الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من انتصار تمّوز 2006 إلى انتصار غزّة 2022: -من هنا نبدأ، حيث أنجزت غزّة-

زاهر بولس

2022 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
حينما هدّد السيّد حسن نصر الله بأنّه سيقصف حيفا، في حرب تمّوز 2006، كان الحدث جللًا على مستوى الحرب النّفسيّة، وعند تحقيق الوعد الصّادق بقصفها رَوَّعت "اسرائيل!" قيادة ولَمَمَا، ورَوَّعت مستثمري هذه القاعدة العسكرية، الاتحاد الاوروبي والولايات المتّحدة ومن لفّ لفّهما، وانتصرت المقاومة، واصبح لتهديد المقاومة اللبنانيّة وقع التنفيذ النافذ اذا ما اخترق الكيان الصهيوني قواعد الاشتباك. وهذا ما ردع الكيان أمام تهديد المقاومة بقصف ما بعد بعد حيفا، بمعنى "مستوطنة تل- ابيب" اذا ما قصف الكيان العاصمة اللبنانية بيروت، فجَبُن الكيان.

(2)
ولاحقًا خضع الكيان لمعادلات ترسيم الحدود المائيّة بينه وبين لبنان، بعد تهديد المقاومة اللبنانيّة على لسان سيّدها بقصف منصّات ضخ الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط كاريش/ القرش وما بعد بعد قاريش، بمعنى قصف منصّات ضخ الغاز مقابل شواطيء حيفا، التي كان قد قصفها في نصر تمّوز. لكن المقاومة اللبنانيّة لم تقصف تل- ابيب، ليس التزامًا بالمعادلة والتصريح، وليس عجزًا، فلديها القدرة الصاروخيَة على التنفيذ، وانما لهلاميّة ظهيرها في الداخل اللبناني، ولانتماء العديد من الاطراف الى السعودية (تيار المستقبل- الحريري) وفرنسا (الكتائب والقوات اللبنانيّة- جعجع) وغيرها من القوى العميلة للمشروع الغربي الصهيوني!، ورغم ان أحواض الغاز الطبيعي قبالة شواطيء فلسطين تعود للفلسطينيين.

(3)
إنّ العامل النفسي في داخل الكيان، وشعور اللّمم بالهزيمة أمر ذو اهميّة قصوى، واللّمم مجاميع مستوطنين على كلّ أرض فلسطين، لا رابط بينهم ولا جامع لهم سوى اقتسام الغنائم المنهوبة، مؤقّتًا. لذا، يبحث الكيان عن مواقع ضعف ليهاجم الضعيف كي يطمئن داخله الواهن، من جهة، وكي يسوّق نفسه اعلاميًا ووعيويًا على انه لا يزال قويًا مرهوب الجانب، على مستوى المستثمرين في هذا المشروع الإجرامي، الاستعماري، الكولونيالي، العالمي، فكان حلّه لهذه الأزمة، بعد منعه من اختراق الأجواء السياديّة اللبنانيّة أن يقصف غزّة متى شاء، وفيما بعد سوريا ما بعد عام 2010، منسّقًا ذلك مع التواجد الروسي لالتقائهما الآنيّ ببعض المصالح.
(4)
حين باشر الكيان عدوانه على غزّة في الخامس من آب من العام 2022 ردّ عليه فصيل الجهاد الاسلامي الفلسطيني برشق اكثر من مائة وخمسين صاروخًا، وصل منهم ما وصل، على مستوطنة تل- ابيب بشكل مباشر في اليومين الأوائل، دون حسابات الجنوب اللبناني، لأن الظهير هو الحائط، والقصف يطال الجميع.

المهم في الموضوع ان لمم الجانب "الإسرائيلي!" اعتاد نفسيًا على الهزيمة، وعلى قصف أهم مراكزه الاقتصادية والسياسية، ولم يعد بمقدوره أن يردع أي مهاجم لمستوطنة تل- ابيب، والتى كانت أقصى المحرّمات، والردع النفسي أهم من الردع الصاروخي. فتصبح المعادلة الجديدة حتّى لحزب الله في لبنان: "من هنا نبدأ، حيث أنجزت غزّة"، ولم يعد بمقدور الكيان أن يردعه، وربما على المستوى الاستراتيجي لم يعد بمقدور حزب الله إلّا أن يبدأ حيث أنهت غزّة، التي تحوّلت إلى ظهير المقاومة اللبنانية، مستبدلة الظهير الخياني الهش في لبنان.
(5)
لماذا تمّ تعيين هذا الموعد للبدء بالعدوان العسكري على غزّة؟ إنّ المتتبع لسياسات الكيان الصهيوني يلحظ أنّ هنالك مواعيد شبه ثابتة لعدوانه إذا لم يطرأ طارئ.

أولًا: كما يفعلون قبل كل معركة انتخابيّة، وخصوصًا اذا كان رئيس الحكومة من خارج الدائرة العسكرية، مثل شمعون بيرس وايهود اولمرت ويائير لبيد، لتسجيل النقاط على خصمه السياسي الداخلي، وغالبًا ما يفشل. أما في هذه المعركة فإن الخاسر في الحالين (حقّقت أهدافها أم فشلت) فهو يائير لبيد، لأن تحقيق الأهداف يصب في جعبة وزير حربه بيني جانتس، وفي حال الخسارة يتحمّل المسؤولية وحده!

ثانيًا: تثبيت هيبة المعسكر العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكيّة، ببث الرعب وباستخدام القوّة، كي لا تفقد نفوذها في السيطرة على العالم، بعد شبه انسحابها من العراق وخسارتها فيها، وبعد خسارتها وانسحابها من افغانستان، وبعد أن هزّت هيبتها ايران في التفاوض على الملف النووي، وبعد خسارتها وحلفائها في الحرب على اليمن، وبعد خسارتها في الحرب الروسية- الاوكراينيّة، وبعد اختراق الصواريخ الصينيّة للأجواء التايوانية إضافة الى فشلها في فرض ترسيم الحدود المائية على لبنان وخسارتها في سوريا.. الخ، فهي تفرض على ركائزها تشديد العدوان على الحلقات الأضعف، بحسب تقييمهم، لايهام العالم بعدم زوال هيمنتهم!

ثالثًا: عند انشداد الرأي العام إلى حدث عالمي هام، مثل المونديال، يستغل الكيان الفرصة لقنص واغتيال وعدوان جديد.

وهكذا تتداخل محفزات العدوان العالمية بالاقليميّة بالمحليّة، لكن المحفّزات الثلاثة التي ذكرناها تنم عن بوادر ضعف لدى الكيان الصهيوني، وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكيّة.

(6)
حول وقف اطلاق النار والتنسيق المسبق وما يحدث من تنسيق قبل كل عدوان:

في إحدى مقابلاته، يعترف ايهود براك، قائد اركان جيش الكيان الصهيوني ووزير حربه ورئيس حكومته سابقًا، منتقدًا خسارة ايهود اولمرت للحرب في غزّة، لأن الحرب لها أصول، أولها التنسيق مع الدول العربية ذات العلاقة، وخصوصًا مصر، وخصوصًا في حال الحرب على غزّة، ويقول براك بما معناه أن على الكيان أن ينسق مع هذه الدول كي يحدد كم يومًا يستحمل الرأي العام العربي والعالمي، وكم من الممكن تأجيل اجتماع الجامعة العربية، ومتى على مصر ان تتدخل كوسيط من اجل وقف اطلاق النار وتشكيل تفاهمات جديدة! وفعلًا هذا ما حصل، فقد قام جيش الكيان بخرق التفاهمات السابقة بقصفه واغتياله القائد الجهادي تيسير الجعبري وفيما بعد خالد منصور وغيرهما، وهي تفاهمات الزمت مصر فيها حماس والجهاد الإسلامي، ومن المفترض من راعية الاتفاق ان تدافع عنه، لكن لا حياة لمن تنادي، فالنظام المصري السيسيّ عميل للامبريالية العالمية، وشريك في الجريمة ضد فلسطين عمومًا، وقطاع غزة المحاذية بالخصوص.

(7)
ماذا دهاكِ يا حماس! وهل التاريخ يعيد نفسه!؟

حينما دخل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، ياسر عرفات، مصيدة اوسلو، وأمسى رئيسًا رهينًا للسلطة الوطنية، لم تلتزم حماس بتطبيق الاتفاقية، فكانت تخرق التفاهمات، كصاحبة حق على كل فلسطين، لا ترتضي اقتسام الأرض، وكنا نظن بالاقتسام الوظيفي ما بين فتح- عرفات وما بين حماس، فهذا يفاوض وذاك يحسّن شروط التفاوض باطلاق الصواريخ البدائية ذاك الحين، حتّى تمّ اغتيال عرفات، رحمه الله شهيدًا، وجاء محمود عبّاس الذي سلّم قطاع غزّة، والجهاز الأمني برمّته، للضابط الأمريكي دايتون، وعمّق التنسيق الأمني مع دولة الكيان الصهيوني، التي من المفترض انها عدوّة، فانسحبت قاعدة فتح الشعبيّة نحو حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس)، لأنها رأت بمقاومتها حق مطلق على كامل تراب الوطن.

للتوثيق فإن حرب الثلاثة أيّام على غزّة خاضها تنظيم الجهاد الإسلامي وحده، مما يثير التساؤلات حول موقف حماس، وعدم مشاركتها في الحرب الدفاعيّة، وهي التنظيم المسلّح المقاوم الأكبر في غزّة! وهذا الأمر غير عادي وينقصه تبرير رسمي من قيادة حماس لم يصل بعد، مما يشرعن باب التأويلات السياسية.

المريب في الأمر أن القيادات السياسية والعسكرية والاعلاميّة في الكيان الصهيوني تناغمت على مدى ثلاثة ايام بالاعلان عن ان هذه الحرب ما هي إلا عملية خاطفة وان حماس لن تتدخل، وصدقوا في معادلة عدم التدخّل مقابل التسهيلات المعبريّة للبضائع والعمالة!

حماس تنظيم مسؤول عن حماية القطاع وتأمين قوت يومه، وهكذا كانت فتح قبله، فما الجديد!

حماس تلتزم والجهاد يقصف ويُقصف، وهكذا كانت حماس تقصف وتُقصف، حين التزمت فتح بالتفاهمات، فما الجديد!

الجديد هو التغييرات العالمية والاقليميّة ارتباطًا بتداعيات الحرب الروسية الدفاعيّة على اوكرايينا، وازدياد التقارب التركي مع الكيان الذي لم يتوقف ابدًا، والضربة التي تلقّاها حزب النهضة في تونس، اضافة الى ازدياد ضغوطات محور الذلّ المتمثل بعدة انظمة عربية تتنافس فيما بينها في الاستقواء على شعوبها وعلى الشعب العربي الفلسطيني، وتتنافس على مدى الانحطاط والانبطاح للمشاريع الغربية الاستعمارية. وكلّنا يذكر انقلاب حماس على محور المقاومة الذي تَرْأَسه ايران، أثناء الأزمة السوريّة.

وهل أرادت حماس توجيه ضربة للجهاد الاسلامي في غزة على يد جيش الكيان، لإضعاف الجهاد كتنظيم جهادي مقاوم ومنافس لها على السلطة، كما استقوت سلطة ابي مازن بالكيان لضرب حماس في السابق؟ فما الجديد؟

إنّ التساؤل مشروع من باب الاستبيان، والفصائل كلها في حراك وتغيير، وليس تخوينًا، لأن التخوين يُفقد الناس بوصلتها وثقتها بدرب المقاومة والتحرير طويل الأمد.
فهل صدقت مقولة المسرحي السوري سعدالله ونّوس بأن "الملك هو الملك"!

(8)
نتائج الحرب:
1- الكيان الصهيوني لا يملك قراره، لذا فهو غير قادر على الالتزام بالاتفاقيات أو التفاهمات التي وقّعها، ولا يأبه باحراج وسطائه، لأنّهم ايضًا لا يمتلكون قرارهم السيادي.

2- هنالك تناقض عبثي بين كون أيّ تنظيم مقاوم ويجلس على رأس السلطة! وهذا ما لمسناه من حماس في حرب الثلاثة أيّام (آب 2022)، ولمسناه سابقًا في تحوّلات حركة فتح التي ترأست السلطة الوطنيّة ما بعد اتّفاقيات اوسلو، بغيضة النتائج، سيّئة الصيت.

وأنا لا أقول أن مسار تحوّلات فتح مسار حتمي لحماس، فلغزّة المحاصرة قوانينها. لكنّي في هذا السياق أوجّه إشارة.

3- الجهاد الإسلامي هو قائد المرحلة القادمة الصاعد للمقاومة الفلسطينيّة، ما لم تتدارك حماس ذاتها.

4- الكيان الصهيوني خسر معركته أمام الجهاد الإسلامي في مستويين:

أ- ثبت انّ خط تزويد قطاع غزة بالسلاح من ايران لا زال نابضًا، وبتزايد، رغم كل محاولات الكيان ونظام السيسي العميل للاستعمار. وهذا معناه انّ القادم اعظم.

ب- كسر الحاجز النفسي لدى قوى المقاومة من عقدة ردّة فعل الكيان إذا ما قُصِفَت تل- أبيب. فبعد رشق الجهاد الاسلامي تل- أبيب بعدد هائل من الصواريخ يعلم الكيان أن الحروب القادمة ستبدأ بقصفها، من حيث انتهى الجهاد، وبهذا يُدفن ردع الكيان. وهذا ما يُسجّل لتنظيم الجهاد الإسلامي، وبامتياز.
(انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن