الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلال في التوازن العالمي كما يراه كيسنجر

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 8 / 20
مقابلات و حوارات


ترجمة: محمود الصباغ
نشر هنري كيسنجر ( وزير الخارجية الأسبق ومستشار الأمن القومي) ، البالغ من العمر 99 عاماً ، كتابه التاسع عشر ، بعنوان "القيادة: ست حالات دراسة في الاستراتيجية العالمية Leadership: Six Studies in World Strategy ". ويمثل تحليلاً للرؤية والإنجازات التاريخية لستة قادة عالميين ظهروا على المسرح الدولي أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية/ وهم : كونراد أديناور، شارل ديغول، ريتشارد نيكسون، أنور السادات، لي كوان يو، مارغريت تاتشر. ويخبرني السيد كيسنجر كيف ظهرت تصوراته بكتاب يصف فيه كيف يمكن صنع السلام. كان هذا في خمسينيات القرن الماضي "قبل أن أنخرط في السياسة"، كما أخبرني في مكتبه، وسط مانهاتن، في يوم من أيام تموز/ يوليو المشبع بالبخار، ويتابع كيسنجر أن خطة الكتاب تشمل كيفية إنهاء سلام القرن التاسع عشر، بدءً من مؤتمر فيينا. ويقول كيسنجر أن هذه الأفكار قد تحولت إلى كتاب، ويردف "وبعد ذلك كان لدي حوالي ثلث كتاب عن بسمارك، وكان الخطة أن ينتهي الكتاب مع اندلاع الحرب العالمية الأولى". أما الكتاب الحالي هو نوع "من التكملة. وهو بذلك ليس مجرد انعكاس معاصر "، وجميع الشخصيات الستة المذكورة فيه، قد تشكلت من خلال ما يسميه "حرب الثلاثين عاماً الثانية" ، وهي الفترة من عام 1914 إلى عام 1945 ، التي ساهمت في تشكيل العالم الذي أعقب ذلك. وتتأرجح هذه الشخصيات، من وجهة نظر السيد كيسنجر ، بين نمطين أصليين للقيادة: البراغماتية بعيدة النظر لرجل الدولة والجرأة الحكيمة للنبي. وقد سألته فيما إذا كان يعرف أي زعيم معاصر يشترك في هذا المزيج من الصفات، فكان جوابه بالنفي: "أود أن أؤكد أنه على الرغم من أن ديجول كان لديه هذا ، فإن هذه الرؤية لنفسه ، في حالة نيكسون وربما السادات ، أو حتى أديناور ، لم تكن لتعرفها في مرحلة سابقة. من ناحية أخرى ، لم يكن أي من هؤلاء الأشخاص أشخاصًا تكتيكيين في الأساس. لقد أتقنوا فن التكتيكات ، لكن كان لديهم تصور للهدف عندما دخلوا المنصب ".
لا يمضي المرء وقتاً طويلاً في الحديث مع السيد كيسنجر دون سماع تلك الكلمة -الغرض- وهي، إلى جانب التوازن، الصفة المحددة للنبي، الشغل الشاغل لرجل الدولة. فيهم السيد كيسنجر الدبلوماسية، منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما كان لايزال باحثاً في جامعة هارفارد يكتب عن الاستراتيجية النووية، على أنها عملية توازن بين القوى العظمى تلقي بظلالها على احتمالية وقوع كارثة نووية. وتجعل الإمكانات المروعة لتكنولوجيا الأسلحة الحديثة، في رأيه، الحفاظ على توازن القوى المعادية، مهما كان غير مستقر، ضرورة أساسية للعلاقات الدولية. ويقول، لي، في هذا الصدد: "يتألف التوازن، في قرارة تفكيري، من مكونين، نوع من توازن القوى، مع قبول شرعية القيم المتعارضة في بعض الأحيان. لأنه إذا كنا نعتقد أن النتيجة النهائية لجهودنا يجب أن تكون فرض قيمنا ، فأعتقد أن التوازن، هنا، غير ممكن. لذا فإن أحد الموكنين هو نوع من التوازن المطلق، أما المستوى الآخر للتوازن يمكن أن نسميه توازن السلوك، يمعنى أن هناك قيوداً على ممارسة قدراتنا وقوتنا فيما يتعلق بما هو مطلوب للتوازن العام، ويتطلب تحقيق هذا المزيج مهارة فنية تقريباً، ولم يكن رجال الدولة، في كثير من الأحيان، يستهدفونها بشكل متعمد، لأن السلطة لديها احتمالات كثيرة للتوسع دون أن يكون لهذا التوسع نتائج كارثية، لدرجة أن الدول لم تشعر أبداً بهذا الالتزام الكامل." ويقر السيد كيسنجر بأن التوازن لا يمكنه، رغم ضرورته، أن يكون قيمة في حد ذاته: "يمكن أن تظهر حالات من استحالة التعايش من الناحية الأخلاقية، كما كان الحال مع هتلر، حيث كان من غير المجدي مناقشة عملية التوازن -على الرغم من تعاطفي مع تشامبرلين إذا كان يعتقد أنه بحاجة إلى كسب الوقت من أجل المواجهة التي كان يظن بحتميتها بكل الأحوال". ثمة تلميح عن "القيادة" يعبر عن أمل كيسنجر في أن يستوعب رجال الدولة الأمريكيين المعاصرين دروس أسلافهم: "أعتقد أن الفترة الحالية تواجه مشكلة كبيرة في تحديد الاتجاه، فهي تستجيبـ بطريقة مذهلة، لمشاعر اللحظة." يقاوم الأمريكيون فصل فكرة الدبلوماسية عن فكرة "العلاقات الشخصية مع الخصم". إنهم يميلون، حسب رأيه، إلى النظر إلى المفاوضات من منظور تبشيري وليس نفسي، سعياً منهم لتحويل أو إدانة محاوريهم بدلاً من اختراق تفكيرهم. وهو يرى أن عالم اليوم يقترب من اختلال توازن خطير: "نحن على حافة حرب مع روسيا والصين بشأن قضايا قمنا نحن بخلقها جزئياً، دون أنى فكرة عن كيفية إنهائها أو ما الذي من المفترض أن تؤدي إليه". هل تستطيع الولايات المتحدة إدارة الخصمين من خلال التثليث بينهما، كما كان الحال خلال سنوات نيكسون؟. يطرح السيد كيسنجر السؤال دون أن يقدم إجابة أو وصفة حل: "لا يمكننا الآن أن نقول أننا سنقسمهم ونقلبهم ضد بعضهم البعض. كل ما يمكننا فعله هو عدم تسريع التوترات وخلق خيارات، ولهذا يجب أن يكون لدينا هدف ما ". أما فيما يتعلق بمسألة تايوان، يخشى السيد كيسنجر من أن تكوت كل من الولايات المتحدة والصين تناوران باتجاه خلق أزمة ما هناك، وينصح واشنطن بالثبات: "إن السياسة التي نفذها كلا الحزبين أنتجت وسمحت بتقدم تايوان لبناء كيان ديمقراطي مستقل وحافظت على السلام بين الصين والولايات المتحدة لمدة 50 عاماً، لذلك ينبغي لنا أن نكون على درجة من الحذر في التدابير التي يبدو أنها تغير البنية الأساسية".
وكان السيد كيسنجر قد أثار، في وقت سابق من هذا العام، الكثير من الجدل من خلال الإشارة إلى أن السياسات غير الحذرة من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ربما تكون قد أشعلت الأزمة في أوكرانيا. وهو لا يرى أي خيار سوى أخذ مخاوف فلاديمير بوتين الأمنية على محمل الجد، ويعتقد أنه كان من الخطأ أن يرسل الناتو إشارة إلى أوكرانيا بأنها قد تنضم في النهاية إلى الحلف: "اعتقدت أن انضمام بولندا، وجميع الدول الغربية التقليدية التي كانت جزءً من التاريخ الأوروبي الغربي، كان منطقياً، لكن أوكرانيا، عبارة عن مجموعة من الأراضي التي كانت ملحقة بروسيا ذات يوم، والتي يعتبرها الروس أراضيهم، على الرغم من أن "بعض الأوكرانيين" لا يرون ذلك. يمكن تحقيق الاستقرار بشكل أفضل بأن تكون أوكرانيا منطقة عازلة، أي بمثابة حاجز، بين روسيا والغرب: "كنت أؤيد الاستقلال الكامل لأوكرانيا، لكنني اعتقدت أن دورها الأفضل أن تكون أقرب للمثال الفنلندي من المثال البولندي، غير أن شبح الموت الذي ألقى بكلكله على أوكرانيا الآن بسبب السلوك الذي تمارسه روسيا هناك، يجعلني أعتبر منذ اللحظة، بطريقة أو بأخرى، رسمية أو غير رسمية، أنه ينبغي معاملة أوكرانيا في أعقاب ذلك على أنها عضو كامل في الناتو". ورغم هذا التصريح الجديد، فمازال السيد كيسنجر يتوقع الوصول إلى تسوية تحافظ على مكاسب روسيا من توغلها الأولي في العام 2014، عندما استولت على شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس، على الرغم من أنه ليس لديه إجابة على السؤال حول كيفية اختلاف مثل هذه التسوية عن الاتفاقية التي استهدفت، لكنها فشلت، تحقيق الاستقرار في الصراع قبل 8 سنوات.
إن الادعاء الأخلاقي الذي تطرحه ديمقراطية أوكرانيا واستقلالها منذ العام 2014 -والمتمثل في تفضيل الأغلبية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي- والمصير الرهيب لشعبها تحت الاحتلال الروسي يتناسب بشكل بارز مع فن حكم السيد كيسنجر. فإذا كان تجنب الحرب النووية هو أعظم نفع، فما هو واجب الدول الصغيرة التي يكون دورها الوحيد في التوازن الدولي يتمثل في العمل تحت مظلة الدول الأكبر حجماً ؟
يوضح السيد كيسنجر أن ثمة معضلة لم نجد بعد لها حلاً وهي كيف علينا أن نقرن قدرتنا العسكرية بأهدافنا الاستراتيجية وكيف نربط ذلك بأغراضنا الأخلاقية. غير أننا لو نظرنا تاريخ الحياة المهنية للسيد كيسنجر الطويلة والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان، والتي باتت الآن خلفه تماماً، فإنه لا يتطرق إلى للنقد الذاتي، عند سؤاله عما إذا كان نادماً على سنواته في السلطة، بل يجيب بالقول: "من وجهة نظر متلاعبة، يجب أن أتعلم إجابة رائعة على هذا السؤال، لأنه كثيراً ما يُطرح علي.. فأنا لا أعذب نفسي بأشياء ربما فعلناها بكل مختلف" وكأنه يعيد النظر في بعض النقاط التكتيكية البسيطة.
العنوان الأصلي: Henry Kissinger Is Worried About ‘Disequilibrium’
الكاتب: Laura Secor
المصدر: https://www.wsj.com/amp/articles/henry-kissinger-is-worried-about-disequilibrium-11660325251








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيسنجر لم يحسب يوما مصالح الشعوب
د. لبيب سلطان ( 2022 / 8 / 22 - 10:21 )
السيد المترجم المحترم
شكرا لترجمتكم المقالة رغم وجوب بعض البلاغيات لجعلها اكثر سلاسة في العربية
اود ان اطرح ان كيسنجر هو تلميذ نجيب لمترنيخ وزير الخارجية النمساوي الشهير وكلاهما ينظر الى العالم كرقعة شطرنج ويقيمون الأحداث والسيناريوهات وفق مبدأ وعين واحدة ..مصالح الدول ..وربما هذا لايبدو غريبا كونهم وزراء خارجية وهذه وظيفتهم ولكن العالم تغير عن نظريات القرن التاسع عشر وكيسنجر بالذات طراز جديد لمعلم قديم لم يستطع ان يتزحزح قيد نملة عن النظر الى السياسة الخارجية وفق معادلة مصلحة الدول ومصلحة الشعوب معا ..فهو مثلا لايعترف بمصالح الشعب الأوكراني بل ينظر للعلاقة بين روسيا والناتو مهما كان الثمن وهو نفس الخطأ لتشمبرلن حينما جعل الفوهرر يرقص فرحا وكيسنجر جعل بوتين يرقص فرحا ايضا بطرحه اراءه حول غزو اوكراينا ..هو لم يطرح على نفسه سؤالا أساسيا: هل يحق لديكتاتور ان يفرض ارادته على شعب مجاور ؟ ولا يهمه طرح هذا السؤال لأنه ينظر اين مصالح العظام وكيف يساوم على مصالحهم وطز بالشعوب وحقوقها وتطلعاتها للعيش في نظام ديمقراطي يحترم حقوق الأنسان ..فديبلوماسيته لاتحسب ذلك ولم تخسبها في كل طروحاته وكتبه

اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس