الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم الحور العين ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 8 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأعذار الكثيرة حاضرة والتبريرات التأويلية جاهزة أن الجنس في الجنة ليس كالجنس في الدنيا والزواج غير الزواج، يقولون صحيح أن الله يقول في كتاب رجاله أننا سنزوجكم بحور عين لكن زواج مدني لغرض رفع الحرمة مثلا والدليل انه قال أيضا (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)، فالوصف الأدق من زوجناهم أي جعلنا مع كل مؤمن ومؤمنه حورية أو حوري يقابله بعد أن نزع الله من قلوبهم الغل والشهوة فصاروا كالإخوان، فالغل في لغة العرب هي الإمساك عن شيء كقول اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم، أي أن يد الله ممسوكة عن الإنفاق، فيكون معنى النص "ونزعنا ما في صدورهم من إمساك على طلب الشهوة فصاروا أخوان"، هذا التفسير ينفي أي صيغة جنسية للعلاقة بين المؤمن والمؤمنة من جهة والحور العين من جهة أخرى سواء أكان الحور العين هم أناث الجنة أو كانوا جنسا مستقلا فيه الذكر والأنثى، وبالتالي فالعلاقة ستكون هناك كعلاقة الأخوان المسلمين اليوم كأعضاء في حزب سياسي احدهم يدافع عن الأخر في حال تعرض إلى أي عارض من أخر... عجيب معقول هذا الأمر؟.
عالم الحور العين خليط غير منسجم من أوهام اللا وعي البشري المتأثرة بالمكنون الشهوي الذي يسكن أعماق الرجل الذي صور صورة الرب وسوقها للناس، الرب الذي يدير شبكة من العلاقات التي تحولت من حدود الحرام والنهي والمنع منها وعنها لتتحول إلى مغريات وجزاءات تعوض عن الحرمان السابق، يقولون أن الله يكافئ المؤمن من عشرة إلى سبعين إلى الف ضعف إذا أستجاب وأطاع، فالخمر والجنس اللا مرخص أو مؤسس له بتقاليد وقوانين ورغبة في التنظيم وهدف سامي كانت من الممنوعات والمحرمات بقوة الغضب والوعد بالجزاء المؤلم، تحولت تلك الممنوعات إلى متاحات بلا حدود وبلا ضوابط مقابل قبول المنع الإلهي في الدنيا.
سؤالي هنا لماذا أصلا منع الله الإنسان من الخمر ومن الجنس اللا مؤسساتي المنظم في الدنيا، هل لأنه يخشى على البشر من طغيان تلك العلاقات على سلوكياته وإيمانه؟ إذا كان كذلك فكيف يضمن أن لا يفعلها الناس في الأخرة وعلى أي تقدير؟ سيقولون الخمر في الجنة لا يسكر بل يمنح نشوة فقط وبدون أن تفقد الإنسان عقله، وأن الجنس اللا مؤسساتي سيكون مقننا بين المؤمن والحورية بمجرد المنح تحولت العلاقة إلى مشروع شرعي ومحلل لأنه وفق إرادة الله، وبالتالي لا خوف ولا شك في ما يمكن أن يصيب الإنسان، إذا خمر الأخرة ليس خمر الدنيا وجنس الأخرة ليس جنس الدنيا وقيل أن الإنسان في الأخرة روحا بلا جسد أو جسد يماثل النسخة الأصلية ولكن بجميع الأحوال من سيكون بالجنة ليس أنا أبدا، أنا بأحاسيسي ومشاعري وأحلامي ومعرفتي وعلمي، بل مجرد شخص منزوع الشخصية هلامي لا يمثلني ولا ينتمي له، إنهم جميعا سيكونون نموذج واحد في الشكل في العمر في الطبيعة في الأمتيازات، هنا يفقد الإنسان إنسانيته الذي تجعل من ذاك الذي يدخل الجنة نسخة ثانية من خلق أخر (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ).
المستخلص من النص السابق أن إنسان الجنة هو إنسان معاد أو خلق معاد وليس الخلق الأول، فهو في جميع الأحوال لم ولن يكن هو ذات الشخص الذي كان قبل أن يموت، الإشكالية هنا عندما يقبل ويصدق الناس أنه مع ذلك لابأس أن تعاد الروح التي كانت إلى أي مستوعب أخر سواء أكان بمواده الأولية القديمة أو خلق مستجد، المهم أنه يعيش حياة أخرى جميلة لذيذة وووو الخ، لا يعلم هؤلاء أن الروح التي هم سعيدون جدا بها إنها أعيدت لجسد ما وقيل هذا فلان الفلاني المؤمن الذي كان، هذه الروح مجرد طاقة تمنح الجسد ان يمارس حيويته الحية.
لا فرق بين روح فلان ولا روح فلان، الروح واحدة متشابهة متساوية وهي قوة الوجود في الموجود المتحرك فقط، كما هي الروح في أي حيوان أو نبات هي الروح في الإنسان، إذا ما ينفعك ان تبعث الروح في بدن مخلوق مجدد وممنوح روح كبافي الكائنات، الفرق أن هذا الكائن الجديد الذي يعيش عالمه الجديد قد تم منحه اسمك فقط، وأسندت له فضائل أو فضائح أرتكبتها أنت في الدنيا وتحملت عبئها وثقلها ووزرها وحدك، ليعيش شخص اخر في عالم اخر كما يزعمون ليتنعم أو ليعاقب وأنت الآن سعيد بكل ذلك بل وفخور جدا بما أستخدعت به من قبل رجال الرب الذين يقولون ان رجال الله قالوا لهم.
هذا عالم الجنة المتخيل الذي صنعته اليوتوبيا الدينية لتقدمه طازجا دوما وعلى طبق من القداسة الأستحمارية التي لا يجيد فنونها إلا المختلين عقليا، العيب ليس في هؤلاء المختلين ابدا ولا ألومهم على شيء، العيب في العقل الذي يسلم بهذه الأقكار الوردية في ظاهرها دون أن يحاول أن يفتح داخلها ليرى السواد والعقن والظلام، بالتأكيد أنا لست ضد أحد ولا ضد فكرة ما ولا ضد مبدأ أو دين، ولكن ضد من يزعم أن الله حاله مثل حالنا ويفكر لنا وعنا مثل ما نفكر نحن عن أولادنا ومن هم تحت سلطتنا كوننا أكثر دراية منهم وأعلم بالتجربة، هذا التوصيف مهم جدا للتفريق بين الله المعبدي المتخيل والمتصور وبين الله الجميل الودود العليم خالق الأكوان ومسبب الأسباب واضع القوانين الأولى، والراسم للوجود خارطة الديمومة الأبدية الأزلية المطلقة التي لم تنتهي في نقطة لأنها أصلا لم تبدأ من نقطة.
الله الذي لا يعرف جنة ولا نار ولا حوريات ولا ولدان مخلدون ليس لأنه لا يستطيع أو بمكنه فعل ذلك ولكن لأن حقائق المعرفة به تمنه من التصديق بهذه الأفكار المادية البشرية ذات الطابع الذكوري التسلطي، إذا نحن خلقنا ضمن منظومة مترابطة متشابكة كل جزء فيها علة وجود جزء أخر، والكل علة وجود الكل الذي في داخل تكوين الخلق وضعت سر الأسباب وعلة العلل أنها موجودة لا بأمر ولا تخضع لأمر، لأن الأمر يستوجب أمر سابق وسلسلة أستفهام من سابق السابق في سؤال عبثي حقيقة الإجابة فيه لا سابق للوجود ولا لاحق لأن الوجود هو محض وجود كامل مكتمل في الأصل يتحرك داخل وجوده في دورات المنحنى المغلق الذي لا خارج عن مساره ولا داخل فيه ما لم يكن منه وفيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليل النفس بالآمال!!!
سهيل منصور السائح ( 2022 / 8 / 20 - 09:32 )
اخي الكريم اشكرك جزيل الشكر على هذه الاضآءآت والى المزيد.التصديق بالمجهول تصديق بلا دليل ولكن القول انا على حق وغيري على باطل هو الباطل بعينه. التنيجة هي:
اعلل النفس بالآمال ارقبها *** ما اضيق العيش لولا فسحة الامل. هناك آلاف الاديان وكل له رايه من نصدق يا ترى؟؟؟؟. الشيء الذي لا مراء فيه هو ان الالاه الخالق لجميع الكآئنات هو ليس اله الاديان الذي كيفه كل حسب بيئته. سلام عليكم.