الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يكف حميد المهدوي عن تناول الإشكاليات بنظرة سطحية؟ ازدراء الأديان نموذجا

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2022 / 8 / 22
الصحافة والاعلام


في اول فيديو لحميد المهدوي بعد عودته من العطلة، تحدث عن فاجعتي خريبكة وجرادة والتعديل الحكومي والريسوني ومدونة وادي زم التي حكم عليها ابتدائيا بسنتين حبسا نافذا في قضية تتعلق بازدراء الأديان.
سوف أقتصر في نقاشي مع المهدوي على الفقرة الخاصة بفتاة وادي زم. ولكن قبل ذلك، لا بد من عرض مختصر لما قاله بهذا الشأن قبل المرور إلى صلب الموضوع.
يبدي المهدوي تعاطفه مع مدونة وادي زم دون أن يعلن اتفاقه معها. بحسبه، لم يكن هناك داع للزج بها في السجن. هي عبرت عن رأيها فقط ولم تدع إلى الإرهاب ولم تستعمل المال لتخريب الدين الإسلامي. عوض متابعتها واعتقالها، كان من الأحسن التحاور معها وانتداب فقهاء وعلماء لإقناعها بالتي هي أحسن، خصوصا وأن الإيمان لا يكون قويا وراسخا في نفس المؤمن إذا فرض عليه بالقوة والإكراه. وينطلق المهدوي في دفاعه عن المدونة المعتقلة من الأهمية القصوى للحرية في حياة الإنسان. كما أشار إلى الكثير من المغاربة علمانيون،.
لكن غاب عنه أن القيم الدينية عندنا تعلو على القيم الإنسانية التي نعتقد أنها من صنعنا، بينما نجد أن العلمانية في الدول الغربية المتقدمة تتأسس على فلسفة التنوير التي تعتبر قيمة الإنسان فوق كل شيء وهذا ما يجعل حقوق الإنسان عالمية، ومنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فلا شيء فوق الإنسان واحترام كرامته، كما قال ياسين المصري الذي نتبنى هنا، جملة وتفصيلا، ما جاء في مقاله القيم المعنون ب"ازدراء الأديان وثقافة الغباء" والمنشور في موقع (الحوار المتمدن) يوم 2022/08/19.
وتبقى أطروحة المهدوي قائمة على ندرة سطحية إلى تهمة ازدراء الأديان التي تتابع بها مدونة وادي زم، لأنه لم يدرك لا كون المشكل هو وجود حكام يستعملون الدين لأغراض سياسية، ولا كونه هو وجود شعوب مستعدة لتصديق اللعبة في كل مرة.
لم يقل المهدوي إن تهمة ازدراء الأديان نشأت أساسًا من قبل الدول المتأسلمة دون غيرها، وكان لا بد لها أن تنشأ فيها دون غيرها، لأن ديانتها كما هو ثابت هي الوحيدة التي تتعرض للازدراء والتجديف، من دون حوالي 10000 ديانة متميزة حول العالم.
ليت المهدوي علم أنه في يناير 2015 حاول الاتحاد العالمي لعلماء المتأسلمين، في الدوحة بقطر، وكان يرأسه آنذاك رجل التطرف والإرهاب الشيخ يوسف القرضاوي، تجريم إزدراء الأديان من مدخل الآخرين، وبكذب مفضوح، طالب بإصدار ”قانون أممي يجرّم ازدراء الأديان جميعاً“، ودعا إلى مؤتمر عالمي يناقش بنوده بحرية كاملة، وقال إن الدين الإسلامي لا يحرم فقط الازدراء بالنبي الكريم محمد، وإنما يحرّم كذلك ازدراء جميع الأديان والأنبياء والمقدسات، واقترح إصدار ”ميثاق شرف للتعايش السلمي بين الأمم“. وأعلن أن الهدف من التجريم هو حماية المقدسات الدينية وتطويق مشاعر الكراهية للأديان، لأن انتشارها يهدد التعايش بين الأمم والحضارات بخطر كبير، إذ يؤدي إلى الإخلال بالسلم الدولي، ويشكل ”مساسا خطيرا بالكرامة الإنسانية، ويفرض قيودا على الحرية الدينية للمؤمنين بها. واعتبر أنه لا ينبغي النظر إلى تجريم ازدراء الأديان وكأنه تقييد لحرية الفكر أو كبت للحق في التعبير الذي يجب ألا يستخدم لأذى الآخرين وإهانتهم، بل كآلية للوقاية من التطرف والفتن الدينية والطائفية في المجتمعات البشرية التي يسببها التحريض على الحقد الديني والعنف.
لم يعر أحد لكلامه أدنى اهتمام لأن الجميع يعرفون أنه كبير الخبثاء الذين ليسوا أغبياء ولا متغابين، يدافعون عن ملتهم حفاظا على مناصبهم وثروتهم وسلطتهم، واستهانة بالعقل البشري.
هم يدركون أن ملتهم هي الأولى من حيث الحقد الديني والعنف، ويسعون إلى التعتيم والتشويش على هذه الحقيقة.
عبارة ازدراء الأديان التي تبنتها أغلب الدول الإسلامية وفعلتها وتتوجس منها خيفة كلما أشهرها الآخرون في وجهها، عبارة مطاطة وملتبسة تحتاج إلى حصر مفهومها وتحديد دلالاتهتا، حتى لا يتم الركوب عليها للوصول إلى بنود قانونية هدفها التضييق على حرية الرأي والتعبير، والتحكم في النقاش المدني المفتوح، وقمع المخالفين وتعزيز التطرف والتعصب الديني؛ وحتى لا تتخذها الحكومات ورجال الدين مبررا لتحديد الأفكار المقبولة وغير المقبولة أخلاقيا، وخنق نقد الأديان والمؤسسات الدينية، واضطهاد الأقليات الدينية.
اكثر من ذلك، ازدراء الأديان غير مرغوب فيه من قبل القوانين الدولية المعمول بها، ومع ذلك أصدرت بعض الدول الإسلامية (والمسيحية مثل اليونان وبولندا) قوانين تحظر فيها التجديف أو ازدراء الأديان.
ومن النتائج التي توصلت إليها دراسة تناولت تلك القوانين أجرتها منظمة "فريدوم هاوس" الأميركية المعنية بحقوق الإنسان، وشملت الجزائر ومصر وإندونيسيا وماليزيا وباكستان واليونان وبولندا، أن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الدولية هي السمة السائدة في تلك الدول التي تحتفظ بتشريعات تجرّم ازدراء الأديان، لأن الحكومات غالبا ما تستغل تلك التشريعات لقمع حرية التعبير وحرية ممارسة الأديان الأخرى.
وأوضحت المنظمة أن القوانين المناهضة للاستخفاف بالمقدسات غالبا ما تُصاغ لحماية معتقد أغلبية السكان في البلد المعني؛ فقد وجدت أن قوانين ازدراء الأديان في اليونان مثلا تُستخدم فقط في مقاضاة حالات يُعتقد أنها تنطوي على ازدراء للكنيسة الأرثوذكسية"، وفي إندونيسيا "تُستغل غالبا ضد الافتراء على الإسلام.
وفي يناير 2011 أثار بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر جدلا كبيرا حين أغضب الباكستانيين بدعوته إلى إلغاء قانون المعاقبة على التجديف في بلادهم، وقال: « إن السبب الأهم لذلك هو أنه من الواضح أن هذا القانون بات يستخدم ذريعة لأعمال ظلم وعنف ضد الأقليات الدينية». وهو ما اعتبرته هيئات إسلامية باكستانية ”خرقا لميثاق الأمم المتحدة للسلام“. وكأنهم لا يخرقونه هم جهارا، ودون خجل.
قد يخيل البعض أن سبب إصرار الدول المتأسلمة على قانون كهذا، يعود إلى أن مجتمعاتها أكثر تدينا أو أكثر تمسكا وإخلاصا للدين ومنافحة عنه من المجتمعات الأخرى، لكن الواقع مخالف تماما، فالأمر لا علاقة له بقوة الإيمان أو ضعفه، ولكن له علاقة بترتيب منظومة القيم مع الأولويات السياسية في المجتمع، وما إذا كانت تعتمد على أسس دينيه أم مدنية.
في العصور المظلمة كانت المجتمعات جميعها توحِّد بين مصير الدين ومصير أفرادها، وكان انتقاد الدين أو المعتقدات تنظر له على أنه انتقاد لقيمة الفرد. ولهذا السبب لم يكن ممكنا بالنسبة للناس أن يروا في أنفسهم ذواتا منفصلة أو مستقلة عن الدين أو أن يروا في وجودهم قيمة بمعزل عن الانتماء الديني، ولم يكن ثمة فروق أو حدود واضحة بين المرء ككيان وبين ما يؤمن به أو ينتمي إليه، ولم تكن ثمة حاجة إلى قانون أو سياسة تترتب على التفريق في ذلك. فكان هذا التوحد سببا رئيسيا في اندلاع سلسلة الحروب الدينة في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، بعد بدء الإصلاح البروتستانتي في عام 1517.
بينما في العصر الحديث ومع الإقرار العالمي لحقوق الإنسان، نشأ مفهوم مختلف للعلاقة بين المرء ومعتقداته، بحيث بات ممكنا التمييز بين الاثنين. هذا المفهوم يرجع بجذوره إلى فكرة المواطنة. فالمواطن أو الفرد (وليس المؤمن أو غير المؤمن) هو مناط التكليف في المجتمع المكون بدوره من مواطنين وأفراد ينتظمون في عقد اجتماعي مع الدولة، وهو نموذج تبلور في عصر التنوير، بحيث يتنازل المواطنون بموجبه للدولة عن جزء من حريتهم في مقابل توفير الحماية لهم. وهذا العقد يعامل الإنسان بصفته الفردية وكونه مسؤولا عن نفسه مسؤولية كاملة من الناحية القانونية، الأمر الذي يبعد عنه الحاجة إلى اثبات هويته الدينية أو غيرها من الهويات، كشرط للانتماء إلى الدولة. لذلك فإن المواطنين اليوم في الدولة المتحضرة هم في الحقيقة ليسوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو ملحدين أو غير ذلك، هم مجرد مواطنين. انضواؤهم تحت مظلة الدولة لا يتطلب منهم أكثر من الموافقة على العقد الاجتماعي، واحترام القوانين والتشريعات النافذة فيها.
بناء على ما تقدم، توصل الحس السليم المشترك والنابع من العقل كأعدل قسمة بين الناس، كما قال ديكارت، إلى الفصل بين الفرد وبين أفكاره ومعتقداته، ما هداه إلى احترام إنسانيته كقيمة أساسية، واعتبار أفكاره ومعتقداته غير منفصلة عن إنسانيته، ولا تكتسب قيمة مستقلة قائمة بذاتها. وما دام الأمر كذلك فإنه لا يمكن إخضاع أي شخص للعقاب بسبب انتقاده لهذه المعتقدات أو الأفكار، لدخول ذلك في إطار حرية التعبير. كما لا يمكن الأخذ بالادعاءات التي تفاضل أو حتى تساوي بين انتقاد المعتقدات وانتقاد الإنسان، لأن الإنسان في نظر القانون والتشريعات مقدم على المعتقدات. كان حريا برؤساء المنطقة ونخبها جميعها أن تفهم هذا الأمر، ولا تقف ممارساتهم عند حد تجريم الأفعال المادية والمباشرة التي تمس بسلامة الإنسان، وإنما تجرم أيضا الأقوال أو الآراء التي تتخذ طابعا تحريضيا، والتي من الممكن أن تؤدي بوضوح إلى إيقاع الأذى بالإنسان، وليس بعقيدته. فالإنسان يجب ألَّا يزدرى بأي حال من الأحوال، بينما العقائد يمكن ازدراؤها، طالما تزدري الإنسان وعقائده.
على سبيل الختم، تجدر الإشارة إلى أن الدول المدنية الحديثة التي تضع نصب عينيها منع ازدراء الإنسان، ينصب اهتمامها أيضا على منع ازدراء عقيدته، بشرط ألا تزدرى عقائد الآخرين، على خلاف ما تفعله الديانة الإسلاموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757