الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 92

ضياء الشكرجي

2022 / 8 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَومٍ لّا رَيبَ فيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ الميعادَ (9)
يبدو إن عبارات الدعاء في هاتين الآيتين تأتي تكملة للدعاء عن لسان الراسخين في العلم، بعدما مرّ قولهم: «آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِّن عِندِ رَبِّنا»، أو لعله دعاء لفريق آخر نعتوا بأنهم أولو الألباب، التي انتهت بذكرهم الآية السابقة بقول: «وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُلُوا الأَلبابِ»، وكأن هذه الآية تبدأ بدعاء لهم بعد ذكرهم آنفا، إذ يقولون «رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا، وَهَب لَنا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ، رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَومٍ لّا رَيبَ فيهِ»، وربما يكون المعنيون هم نفس الفريق، وسموا مرة بالراسخين في العلم ومرة أخرى بأولي الألباب. ويمكن أن تكون العلاقة بينهما علاقة خصوص وعموم مطلق، بحيث إن جميع الراسخين في العلم هم من أولي الألباب، لكن ليس كل أولي الألباب هم من الراسخين في العلم، خاصة إذا اعتمدت القراءة التي اعتمدت إلحاق الراسخين بالعلم بالله في كونهم يعلمون أيضا، ولو دون مرتبة علم الله، تأويل المتشابهات من نصوص القرآن. وبعد الدعاء يأتي ذكر «إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ الميعادَ» وهذا جاء معطوفا على خاتمة الدعاء بقول «إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَومٍ لّا رَيبَ فيهِ» ومكملا له. وهنا لنتوقف عند ثلاث قضايا، الأولى كون الله جامع الناس أجمعين ليوم واحد، هو يوم القيامة أو يوم الدين، أو يوم الحساب، أو يوم الجزاء، والثانية إن هذا اليوم لا ريب فيه، والثالثة إن الله لا يخلف الميعاد. من الناحية الفلسفية، وبقطع النظر عن مقولات الأديان، التي لا دليل على صدقها، إذا ما انتهينا من كون الأديان نتاجا واجتهادا بشريين، وليس وحيا إلهيا، فليس هناك ما يرجح عقلا جمع جميع الناس بلا استثناء من أولهم إلى آخرهم ليوم واحد، بل إذا أقررنا بالجزاء كلازم عقلي للعدل الإلهي، وهذا كلازم عقلي لكماله المطلق، وهذا كلازم عقلي لدليل واجب الوجود، أو ضروري الكؤون، فيمكن أن تبدأ الحياة لما بعد هذه الحياة في لحظة موت كل إنسان، بحيث يكون الموت هو موت الجسد، وتنتقل الروح إلى حياة من طبيعة أخرى ليس بإمكاننا تحديد مواصفاتها وكيفياتها، سوى أنها ستكون تلك الحياة التي يتحقق فيها العدل المطلق الذي لم يتحقق في هذه الحياة. ثم لا يجب أن يكون هنا حساب، بل يمكن أن ينتقل الإنسان إلى مرحلة الجزاء، مع إنه سيمنح وعيا يدرك به علام يجازى ثوابا أو تعويضا، وعقابا أو عتابا أو حرمانا من ثواب. أما كون هذا اليوم المجموع فيه الناس مما لا ريب فيه، فلا دليل على بديهيته وضرورته العقلية، بحيث يستحيل أو يستنكر الشك فيه. صحيح هو لا ريب فيه بالنسبة للمصدقين بوجوده، لكونهم صدقوا بالدين أو الأديان التي قالت به. أما التعقيب على قول هؤلاء بعبارة «إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ الميعادَ»، والتي كأنها جاءت تأييدا لقولهم «إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَومٍ لّا رَيبَ فيهِ»، باعتبار أن الله هو الذي وعد بجمع الناس ليوم الحساب، وبالتالي فذلك يمثل حقيقة لا يمكن الارتياب بها، لأن «اللهَ لا يُخلِفُ الميعادَ»، ففي الوقت الذي لا بد من التسليم بحقيقة «إِنَّ اللهَ لا يُخلِفُ الميعادَ»، ولكن إذا ثبت أن هناك ثمة ميعادا أو وعدا إلهيا، وإلا فالجملة تفقد معناها بانتفاء مقدمتها. لكن لتكن لنا وقفة مرة أخرى عندما مستهل هذا الدعاء القرآني، بقول «رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا»، فهذه الجملة تعبر عن هاجس كان يعيشه مؤسس الإسلام، وبقي يعيشه المسلمون المؤمنون بإلهية دينهم، ألا هو الخوف من الارتداد عن الدين، والذي تنعته هذه الآية بزيغ قلوب المؤمنين بعد هداية الله لهم، أو ما يعبر عنه في آيات أخرى بالارتداد عن الدين بعد الإيمان، الذي يحذر القرآن منه، ويتوعد المرتدين نار جهنم خالدين فيها أبدا، أو هو ما يعرف عنه في أوساط المتدينين بالخوف من سوء العاقبة، بحيث تعتمد بعض فرق المسلمين قراءة دعاء في أذن المُحتضِر، يسمى بدعاء العديلة، وفيه استعاذة من أن يعدل المحتضر قبل أن يلفظ نفسه الأخير عن الدين (الحق) إلى غيره، سواء كان الإلحاد، أو اللادين، ونعتوه كمصطلح عام العدول إلى الباطل، في حال حضور الشيطان عند المحتضر والوسوسة له بترك دينه. هذا الهاجس عند المسلم المؤمن والخوف من سوء العاقبة أو العدول عن الحق أو الارتداد عن الدين، دليل تزعزع الإيمان، وضعف حجج الدين، التي يحس بها الكثير من المؤمنين، ولو في وعيهم الباطني، ويحاولون طرد هذه الوساوس والشكوك، أما لماذا عاش مؤسس هذ الدين ومؤلف القرآن هذا الهاجس، فيبدو بسبب علمه أكثر من غيره بضعف حججه، واحتمال انهيارها أمام العقل، إذا ما امتلك بعض المسلمين المؤمنين شجاعة إعمال العقل، ولذا هناك أحاديث وروايات تحذر من التعمق في الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك