هذا العام عند أحد الأقرباء. هناك في تلك البيوت القليلة يدخل إحداها مع والده حيث يرحب بهما صاحب الدار الذي يعرفه ويتفقان على عقد زراعي لمدة عام يمكن أن يتجدد في العام المقبل .
ودعَ والد مسعود شريكه بينما كان اليافع مسعود ينظر إلى تلك الدور الرائعة وإذا بفتاة رائعة الجمال فارعة القامة ترتدي لباسها المدرسي نظر إليها.. نظرتْ إليه. كم هي جميلة وحسناء؟!! ...
سأل مسعود أباه قائلاً متى نأتي لنسكن هنا يا أبي متى ؟!!! .
ليس بعيداً يا بنيّ في منتصف شهر آذار سنأتي ..
أجل الوقت هو عام 1966م ولشطآن نهر الخابور روعة وفتنةٌ لقد أحبّ المكان لأنه مكان شاعري أولاً ومن ثم لقد تعلق قلبه بتلك الصبية الحسناء التي أعجبَ بها كما أعجبَ بجلّنار تلك الصبية الغجرية، ربما هي المراهقة..
يعود مسعود مع أبيه إلى البيت. غداً عليه أن يذهب للمدرسة في الصباح الباكر يخرج من بيته مع أخيه الأصغر ليتوجه إلى المدرسة، وإذا به يرى خيام الغجر الذين جاؤوا المكان وبنوا خيامهم. فرح كثيراً حيث لم تعد الدنيا تتسع لفرحته.
بدأ يفكر متى تنتهي المدرسة ليعود إلى البيت ويرى جلّنار.
عاد من المدرسة وراح ينتظر إلى الفتيات الغجريات اللواتي جئنّ ليملأنّ صحائفهن بالماء من الصنبور ولكن جلّنار ليست معهنَّ.. لم يعد يصبر حتى سأل إحدى تلك الفتيات أينَ جلّنار خانم أميرتكم؟!!!
قالت ولماذا تسألنا عن أميرتنا يا مسعود أفندم؟!!!
ألح عليها وقال أخبريني بالله عليك أين الأميرة جلّنار خانم؟!!!
بدأنَّ يتحدثن بلغتهن وبعد قليل قالت: له تلك الفتاة ماذا تريد منها؟!!!.... لقد صمتت وهي تنظر بعيونها إليه مع حيرة ٍ وتلعثم لسانها....
سألها وماذا هل حلّ بها مكروه لا سمح الله...؟ لا لا ..
لقد زوجها أهلها لأحد أمراء الغجر بتركيا في البلد نفسه الذي يعيش به إخوة أمها ..لقد رحل أهلها جميعهم إلى تلك الديار . وقد عين أهلنا أحدهم أميراً لنا.
حزن مسعود كثيراً وتركهنّ ودخل إلى غرفته تسأله أمه لماذا أنت حزينٌ يا بنيَّ؟!!. لم يجب أمه بل راح يتذرعُ بأنه يشعر بالبرد ويريد أن ينام..
في اليوم التالي تأتي الغجريات ويستحلفهنّ لكنه يتلقى الكلام نفسه فيحزن عليها حزنا شديداً..
ما هي إلا بضعة أيامٍ معدودة وينتقل مسعود مع أسرته إلى شاطئ الخابور للعمل في زراعة القطن..
يترك المكان والغجر، هناك كان لابدّ أن يبحث عن الفتاة التي رآها حينما جاء المكان مع والده. أجل هي ابنة أخ شريكهم ها هي قادمة من المدينة ببذلتها المدرسية التي تبدو وكأنها راهبة رائعة الجمال يتحدث معها هي الأخرى طالبة في إعدادية للبنات التي تتبع الإعدادية التي يتعلّم بها..
لقد سحرته تلك الفتاة وكان لحبّها أثر في أنه بدأ يكتب الشعر. مضى الربيع وجاء الصيف وحبّه لها ينمو ويكبر يلتقيان ويتحدثان ويتعلق بها ، تعلم وتشعر به ولكنها تماطل في كلّ مرة ٍ لما يطلبه منها . ويستمر ذلك الحبّ مدة سبعة أعوام، مرة أرسل لها برسالة مع أحد الأقرباء ومرة مع ابنة الجيران الحلبية ( شر....) ، ولكن مسعود لم ينقطع عن زيارة أهلها بين الحين والآخر وكان يكتفي برؤيتها ..
أهلها يعلمون سبب زياراته المتكررة لهم ولكنه غير قادر على البوح بحبّه وينتظر الموافقة على الزواج منها وذلك لأوضاعه الاقتصادية، وحين فقد أهلها الأمل من مسعود قرروا أن يزوجوها لأحد أبناء أسرة ميسورة في مدينة بعيدة تقع جنوب مدينتهم، بينما مسعود يعيش في شمال الجزيرة في إحدى القرى حيث يعلّمُ بالوكالة تلاميذ المرحلة الابتدائية، في الوقت نفسه هو طالب جامعي يتابع دراسة الآداب قسم الفلسفة والدراسات الاجتماعية بجامعة دمشق. يعود كعادته كلّ أسبوع لزيارة أهله وكان لابدَّ أن يزور صديقه غاندي. بسمة صديقة وجارة غاندي كانت تعلم أنه يحبّ تلك الفتاة التي ستزوج يوم السبت ، أخبرته وهي تعتذر منه قائلةً كان لابدَّ أن أخبرك بالحقيقة وصمتت.
نظرت إليه. لقد تغير شكله على الرغم من أنه يُظهر قدرة على ضبط النفس قائلاً : لا لا لا عليك فأنا أتابع دراستي وتدريسي وليس لدي الوقت ولا تتوفر الظروف للزواج الآن ..
ولكن مسعود تنتابه مشاعر حزينة ويهمس في صدره أجل أنا صاحب مواسم الخيبات، ها هي ترحل كما أميرة الغجر جلّنار . ويتابع حياته ودراسته ويلتقي على نبع بانوس فتاة أخرى وللمصادفة تهاجر هي الأخرى إلى بلد بعيد بشكل مفاجئ.
وبعد أشهرٍ ينتقل إلى مدرسة قرية تل براك الأرمنية وهناك يرى من ستكون زوجة له يتزوج من تلك الفتاة لأنها تتناسب مع واقعه ليس إلا .وينهي خدمة العلم ثمّ يدرّس بعد ذلك في معاهد الصف الخاص والمدرسين حتى يصبح نائباً لمدير معهد إعداد المدرسين والمدرسات، ورئيساً للدروس المسلكية لكن الوضع الاقتصادي يجبره على الهجرة ليحسن وضعه الاقتصادي فيقرر أن يهاجر للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك يعمل في تفصيل الحقائب الجلدية النسائية ويعمل كمحررٍ في صحيفة عربية الاعتدال ـ الصفحة الثقافية ـ كما قدم عدة مطربين ومطربات في حفلات كانت تُقام للمغتربين، وعمل مذيعاً في إذاعة بساوث أورنج عبر برنامج إذاعي اسمه القافلة..
ويظل في أمريكا مدة ثلاثة أعوام، يعود بعدها إلى ألمانيا بلاد الجرمان التي وصلتها أسرته مع أخيه وأخواته، وهناك يعيش ويقضي جلّ وقته متفرغاً للكتابة.
وبعد ما يقرب من عشرين عاماً يطلب منه ابنهُ الكبير أن يوصله إلى مكان عمله في مدينة تبعد عن مدينتهم ما يقرب من أحد عشر كم. حيث يفتتح مطعماً صغيراً في تلك المدينة. وقبل أن يصلا المكان هناك ساحة واسعة على الجهة اليمنى من الطريق، الساحة تعجُّ بالغجر وبمقطوراتهم إنها كثيرة العدد ويبدو أنهم أغنياء ومقطوراتهم الكبيرة والجديدة والملونة تدل على ذلك.
لقد أحبَّ منظرهم قرر أن يتوقف عند هؤلاء الغجر عندما يوصل ابنه ويعود لبيته أجل لقد أوصله وها هو يعود إلى حيث سيارات الغجر..
في إحدى المواقف للسيارات أوقف سيارته وترجل باتجاه تلك الكرافانات (العربات المغلقة ) التي تجرها سيارات كبيرة .
يتفقد بعيونه المقطورات المتوقفة والمكان يعجُّ بأصوات الغجر لفت انتباهه في إحدى النوافذ وجه امرأة رائعة الجمال كأنها حورية البحار ، على الرغم من الشيب الذي لوّن ذاك الشعر، لكنّ كلّ شيءٍ في ذاك الوجه يغري الناظر همسَ في سره ليس صحيحاً، ومن المستحيل.. يقترب أكثر ينظر إلى وجهها كأنه يعرفه هي الأخرى تنظر بدهشة ووداعةٍ.. رجل ينظر إليها تتحدث مع أحد الأشخاص في الداخل بلغة يعرف أنها تشبه لغة كان يسمعها ألا وهي اللغة التركمانية.. يقترب أكثر يا الله يصرخ هي هي هي جلَّنار أميرة الغجر ..
أنفاسه تتقطع صوتها يأتيه بالعربية ما لكَ يا رجل.. هل أنت عربي،يبدو من وجهك ؟!! .
يقترب إليها تنظر إلى وجهه تتفرس تلك الوجه آهٍ أنتَ أنتَ أنتَ..ماذا تعنينَ بأنتَ؟!!!.
أجل لي علامة على وجهه ثلاث دقاتٍ كوجه شاب تركته في سورية وفي الجزيرة بالذات.لا يصدق أبداً ما تقول هل أنت..؟!!
هل أنتَ؟ هل أنتِ جُلَّنار يقول لها؟!!!
تقول له من أنتَ مسعود؟
أنت ذاك الشاب اليافع الذي كنا نملأ صحائفنا من صنبور الماء من داركم؟
إذاً فعلاً أنتِ جُلَّنار أجل أجل تفضل تتلفظ بكلمة تفضل والدموع تزحم عيونها وتصرخ يا الله يا الله ما أضيق الدّنيا يا مسعود..
تستقبله على باب المقطورة الحديدية بينما يصعد سلماً قليل الارتفاع هناك يمسك يدها التي ترتجف لا تصدق يدخل المقطورة فتضمه إلى صدرها وهي تقول تعال أيها الذي أفتش عنك.. تعال يا مسعود هل أنا في حلمٍ أم حقيقة ؟؟
والله وأقسم برب العباد لو كانت المستحيلات أمامي لرفضتها كلها .
بينما راحت تهذي كان مسعود خائفاً من الرجل الكبير الجالس الذي لا يقوى على القيام ..هل هو زوجك أجل الزوج الثاني ليَ إنه أخو زوجي الذي مات، وما كان عليّ إلا أن أتزوجه كونه أصبح أميراً للغجر بعد أخيه.. أجلسته على كرسي والمدفأة الصغيرة تشتعل صنعت له كأساً من الشاي لكنها تتحدث وترد على أسئلته وهي تبكي وتبكي.
بينما يزجرها زوجها بلغتهم لكنها تقول لمسعود لا تنتبه أبداً.
أنا لا أصدق. سألته عن القدر الذي جاء به إلى هنا وشرح لها بعجالة عن حياته وطلب منها أن تزور بيته أو هو يأتي ويأخذها مع زوجها، بينما هم على هذه الحالة دخلت المقطورة فتاة رائعة الجمال ولكنها تشبه جلّنار قبل أكثر من أربعين عاماً قالت هي ابنتي ألا تشبهني يا مسعود انظر إليها أليست أنا؟
بلى بلى وحق الله تشبهك، لم تفك عن البكاء ...
كان مسعود يشرب الشاي ويتذكر معها كم مرة شرب من يدها الشاي في خيمتها بمدينته..؟!
يبدو أن زوجها قد تضايق منهما كثيراً، قال لها سأودعك يا جلّنار يا أميرتي أتمنى أن ألقاك، فكان لابدّ أن يودعها على أمل أن يراها ثانية نزل من المقطورة وهي تمسك به وتودعه بدموع يبدو أنها أكثر صدقاً منه.. كانت تتحدث معه حتى وصل سيارته وودعها وهو يلوح لها بيده غاب وغابت عنه.
في اليوم الثاني تقصد أن يذهب لتلك المدينة عسى أن يجدها ويجالسها مرة أخرى. لكنه عبثاً يأتي المكان فقد رحلوا ولا يدل على وجودهم سوى أنهم تركوا بعض وريقات تتطاير في تلك الفسحة من المكان. أوقف سيارته وبدأ يفكر ويتذكر المصادفة والقدر والمستحيل وجلنار، ومرّ في خياله بدير ذاك الراهب الذي جاءه العاشق الولهان يسأله عن البدور اللواتي كانوا ها هنا ..
أجل ناظم الغزالي وأغنية يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني عن الريام التي ها هنا نزلوا..
غابت جُلَّنار وغاب أول حلم
استيقظ من حلمٍ جميل فعاد إلى بيته وهو يغني (يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني.). إنها الحياة رحلة وحلم وأماني غير محققة لكم تمنى لو كان أميراً للغجر
..اسحق قومي
ألمانيا 28/4/2011م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/