الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان بالعالم الخفي ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 8 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تطورت أليات السحر وفروعه من التسخير والتعويذ والتحضير ووو الكثير من الممارسات التي ترتبط بشكل أو بأخر بوجود العالم الموازي، العالم اللا مرئي وأتخذت من الدين مجالا حيويا من خلال أستخدام النصوص الدينية التي تشير لقوة فعل وسطوة على تلك الأرواح، فالعملية مجرد تدوير لأفكار غيبية تسللت للنص الديني الذي كما قلنا كان بحاجة شديدة لها، لسد الفراغات التي لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال الأستيهام والإحالة إلى عوالم اللا مدرك واللا إدراكي، هذا التخادم بين عالم السحر والروحانيات يقوم على فكرة أساسية مهمة هي أن الفاعل الديني والروحي يريد من خلال الإقرار بهذا العالم أن يبني منظومة أخرى لا علاقة لها بالدين بقدر ما لها علاقة بالسلطة التي يتزعمها من وراء ستار القوى الغيبية.
السلطة إذا هي الدافع الأساسي وراء أنتشار ظاهرة العالم الما ورائي أو العالم اللا مرئي، طبيعيا لا نقصد بالسلطة فقط التمكن من الحكم السياسي في المجتمعات المتمدنة أو المتحضرة، بل السلطة بمعناها الدلالي العام التحكم ولو على فرد واحد، السلطة هي الإحساس بلذة التحكم في مصير الغير وإخضاعه للإملاءات الأنا المتضخمة، سواء كان عبر أستغلال ضعف الأخر أو أسترهابه ذاتيا لقوى أكبر، المهم هو هذا الشعور الطاغي بأنك فوق أحد، إذا السلطة في الدين استمدت قوتها من ترويج فكرة أن أوامر الدين ونواهيه إنما هي مصدرها السلطة الأعظم، سلطة الله التي لا يمكن أن تقهر أو تكسر، الإيمان الديني والروحي هو شكل من أشكال الخضوع للسلطة وأستجابة لدوافعها مهما كان العنوان أو السبيل لها.
الساحر والروحاني من خلال التحليل النفسي والمنطقي هو أيضا من الأشخاص المتعلقين بالسلطة وحب التحكم بغيرهم، وإن كانت وسائلهم وطرائقهم تختلف عن غيرهم ولكن النتيجة واحدة، الكل يسعى للتحكم وما يتاج من السلطة من أمتيازات مادية أو معنوية، يمكنك أن تلاحظ ببساطة السلوك السلطوي عند الساحر وعند الكاهن وحتى عند رجال الدين عموما عندما يتباهون بمنزلتهم وتفردهم في الشكليات التي تظهر تميزا خاصا عن أقرانهم، إذا وجود العالم اللا مرئي له أرتباط أيضا من جهة أخرى بعلم النفس من غير ما تحدثنا عنه سابقا عن علاقته بالخوف والشكوك والرغبة في السلام، دون محاولة فهم طبيعة العلائق والقوانين المادية التي تنظم وتتحكم وتسيطر على الواقع الوجودي.
عالم اللا مرئي أو الموازي في النهاية هو الملاذ الأمن للهاربين من حقائق الوجود، أما لجهل وقلة معرفة وخبرة، أو لكسل عفلي وانشغال في مجالات غير أساسية تلبي رغبات نفسية وحاجات يستشعر الفرد بأهميتها لأنها تسد له نقص خلقي أو مادي أو حتى أخلافي، هنا يتمكن العاملون به في المجتمعات التي تكثر فيها المشاكل النفسية دون المعالجات العملية من بسط نفوذهم وسيطرتهم، وحتى يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يكونوا لوبي سياسي وأجتماعي مهم ومعقد ومتداخل في هرم السلطة الأجتماعية، دون أن يتجرأ أحد في منافستهم أو نقدهم ونقد أسس أفكارهم الغيبية اللا منطقية.
هذا فيما يخص الجن والارواح الخيرة والشريرة وطريقة فهم تعامل السحرة والروحانيين معهم، لكن يبقى الجزء الأكبر والأهم في هذا العالم اللا مرئي وهي مسألة الشيطان التي تأخذ نظريا وعمليا وبعدا أخر، له جوانب معرفية وفلسفية ودينية وأخلاقية وهو جزء من منظومة الجدل الإنساني المستمر مع وجوده الخاص والعام، الشيطان لا يمكن أن يكون مجرد عقيدة أو إيمان بوجوده بمعزل عن محددات الأنسان الأساسية التي فهم من خلالها أليات وقوانين الوجود، أنه جدل الخير والشر الحق والباطل العدل والظلم النور والظلمة، إنه المفردة الثانية في تكويننا المعرفي الواعي واللا واعي بما يقولون أنه حقيقة الوجود المطلقة.
الخير وما يقابله من مفاهيم إيجابية مثل الحق والصح والمنطقي والواجب وو الكثير مما يؤشر على أنه المتوافق مع كونية وحط المنحنى الوجودي في مسيرته وسيرورته، يكون مطلوبا بذاته ولذاته ويمثل أيضا الأستواء الطبيعي وفق أي معيار عقلي وعلمي، في الجانب الأخر كل ما هو معاكس لهذه المفاهيم ومرادفاتها يمثل الجانب المظلم والسلبي والذي بالنتيجة ينتهك ويعارض سير وسيرورة النظام الكوني وقوانينه، سواء أكانت أفكارا أو مواضيعا أو أشخاصا أو قضايا، فمن هنا نفهم علاقة الخير والشر والحق والباطل التي تجسدت بعلاقة (الرحمن _ الشيطان) ثنائية القطب ومحورية الفعل الوجود من خلالها.
فالشيطان حقيقة هو الرمز الأكبر للشر ورمز الباطل والفشل والخسارة والظلم والظلام، أي هو تعبير رمزي عن كل الانحرافات والأنتهاكات التي يقترفها البشر ضد النظام الوجودي معادلات وقوانين وقيم، فهو في الحقيقة رمز معنوي وأعتباري ودلالي عن كل القيم السلبية التي صاغها التصور الذهني البشري في باكورات تفكيره الأول، حينما كان يجهل الكثير من الحقائق والقياسات والمعايير المنطقية، وترسخ هذا الأعتقاد القيمي ليتحول إلى إيمان ومنطق طبيعي نظرا لوجود الصراع بين الحق والباطل، الذي يختزل بين التوافق والتماهي مع النظام الكوني وخلافه، وعندما نضجت فكرة الدين حضوريا كان الشيطان أحد أهم وأبرز شخصيات الفكر الديني الذي حمله ويحمله بشكل مباشر تحريض الإنسان على المعصية، المعصية هي التي تعني عصيان القوانين الكونية ومحاولة أنتهاكها وعدم التقيد بها.
إذا ما يعرف بالشيطان ضمن مؤسسة العالم اللا مرئي ليس أكثر من تفسير تبريري لما هو حلاف الطبيعي فيه، خلاف الحق الحقيقي وكل ما هو وجوبي لازم متوافق مع سيرورة الوجود الطبيعية والتاريخية، ليس شخصا مستقلا ولا موضوعا منفصلا عن عالمنا المرئي والمحسوس، لكن الصورة الذهنية النمطية التي عاشت منذ ولادات التفكير البشري الأول، لم تتغير ولم تتطور مع كل المنجز المعرفي البشري، وبقى الشيطان ذلك العملاق الذي يضرب سلوكنا ومواقفنا بل ويجردنا حتى من إنسانيتنا وما هو إلا وهم وظن، الشيطان في النهاية هو الجزء السيء الذي نتبرأ منه دوما عندما نقع في المحاسبة أو تأنيب الضمير، الشيطان هو خديعة العقل المرغم على قبول المسلمات دون فحص ونقد وتشكيك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س