الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر الإسلامي في القدس 1931

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 8 / 23
القضية الفلسطينية


ترجمة: محمود الصباغ
نبذة مختصرة
يبحث هذا المقال في مكانة القدس في حركة الوحدة الإسلامية، في الفترة ما بين الحربين العالميتين، من خلال مناقشة تاريخ استضافة المدينة للمؤتمر الإسلامي العام سنة 1931. وتعارض المقالة وجهة النظر التقليدية القائلة بأن المؤتمر كان تحويلاً غير مثمر للحركة الوطنية الفلسطينية، كما تدرس الطريقة التي روّج فيها المؤتمر للقضية الفلسطينية في العالم الإسلامي الأوسع، وكيف مثل اندماج القدس الناجح في الشبكات السياسية الإسلامية بين الحربين. ويُنظر، بإسهاب أيضاً، إلى السياق الإمبريالي، ليس فقط من حيث معالجة القوة الإمبريالية للوحدة الإسلامية، ولكن أيضاً من حيث مساعدة الروابط الإمبريالية لمفتي القدس الشهير، الحاج أمين الحسيني (1895-1974) منظم المؤتمر، وشوكت علي (1873-1938) وهو إسلامي هندي بارز وأحد قادة العالم الإسلامي، في التواصل عبر الحدود الوطنية. لقد كان مقرراً، في كانون الأول- ديسمبر 1931، أن تصبح القدس مركزاً للعالم الإسلامي. أو هذا ما كان يأمل به الحاج أمين الحسيني وشوكت علي، المنظميْن المشاركيْن للمؤتمر الإسلامي العالمي، الذي انعقد في المدينة المقدسة خلال ذلك الشهر لمناقشة مستقبل الإسلام. كان المؤتمر هو الأكبر من بين المؤتمرات الإسلامية في الفترة ما بين الحربين والذي ضم أكثر من 130 مندوباً، من 22 دولة إسلامية، لمناقشة العديد من القضايا، مثل الدفاع عن المواقع الإسلامية في فلسطين، وإنشاء سكة حديد الحجاز، وتعزيز الثقافة الإسلامية والتعليم، وإنشاء جامعة إسلامية في القدس. وبحلول نهاية المؤتمر، الذي استمر أحد عشر يوماً، بدا أنه تم تأمين مكانة القدس كمدينة إسلامية بارزة. وعلى الرغم من الخلاف خلال المؤتمر، فقد نجح الحاج أمين الحسيني، وشوكت علي، في الحصول على قرارات تدعم الدفاع الجماعي عن المقدسات في القدس، والتي حددتها. كموقع للمؤتمرات القومية الإسلامية المستقبلية، والتي دعت إلى بناء جامعة إسلامية في موقع الحرم الشريف. كانت القدس في طريقها إلى أن تصبح المركز السياسي الذي افتقده العالم الإسلامي منذ إلغاء الخلافة في العام 1924 (Nafi 1996). لكن جامعة الأقصى المقترحة لم تُبنَ قط، ولم تُستخدم القدس مرة أخرى كموقع لمؤتمر إسلامي، وسيتبدد الوعد العظيم للمؤتمر الإسلامي في غضون عامين من اختتامه.
يميل مؤرخو فلسطين / إسرائيل إلى الكتابة عن المؤتمر الإسلامي العام باعتباره انتكاسة للحركة الوطنية الفلسطينية. ولقد سعى الحاج أمين الحسيني، من خلال استضافة المؤتمر في القدس، إلى لفت انتباه العالم الإسلامي إلى مخاطر الصهيونية، لكن هذه الرسالة تضاءلت بسبب تركيز المؤتمر الأساسي على الشؤون الإسلامية وتعهد المفتي للسلطات البريطانية بعدم قيامه بتسييس الحدث (Matthews 2003، Freas 2012). ونتيجة لذلك، تم إدانة المؤتمر على نطاق واسع من قبل "الشباب الوطني الفلسطيني" لتبنيه تحدياً محافظاً وحذراً بشكل غير معقول للإمبريالية (Matthews 2003) كان اعتناق المفتي للسياسة الإسلامية في المؤتمر إشكالياً أيضاً، لأنه ساعد على إبعاد المسيحيين والعديد من القوميين العلمانيين عن النزعة القومية ذات الطابع الإسلامي للمفتي (2016 Roberts Khalidi 2006, Robson 2011,). كما أن فشل المؤتمر في تحقيق أي نتائج سياسية ملموسة سيمكن معارضي المفتي من اتهامه باستخدام الحركة الوطنية لتعزيز مصالحه الخاصة بدلاً من مصالح الشعب الفلسطيني (Jbara 1985, Kupferschmidt 1987, Mattar 1988, Pappe 2003, 2011). وباختصار، عند النظر إلى المؤتمر من منظور السياسة القومية، فإنه يظهر كمثال واضح على كيفية إهدار الحاج أمين الحسيني لفرصته في أن يصبح زعيماً لحركة قومية واسعة النطاق من خلال تبني سياسة دينية غير ملهمة ومثيرة للانقسام. ولكن إذا قمنا بتبديل المقاييس وأخذنا في الاعتبار البعد الدولي، بدلاً من البعد الوطني للمؤتمر، فإن اعتناق الحاج أمين للسياسة الدينية يبدو أكثر إنتاجية. ويبدأ هذا المقال بفرضية أن المؤتمر الإسلامي العام سنة 1931 كان لحظةً مهمةً في تدويل القضية الفلسطينية. وبدلاً من الإسهاب في الحديث عن فشل المؤتمر في متابعة قراراته، يبحث هذا المقال في كيفية عمل المفتي بجعل النشطاء الإسلاميين، الذين كانوا ينظرون تقليدياً إلى اسطنبول أو مكة أو حتى القاهرة على أنها مركز المسلمين العالم يجتمعون في القدس لمناقشة مستقبل المدينة المقدسة. بعد مناقشة السياسة الإسلامية الشاملة قبل منتصف العشرينات من القرن الماضي، سأحلل ثلاث لحظات عملت على لفت انتباه العالم الإسلامي إلى القدس. أولاً، سأقوم بالتحقيق في حملة جمع التبرعات عامي 1923-1924 المنسية منذ فترة طويلة لتجديد قبة الصخرة والتي مكّنت النشطاء الفلسطينيين من الدخول في شبكات موجودة مسبقاً من النشاط الإسلامي الشامل، وساعدت المفتي على إقامة شراكة مهمة مع حركة الخلافة. وهي منظمة هندية إسلامية قوية. سأستكشف بعد ذلك دفن محمد علي جوهر (زعيم حركة الخلافة وشقيق شوكت علي المذكور أعلاه) في الحرم الشريف في كانون الثاني- يناير1931 عندما اجتمع النشطاء المسلمون الدوليون، لأول مرة في القدس للنظر في مستقبل المدينة. أخيراً، سوف أعتبر المؤتمر الإسلامي العالمي نفسه، الذي جعل القدس والقضية الفلسطينية في كانون الأول-ديسمبر 1931 هموماً مركزيةً داخل الحركة الإسلامية الشاملة. في كل حالة، سأوضح كيف استخدم المفتي منصبه كزعيم معترف به للمجتمع المسلم في فلسطين لتقديم رسالة للدفاع عن النفس للفلسطينيين من خلال لغة دينية مكنته من تجنب اللوم من قبل الحكومة الفلسطينية.
تسعى هذه الدراسة، عند النظر في كيفية ارتباط الحركة الوطنية الفلسطينية بالوحدة الإسلامية، إلى إعادة التفكير في تأريخ الانتداب بطريقتين. في الكشف عن كيفية تفاعل النشطاء الفلسطينيين مع النشطاء المسلمين الهنود وإقامتهم تحالفات معهم، ويدعو هذا المقال الباحثين إلى تجاوز ميلهم في الكتابة عن تطور القومية الفلسطينية من حيث علاقتها بالصهيونية فقط. والتفكير، بدلاً من ذلك، في السياقات الدولية والإمبريالية، التي أدخلت الحركات والأفكار المناهضة للاستعمار والقومية في نقاشات مع بعضها البعض. كما تسعى، في الوقت نفسه، إلى إعادة النظر في رؤية النزعة القومية الدينية للحاج أمين، مهما كانت خلافية ومحافظة، ليس كشكل فريد وشاذ من القومية (Khalidi 2006, p. 61) ولكن كممثل لتيار النزعة القومية الإسلامية التي تمتعت بأكبر نجاح في فترة ما بين الحربين.
الوحدة الإسلامية وفلسطين
قبل النظر في هذه الأحداث الثلاثة، من المهم إعطاء بعض الخلفية لمكانة فلسطين في السياسة الإسلامية الشاملة قبل عشرينيات القرن الماضي. بعبارات بسيطة، الوحدة الإسلامية هي حركة تسعى لتوحيد المسلمين عبر الحدود الوطنية للدفاع عن العالم الإسلامي من الهيمنة الخارجية، ولا سيما الغربية. و وُلدت حركة الوحدة الإسلامية، في أواخر القرن التاسع عشر، كرد فعل على الانتشار الإمبريالي الأوروبي عبر الأراضي الإسلامية في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. وكانت حركة الوحدة الإسلامية، مثلها مثل الوحدة السلافية أو الجرمانية، نتاج عصر القومية ولكنها تخيلت مجتمعاً سياسياً يتجاوز الدولة القومية. وأصبح السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الشخصية الأكثر ارتباطاً بانتشار القومية الإسلامية، في أواخر القرن التاسع عشر، على الرغم من أنه ليس أول شخص يروّج للوحدة الإسلامية. وشدد عبد الحميد الثاني، بما يمثل قطيعة مع أسلافه، على موقعه كخليفة للترويج لقومية عثمانية جديدة مبنية على الإسلام ولتعزيز نفسه باعتباره الحامي الطبيعي للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو تحدٍ للإمبريالية البريطانية والفرنسية في الهند وشمال إفريقيا (Bennison 2012, pp. 169–170). وأصبحت إسطنبول، تحت حكم عبد الحميد، "المركز العصبي للأنشطة الإسلامية"، بسبب رعاية السلطان للصحف الإسلامية في الهند والشرق الأوسط، وإرساله مبعوثين إسلاميين إلى الهند، والعالم العربي، والشرق الأقصى، وأفريقيا، واستخدامه للطرق الصوفية، وجمعية الهلال الأحمر، وسكة حديد الحجاز للترويج للوحدة الإسلامية (Landau 1990, pp. 50–68). وكان نصرة السلطان، في الواقع، لفكرة الاتحاد الإسلامي، هو أول ما لفت انتباه الصحفيين والأكاديميين الأوروبيين، الذين صاغوا مصطلح " الجامعة الإسلامية Pan-Islam" في وقت ما في أواخر سبعينيات أو أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر. وكانت إحدى المجموعات التي استجابت بشكل جيد للدعاية العثمانية القومية الإسلامية، هي مجموعة المفكرين الهنود المسلمين الذين أصبحوا قلقين بشأن تقليص الأراضي الإسلامية نتيجة للنصر الروسي في الحرب التركية الروسية 1877-1878، وضم بريطانيا لقبرص في العام 1878، والاحتلال البريطاني لمصر سنة 1878. وظهرت، في أوائل القرن العشرين، شخصيات مثل مشير حسين كيدواي (1878-1937)، وهو ناشط إسلامي في لندن والهند، وأبو الكلام آزاد (1888-1938)، عالم إسلامي، ونشر محمد علي جوهر (1878-1931)، وهو ناشط وصحفي مسلم، مقالات وكتباً تدعو المسلمين الهنود إلى التجمع للدفاع عن الإمبراطورية العثمانية تحت زعمهم، على حد تعبير محمد علي، أن "أخوة الإسلام، أو الوحدة الإسلامية إذا صح التعبير، تتجاوز كل اعتبارات العرق واللون وهي من النوع الذي يتجاوز الحدود الإقليمية حيث يدمج جميع السكان المسلمين في العالم هويتهم الجغرافية ويصبحون أمة واحدة (Landau 1990، p. 191). كما دعم الهنود الداعين للوحدة الإسلامية، مثل كيدواي والأخوين محمد وشوكت علي العثمانيون من خلال إرسال بعثات الهلال الأحمر الهندي إلى ليبيا في العام 1911 أثناء الحرب العثمانية الإيطالية وإلى تركيا في العام 1912 أثناء حرب البلقان الأولى ومن خلال إنشاء جمعية خدام الكعبة، وهي أول جمعية رسمية مكرسة لحماية الأماكن الإسلامية المقدسة من عدوان غير المسلمين (Özcan 1997). أخيراً، أسس هؤلاء الإسلاميون أنفسهم، بعد الحرب العالمية الأولى، حركة الخلافة الشهيرة للدفاع عن مؤسسة الخلافة بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية.
على الرغم من أن القدس كانت ثالث أقدس مدينة في الإسلام، إلا أنها لم تكن مصدر قلق كبير لعموم الإسلاميين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وتاريخياً، كانت المدينة هامشية على مستوى السياسة الإسلامية، ولم تكن أبداً عاصمة لقوة إسلامية كبرى، ولا موقعاً لمؤسسة رائدة للتعليم الإسلامي، ولا مدينة بارزة في الإمبراطورية العثمانية. لذلك، بينما كان المسلمون قلقين على مصير اسطنبول ومكة والقاهرة، لم تكن مكانة القدس تشترك بدرجة القلق هذه، حتى مع زيادة الاهتمام الأوروبي بالمدينة المقدسة، في أواخر العهد العثماني. ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وإلغاء الخلافة في العام 1924، نظر الإسلاميون نحو القاهرة ومكة، وليس نحو القدس، كمواقع محتملة لإحياء الخلافة. وقد أدى ذلك إلى سلسلة من النقاشات غير الحاسمة والمثيرة للانقسام حول مستقبل الإسلام في مؤتمر الحج في مكة في العام 1924، والمؤتمر العام للخلافة في القاهرة في أيار- مايو 1926، ومؤتمر العالم الإسلامي في مكة في حزيران يونيو- تموز / يوليو سنة1926. وحضر النشطاء الفلسطينيون كل من تلك الاجتماعات لكنهم لم يتمكنوا من إقناع الإسلاميين الآخرين بإيلاء كبير اهتمام للنزعة الوطنية الفلسطينية قبل المؤتمر الإسلامي العالمي سنة 1931.
في حين أن الأمر سيستغرق بضع سنوات حتى يشعر الإسلاميون بالقلق بشأن مصير فلسطين، دقت المخابرات البريطانية ناقوس الخطر بشأن مخاطر الوحدة الإسلامية في البلاد في وقت مبكر من تشرين الأول- أكتوبر 1920. وهذا هو التاريخ الذي حذر فيه ضابط مخابرات الحكومة بشأن احتمالية حدوث تمرد إسلامي إذا سُمح لمفتي القدس، كامل الحسيني (1867-1921)، بإدخال اسم السلطان العثماني في صلاة الجمعة في المسجد الأقصى(1). وتشير لهجة الضابط التحذيرية وحجته بالحاجة إلى الدعم الفلسطيني للكمالية، وقد سمح السكرتير العام للحكومة الفلسطينية [الانتدابية] بالمضي قدماً بهذا دون وقوع حوادث و دق ناقوس الخطر الكاذب للخيال المحموم لأجهزة المخابرات. عكس هذا الاختلاف في الرأي بين المخابرات البريطانية والسكرتير العام عدم يقين بريطاني أوسع نطاقاً بشأن معنى وقوة الحركة الإسلامية بعد الفترة الحميدية. وكان الخبراء البريطانيون قد رفضوا، في العقد الأول من القرن العشرين، فكرة وجود أي شيء يمكن تسميته بحركة إسلامية عمومية منظمة (Aydin 2017, p. 59). وفي العام 1919، قامت وزارة الخارجية [البريطانية] بعمل مسح تاريخي تفصيلي بعنوان "حركة الوحدة الإسلامية The Pan-Islamic Movement "، من أجل تثقيف المسؤولين الميدانيين البريطانيين حول الخطر الذي تشكله السياسات الإسلامية العابرة للحدود على المصالح البريطانية(2). وبعد عقد من الزمان، دخل الخبراء البريطانيون في جدال مربك بخصوص التحضير للمؤتمر الإسلامي العالمي لعام 1931، يرى أن "الوحدة الإسلامية [كانت] بدأت تظهر بشكل ملموس"، بينما يؤكد البعض الآخر، بثقة، أن هذه الوحدة " ليس لها جانب حيوي بناء بما يكفي لتبرير النظر الجاد تجاهها(3). ويمكن أن تفسر القدرات الداخلية المتغيرة للحركة الإسلامية جزئياً الطبيعة المتغيرة لمثل هذه الأحكام. لقد كان الأمر الأكثر أهمية هو مد وجزر القلق البريطاني بشأن الإمبراطورية. ويتضح، عند البحث في الوثائق الأرشيفية البريطانية، كيف زادت المخاوف بشأن الحركة الإسلامية من إغراق الامبراطورية بموجة من الشكوك، لاسيما أثناء وبعد لحظات الأزمة لبريطانيا في الشرق الأوسط، كما حدث أثناء ثورة عرابي 1882 في مصر، وبعد حادثة دنشواي في مصر 1906، أو من الواضح خلال وبعد الحرب العالمية الأولى عندما ظهور يعض الأزمات مثل عيد الفصح ومذبحة أمريتسار والثورة المصرية. ففي مثل هذه اللحظات، تضاعفت تقارير المعلومات الاستخبارية اللاذعة حول التحريض الذي تمارسه الحركة الإسلامية في جميع أنحاء الإمبراطورية، تحت اعتقاد خاطئ لضباط المخابرات بأن "الإسلام يوفر مساحة عمل للماسونية التي لا تعيقها العادات أو القبيلة أو اللهجة"(4)، قبل أن تتلاشى هذه التحذيرات في الحال. ومهما كانت الأحوال التي تنتهي فيها الأزمة، فثمة هناك عامل آخر يفسر هذا الاختلاف في الرأي وهو اعتقاد العديد من الرجال البارزين، على عكس المخابرات البريطانية، بأن المؤسسات الإسلامية وفرت الاستقرار في المجتمعات الإسلامية. ولطالما استخدم المسؤولون الاستعماريون في غرب إفريقيا وشرقها الزعماء الدينيين المسلمين كوسطاء، وفقاً للاعتقاد الذي عبَّر عنه اللورد لوغارد بأن الإسلام يمكن أن يكون له تأثير حضاري في مجتمع بدائي (Reynolds 2001, p. 603). وفي فلسطين، حدّد المسؤولون البريطانيون، مثل رونالد ستورز (1881-1855)، حاكم القدس، وهربرت صموئيل (1870-1963)، المندوب السامي، الحسينيين على أنهم العائلة المرموقة الأفضل للعمل كوسطاء بين الحكومة و غالبية السكان المسلمين في البلاد. وجاء قرارهم باحتضان الحسينيين بعد فترة وجيزة من احتلال فلسطين، عندما أقام ستورز وصموئيل علاقات ودية مع المفتي كامل الحسيني الذي اعتبروه موالياً لبريطانيا وله التأثير والخبرة اللازمين لممارسة القيادة على المنطقة المحلية. ويساعد دعم الحكومة لهذه العائلة في تفسير سبب دعمهم للحاج أمين الحسيني ليصبح مفتي القدس بعد وفاة شقيقه الأكبر في آذار- مارس 1921، على الرغم من افتقار الشاب للمؤهلات الدينية ومشاركته قبل عام في مظاهرات عنيفة مناهضة للصهيونية، خلال مهرجان النبي موسى في القدس. وسوف يؤدي ذلك أيضاً إلى قيام الحكومة بوضع الحاج أمين على رأس المجلس الإسلامي الأعلى الذي تم اختراعه حديثاً (وهو مؤسسة مستقلة تشرف على الشؤون الدينية للمجتمع الإسلامي) حتى يتمكن من العمل للمجتمع المسلم خلال فترة الانتداب. عندما عيّن هربرت صموئيل الحاج أمين مفتياً ورفعه إلى منصب رئيس المجلس الأعلى الإسلامي القوي، فعل ذلك على أمل أنه سيدير الشؤون الدينية للمجتمع المسلم ويحافظ على السلام داخل دائرته الشعبية. احتاج البريطانيون، من أجل ترتيب هذه المقايضة بسلاسة، إلى الحاج أمين ومنظمته للتركيز فقط على المسائل الدينية المحلية. لكن بعد مرور عام على إدارته، أعطى المسؤولون البريطانيون المفتي الوسيلة المثالية لإشراك نفسه في السياسة الإسلامية: القيام بمهمة إلى العالم الإسلامي لجمع الأموال من أجل تجديد قبة الصخرة.
"النداء العام إلى العالم الإسلامي": التواصل من خلال جمع التبرعات 1923 -1924
أرسل المجلس الإسلامي الأعلى سلسلة من الوفود إلى العالم الإسلامي ظاهرياً لجمع الأموال لترميم قبة الصخرة ولكن أيضاً لدعوة المسلمين للوقوف معا للدفاع عن الحرم الشريف. مهمات جمع التبرعات هذه، التي تجاهلها علماء آخرون، كانت على درجة من الأهمية لفهم كيفية استخدام المجلس الإسلامي الأعلى للشبكات الإسلامية الموجودة مسبقاً كوسيلة لتدويل القضية الفلسطينية وخلق روابط بين حركته والناشطين ذوي التفكير المماثل. وجاءت فكرة ترميم قبة الصخرة في الأصل من هربرت صموئيل الذي كتب في آب- أغسطس 1920 إلى اللورد كرزون ليطلب من الحكومة البريطانية توفير الأموال لترميم الحرم الشريف. مشيراً إلى أن الموقع كان ثالث أهم موقع مقدس في الإسلام، وأوضح أن "تأثير" فعل الشهامة هذا سيكون مناسباً وتأثيره وفورياً"(5). ولكن كان هناك ثمة مشكلة واحدة فقط: إذا قام البريطانيون بإصلاح الموقع، فسوف يحتج المسلمون على ذلك ويعتبرون أن بريطانيا تسعى للاستيلاء على مساحة إسلامية، كما أن الأمر بخد ذاته يعتبر مصدر قلق خاص للحكومة الهندية نظراً لأن لجنة حركة الخلافة قد استخدمت بالفعل سيطرة بريطانيا على الأماكن المقدسة الإسلامية للترويج ضد الإمبراطورية. نتيجة لذلك، قرر المفوض السامي لفلسطين ووزير الخارجية ونائب الملك في الهند أنه سيكون من الأفضل أن يقود الحاج أمين الحسيني هذه الحملة لإصلاح الموقع مع قيام بريطانيا بتقديم المساعدة التقنية والمالية الأساسية. وبدأت الحملة بـ "النداء العام للعالم الإسلامي" للحاج أمين، وهو عبارة عن حملة لجمع التبرعات موجهة إلى "إخوانه المسلمين في جميع أنحاء العالم" في صيف العام 1923. وشرح الحاج أمين، في النداء المكون من ثلاث صفحات، حالة الأضرار التي لحقت بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وأن ما يصل إلى 150 ألف جنيه فلسطيني سيكون ضرورياً لتجديدهما، وبرر هذا الإنفاق على أساس أن الحرم الشريف ليس مكاناً مقدساً للمسلمين فحسب، بل أيضاً موقع يزوره "الشرقيون والغربيون والمسلمون وكذلك غير المسلمين.. أفراداً وجماعات من أجل مشاهدة أفضل مثال للعمارة التي حققها أسلافنا المسلمون وتقديرها"(6). وعلى هذا النحو، كان النداء العام موجهاً على نطاق واسع إلى المتدينين والمانحين، مثل النشطاء الإسلاميين، الذين قد يكونون أكثر اهتماماً بالهدف السياسي الأكبر المتمثل في تعزيز ما نسميه اليوم "موقع التراث العالمي" الإسلامي.
تم نقل رسالة مختلفة تماماً على الأرض في سلسلة من بعثات جمع التبرعات التي زارت الشرق الأوسط والهند خلال العام ونصف العام التاليين. كما أفاد مراقبون بريطانيون بنوع من القلق، عن أن زيارات لوفود المجلس الإسلامي الأعلى إلى الحجاز في تموز- يوليو 1923، والهند في تشرين الأول- أكتوبر 1923، والحجاز والعراق والكويت والبحرين في العام 1924 ضخت المزيد من السياسات القومية في حملة جمع التبرعات. ولم يقتصر الأمر على وعدهم بأن الأموال التي جمعوها ستُستخدم لإنقاذ الموقع الديني من التلف، بل سيساعد أيضاً في الدفاع عن الحرم الشريف من أن يستولي عليه الصهاينة(7). وركزت البرقيات والتقارير من جدة والقاهرة والهند على ما وصفه المسؤولون بالخطاب "القومي العربي" و "الوحدة الإسلامية" لوفد العام 1923 إلى الهند، والذي ترأسه ابن عم المفتي الثاني جمال الحسيني (1894-1982) وحذرت من أن الوفد كان يتواطأ مع لجنة الخلافة و / أو الحكومة التركية، كما طالبت مسؤولو المخابرات بإيقاف الوفد في بورسعيد لمنعهم من دخول الهند حيث قد تحرض رسالتهم على المشاعر المعادية لبريطانيا(8). لم يتم تنفيذ هذا الطلب لأن وزارة الخارجية شعرت أن إيقاف وفد ديني ظاهرياً من شأنه أن يسبب مشاكل أكثر مما قد يحلها، وهو الموقف الذي يدين بالكثير للسياسة الإمبراطورية بعدم التدخل في الشؤون الدينية، والتي تم تبنيها في أعقاب التمرد الهندي1857-1858(9). وقد عبر هذا الطلب عن مخاوف البريطانيين بشأن الحركة غير المرغوب فيها للناشطين المسلمين خلال هذه الفترة. بعد شهرين فقط، في تشرين الثاني- نوفمبر 1923، أرسلت حكومة الهند خطاباً إلى وزير الدولة للهند لطلب الإذن، والذي مُنح بشروط، لرفض إصدار جوازات سفر لأعضاء حركة الخلافة الذين خططوا لزياراتهم الخاصة إلى تركيا والحجاز والعراق وفلسطين وسوريا(10). وتكشف ملفات مكتب الهند عن رصد المخابرات البريطانية، عقد العشرينيات من القرن الماضي، لتحركات الوفود التي أرسلتها حركة الخلافة إلى الحجاز وتركيا، وأسفار محمد علي المذكور أعلاه عبر الشرق الأوسط وأنشطة الهلال الأحمر المصري في الحجاز من أجل التأكد من أن الإسلاميين لم يشجعوا إخوانهم المسلمين على معارضة الإمبراطورية البريطانية(11). وقد ربطت حملة جمع التبرعات التي أطلقها المفتي النشطاء الفلسطينيين بشبكات موجودة مسبقاً من النشاط الإسلامي ودفعت بالقضية الفلسطينية باتجاه جماهير جديدة تماماً. وزارت وفود من السلطة التنفيذية العربية الفلسطينية مصر في السنوات الأولى من الانتداب، لكن النشطاء الفلسطينيين لم يغامروا بالوصول أبعد من العراق أو الكويت أو البحرين أو الحجاز أو الهند. يشار إلى أن كل هذه الدول كانت خاضعة للسيطرة البريطانية بشكل أو بآخر. هذا وقد سافرت وفود جمع التبرعات التي أرسلها المجلس الإسلامي الأعلى عبر الموانئ البريطانية (أو موانئ الدول المتحالفة مع البريطانيين) بجوازات سفر بريطانية أو تأشيرات لمقابلة جماهير تتكون في الغالب من رعايا بريطانيين. ويمكن الافتراض أيضاً أن مسؤولي المجلس الإسلامي الأعلى كانوا، مثل نظرائهم الهنود، يسافرون على متن بواخر بريطانية (على سبيل المثال، سافر وفد حركة الخلافة إلى الحجاز على البواخر البريطانية SS Jehangir و SS Akbar، التي تنتمي إلى شركة Bombay and Persia Steam Navigation Company المملوكة لبريطانيا)، على الرغم من عدم ذكر أسماء السفن في المصادر الأرشيفية. باختصار، أصبح تواصل المفتي مع العالم الإسلامي ممكناً أو على الأقل أصبح أسهل بفضل وجود الإمبراطورية البريطانية، التي ربطت القدس الآن بالمدن الإسلامية الأخرى الخاضعة للسيطرة البريطانية. بينما كان ضباط المخابرات يراقبون باستمرار هذا الارتباط بين فلسطين والإمبراطورية الأوسع بسبب الترابط الإمبراطوري، كان هناك القليل مما يمكنهم القيام به للسيطرة على "الروابط العالمية بين المسلمين في هذه الفترة [والتي] شكلت نظاماً مهماً من الشبكات التي كانت تعمل في كثير من الأحيان بالتوازي مع تلك التي أنشأتها الإمبراطورية" (p.60 Reece 2014, ).
كانت أهم الاتصالات التي أجراها المجلس الإسلامي الأعلى خلال هذه الفترة مع قادة حركة الخلافة. كان المفتي قد اتصل بالحركة لأول مرة في العام 1922، عندما كتب إلى محمد علي يطلب منه إرسال مسلم هندي لرعاية النزل الهندي في القدس، ولكن الخطوة الأكثر أهمية كانت زيارة ابن عمه جمال الحسيني للهند لجمع التبرعات في العام 1923 حيث مهدت هذه الزيارة إلى إقامة حوار دائم بين الجلس الإسلامي الأعلى ولجنة الخلافة. والتقى المفتي أثناء رحلة الحج إلى مكة، في العام 1924، بمحمد علي وأخيه شوكت وجهاً لوجه لأول مرة، ثم بعد ذلك بعامين استضاف محمد علي خلال الزيارة القصيرة التي قام بها الأخير إلى القدس (Azaryahu and Reiter 2015, p. 34)، وتجدر الإشارة، بشكل خاص، إلى زيارة الدكتور مختار أحمد أنصاري (1880-1936) إلى القدس في العام 1925، والتي كانت بمثابة بداية تحول في تفكير حركة الخلافة حول المدينة. كان الدكتور أنصاري قد قاد بعثة الهلال الأحمر الهندي إلى الحجاز خلال الحرب العالمية الأولى وشغل منصب رئيس لجنة الخلافة لفترة. وبعد انهيار الدولة العثمانية الإمبراطورية، نظر نشطاء حركة الخلافة، مثل أبو الكلام آزاد ومحمد علي، باهتمام متزايد إلى مكة كمكان مجازي "للإمكانيات الجماعية للأمة بأكملها بدلاً من الآفاق المحدودة للإمبراطورية الأوروبية وشكل الأمة" (Willis 2014, p. 574). واقترح د. أنصاري في لقائه مع وجهاء المسلمين في مدرسة روضة المعارف في القدس، أنه لا تركيا، الخاضعة لسيطرة حكومة علمانية معادية للوحدة الإسلامية، ولا شبه الجزيرة العربية، التي كان الشريفيون والسعوديون يتقاتلون فيما بينهم على اقتسام النفوذ عليها، أماكن مناسبة يمكن للمسلمين التجمع فيها. واقترح، بدلاً من ذلك، أن يجتمع المؤتمر الإسلامي الكبير القادم في فلسطين أو سوريا، وهو ما سيحدث بعد حوالي ست سنوات عندما دخل الحاج أمين في شراكة مع شوكت علي لعقد المؤتمر الإسلامي العالمي(12).
كانت مكانة القدس، كمساحة خارج الصراعات الداخلية للعالم الإسلامي، أمراً حاسماً أيضاً لمشروع شوكت علي والحاج أمين الحسيني لإبراز مكانة المدينة في العالم الإسلامي في نهاية العشرينيات، على الرغم من أنهم عملوا على هذا. المشروع لأسباب مختلفة. فبالنسبة لشوكت علي، كانت القدس أفضل مكان لتأسيس جامعة حيث يمكن للمسلمين من جميع أنحاء العالم تلقي تعليم إسلامي حديث باللغة الإنجليزية، كما حصل في الكلية المحمدية الأنجلو الشرقية، التي عُرفت فيما بعد باسم جامعة أليغرا الإسلامية. كما أعرب عن اعتقاده أن المدينة ستكون أفضل مكان لاستضافة مجلس دائم للزعماء المسلمين لاتخاذ قرار بشأن الأمور الإسلامية، لأن الوصاية البريطانية تعني أن المدينة كانت خارج حدود الدولة(13). وقد رأى المفتي أن إنشاء جامعة إسلامية في القدس يمثل رد فعل عربي وإسلامي إزاء الجامعة العبرية في القدس، وبالتالي أصر على أن تكون لغة التدريس هي اللغة العربية. تم تصميم ترويجه للقدس كمركز إسلامي أيضًا لتسليط الضوء على مكانة فلسطين كمشهد عربي إسلامي، بدلاً من كونها مجرد مشهد إسلامي، في وقت كانت فيه المنظمة الصهيونية العالمية تروج للبلاد على أنها فضاء صهيوني من خلال بعض الفعاليات مثل سوق ومعرض فلسطين الشرق الأدنى، الذي أقيم في تل أبيب في الأعوام 1925 و 1926 و 1929. وقد بدأ المقتي وشوكت علي العمل معاً بجدية بعد أعمال الشغب في حائط المبكى في آب/ أغسطس 1929 واستخدما حدثين لتركيز انتباه المسلمين على القدس. دفن محمد علي شقيق شوكت علي في الحرم الشريف في كانون الثاني (يناير) 1931، والذي كان مهماً لجلب النشطاء والمنظمين الإسلاميين إلى القدس، وعقد المؤتمر الإسلامي العالمي في القدس في كانون الأول (ديسمبر) 1931، مما لفت الانتباه للحركة الإسلامية بأكملها.
دفن محمد علي: تكريس القدس كمساحة إسلامية
في كانون الثاني (يناير) 1931، دُفن المفكر والناشط الهندي الإسلامي البارز محمد علي جوهر في الحرم الشريف بعد جنازة اجتذبت آلاف الأشخاص إلى شوارع القدس. كان الهدف من الحدث، كما اشتكى المسؤولون الصهاينة في ذلك الوقت، التأكيد على المطالبة الإسلامية بالحرم الشريف في وقت كان المسؤولون البريطانيون لا يزالون يناقشون الوضع القانوني لحائط المبكى. والأهم من ذلك، أن الحدثة سوف يجمع منظمين إسلاميين مهمين معاً في القدس للمرة الأولى مثل شوكت علي وعبد الحميد سعيد (رئيس جمعية الشبان المسلمين في مصر) وعبد العزيز الثعالبي (مواطن تونسي مشهور)، وسوف يعمل وجود هؤلاء على تشجيع عقد المؤتمر الإسلامي العالمي في المدينة في نهاية العام.
بينما ركزت هذه المقالة على الروابط الدولية التي تم إنشاؤها من خلال جمع التبرعات، كان للحملة أيضاً فوائد سياسية كبيرة للمجلس الأعلى الإسلامي في الوطن. فقد استطاع "النداء العام للعالم الإسلامي" جمع حوالي 84000 جنيه إسترليني، كان قادراً، رغم أنه أقل من المبلغ الأصلي المطلوب، على تمويل ليس فقط إصلاحات قبة الصخرة ولكن أيضاً مشاريع المجلس الإسلامي الأعلى الأخرى، بما في ذلك بناء فندق البالاس سيء الخط* (Mattar 1988, p. 29). عززت الحملة الناجحة، التي غطتها الصحافة الفلسطينية بشكل جيد، موقف المفتي ضد التنظيمات العربية الأخرى، مثل السلطة التنفيذية [ المنبثقة عن المؤتمر العربي الفلسطيني]، وخصومه في حزب المعارضة، من خلال السماح له بتقديم نفسه على أنه المدافع بلا منازع عن الحرم الشريف. ومكنته هذه الصفة أيضاً من أن يكون المدافع الأساسي عن حقوق المسلمين في الحائط الغربي، أولاً في نزاع حول حق اليهود في إحضار مقاعد وأدوات دينية أخرى إلى الحائط في منتصف عشرينيات القرن الماضي، ثم بعد عام كامل خوض صراع سياسي حول الحائط الغربي بدأ بنزاع حول إقامة حاجز لتقسيم المصلين من الذكور والإناث في عيد الغفران اليهودي "يوم كيبور" في العام 1928 وانتهى بأحداث شغب عنيفة في القدس وأماكن أخرى في فلسطين في آب- أغسطس 1929. هذا الصراع الذي وصفته مطولاً في أماكن أخرى، سمح للمفتي باستخدام الصراع الديني، الذي كانت الحكومة الفلسطينية [الانتدابية] مترددة في التدخل فيه، لدفع القضية الفلسطينية ضد الصهيونية وتحويل نفسه إلى الشخصية القومية الرائدة في نهاية العشرينيات (Roberts 2016, pp. 118–148). وفي أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت بسبب النزاع على حائط المبكى، شرع المجلس الإسلامي الأعلى في البدء في حملة جديدة لجمع التبرعات من أجل جمع الأموال للدفاع القانوني عن أفعاله في الحائط ولتوفير الأموال للعائلات العربية المتضررة من أعمال الشغب. وليس من المستغرب أن يتوجه المفتي إلى نفس القادة المسلمين الذين تبرعوا لحملته السابقة لجمع التبرعات والذين كان قد تواصل معهم من خلال المجلس الإسلامي الأعلى في المؤتمرات الإسلامية السابقة. وكان من بين هذه الشخصيات شوكت ومحمد علي اللذان التقى بهما الحاج أمين مرة أخرى في القاهرة في العام 1930، حيث كانا يشقان طريقهما إلى مؤتمر لندن للمائدة المستديرة الأول حول الهند. على الرغم من أنهما عملا جنباً إلى جنب مع غاندي في الحركة القومية الهندية في منتصف عشرينيات القرن الماضي، إلا أنه بحلول هذه المرحلة، كان الأخوان قد أصبحا يعتبران السياسة الإسلامية طريقة عمل أفضل لتعزيز مصالح مسلمي الهند، وقد توصلا إلى تشكيل وجهة نظر عن فلسطين كأفضل مكان لعملهما، إذ يمكن للمسلمين في جميع أنحاء العالم أن يحصلوا انطلاقاً من هذه الأرض المقدسة على نور الإيمان والثقافة الإسلامية(14). وقد أدى ذلك إلى قيام الأخوان شوكت ومحمد علي إلى تنظيم مؤتمر إسلامي لعموم الهند حول شؤون فلسطين في الهند في نيسان- أبريل 1930 والترويج لاحتفال المسلمين في جميع أنحاء الهند بـ "يوم فلسطين" في 16 أيار- مايو 1930 (Chalwa 1981, pp. 33–34). توفي محمد علي بصورة مفاجئة، عن عمر يناهز 53 عاماً، في 4 كانون الثاني- يناير 1931، بينما كان لا يزال في لندن يشارك في مؤتمر المائدة المستديرة، وعلى إثر ذلك، بدء المفتي وشوكت علي في تنفيذ خطة دفن الزعيم الهندي الشهير المنادي بالقومية الإسلامية في موقع الحرم الشريف. كان الدافع وراء قرار المفتي بدفنه في القدس هو رغبته في الاستفادة من سمعة محمد علي كزعيم قوي في المجتمع المسلم الهندي (المجتمع المسلم الأغنى والأكثر نفوذاً تحت الحكم البريطاني) وداعماً ثابتاً للقضية الفلسطينية في نضاله المستمر ضد الصهيونية (Azaryahu and Reiter 2015, p. 35). ومن خلال إقامة موكب جنائزي كبير جاب المدينة والاحتفال بالدفن كحدث كبير في الصحافة المحلية، كان المفتي يأمل في إبراز الطابع الإسلامي للقدس. وعلى الرغم من معارضة المسؤولين الصهاينة لدفن محمد علي وجنازته، إلا أن الحكومة الفلسطينية [الانتدابية] اختارت السماح لهم بالمضي قدماَ طالما تعهد المفتي بعدم تحويل الأحداث إلى مظاهرة سياسية والعمل مع الحكومة للتأكد من استمرار الجنازة دون حوادث تذكر. لعب إحجام الحكومة الفلسطينية [الانتدابية] الأصيل عن التدخل في الشؤون الدينية دوراً في هذا القرار، لكن الأمر أيضاً حسمته الحكومة البريطانية في لندن بالموافقة على طلب شوكت علي بدفن شقيقه في القدس لوجهة نظرها أن بديل دفنه في الهند من شأنه أن يسبب المزيد من المشاكل السياسية (Azaryahu and Reiter 2015, p. 52). وأقيم موكب الجنازة والدفن في 23 كانون الثاني- يناير 1931 مع التزام المفتي بوعده بالتأكد من عدم إلقاء أي خطب سياسية أثناء سيرها، على الرغم من إلقاء الخطب القومية الإسلامية والمناهضة للصهيونية في حفل التأبين في المقبرة. وبينما بالغت التقارير الإخبارية الفلسطينية في الإعلان أن نحو 100 ألف شخص شاركوا في الجنازة، فقد اجتذب الحدث حشوداً كبيرة في القدس، وتم تداوله على نطاق واسع في الصحف العربية واليهودية. والأهم من ذلك، حضور مندوبين من الهند ومصر وسوريا وتونس إلى القدس حيث يمكنهم مراقبة دفاع المجلس عن المدينة المقدسة بأنفسهم، في حين كان أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى قد اضطر، في السابق، للسفر إلى دول أخرى لإيصال رسالته. وقد لوحظ تأثير تجربتهم في الصحافة العبرية حيث ذكرت دار هيوم أن "دفن محمد علي في القدس أوجد صلة روحية بين المسلمين الفلسطينيين وإخوانهم في الهند"، وأشارت دافار إلى أن الحدث " خلق روابط سياسية مهمة وأرسى الأساس للمركز الإسلامي المستقبلي في القدس"( Azaryahu and Reiter 2015, pp. 51–52).
المؤتمر الإسلامي العالمي1931
جاء قرار عقد مؤتمر عموم إسلامي في القدس، وفقاً لشوكت علي، عندما كان يناقش عدم غياب الوحدة في العالم الإسلامي مع إخوانه المسلمين الهنود خلال مؤتمر المائدة المستديرة الأول الذي عقد في لندن من تشرين الثاني (نوفمبر) 1930 إلى كانون الثاني (يناير) 1931. ثم طرح الخطة على الحاج أمين الحسيني وعبد الحميد سعيد (رئيس جمعية الشبان المسلمين في مصر) وشخصيات إسلامية بارزة أخرى خلال جنازة أخيه بعد شهر في القدس (Nielsen 1932). لكن هذا التفسير تجاهل حقيقة أن الحاج أمين سبق له أن نظم مؤتمراً إسلامياً خاصاً به في القدس في العام 1928 أثناء ذروة الصراع على حائط المبكى، والذي انتهى به الأمر إلى تحول إلى شأن متواضع غير ذي تأثير كبير، بسبب رفض الحكومة الفلسطينية [الانتدابية] إصدار تأشيرات لكثير من المدعوون، بمن فيهم محمد علي(15). علاوة على ذلك، كان المفتي هو من تواصل مع شوكت علي أولاً من أجل الحصول على مساعدته في بناء منظمة إسلامية دولية تدافع عن الحرم الشريف (Freas 2012). وكان المفتي قد ناشد، في دعوته في تشرين الأول- أكتوبر إلى المؤتمر، المسلمين "عظماء الإسلام" وغيرهم من "الشخصيات البارزة" للحضور إلى القدس، ليتمكنوا من المشاركة مع أعظم رجال العالم الإسلامي في العمل التعاوني والخدمة من أجل غرس المثل الإسلامية من خلال إلهام الله ورسوله محمد(16). ولم تذكر الدعوة الخلافة، بل ركزت، بدلاً من ذلك، على حاجة المسلمين للاجتماع لمناقشة رفاهيتهم الجماعية. لم يكن هذا الإغفال عرضياً، فقد عمل الحاج أمين بجد في التحضير للمؤتمر لطمأنة الحكومتين المصرية والتركية بأنه لن يتعاطى مع قضية الخلافة، بل ذهب أبعد من ذلك حين أعلن أن الخليفة العثماني المخلوع عبد المجيد ( الذي ينال إعجاب شوكت علي) غير مدعو إلى المؤتمر. وهكذا عقد المؤتمر الإسلامي العالمي في القدس في الفترة من 7-16 كانون الأول- ديسمبر 1931، واستقطب أكثر من 130 مندوباً من حوالي 22 دولة مختلفة مع كون شبه الجزيرة العربية وتركيا معاقل بارزة، وهو مؤشر آخر على كيفية تحول السياسة الإسلامية بعيداً عن اسطنبول ومكة. تم اختيار يوم افتتاح المؤتمر (27 رجب) لتسليط الضوء على أهمية القدس في الإسلام لأن هذا هو التاريخ الذي يحيي فيه المسلمون ذكرى الإسراء والمعراج (Freas 2012). وعلى الرغم من أن المؤتمر ضم عدداً قليلاً من الممثلين الرسميين للحكومات الإسلامية، فقد حضره قائمة رائعة من السياسيين المسلمين والمفكرين الإسلاميين بما في ذلك الحداثي الإسلامي رشيد رضا (1865-1935)، والمفكر الهندي المسلم الشهير محمد إقبال (1877-1938) وعبد الرحمن عزام (1893–1976)؛ الذي أصبح فيما بعد أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وشكري القوتلي (1891-1967)؛ الذي صار فيما بعد أول رئيس لسوريا ما بعد الاستقلال، ورياض الصلح (1894-1951) ؛ أول رئيس وزراء للبنان المستقل فيما بعد) وضياء الدين طبطبائي (1889-1969)؛ رئيس وزراء إيران السابق، إلى جانب عبد العزيز الثعالبي المذكور آنفاً، وعبد الحميد سعيد وشوكت علي. لقد مثّل المؤتمر أكثر إشكالية للحكومة الفلسطينية [الانتدابية] أكثر من خطوة دفن محمد علي لأنه أتاح الفرصة للمندوبين إدانة الإمبريالية ليس فقط في فلسطين ولكن في أماكن أخرى مثل ليبيا، مما هدد بإفساد علاقة بريطانيا بإيطاليا موسوليني. وبعد التفكير في الاعتماد على المفتي لإلغاء الحدث، اختارت الحكومة الفلسطينية مرة أخرى عدم التدخل، فيما كان يبدو ظاهرياً حدثاً دينياً، وطلبت بدلاً من ذلك أن يقصر المفتي المناقشات على الأمور الدينية بدلاً من المسائل السياسية. وعلى الرغم من تأكيدات الحاج أمين، انتهى المؤتمر بالحديث عن السياسة بإسهاب. فاشتكى المندوبون من "الدور المتعاظم للغرب في المنطقة"، وأدانوا الإمبريالية في روسيا والمغرب وليبيا، واعتمدوا قراراً بالإجماع يدعو إلى إعادة سكة حديد الحجاز إلى السيطرة الإسلامية الكاملة في ضوء أن جزء منها أصبح مؤخراً تحت السيطرة الفرنسية، وأصدر المؤتمر قراراً عاماً ضد الإمبريالية(17). وأدت النقاشات حول الدفاع عن الأماكن الإسلامية المقدسة في فلسطين أيضاً إلى نوع من المناقشات حول الصهيونية وطبيعة الانتداب الذي كانت الحكومة الفلسطينية تأمل في تجنب المؤتمرين الخوض فيه. وأوضح المفتي، في دفاعه عن المؤتمر، للمندوب السامي الغاضب أنه لا يستطيع السيطرة على ما قاله المشاركون في خطاباتهم، على الرغم من أن هذا العذر كان أجوفاً لا معنى له نظراً لتأكيده الخاص طوال المؤتمر على حاجة العالم الإسلامي للدفاع عن فلسطين ذات الطابع العربي و الإسلامي.
لقد تحقق هدف الحاج أمين وشوكت علي في إبراز صورة القدس من خلال المؤتمر، إلى حد كبير، عبر تبني قرارات تدعو المسلمين إلى الدفاع عن أماكنهم المقدسة، لتكون المدينة موقعاً لمؤتمرات إسلامية مستقبلية، ولجامعة إسلامية يتم بناؤها في موقع الحرم الشريف حتى يتمكن المسلمون من جميع أنحاء العالم من اكتساب التقدير المناسب للثقافة الإسلامية وتعلم اللغة العربية. ولكن، وأثناء صياغة هذه القرارات، انتهى الأمر بالمشاركين في التنظيم إلى الخلاف حول فشلهم في حل إصرار شوكت علي على جعل القدس مدينة عالمية حديثة للثقافة الإسلامية والتعلم من وجهة نظر الحاج أمين أن القدس كانت قبل كل شيء مساحة عربية فلسطينية تحتاج إلى يتم الدفاع عنها ضد الغزو الصهيوني. ونتيجة لذلك، وفي الوقت الذي قلل فيه شوكت علي من أهمية اعتراضات المسلمين على الإمبريالية البريطانية ودعا إلى أن تكون اللغة الإنجليزية هي لغة التدريس في الجامعة المقترحة، أدان الحاج أمين ورفاقه العرب شروط الانتداب البريطاني وأصروا على أن تكون لغة التدريس هي العربية. بيد أنه حتى مع هذه الاختلافات، تعهد المندوبون الذين صاغوا هذه القرارات بمواصلة عملهم إلى ما بعد العام 1931. بالاتفاق على خطة عمل لإعادة انعقاد المؤتمر في القدس في غضون عامين. وهكذا انتخب المؤتمر لجنة تنفيذية تحت إشراف الأمين العام، ضياء الدين طبطبائي، الذي كان من المقرر أن يعمل من القدس على جمع الأموال للجامعة المقترحة والتحضير للمؤتمر القادم. وتلقت الإمكانيات التنظيمية للمؤتمر الإشادة، في ذلك الوقت، من صحف المعارضة المصرية، فرأت صحيفة البلاغ في المؤتمر "علامة بارزة في وحدة الشرق المتنامية ضد الإمبريالية الغربية" (Mayer 1982, p. 319). أما بالنسبة للمراقبين الخارجيين، مثل جيب Gibb ( الذي عمل لاحقاً في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية) و ألفريد نيلسن (المبشر الدنماركي الذي كتب عن المؤتمر لمجلة Muslim World)، مثّل المؤتمر نضج حركة الوحدة الإسلامية، والتي يمكن اعتبارها الآن حركة سياسية حديثة ومنظمة، على الرغم من أن نيلسن أعرب عن بعض الشك، واستعرض رأيه الخاص بالقول فيما إذا كان بإمكان حركة الوحدة الإسلامية التغلب على الانقسامات القومية داخل العالم الإسلامي (Nielsen 1932, p. 354). وفي السنوات التي أعقبت مؤتمر العالم الإسلامي، سافر المفتي وشوكت علي والأمين العام للمؤتمر ضياء الدين طبطبائي وأمين الصندوق محمد اللوبة إلى الهند وبلاد فارس وأفغانستان والعراق وأوروبا من أجل جمع الأموال لدعم قرارات المؤتمر وأهمها مشروع الجامعة. كما أنشأ المؤتمر مكتباً دائماً في القدس له حوالي عشرين فرعاً في فلسطين وفروع أخرى في مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان بدأت، هذه الفروع، في العمل ابتداءً من العام 1932، مما يدل على الادعاءات الدولية للمؤتمر. وكان هناك ثمة حديث يدور في الكواليس عن توسيع عمل المنظمة في أفريقيا وآسيا وأوروبا (Mayer 1982, p. 269). لكن، لسوء الحظ، لم تنجح بعثات جمع التبرعات هذه، ولا سيما رحلة المفتي الطويلة لجمع التبرعات إلى العراق والهند في العام 1933، في جمع التمويل اللازم لإنشاء جامعة في القدس، أو حتي في جذب اهتمام النشطاء لعقد مؤتمر ثانٍ في المدينة، مما أدى إلى انهيار القدرة التنظيمية للمؤتمر الإسلامي العالمي بنهاية العام 1934(18). وعلى الرغم من وجود كلام عن إحياء مشروع الجامعة وعقد مؤتمر آخر في القدس في السنوات التالية، إلا أن هذه الخطط لم تسفر عن شيء وسرعان ما تم نسيانها بعد قرار المفتي الهروب من فلسطين في العام 1937.
خلاصة
يدفع انهيار برنامج المؤتمر الإسلامي العام القارئ إلى رفض حلم المؤتمر بالتضامن الإسلامي باعتباره ليس أكثر من مجرد حلم كاذب، لكن ما يثير الدهشة هو مدى الإثارة التي خلقها المؤتمر في ذلك الوقت. أشاد جورج أنطونيوس (الذي كان يعمل آنذاك في معهد الشؤون الدولية المعاصرة في نيويورك بعد استقالته من منصبه في حكومة الانتداب في فلسطين) بالمؤتمر بقوله: "لأول مرة منذ قرون، وجد الجهد الإسلامي تعبيره أخيراً في منظمة منهجية وشبيهة بالأعمال.. لا أتردد في اعتبار ذلك أهم جهد بنّاء محتمل بين المسلمين في السنوات الأخيرة، وهو جهد محفوف بإمكانيات بعيدة المدى" ( Kramer 1986, p. 135). كما تحدثت حماسة المراقبين الخارجيين، مثل جيب ونيلسن وأنطونيوس، عن قدرة المؤتمر على الاستفادة من الحماس المحيط بالأممية الإسلامية في فترة ما بين الحربين العالميتين. حيث انخرط في أعقاب الحرب العالمية الأولى، كما جادلت منى حسن في كتاب حديث لها عن الخلافة، "طيف واسع من المفكرين والنشطاء المسلمين بشكل خلاق في التحديات التي طرحتها حقبة ما بعد الحرب وسعى إلى صياغة دولية إسلامية تمثل بشكل ملحوظ التعابير الحديثة للمشاعر الدينية المتجذرة بعمق" (Hassan 2016, p. 187). كان المؤتمر الإسلامي سنة 1931 أحد أبرز هذه المشاركات الإبداعية، وبينما لم تتحقق دعوته لوحدة المسلمين، فقد كان لا يزال مفيداً في توفير مكان للمسلمين ليحلموا بمستقبل المجتمع الإسلامي. وحاولنا هنا الجدال ضد الفكرة التي ترى أن المؤتمر الإسلامي العالمي كان مضيعةً كاملةً للوقت فيما يتعلق بالنزعة الوطنية الفلسطينية من خلال إظهار الطريقة التي شدّ فيها المؤتمر انتباه عموم الإسلاميين نحو القضية الفلسطينية، باعتبارها مشكلة تخص المجتمع الإسلامي بأكمله. وقد ساعد ذلك على "تحويل فلسطين إلى مشكلة عربية وإسلامية"، وعزز "إيمان الفلسطينيين بكونهم جزءً من أمة ممتدة في غياب عاصمة محورية مثل اسطنبول" (Nafi 1996, p. 268). وكان هذا النجاح ممكناً بفضل نجاح الاستراتيجية السياسية المتسقة للمفتي، في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. وقد تمكن المفتي، في كل من الحالات التي نوقشت هنا، من تجنب اللوم البريطاني لأنشطته القومية من خلال الاستفادة من منصبه كوسيط ديني مختار للحكومة الفلسطينية وباستخدام الأنشطة الدينية ظاهرياً -جمع الأموال لإصلاح موقع ديني، ودفن زعيم مسلم بارز في الحرم الشريف، وعقد مؤتمر إسلامي دولي في القدس- لدفع رسالة متسقة بضرورة الدفاع عن فلسطين من أن يستولي عليها الصهاينة. كان المفتي أيضاً قادراً على استخدام الترابط بين الإمبراطورية البريطانية للوصول إلى عموم الإسلاميين، المتشابهين له في التفكير، عبر الإمبراطورية. وعلى هذا النحو، كانت استراتيجية المفتي السياسية مشابهةً للاستراتيجيات التي اعتمدتها حركة الخلافة أو جماعة الإخوان المسلمين، وهما مجموعتان أخريان استخدمتا الوحدة الإسلامية لتعزيز أجنداتهما القومية. غير أن فشل منظمي المؤتمر الإسلامي العالمي في البناء على زخم الحدث يثير التساؤلات حول الجدوى طويلة المدى لهذه الاستراتيجية في عالم أصبحت فيه النزعة القومية للدول الوطنية هي المبدأ الناظم للحياة السياسية فيها. لقد فشلت، في الواقع، بعثات جمع التبرعات في الهند ودول أخرى في عامي 1933 و 1934 في جمع الأموال بسبب التحول الفعلي لاهتمام المانحين نحو المزيد من الاهتمامات المحلية، مما ترك الحركة الإسلامية الفلسطينية والحركة الفلسطينية تعيش حالة مشبعة بالدعم المعنوي لكنها فقيرة لوسائل الدعم والمساعدة، وهي حالة مستمرة، كما يبدو، حتى يومنا هذا.
....
العنوان الأصلي: Making Jerusalem the centre of the Muslim World: Pan-Islam and the World Islamic congress of 1931
المصدر: https://www.tandfonline.com/loi/ycol20
المؤلف: Nicholas E. Roberts
نيكولاس إي روبرتس أستاذ مشارك لمادة تاريخ الشرق الأوسط ومدير برنامج الدراسات الدولية والعالمية في جامعة ساوث سوانزي. قد نشر مقالات عن جناح فلسطين في معرض إمباير للعام 1924، وعن التخطيط الحضري في فلسطين الانتدابية، وعن تأريخ الانتداب. وهو مؤلف كتاب "الإسلام تحت الانتداب على فلسطين: الاستعمار والمجلس الإسلامي الأعلى" (I.B. Tauris, 2016)، الذي يتناول كيفية تقاطع الإسلام والسياسة في فلسطين البريطانية.
....
ملاحظات المترجم:
* فندق البالاس(Palace) شيّده المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين في العام 1929، خلال 11 شهراً فقط، بالقرب من مقبرة مأمن الله غرب مدينة القدس، وكان صاحب فكرة المشروع المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي رغب في بنائه على الطراز المعماري الأندلسي. وتميّز الفندق بفخامته، وقد شبّهه البعض بقصر الحمراء في غرناطة. ضمّ فندق البالاس، الذي أشرف عليه المهندس التركي النحاس بك؛ 200 غرفة، 45 منها تشبه الأجنحة مع حمامات، وخصّصت ثلاثة مصاعد لاستخدام النزلاء، تمتّعوا بتدفئة الفندق المركزية في أيام الشتاء، وبالمطعم الفخم، وكلّ هذه المزايا اعتبرت في حينها نوعاً من الرفاهية الفائقة التي ميّزت هذا الفندق الفلسطيني الذي لفت الانتباه. وفي العام 1936، استولى الانتداب البريطاني على المبنى وحوّله الى مقر حكومي. وخلال نكبة فلسطين عام 1948 استولت دولة الاحتلال على المبنى بقانون "حارس أملاك الغائبين". واستعمل الفندق كمقر لوزارة التجارة والصناعة الاسرائيلية حتى العام 2003. أما الآن فقد تم تجديده من قبل شركة الفنادق العالمية "Waldorf-Astoria"، وما زال منقوشاً على واجهته الامامية بحروف بارزة " مثلما بنى آباؤنا وفعلوا نبني ونفعل. بنى هذا النزل المجلس الاسلامي الأعلى بفلسطين سنة 1929".

ملاحظات
1- انظر، Israel State Archives (hereafter ISA) 2/5/163/78/CID/S, Quigley to Civil Secretary, 4 October 1920.
2- انظر، The National Archives (hereafter TNA), FO 373/5/6.
3- الاقتباس الأول من: TNA, CO 732/47/5, Deputy Commandant C.I.D. to Chief Secretary, 18 February 1931. والثاني من: TNA, AIR 23/405. F. W. Walker, ‘World Islamic Congress’ sent to Air Headquarters, Palestine & Transjordan, 30 December 1931.
4- انظر، TNA, CAB 24/144. Captain J. E. Phillips, ‘Africa for the Africans’ and ‘Pan Islam,’ Appendix to Eastern Report 38, 18 October 1917. See also, TNA, FO 141/433/2 and FO 141/433/3 for the Foreign Office’s two-part May 1919 report, ‘Activities of the Pan-Islamic Movement, Turkish Nationalists and Bolsheviks in Asia.’
5- انظر، ISA 2/6/184, Samuel to Curzon, 24 August 1920.
6- انظر، ISA 2/6/184, Hajj Amin al-Husyani, ‘General Appeal to the Muslim World,’ . حسب ترجمة حكومة فلسطين
7- انظر على سبيل المثال: ISA 2/6/184, Oliphant to His Majesty’s Consul, Jeddah, 13 September 1923.
8- انظر، ISA 2/6/184, Scott to Foreign Office, 10 September 1923.
9- بعد التمرد الهندي، أعلنت الملكة فيكتوريا رسمياً أن الحكومة البريطانية لن تتدخل بعد الآن في الشؤون الدينية لرعاياها الهنود.
10- انظر، المكتبة البريطانية، لندن، وسوف يشار لها لاحقاً بـ BL: IOR/L/PJ/12/111, Indian Delegation to Turkey.
11- انظر، BL, IOR/L/PJ/12/111, Indian Delegation to Turkey. IOR/L/PJ/12/112, Khilafat Delegation to the Hijaz. IOR/L/PJ/12/113, Khilafat Delegation in the Hijaz. IOR/L/PJ/12/374, Maulana Mohammad Ali, Indian Khilafat delegate: movements in Middle East. IOR/L/PS/11/252, Red Crescent Delegation to the Hijaz.
12- انظر، BL, IOR/L/PS/11/261, Storrs to Chief Secretary, 21 August 1925.
13- انظر، TNA, CO 732/47/5, ‘Mr. Shaukat Ali on Islam,’ Palestine Bulletin, Thursday, 3 September 1931.
14- انظر، TNA, CO 732/47/5, Shawkat ‘Ali to Lord Passfield, 2 February 1931.
15- انظر، IOR/L/PJ/12/374, Maulana Mohammad Ali, Indian Khilafat delegate: movements in Middle East.
16- انظر، TNA, AIR 23/405 Hajj Amin al-Husayni، "دعوة صادرة عن رئيس المجلس الإسلامي الأعلى لعقد مؤتمر إسلامي عام في القدس،" كما نشرتها صحيفة الرباط الإسلامية التي تصدر كل أسبوعين في دمشق في 23 أكتوبر / تشرين الأول 1931 وترجمها مسؤولون بريطانيون إلى اللغة الإنجليزية.
17- انظر، TNA, AIR 23/405. F. W. Walker, ‘World Islamic Congress’ sent to Air Headquarters, Palestine & Transjordan, 30 December 1931.
18- انظر، BL, IOR L/PS/12/2118، . تقرير إدارة التحقيقات الجنائية الفلسطينية عن حركة الوحدة الإسلامية إلى السكرتير العام، 19 أيار- مايو 1933. ويذكر التقرير أربعة تفسيرات قدمها المنظمون لفشل مهمة جمع التبرعات إلى الهند: الانقسام بين المفتي وشوكت علي، تأثير مكافحة دعاية من قبل فصيل مصري مناهض للمفتي، والتأثير السلبي للحكومة البريطانية في الهند بالضغط على الأمراء الهنود لحجب التبرعات، وتداعيات الأزمة المالية العالمية. بيان الإفصاح لم يبلغ المؤلف عن أي تضارب محتمل في المصالح.

المراجع
Aydin, C., 2017. The idea of the Muslim world: a global intellectual history. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Azaryahu, M. and Reiter, Y., 2015. The geopolitics of interment: an inquiry into the Burial of Muhammad Ali in Jerusalem, 1931. Israel studies, 20 (1), 31–56.
Bennison, A., 2012. Muslim internationalism between empire and nation-state. In: A. Green, and V. Viaene, eds. religious internationals in the modern world: globalization and faith communities since 1750. London: Palgrave Macmillan,163–185.
Chalwa, S., 1981. The Palestine issue in Indian politics in the 1920s. In: M. Hassan, ed. Communal and Pan-Islamic trends in colonial India. Delhi: Manohar, 27–65.
Freas, E., 2012. Hajj Amin al-Husayni and the Haram al-Sharif: a Pan-Islamic´-or-Palestinian nationalist cause? British journal of middle eastern studies, 39 (1), 19–51.
Hassan, M., 2016. Longing for the lost caliphate: a transregional history. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Jbara, T., 1985. Palestinian leader Hajj Amin al-Husayni. Princeton, NJ: The Kingston Press.
Khalidi, R., 2006. The iron cage: the story of the Palestinian struggle for statehood. New York, NY: Beacon Press.
Kramer, M., 1986. Islam assembled: the advent of the Muslim congresses. New York, NY: Columbia University Press.
Kupferschmidt, U., 1987. The supreme Muslim council: Islam under the British mandate for Palestine. Leiden: E. J. Brill.
Landau, J., 1990. The politics of Pan-Islam: ideology and organization. Oxford: Clarendon Press.
Mattar, P., 1988. The mufti of Jerusalem: Al-Hajj Amin al-Husayni and the Palestinian national movement. New York, NY: Columbia University Press.
Matthews, W., 2003. Pan-Islam´-or-Arab nationalism? The meaning of the 1931 Jerusalem Islamic congress reconsidered. International journal of middle east studies, 35 (1), 1–22.
Mayer, T., 1982. Egypt and the general Islamic conference of Jerusalem in 1931. Middle eastern studies, 18 (3), 311–322.
Nafi, B., 1996. The general Islamic congress of Jerusalem reconsidered. Muslim world, 86 (3–4), 243–272.
Nielsen, A., 1932. The international Islamic conference at Jerusalem. The Muslim world, 22 (4), 340–354.
Özcan, A., 1997. Pan-Islamism: Indian Muslims, the Ottomans, and Britain. Leiden: Brill.
Pappe, I., 2003. Hajj Amin and the Buraq Revolt. Jerusalem quarterly file, 18 (June), 6–16.
Pappe, I., 2011. The rise and fall of a Palestinian dynasty: the Husaynis, 1700–1948. Berkeley: University of California Press.
Reece, S., 2014. “A leading Muslim of Aden”: personal trajectories, imperial networks, and the construction of community in colonial aden. In: J. Gelvin and N. Green, eds. Global Muslims in the age of steam and -print-. Berkeley: University of California Press, 59–77.
Reynolds, J., 2001. Good and bad Muslims: Islam and in-dir-ect rule in Northern Nigeria. The international journal of African historical studies, 34 (3), 601–618.
Roberts, N., 2016. Islam under the Palestine mandate: colonialism and the supreme Muslim council. London: I.B. Tauris.
Robson, L., 2011. Colonialism and Christianity in mandate Palestine. Austin: University of Texas Press.
Willis, J., 2014. Azad’s Mecca: on the-limit-s of Indian Ocean cosmopolitanism. Comparative studies of South Asia, Africa, and the middle east, 34 (3), 574–581.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه الاصول الفاضيه للقومية العربيه والاسلام والبيل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 8 / 24 - 07:03 )
والبيليستينيين -اما اوروسليم-اي مدينة السلام في اللغة العبريه اساس اللغات الساميه ومنها العربيه-فاوروسليم مدينة اجدادنا اليهود واخوتنا الاسرائليين وعلى الكاتب الفاضل ان يفتح عينيه وضميره وانسانيته ويرفض الفاشية ويعمل من اجل التاءخي بين السكان الاصليين اليهود والقادمين من الجزر اليونانية البليستينيين وان يلفظ الاسلام المتعفن دين القاذورات والعفونه والقتل واستباحة حرمات البشر الذي جاء بالبدو الوحوش من الصحراء واحتلوا بلداننا بالقتل واسقطوا الحضارات الخمس التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال الصلعمي وهي حضارة مصر وحضارة بلاد الرافدين وحضارة بلاد الشام وحضارة بلاد فارس والحضاره الامازيغية في شمال افريقيا -تحياتي

اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف