الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سُعَال

عبد الله خطوري

2022 / 8 / 19
الادب والفن


يَضَعُ في فمه مِسْواكا بلون التراب مثل سيجار هفاني سميك غير مشتعل.يخافُ على صحته.يريده للتباهي ليس الا.ينفثُ دخانا وهميا لا يراه الا هو.تُرَى مِنْ أين جاء بهذا النوع الفخم..أبَّهة..مثير يلفت النظر.يضعه بين الوسطى والسبابة.يضغط على حوافيه جيدا. إمساكٌ قوي فيه بهاء منظر أرباب الأموال والشركات. هو بعيد عن هؤلاء.شتان بينه وبينهم.يلعبُ مجرد دور بسيط في استراحة قصيرة اقتطعها من زمنه المعقوف.ينظر الى السقف الحادرِ الأبيض متابعا دوائر لولبية..دخان أزرق يختلط بشحوب رمادي يصطدم هناك ينحسرُ الى الاسفل ليزكم أنفاسَه..لا داعي للقلق. ليس هناك دخان ولا زكام..انه حلم فقط.وَهْمٌ لذيذ. يسعل هو ليحكم لعب الدور...

/ Il tousse , il tousse toujour... _
يسعل..إنه يسعل دائما...

لكن هذه المرة بطريقة أرادها أكثر لباقة لتناسب رَجُلا سمهريا محترما مثله.يجب عليه أنْ يتعلم مراسيم جديدة في النحنحة عوض عاداته المقيتة التي تجعلُ سُعَالَهُ صوتا نشازا يشبه صرخات ديك رومي يختنق.. شيء مثل السعال الديكي العَوًّايا او العَوَّاقَا تعيق تواتر الزفير بعد الشهيق أو العكس..لا داعي لتذكيره بذلك كله..لقد تعوَّدَ آجترار أنواع المعيقات في أزمنته المخيبة للأماني، ثم إن هذا الالحاح بالرجوع به القهقرى أمر غير لائق البتة.لقد نسيَ ما خلا من زمانَه، فَلِم الاصرارُ على إعادته الى معيشه اليومي..اتركوه ينسى يحلم..دعوه ينامُ قليلا..هو رجلٌ أنهكته الخدمة، ويطمع أنْ يزيدا...

_"الله يلعن أبو لانْتريتْ..."

يزعقُ دائما.يقضي جل أوقاته غارقا في كرسي خشبي قرب مقهى"الأحلام".يستمع لأغاني الجبل، خليط بين حداء ربابة الرعاة في شعاب البراري وأهازيج تَايَفَّارْتْ أمازيغ(آيْت وَارَيَنْ).يضع في فمه عرق سوس بلون قسمات وجهه المجدورة.يبصقُ أمامه كما آتفق متخيلا هررة سوداء تعرج في كل اتجاه.ينفثُ دخانا في شكل دوائر لا ينتهي دورانُها الا ليبتدئ من جديد.نهاية الشهر لازالت بعيدة.إذًا لا داعي للحركة والذهاب الى أي مكان، حتى ذاك المَعَاش الفقير لا يهمه بقدر ما يستهويه الالتقاء بزملاء قدامى في الخدمة العسكرية أيام سعير سربيس فيتنام لاندوشين ...

_"الله يلعن أبو لانتريت..."

الشهر مايزال في بدايته، لِيغرقْ في كرسيه وليحلم قليلا..(الدِّفِيلِي مِليتيرْ و العسكر كْثيرْ كْثيرْ..)..يمر أمامه بشر مثل رتل ديدان تشمخ بأنوفها تنحني تُحَييه.يتقدمون قبالته ليقبلوا يديه، فيصرفهم بتواضع جم مبجل مشيرا اليهم بسيجاره العملاق عربونَ تحية العظماء.يتراجعون الى الوراء.يتقدم هو الى الأمام بزي العسكر الرسمي تزينه أوسمة ونياشينُ.يتقدم دائما والدخان يسبقه حينا يتبعه.يتنفسُ نفسا عميقا.يشهق. يزفر.ينفثُ زرقةَ رمادية كابية تصطدم بالسقف وتنحسر الى الاسفل.ينحسرُ هو يتضاءلُ ...

_ Il tousse , il tousse toujour….

كتبتْ الممرضة الشقراء في تقريرها اليومي عن حالة "بُولانْتريتْ"المريض بضيقة تحولتْ الى أورام خبيثة تشبه هررة سوداء تَعْرُجُ الى السماء ...
لم يكن هناك سيجار.فقط تُرَابٌ ينخرُ رئتيه شيئا فشيئا.يحمد اللهَ"بولانتريت"على قدرته التي مازالت تسعفه ليغمضَ عينيه ويسافر في الأحلام طائرا لا يتعرض سبيلَه أحدٌ..تبارك الله..هذا الرأس المحفور بقنابل النبالم و"قرينة بوكليب الأكحل"لم يخذله بعدُ. لازال بامكانه أَنْ يمني النفس قليلا...وغرق السعالُ في خيالات اليقضة والمنام حتى انتشى ساح وفاض... وفي العيد الأخير، كَتَبَتْ الممرضة في تقريرها اليومي:

_ Il a cesser de touusser…/
لقد برئ أخيرا من سعاله...

_ تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا