الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلقات تحرير الرؤية والتنظيم

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2022 / 8 / 21
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


مراجعة بناء التنظيم ومعاير التحالفات:

إستمرار تدفق المنشورات المضادة لخط الحركة الشعبية بشكل غير لائق بأدبيات الحركة الشعبية وتعاليم السودان الجديد؛ يدفعنا هذا الأمر إلي مواصلة الرد المباشر لتلك المجموعة، وكذلك الدفاع عن الرؤية والتنظيم بلا هوادة بغية توضيح الحقائق التي يحاول بعض المشوشيين طمسها أو خلطتها بمعلومات وأراء مضللة؛ بهدف إخفاء مكامن مشكلات لا يريدونها أن تصل للجماهير والمتابعيين، ونحن نذكرها للرأي العام كما حدثت، وإستشكالات الحركة الشعبية "السياسية والتنظيمية"، ليست مسائل مخفية، ولا نهاب الخوض في تفاصيلها، وقد أنينا من رحلة كفاح تخللها إنقسام القوميين وإنقلاب الإنتهازيين، وهذه المرة؛ نعود لتوضيح حقيقة الموقعيين علي البيان المبثوث عبر مواقع التواصل الإجتماعي من لدن أتباع مجموعة تحالف "قحت" خارج العلاقة الطبيعية المعلنة، وبشأن هذا الموضوع نقول الآتي؟

أولاً. تحالفات الحركة الشعبية لا تفرضها عليها قوى خارجية إنما يتم ذلك من خلال معايير محددة لا تنفصل عن الخطوط السياسية والفكرية ومصالح وقضايا الشعوب التي ناضل من أجل تحقيقها مئات الشهداء منذ الميلاد الأول للحركة الشعبية، وقد حملنا لواء الكفاح حتى الميلاد الثانٍ بعد إنقسام السودان، ولكن إصرار البعض في جر الحركة الشعبية لتحالفات بعض مكوناتها تعمل ضد قضايا نؤمن بها يعتبر أمراً مثيراً للتعجب، والإستقواء بالغرباء ضد الأقرباء نتيجته الحتمية "سقوط"، وهذه المسألة تحتاج لضبط صارم جداً دون الدخول في مساجلات لا فائدة منها؛ خاصةً وأن للحركة تجارب مشهودة مع تلك التحالفات سواءً في ولاية سنار أو السودان كلل.

ثانياً. الحركة الشعبية جزء من الجبهة الثورية السودانية، وقد أعلن المؤتمر التداولي الأول أن هذا التحالف مستقل، ويعمل لترسيخ السلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية عبر عدة أدوات من بينها الحوار كأداة مفتاحية لبناء السودان الجديد؛ إضافةً لخلق علاقة متوازنة بين الجبهة الثورية والمكونات الوطنية الآخرى، ومن هذا المنطلق نحن نؤيد إستقلالية قرار الحركة الشعبية المنضوية تحت تحالف الجبهة الثورية، وتم تقديم رؤية سياسية مشتركة ومتفق عليها بخصوص الأزمة السودانية، وتلتها مبادرة الرفيق القائد مالك عقار لفتح مسار الحوار بين الجميع من أجل حل مشكلة السودان، ومن يرفضون عملية الحوار وإتفاقية السلام يعبرون بشكل أو بأخر عن الثورة المضادة، ومستخدمون أعداء الحركة الشعبية لتصفية حسابات سياسية، وهذه معركة مستمرة.

ثالثاً. بعض الموقعيين علي البيان المُشّار إليه أعلاه لم تكلفهم مؤسسات الحركة الشعبية لتمثيلها، وما قاموا به يمثلهم هم فقط، وبعضهم جاء للحركة الشعبية من تنظيمات دكتاتورية بامتياز، وقد بدأ تاريخهم التنظيمي في العام 2017م، ولما كانت الحركة الشعبية تنظيماً ديمقراطياً لا يضع قيوداً تضيع حقوق عضويته فتحت لهم بوابات الصعود إلي مواقع قيادية لم يحلموا بها في تنظيماتهم السابقة علي الإطلاق، ولم تهاجمهم أقلام الرفاق الذين سبقوهم بسنوات داخل التنظيم، والآن بعد 4 سنوات فقط علي إنضمامهم للحركة الشعبية أثاروا المتاعب هنا وهناك، وخرجوا باجندة التقسيم والتخوين ومحاولات فرض القرارات التي لا فائدة فيها.

رابعا. إن بروز الأزمة السياسية والتنظيمية للحركة الشعبية علي سطح المسرح العام كقضية تعكس خلل مفهوم وتركيبة التنظيمات، وهذا الوضع يقودنا لإعادة تقييم معايير التحزب وإستعادة قرار التنظيم بشأن التحالفات ممن يحاولون تصريف الشؤن السياسية طبقاً لأهواء غيرهم، ويجب أيضاً التحدث عن الإختلالات التنظيمية والسياسية بتحكيم الدستور والمنفستو والمؤسسية كونها وثائق وأجهزة متفق عليها، كما الإنحياز لقضايا السلام والطعام والتنمية المتساوية لشعوب الريف والمُدن المريفة دون فرز، ومن يحاولون توزيع صكوك النضال والمعرفة السياسية علي غيرهم؛ عليهم أولاً مراجعة صفحات التاريخ قبل الخوض في معترك هم أبعد الناس عن منحنياته الوعرة، ونحن لا نزايد علي غيرنا، ولا نقبل المزايدات.

10 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (1):


عندما نتحدث عن مشكلة الحركة الشعبية؛ ففاتحة الحديث تكون بتشريح موضع الخلل أولاً، ثم البحث عن اللقاح الناجع، وتتمثل المشكلة الأساسية في محاولة السطو علي قرار الحركة الشعبية من قبل قوى خارجية تستخدم مجموعة داخل التنظيم لتنفيذ أجندة التقسيم والسيطرة السياسية عبر إستثمار الشعارات الفضفاضة من باب خلق تناقضات بين أعضاء الحركة الشعبية، ويقودنا هذا الأمر لإستخدام وسائل الدفاع المتاحة لتحرير الرؤية السياسية والفكرية والمؤسسات التنظيمية من أجل الوصول إلي ضفة السودان الجديد، ولا يمكن بلوغ تلك الضفة دون عبور هذا الطريق الوعر المحاط بكل أنواع الصعاب والمصائب، وقد خضنا معارك سياسية وفكرية كبرى مع ألد وأشد الخصوم، ومنهم الإنقلابيين والقوميين الإنفصاليين والإنقاذيين المستبدين وغيرهم "أشكال وأنواع"، ولكن للأسف هذه المرة بعضنا يطلق قذائف الأعداء علينا.

إن التنظيم الذي يقرر بعض أعضائه التحالف مع المكونات الآخرى دون إعلام قيادتهم الممثلة في الرئيس هو تنظيم تحكمه المزاجية لا المؤسسية ومصالح الجماهير، ويعتبر التمسك بهذا القرار رغم تنبيه الرئيس يُعد دكتاتورية صماء وعمياء لا تقبل رأي الآخر، وهذا وضع "أعوج" لا يمكن قبوله داخل الحركة الشعبية، ومن المستحسن أن تراجع قيادة الحرية والتغيير علاقاتها مع المجموعات السياسية الآتية إليها دون تفويض، وأعتقد أنهم يتابعون عن كثب ما يدور، وهذه المراجعة مفيدة لكل الأطراف مستقبلاً، والإحتفاظ بعلاقة الصداقة بين التنظيمات المنضوية تحت ألوية الجبهة الثورية والحرية والتغيير أفضل للجميع من الدخول في معارك سياسية قوامها "لوبي صغير" لا يضع إعتبار لمؤسسات التنظيم ولا رئيس التنظيم ولا إتفاقية السلام وحياة النازحيين وصبر الجيش الشعبي، وهذا أيضاً يضعنا أمام مسؤلية "نقد وتجديد الرؤية والتنظيم من أجل التحرير والتغيير"؛ لذلك لا بد من ضبط الخطوط السياسية وإصلاح التنظيم وتنفيذ إتفاق السلام وإستعادة المكانة التاريخية للحركة الشعبية كأقدم حركات الكفاح الثوري التحرري في السودان وافريقيا قاطبة.

أقترح: تحرير الرؤية والتنظيم من أجل وضع الحركة الشعبية في مقدمة صفوف قوى السودان الجديد، وممارسة الدور الفاعل في التغيير والتحرر وبناء دولة السلام والديمقراطية والمواطنة بلا فرز، وهذا المقترح قابل للنقاش الموسع إذا أراد المعنيين تصحيح مسار التنظيم وإستدامة ريادة الرؤية ومنع الإنهيار بسبب مماحكات ومؤامرات الخصوم المستمرة، وهنالك جماهير واسعة من النازحيين والمحروميين يتطلعون لرؤية الحركة الشعبية متماسكة ومتقدمة ومزدهرة، وتعمل لتحقق آمال وتطلعات الريف والمُدن المُريفة، ومن باب تحمل المسؤلية التاريخية تجاه تلك القضايا يتوجب علينا الصمود أمام مؤامرة إختطاف الحركة الشعبية، ويجب العبور بها إلي السلام والديمقراطية والعدالة كما جاء في الدستور والمنفستو وإتفاقية جوبا لسلام السودان، وأقسمنا أن نكون من بناة السودان الجديد رغم هذه المشكلات التي واجهنا الأفظع منها بجسارة، ولن نكون مسؤليين تحترمنا شعوبنا ما لم نحترم رئيسنا ومؤسساتنا، وقد إخترنا الكفاح معاً بغية تحرير السودان.

قال الرفيق الرئيس مالك عقار فيما معناهُ "إن الذين ذهبوا إلي إجتماعات الحرية والتغيير لا يمثلون إلا أنفسهم؛ لأنهم حينما ذهبوا لم توفدهم مؤسسات الحركة الشعبية، ولا علم للرئيس بما يطحنون هناك مع حلفائهم، إنما هذا قرار أوحادي إتخذوه وحدهم، وطحنوا طحينهم بأيديهم دون أن يعلم أحد ما يفعلون، والحديث صحيح، وعليهم أن يأكلوها وحدهم، ولن نسير معهم علي ذلك الطريق حتى لا نكون مثّل العرائس علي مسرح "شكسبير" كما يريدون، والحركة الشعبية لديها تحالفاتها السياسية المعلنة أمام الجميع، وهذا واقع، ويجب تطوير تلك التحالفات لأنها بُنية علي قضايا مشتركة بين جميع مكوناتها، ولا يتشكل قرار أي تنظيم وفقاً لمزاج الآخريين، وليس لدينا ما نخفيه الآن خاصةً بعد تتابع نشر "الفرمانات" المضادة للحركة الشعبية ورئيسها وعضويتها، ونحن نطرح ما لدينا من أراء بهدف توضيح ملابسات الصراع وإختلاف الأراء داخل التنظيم، ونفتح بوابة النقاش مع الجميع لتدوين هذه الحقائق علي دفتر التاريخ، وذاكرة التاريخ غير قابلة للمسح.

11 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (2)


أوجب الواقع السياسي والتنظيمي علينا جميعاً الإنحياز باستنارة لقضايا السلام والديمقراطية وبناء السودان الجديد؛ فهذه قضايا لا تقبل التذبذب، ويتطلب ذلك تحرير قرارات ومؤسسات التنظيم من سطوة وسيطرة محور الإقصاء الجانح لإثارة خطاب التخوين، وهذا ما يقودنا تدريجياً للتموضع من جديد علي سطح المسرح السياسي الوطني دون إملاء خارجي أو تخبط داخلي، ولذلك تحرير الرؤية المتجددة بطبيعتها سيبعدنا عن خطوط التكهنات والمغالطات والتفاسيير الخاطئة للسياسات المصصمة لتحقيق أهداف السودان الجديد طبقاً لتوجهات الحركة الشعبية فيما يتصل بتحالفاتها ورؤيتها تجاه القضايا الوطنية وليس وفقاً لمفاهيم وأجندة من يناطحون الحركة الشعبية ويسعون للإنقضاض عليها ونقض إتفاقية جوبا لسلام السودان.

لقد برز مؤخراً؛ تيار من الرفاق، جُل منسوبيه آتون إلي الحركة الشعبية من تنظيمات سياسية لا تؤمن بقيم الديمقراطية والسلام، ويتحدثون الآن بلسان تلك المجموعة السياسية المُعادية للحركة الشعبية، وقد أنتج هذا الخط تناقضات سياسية وربكة تنظيمية وتعددت مراكز إتخاذ القرار داخل التنظيم الواحد، وهذا مسلك خطير؛ ينبئ بنشوء تصادم روئ ناتج ضمن عومل كثيرة عن مؤامرة ماكرة تحيكها أيادي "تنظيم الظل" الذي يعمل في الخفاء متعللاً بشعارات ومفاهيم لا صلة لها بالواقع إنما الهدف الأساسي هو إفراغ رؤية السودان الجديد من مضامينها وتجفيف أهم مصادر الطاقة السياسية للحركة الشعبية مما يجعلها تبدو ضعيفة ومحبوسة خلف أجندة المحاور المضادة، ولن يستقيم أمر الحركة الشعبية إلا عبر مواجهة هذه المخاطر بوضع الدواء في موضع الداء، ودون ذلك لا أحتمل بلوغ الشفاء.

لقد أنتج هذا الواقع المعلول والمعوج إضطراب شديد داخل الحركة الشعبية، الأمر الذي أثقل دعائم الثورة الرفاقية المناهضة للسياسات السالف ذكرها، وأعتقد أن هذه الثورة التاريخية ستمهد الطريق نحو "تحرير الرؤية والتنظيم"، وبعد صدور الخطاب الرسمي للقائد مالك عقار بخصوص تمثيل الحركة الشعبية في الحرية والتغيير "المجلس المركزي" إنحيازاً لثورة عضوية الحركة الشعبية؛ أصبح الأمر علي نقيض توقع الذين يظنون بمقدورهم رهن قرار الحركة الشعبية بمثّل هكذا سياسات عند التحالفات الآخرى، وهذا لا يُعد إتهام مُرسل لمن يعملون في ذلك التحالف؛ لأننا حريصون علي أن لا نوزع الإتهامات دون دليل كما إعتاد البعض، ولكن نحاول توضيح خلفيات المشكلة السياسية والتنظيمية، وحيثياتها المحجوبة ممن يوزعون صكوك الصلاح والفلاح بمزاج.

عندما إلتزمنا الصمت طويلاً حيال هذه المشكلة كنا نعتصر الصبر إلتزاماً بأدبيات الحركة الشعبية حتى تم إخراج الصراع "بفعل فاعل" من داخل التنظيم إلي سطح الفضاء الإعلامي، وقد شاهد الجميع حملات التخوين الممنهج ضد قيادة الحركة الشعبية التي لم تبادلهم علي ذات النحو، وأضحى الموضوع قضية رأي عام، وكان الأولى مواجهة هذه المسألة بكل وضوح وشفافية لإظهار مكامن الخلل، وبحث الحل الممكن، ورداً لمن أراد تحوير الصراع بتصويره الخاطئ لمواقفنا الواضحة معتبراً إياها إنحيازاً للجهوية؛ فإن الرد لمثّل هكذا حديث يتمظر في بيانات مؤسسات الولايات والأقاليم المتتالية تعبيراً عن مواقف قيادة وأعضاء الحركة الشعبية الرافضة لإختطاف الرؤية والتنظيم، والحركة الشعبية باقية في كل ربوع السودان؛ لذلك نقول لهم حضر الشاهد وبطل القول الزور، وهذه الحقائق لا تخفيها أباطيل الكلام.

13 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (3)


قراتُ منشوراً لإحسان عبدالعزيز حول إستقالة بثينة دينار وزيرة الحكم الإتحادي، وجاء المنشور مؤكداً الإستقالة دون تثبيت موعد التسليم والتسلم أو ذكر أسباب واضحة غير ما قالته الوزيرة في منشورها الأول، ومن باب إبداء الرأي لأهمية هذه المسألة وإتصالها المباشر بواقع الحال داخل الحركة الشعبية خاصةً بعد أن أضحت هذه الأزمة مسألة رأي عام لا تنحصر في حدود التنظيم الداخلية؛ فاننا نخط الملاحظات التالية للتوضيح؟

أولاً. أعتقد، لا تحتاج إستقالة الوزيرة لإثارة كل هذا الغبار الإعلامي، ومنشورات وكلاء الوزيرة تعطينا صورة كاملة لسياسات التقسيم وتحريف الحقائق وتجريف القضية الأساسية المتمثلة في رهن قرار التنظيم لجهات خارجية تعمل في الأصل لإضعاف مؤسسات الحركة الشعبية، ومسأئل التنظيم والتحالفات تحكمها قوانيين نص عليها الدستور والمنفستو، وهذا الأمر لا يحتاج لمغالطة سياسية.

ثانياً. عندما إنتقدنا منشور الوزيرة الذي تحدث عن إستقالتها إحتج البعض كثيراً، وحسب فهمهم فإن المشكلة تتعلق بتفسير حرفيين هما "السين والألف"؛ فقالوا: قالت الوزيرة "سأتقدم ولم تقل أتقدم"، ورغم انها محاولة للتضليل نجد أن المغالطة لا تحمل نفياً للإستقالة إنما تحويراً لغوياً للمناورة السياسية، ولا يفيد ذلك القراء، وإنتهى هذا التحاجج بمنشور إحسان الذي أكد مقولة الوزيرة وبرر ما قلناهُ.

ثالثاً. لقد حتم واقع الحركة الشعبية المزري بعد محاولة إختطافها أن تنشب ثورة رفاقية لتحرير الرؤية والتنظيم، وبدلاً عن تغبيش الحقائق وشن حرب شعواء لا تسندها الحقيقة إلا لفرض أجندة مجموعة صغيرة كان الأمثل والأصوب الإستجابة لقرار مؤسسات الحركة الشعبية بقيادة الرفيق مالك عقار، ولكنهم تمادوا وجروا وراء ذلك بعض أفراد الرافد الطلابي الذي تم تجميد نشاطه؛ أمس الأول، وإتضح أن هذه المجموعة إنتهازية بامتياز، والأصلح مواصلة الثورة الرفاقية من أجل تحرير الرؤية والتنظيم، وهذا هو مفتاح المستقبل.

14 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (4)


قرأتُ؛ قبل قليل، عبر الفضاء الإسفيري "إستقالة بثينة دينار وزيرة الحكم الإتحادي"، وبعيداً عن دوافع ومغالطات نصوص الإستقالة المشحونة بأحاديث بعيدة كل البعد عن حقيقة الصراع ولا صلة لها بمسألة تنفيذ إتفاقية السلام والترتيبات السياسية والأمنية بل تمثّل إنحراف سياسي مثير للأسئلة بما يضع الوزيرة في إختبار حول إلتزام ومن هم حولها بالتوجهات السياسية والموجهات التنظيمية للحركة الشعبية فيما يخص التحالفات والحوار السوداني؛ فتلك الإستقالة فضحت مؤامرة عدم إلتزامهم ومحاولة إستلاب قرار التنظيم وتخوين المؤسسات، وأيضاً هنالك سؤال محوري يجب أن تجاوب عليه الوزيرة هو "هل تتذكر نصوص دستور ومنفستو الحركة الشعبية، وما هو سبب إستمرارها لعدة شهور في وزارة تتعارض مع توجهاتها، أم المسألة مزاجية"؛ سنعود لاحقاً لمناقشة مضمون خطاب الإستقالة.

لقد تم التمهيد لهذه الإستقالة بمنشورات متعددة تم بثها إعلامياً من أجل "الدعاية السياسية" لا أكثر، وكان أخر الخطوات إشاعة خبر مفبرك عن إنضمام الحركة الشعبية لتحالف "الحرية والتغيير - التوافق الوطني"، والذي يعلمه الجميع أن رئيس الحركة الشعبية قد طرح مبادرة الحوار بين المكونات السودانية المختلفة، وأيضاً هناك مبادرة تم طرحها من تحالف "الجبهة الثورية السودانية"، والحركة الشعبية جزء من كل ذلك، وتم تشكيل لجان للتواصل مع جميع المكونات الوطنية، ومن صميم التواصل إجراء لقاءات مباشرة، وتم توضيح ذلك في البيان الصادر من مكتب رئيس الحركة الشعبية، ولكن إختار البعض نشر هذه الإشاعة بعد أن فشل مخطط إختطاف الحركة الشعبية ورهن قرار مؤسساتها لقوى خارجية، وكل هذا لا يعيق مشوار تحرير الرؤية والتنظيم.

أعتقد أننا بحاجة لدراسة الإشاعات وخلفياتها وإستقالة الوزيرة من عدة زواية لإستبيان حقائق المؤامرة وتحصين الثورة الرفاقية بلقاح مضاد للمخاطر الخارجية والداخلية، وكذلك نحتاج للقيام بخطوة عملية تترجم مسألة "تحرير الرؤية والتنظيم" إلي واقع، ويتم هذا الأمر بعمل منظم يحافظ علي وحدة وتماسك الحركة الشعبية، وهنا أتفق تماماً مع مقترح الذهاب إلي مؤتمر عام إستثائي كما جاء في بيان شباب الحركة الشعبية، وأتفق أيضاً مع إتخاذ قرارات صارمة وحازمة جداً من مؤسسات التنظيم لمنع الإنزلاق إلي الهاوية التي يقودنا إليها محور المخطط المدمر المُحّاك ضد الحركة الشعبية، وفي كل لحظة تتكشف سعة هذا الخطر، وأيضاً تتضح وجوه من يصنعون المؤامرة، ولا مناص من إستمرار الثورة الرفاقية لتحرير الرؤية والتنظيم، ودوماً نقول: إن الإستقواء بالغرباء ضد الأقرباء نتيجته الحتمية (سـقـوط).

15 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (5)


نُعاود الحديث قليلاً عن خلفيات الأزمة السياسية والتنظيمية داخل الحركة الشعبية، وتتبع صداها الواضح علي المشهد السوداني، وهنا نخطُ إيضاحاً مختصراً، ومنحصراً حول بعض النقاط الأساسية من باب إبداء الرأي، ونذهب مباشرةً للحديث عن أزمة تقسيم الحركة الشعبية باستخدام آليات سياسية وعبارات مثيرة ومدمرة لإختراق العاطفة الرفاقية والسيطرة علي مصادر القرار وفرض تحالف الأمر الواقع؛ ثم بدأت دعوة البعض للركون إلي خيار حشر التنظيم في "قبوة مظلمة" لا تحقق تطلعات الحركة الشعبية وجماهيرها ولا تسع حجم تاريخها الممتد كأقدم وأعظم حركات الكفاح الثوري التحرري في السودان وافريقيا، وهذا التوجه يتمظر في الإصرار علي ركوب زورق مجهول لن يحط علي ضفة الحرية والسلام والعدالة إنما يضع الحركة الشعبية برمتها في جزيرة معزولة؛ تتحكم فيها مجموعة سياسية سيماها الغدر، ويجب أن تقاوم الحركة الشعبية هذا الأمر بتحرير الرؤية والتنظيم وإبراز صورتها الحقيقية التي تأسست من أجل الكفاح لترسيخها، ويتطلب ذلك أن تُتٓخذ إجراءات تُعيد ضبط دوران عقارب الساعة السياسية من أجل إستمرار بناء المؤسسات وإستعادة روح رؤية السودان الجديد.

إن محاولة إخفاء مسألة إعاقة بناء المؤسسات التنظيمية ومشكلات آخرى داخلية أصبح أمراً مستحيلاً؛ كما أن صنع وتصدير خطاب المناطقية واللونية يُعتّبر "سلاح بلا رصاص"، وهو خطاب العاجز الذي لا يملك أدوات حوار موضوعي، وهذا لا يفيد الطرف الآخر في هذا المعترك؛ ونحن في وقت دقيق جداً لا يقبل إلا الحقيقة المجردة؛ وبعضهم لا يريد التحاجج عبر إظهار تلك الحقائق، وهذا واضح من خلال حملات التشويش التي نتابعها في منصات الإعلام، ولكن المتابع للساحة يدرك تماماً أن هذه الثورة الرفاقية المستمرة تجاوزت حدود اللون والدين والجغرافيا، والموقف تجاه تحرير التنظيم والرؤية شاملاً كافة أطياف الحركة الشعبية، وإذا أراد المرء قياس فاعلية التنظيم عليه أن يدرس جيداً علاقة القادة والقواعد ومواءمة الرؤية للواقع وإستراتيجية الإنفتاح علي المكونات السياسية الآخرى، وهنا نقرأ من دفتر الحقيقة، وعلي سبيل ضرب الأمثلة للتوضيح "أن التنظيم الذي لا يملك قرارهُ لا يملك مستقبلهٍ ومصيره الإنهزام، ونحن إخترنا إمتلاك زمام القرار من أجل المستقبل والإنتصار"، وعندما نتحدث عن الثورة الرفاقية فاننا نستشعر الخطر الذي جعل الرفاق يقفون ويسطرون مواقفهم بأقلام الاستنارة بغية تحرير قرار الحركة الشعبية وحفاظاً علي تاريخها ومؤسساتها وقضايا الجماهير، ولكن المتشبثيين بأجندة الإستلاب والإنهزامية تجدهم يضعون المتاريس أمام الإصلاح، ولن يمنع ذلك قطار ثورة التحرير من الوصول إلي المستقبل.

الحركة الشعبية تنظيم للجماهير، وهذه مسألة لا جدال فيها البتة، وقد سطر التاريخ نضالات وتضحيات الرفاق طوال عهود كفاح التحرر من قيود الإستبداد والتمييز داخل وخارج التنظيم، إلي أن جاء السلام الممهور بدماء ودموع الشهداء حاملاً أشواق وتطلعات النازحيين واللاجئيين وفقراء السودان في الأرياف والمُدن المريفة؛ أولئك المطهدين الذين عاشوا الحروب والتهميش الممنهج في العهد الإنقاذوي المأساوي، وهؤلاء يستحقون الإستقرار والنهوض التنموي، وكذلك قضايا بناء دولة السلام والديمقراطية والمواطنة المتساوية لصالح الجميع، ولا ينفصل ذلك عن معادلة تكوين الجيش المهني المتنوع والموحد، ونعم؛ تأخر تنفيذ إتفاقية السلام طبقاً للمصفوفة الموضوعة عقب التوقيع النهائي، لكن لا يُفٓسر ذلك في إطار التراجع عن الإتفاقية أو أن المشكلة تكمن في نصوصها؛ إنما الأصح للقراءة السياسية أن يبحث الناس عن أسباب تأخر تنفيذها، وكيفية وضع الدستور عبر حوار عميق ينقلنا لعقد مؤتمر قومي دستوري بمشاركة جميع مكونات السودان، وهذا السؤال لم يجد إجابة موضوعية من تلك المجموعة، ويجب علينا أن نبحث جميعاً عن الأسباب المنطقية وراء إستشكالات دولة السودان.

16 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (6)


كشفت أزمة الحركة الشعبية "السياسية والتنظيمية" أنماط وصور متعددة للدكتاتورية والتعصب للمواقف حتى لو كانت ضد مصالح التنظيم ولا تتطابق مع أراء غالبية الأعضاء، وقد أسدل الستار عن عقلية الهيمنة المتوحشة والسياسات الفردانية المتحجرة، وإتضح خطل الخط السياسي والتنظيمي وخلفية إستعداء الحقيقة ورفض الإستجابة للرأي الآخر، وأيضاً إستبان دافع نقض قرارات المؤسسات التنظيمية بشأن التحالف الخارجي، وكانت بيانات المكاتب الولائية والإقليمية بمثابة إستفتاء واسع حسم جدلية التحالفات السياسية والدكتاتورية الفردية بشكل قاطع لصالح التنظيم والتحرر السياسي، وهذا إختبار الديمقراطية الذي نجح فيه بعضنا وفشل الآخرون، ولم ينجح تحوير الصراع من فضاءاته التنظيمية والسياسية بصناعة شعارات ملونة منافية للواقع بهدف المناورة الإستعطافية ومغالطة الحقيقة للإستقطاب، ويجب مواجهة ذلك بنقد صريح، والحقيقة أن الحركيين من مواليد ثورات التحرر في الريف والمدينة، والحركة الشعبية آتية من رحم الثورة السودانية الممتدة، ولا يمكن إبتلاعها بعد "مدقات أنياب ضعيفة"، ومعزوفة 16 مايو لا تفارق آذان الرفاق الذين يحلمون بواقع أجمل، وهم يحملون روئ وأراء مفيدة تستحق الإستماع إليها لا تكسيرها وتكشير الأنياب ضدها بل يجب العمل بها من أجل الترجمة العملية للديمقراطية المطلوبة في بناء السودان الجديد.

أشيع مؤخرا؛ موضوع التيارات الحركية المُقسّمة حسب مخيلات "مزاجية"، ومن باب إدعاء إمتلاك الحقيقة المطلقة وحصر التنظيم في شخوص تلك المسرحية، وتصنيف الآخريين داخل التنظيم وفقاً لما يراهُ شخص واحد، وفعلياً تم تصنيف وتقسيم "تيار الشارع وتيار الإنقلاب"؛ بغية صرف الإبصار بعيداً عن أسباب الصراع، وهذه فرية سياسية تُضّاف للخطاب المزور المبثوث عبر الفضاء الإسفيري بغرض تحقيق مأرب محدد ومعلوم لكل متابع، ومثّل هذه التوجهات تدفع الكثير من عضوية التنظيمات السياسية للتقهقر والهجرة جبراً إلي فضاء آخر، وما حدث داخل الحركة الشعبية إنحراف مجموعة عن خط التنظيم وإنخراطهم في تحالفات سياسية بشكل يخالف الخطط السياسية ودستور ومنفستو الحركة الشعبية، وإضافة لكل ذلك نردف إشكالية التغييب المقصود للمؤسسات التنظيمية وطعن مصداقية رئيسها وتخوين العضوية الرافضة للخنوع الإجباري الذي يُفرض عليهم ممن يدعون ملكية الحقيقة، والحركة الشعبية تنظيم يمور بأطياف ثقافية وإجتماعية متعددة ومتنوعة، وهذه الأطياف لا تُخّدع بشعار ولا تٓخضّع لأحد إلا بحوار ومنطق وقرار مدروس تجمع عليه المؤسسات القيادية المنصوص عليها دستورياً، ولكن تلك السياسة الفوقية والممارسات الإستعلائية تحتم علينا "تحرير الرؤية والتنظيم"؛ تحرراً من قيود الإملاء والإستعلاء والإستقواء بالغرباء ضد الأقرباء، وهذا فقط ما يصلح حال الحركة الشعبية مع متغيرات هذا المشهد المُترّحل.

السياسات التخوينية الخاطئة والمعايير المزاجية لتصنيف الرفاق عند تباين الأراء أدت لإتساع المسافات بين الأعضاء والقيادات، وقد ظهر ذلك جلياً فيما نحن فيه مختلفون الآن، وإصلاح هذه الأخطاء يمر عبر الديمقراطية والقانون المتفق عليه، ويجب حفظ حقوق وحريات متساوية لكافة الأعضاء والقيادات وتبادل الإحترام لخلق إنسجام وتناغم بين مؤسسات التنظيم، ولكن بعضهم يريدون إقصاء وركل الرأي الآخر دون مصوغ يخول لهم ذلك، وهو تجريب المجرب آنفاً بلا فائدة، ومعركة التحرير تمتد إلي عمائق الحركة الشعبية مع سقوط أقنعة المتشبثيين بشعارات التخوين، وإن لم نوفر لقاح ناجع للأوبئة السياسية المنتشرة فإنها تدمر الحركة الشعبية أولاً؛ ثم تليها التنظيمات الآخرى في السودان، والإنعطاب المنظور في التنظيم مع الإنعطاف المعوج علي خطوط سياسية غير مستقيمة نتيجته تمايز الصفوف بين من يدافعون عن ماضٍ ومستقبل الحركة الشعبية ومن أخذوا مكانهم مع مجموعة الإستلاب السياسي، وفي كل الأحوال؛ نحتاج لإستعادة الرؤية والتنظيم وإجراء مراجعات كبرى في جميع الإتجاهات، ويبدأ الإصلاح بفتح حوارات رفاقية عميقة جداً تشرح ماهية التنظيم وآليات تنظيم العلاقة مع المكونات الآخرى وأدبيات رؤية السودان الجديد المضمنة في المنفستو والدستور للعبور الآمن إلي المستقبل المنشود.

17 أغسطس - 2022م

تحرير الرؤية والتنظيم (7)


ثمة قضايا جوهورية ومصيرية، لا يمكن إخفائها أو تجنيبها، وعندما نقدم نقداً لتجارب التحالفات السياسية ودرجات تطور التنظيم "تاريخياً وآنياً ومستقبلاً"، تخرج تلك القضايا المرتبطة عضوياً بتركيبة حركات الكفاح المسلح في تصوراتها المختلفة للهوامش والمراكز الإقتصادية والإجتماعية؛ "مفهوم جدلي شائع" مع متغيرات الساحة السياسية والثورية وإختلاف أولويات وإحتياجات جماهير المدينة والريف؛ مثلاً "يهتم الريف بمسألة إسكات البندقية وعودة النازحيين إلي مناطقهم الأصلية وتحقيق التنمية الزراعية والرعوية والصحة والتعليم والمواطنة المتساوية وما إلي ذلك، والمدينة تهتم بمسألة الديمقراطيات والحريات الخاصة والعامة وما يتبعها من مسائل آخرى" ولا تتعارض إهتمامات الريف والمدينة إنما تتفاوت درجات الإهتمام والإستجابة "حسب الحاجة"، ومن واجب حركات الكفاح المسلح وجميع القوى السياسية والمدنية صنع آلية للمزاوجة الإستراتيجية بين هذه القضايا دون إسقاط إحداها، وتليها مسألة آليات تنفيذ الأعمال السياسية والتنظيمية وديمقراطية الإدارة؛ مثلاً "التحول من حالة التنظيم المسلح إلي التنظيم المدني مع إختلاف أدوات العمل في الحالتين"، ونحن نقرأ هذه المعادلات خاصةً بعد توقيع إتفاقية السلام وعودة الحركات للعمل من الداخل؛ فقد أنتج ذلك واقعاً مغايراً للمألوف في عهد الحروب، ومنوط بجميع الحركات التحررية مراجعة آلياتها السياسية والتنظيمية بغية تحقيق نقلة نوعية من الحرب إلي السلام وبناء مؤسساتها، والأسئلة المفتاحية تتعلق بكيفية إستبدال آليات المقاومة المسلحة بأدوات مدنية سلمية أساسها الحوار الديمقراطي؛ ثم بحث وسيلة محاربة ظاهرة الإنقسامات الداخلية المستمرة، وقد أثر هذا الوضع سلباً علي الحركات التحررية؛ مما أضعف فاعليتها وقدراتها علي منازلة خصومها في ساحات المعارك السياسية، وبروز تيارات الخضوع لأجندات خارجية مسمومة، وللحركة الشعبية تجاربها مع ظاهرة الإنقسامات الداخلية منذ عهد الدكتور جون قرنق، ويحدثنا التاريخ عن إنشقاقات "متعددة الأسباب"؛ أبرزها مجموعة الناصر بجنوب السودان، خلال فترة الحرب الأولى، وإنشقاق مجموعات آخرى بعد توقيع إتفاقية نيفاشا للسلام، وإنقسام الحركة الشعبية خلال الحرب الثانية في السودان، وبعد إتفاقية جوبا لسلام السودان، وقد حدث ذلك مع الكثير من الحركات والأحزاب السودانية.

إن مراجعة المسيرة السياسية والتنظيمية لحركات الكفاح المسلح مسألة مهمة جداً، ويحتمها الواقع، وتعطينا مساحة لإستفهام أسباب الإنقسامات المتكررة، وحل معضلة إضمحلال الديمقراطية، ويفتح ذلك فضاءات واسعة للبحث عن كيفية التعاطي مع قضايا السياسة والجماهير في الريف والمدينة، ثم يمكنا من بناء تنظيمات مدنية وديمقراطية تواكب التطور في عالم اليوم المُتحّول، وهذه المهام تحتاج لحوار عميق، وأن توضع لها تصورات جديدة تستوعب المتغيرات التحويلية التي فرضها الواقع الجديد، وتمكنت الحركة الشعبية من بناء أجزاء من مكاتبها باستخدام خبرتها في الكفاح المدني السلمي وفهمها لمطلوبات العمل السياسي؛ لكنها رغم ذلك لم تسلم من عبث "شبح الإنقسام" الذي يطارد الحركات منذ عهود سحيقة إلي الآن، وكان التمرد علي كل شيئ، وعندما دب الخلاف داخل الحركة الشعبية فتحت ملفات بناء التنظيم والتحالفات وآلية التخطيط للسياسات العمومية الموجهة، وتبينت محاولة الإستلاب وفرض بعض القرارات السياسية جبراً من خارج المؤسسات، ولم يظهر كل ذلك علي السطح إلا بعد مرور وقت طويل جداً، وكان الخلاف يُدار داخلياً؛ بشكل جيد، رغم غلو النقد، والمرجح حينها أن يتم حسم الخلافات عبر العودة إلي المؤسسات التنظيمية، لكن تمادي الطرف الآخر في تغذية التخوين ونقل الصراع إلي الإعلام والتحريض المباشر ضد قيادة الحركة الشعبية ورفض الرجوع عن التحالفات الجانبية أدى لإنفجار الأزمة بهذا الشكل، ومن واقع الأمر الواقع كان لزاماً علينا الخروج للنقاش الصريح وتوضيح الرأي وطرح الروئ؛ فإلتزام الصمت حيال ما يدور داخل التنظيم لا يجدي، ولكن الذي يعيد بناء التنظيم وتثبيت رؤيته هو مواجهة المشكلات وإيجاد حل مناسب لها كيفما كانت توقعات الواقع الذي سيكون.

لقد بينا طبيعة الصراع الدائر داخل الحركة الشعبية لإزالة الإلتباس الذي يحاول البعض حياكته للمغالطة وحجب الصورة الحقيقية عن أبصار المتابعيين بغية إستقطاب الرأي العام لمناصرة مواقف محددة لا صلة لها بواقع الصراع، وقد قدمنا نقداً صريحاً لهذا التوجه كيما لا تشاع الأحاديث المغلوطة والمسرحيات السياسية الممجوجة، وهذه سانحة للتوقف مع الذات وإجراء الفحص السياسي والفكري الشامل داخل الحركة الشعبية، وكذلك تقييم تجربة حركات التحرر الوطني من أجل ضمان العبور الآمن نحو السودان الجديد، وما يدور الآن يعكس صورة حقيقية للمشكلات السياسية والتنظيمية في الحركات الثورية المسلحة، وهنا لا نودُ القفز من إدعاء المجموعة التي نختلف مع توجهاتها السياسية بأن الصراع الداخلي نتج من مسألة "تحالف الشارع وتحالف الإنقلاب"، وهذا موقفهم المُصدر للإعلام، وهو تصور خاطئ ومبتذل ولا صلة له بواقع الأمر داخل التنظيم، بل هو هروب من الحقائق الماثلة أمام الجميع، ويقرأ ذلك التوجه من باب المزايدة والإستقطاب ومحو الصورة الحقيقية للصراع السياسي والتنظيمي، والحقيقة أن الحركة الشعبية مثلها مثل التنظيمات الآخرى تعرض بنيانها وأهدافها لموجة إنحراف وتخريب متعمد جعلها لا تستطيع التحرك في مسار التطور الطبيعي والتموضع الصحيح علي المسرح السياسي، وقد إتسع سخط الأعضاء والقادة عندما حاول البعض السيطرة علي قرار الحركة الشعبية وجرها برأي شخوص قابعون علي رأس مجموعة محددة للذهاب إلي مواقف تحالفات سياسية لم تناقشها المؤسسات التنظيمية، وكذلك ممارسة الإستعلاء والإقصاء وفرض الرأي علي الآخر وتخوين كل من يخالف تلك الأوامر، وهذا الشطط المنتشر علي الأسافير؛ ناتج من عدم إعطاء التنظيم فرصة للنمو الديمقراطي، والواقع الذي نراهُ اليوم مخيباً للآمال ومثيراً للسخط ينبغي التعامل معه بروح إيجابية وحوار ديمقراطي يمكنا من معالجة الأخطاء التاريخية والمعاصرة وتحرير الرؤية والتنظيم.

18 أغسطس - 2022م

ملاحظة: هذه سبعة حلقات من سلسلة مقالات حول تحرير الرؤية والتنظيم وقد سبقها مقال تمهيدي في ذات المسار التحريري وتم حجب الحلقة الثامنة عن النشر نسبة لتوجيه القائد مالك عقار اير رئيس الحركة الشعبية بالتزام المفارقة الودية وحفظ الإرث النضالي المشترك بين الرفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي