الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟

علي فضيل العربي

2022 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


مقال :

ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟

مرت عصور حالكة على الإنسان ، لم تخل حياته من الصراع من أجل البقاء أو السيطرة والهيمنة أو التحرّر من العبوديّة و الاحتلال . لقد شهدت البشريّة في القرون الغابرة حروبا داميّة بين الأقوياء و الضعفاء ، و بين الأقوياء و الأقوياء ، و بين الضعفاء و الضعفاء ، و بين الدول و الدول و بين المماليك و المماليك ، و بين الجماعات القبليّة و نظيرتها . لقد قاد تلك الحروب الفظيعة الملوك و الأكاسرة و الهراقلة و الفراعنة و الكرادلة في البر و البحر ، و كانت نهايتها ملايين الضحايا الأبرياء و غير الأبرياء من المقاتلين و المدنييّن في المدن و القرى و الأرياف .
لا شك ّ إنّ الحرب الروسكرانيّة الحالية ، هي امتداد لسلسلة الحروب الخاطئة ، و التي ستنتهي – لا محالة – بعمليّة إحصاء الخسائر البشريّة و الماديّة و العض على الأنامل ، أمّا الجانب الربحي منها ، فلن يتعدى حصاده أكوام من التراب على ضحاياها و باقات ورد و دموع و عويل على فقدان الأحبّة . و هي حرب ستفرز نتائج مريعة ، لم يدرك العالم مخرجاتها و مآلاتها بعد . و لم يستشرف لها صنّاع السياسة ، و رواد الاقتصاد ، و علماء الاجتماع نتائجها النفسيّة و الاجتماعيّة على الدول و الجماعات المدرجة في سلّم الضعف و التخلّف ، و المصنّفة في خانة الفقر الفكري و الاقتصادي . و سيستيقظ العالم ذات يوم – بعد فوات الأوان و خراب مالطا كما يقال - على عالم ممزّق و مشتّت الأهواء و الأطماع .
لقد كشفت لنا هذه الحرب المجنونة عن حقيقة الصراع بين الأقوياء أنفسهم ، و بينهم و بين الضعفاء ، رغم أنّه ما خفي أعظم . و هو صراع مبنيّ على القوة العسكريّة و الهيمنة التكنولوجيّة تحرّكه المصالح الاقتصادية و الجيوسياسية و الدوافع الإثنيّة و الدينيّة .
و لم تكن هذه لتندلع نيرانها لولا الرعونة السياسيّة و العسكريّة التي أبداها الطرف الروسي القويّ . و لولا ترسانة الأسلحة الفتّاكة التي يصنّعها و يمتلكها .
لقد كان التبشير بالعولمة أول لبنة ثقافية و سياسية لولوج ايديولوجيّة الغرب ، من جديد ، إلى المجتمعات الفاقدة للمناعة الفكريّة ، و القابلة للاستسلام و الخضوع و الاتّباع . تلك المجتمعات ، التي انتقلت من مربّع الاحتلال الخارجي إلى مربّع الاستبداد الداخلي . و هي مجتمعات فاشلة سياسيا و اقتصاديا و علميّا . استولت عليها جماعات من العسكريين الإنقلابيين . ممّا أدى إلى نشوب صراعات داخليّة مدمّرة ، بل ارتقت إلى حروب أهليّة طويلة الأمد ، أحرقت الأخضر و اليابس .
و السؤال الذي أن يُطرح ، و دونما حرج أو توجّس أو ادّعاء هو : هل ستختفي دول من الخارطة الجيوسياسيّة في القارات الثلاث ؟
الجواب ، في اعتقادي ، أجل . هناك دول مرشّحة للاختفاء من على الخارطة الجيوسياسيّة بعناوين عدّة ، كالاندماج في كتل جديدة طواعيّة أو قسرا ، نتيجة الإفلاس السياسي و الاقتصادي .
و سيحدث لروسيا البوتينيّة ، ما حدث لألمانيا الهتلريّة النازية في أعقاب الحرب العالميّة الثانيّة . و ستتقلّص الخارطة الجغرافيّة لروسيا . و ستدفع نتائج هذه الحرب المفلِسة ، مقاطعات أخرى من روسيا الحاليّة إلى السعي نحو الانفصال و الاستقلال عن روسيا ، و خاصة في منطقة القوقاز و المناطق ذات الإثنيّات المختلفة .
فقد أخطأ قادة روسيا ، السيّاسيّون و العسكريّون ، و مستشاروهم في المعاهد القوميّة للدراسات الاستراتيجية و الاشتشرافيّة ، أخطأوا الهدف و جانبهم الصواب في تقدير عواقب غزو أوكرانيا . و لعل مردّ ذلك إلى التجارب السابقة في الشيشان و سوريا ، حين غض العالم الغربي ؛ المتمثّل في الولايات المتحدة الأمريكيّة و حلفائها في أوربا و جنوب شرق آسيا ، الطرف عن الجرائم التي اقترفها زعماء الكرملين في حقّ تلك الشعوب المستضعفة ، و المنهكة بعوامل التفكّك الداخلي و الاقتتال الأهلي و التخلّف و الفقر .
لقد كشفت الحرب الروسكرانيّة عن حجم النفاق السياسي و الديني و الإنساني لدى العرب الرأسمالي المتوحّش . و هو الغرب الليبرالي نفسه الذي يتغنّى بالحريّة و حقوق الإنسان عبر منصاته و منابره الإعلاميّة ، بل و يتّهم دولا مستقلّة بانتهاك حقوق الإنسان ، و يهدّدها بالغزو تارة أو الحصار الاقتصادي و السياسي تارة أخرى .
لا أحد كان يجزم بما آلت إليه الأوضاع في أوكرانيا . فقد كانت معالم السلام أقرب من فظائع الحرب ، بعدما اختفى – تقريبا – قياصرة الحرب و فراعنة الاستبداد في أوربا ، و استولت السلطات الديمقراطيّة و البرلمانيّة و الأفكار الليبراليّة على مقاليد القرار السياسي . لكن ، المفاجأة الكبرى ، هي انبعاث أحلام القرون الوسطى و أطماعها ، و عودة الصراع القومي الذي تغذيه العصبيّة و الرعونة الفرديّة و الاعتداد بالقوة العسكريّة المدمّرة .
أمّا بالنسبة للدول العربيّة و الإسلاميّة ، فهي واقعة بين المطرقة و السندان ؛ بين جحيمين ؛ بين براغماتية الغرب الرأسمالي المتوحش بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة و الشرق بقيادة الصين الناهضة بقوّة و روسيا التي ستنهار قريبا ، و لن تتعافى سريعا .
و لكيّ لا تختفي دول عربيّة في المشرق و المغرب ، وجب على الساسة العرب تفعيل العقل و الحكمة ، و ذلك بنبذ الخلافات البينيّة و النزاعات الأهليّة ، و رصّ الجهات الداخليّة ، و التكتّل و الوحدة السياسيّة و التكامل الاقتصادي ، و الشروع في استغلال الثروات الطبيعيّة و الأراضي الصالحة للزراعة ، التخطيط لتحقيق الأمن الغذائي و الاكتفاء الذاتي ، و ذلك من خلال استصلاح ملايين الهكتارات ، و إطلاق مشاريع زراعيّة ضخمة ، و إحداث ثورة فلاحيّة شاملة في مناطق الشمال و الهضاب و الصحراء الكبرى .
لقد أظهرت الحرب الروسكرانيّة ، مدى أهميّة الأمن الغذائي للشعوب المستوردة للغذاء ، و التي أهمل قادتها عنصر الاستثمار البشري ، و ألهتهم ملذّات السلطة و شهواتها و مصالحهم الشخصيّة عن خدمة شعوبهم ، و تأمينها من جوائح الجوع و المرض و الفقر .
ربّما ، توقظ هذه الحرب – التي لم تكن في الحسبان و لم تخطر على بال – شعوبنا و قادتها من سباتهم الذي مازال مستمرّا منذ 1258 م 656 ه ، تاريخ سقوط بغداد . و ربّ ضارة نافعة كما قيل . و تعود روح الوحدة بين الشعوب ، و يتطهّر السيّاسيّون و الثيوقراطيّون من أدران الخلافات السياسيّة و المذهبيّة ، و تختفي الفرق و الجماعات الدينيّة المتناحرة حول الزعامة الفقهيّة و الولاءات القائمة على الأحقاد المتوارثة عن خلافات مميتة بين جماعات من السلف غير الصالح .
فقد حان الوقت لإعادة الوحدة المغاربيّة السياسيّة و الثقافيّة و الاقتصاديّة – التي مزّقها الاحتلال الصليبي قبل زهاء قرنين - تحت عنوان المغرب العربيّ الكبير الممتّد من ليبيا شرقا إلى موريطانيا غربا . هذه الوحدة ستحقّق تكاملا بين شعوبه كلّها . خاصة ، و عناصر الهويّة الواحدة الجامعة متوفّرة و متجانسة ؛ كوحدة الملّة و التعايش اللغوي و التجانس العرقي و الامتزاج الجنسي . إنّ ما يجمع شعوب المغرب العربي من عناصر و حوافز أكثر ممّا يفرّقها .
أما المشرق العربي ، فهو بين خيارين ، أحلاهما الوحدة ، و نبذ الفرقة . إنّ الأخطار المحدقة بدوّله عواقبها وخيمة . فالعراق تهدّده الانقسامات الجغرافيّة و المذهبيّة منذ سقوط الخلافة الإسلاميّة ، و لعلّ أخطرها على الإطلاق ، المطامع الإيرانيّة للوصول إلى شبه الجزيرة العربيّة و مقاتلة أهل السنّة و الجماعة ، و الاستيلاء على الكعبة و المقدّسات في مكّة و المدينة ، بحجة الأحقيّة التاريخيّة للشيعة في ذلك . كما أنّ اليمن مهدّد بالتقسيم المذهبي و العرقي ، و كذا سوريا و لبنان و السودان و مصر ، و بقيّة الدوّل العربيّة الأخرى .
هل نحن أمام سايكس بيكو جديدة بعد نهاية الحرب الروسكرانيّة ؟ هل سيعاد تقسيم العالم من جديد ، وفق النفوذ و المصالح الاقتصاديّة ؟ هل ستختفي دول صغرى ، و تظهر تكتّلات كبرى جديدة ؟ ذلك ما سيجيبنا عنه المستقبل القريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس