الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوكر أو الأقنعة الموروثة

عبد الله خطوري

2022 / 8 / 26
الادب والفن


يبدو أن سؤال:لِمَ يهتم شبابنا بمتابعة أحداث أفلام الأكشن الانتقامي من قبيل (جوكر/Joker)، الذي عُرض بقاعات السينما المغربية بدبلجة فرنسية غير مستحبة من لدن الجيل الصاعد من اليافعين واليافعات الذين ألفوا اللسان الانجليزي في تعالقاتهم بهوليوود ونظيراتها، وهذا إشكال آخر سأعود اليه لاحقا؛ يبدو هذا المعطى سؤالا بسيطا ملتبسا في آلآن نفسه..أنحن إزاء آستمرارية في إنتاج بضاعة استهلاكية بمقاس هوليوودي ينشر نمطا في تلقٍ أريد له عن طريق حملة دعائية غير هينة أن يكون موحدا في العالم بأسره؟أنحن أمام صَرعة من صرعات تعالق مع مجرد فيلم سرعان ما تزول بالسرعة التي تظهر بها، كما حدث مع أفلام أخرى عَرفت إقبالا مثيلا أو اكثر في السنوات الفارطة أم أن هذا الإقبال الشبابي الجماعي نتاج عوامل متشابكة يؤثر بعضها في بعض لتنتج ما نخاله ظاهرة اجتماعية نفسية وثقافية عامة؟؟
الفيلم هو من نوع الإثارة النفسية الدرامية أنتج عام 2019 من إخراج تود فيليبس، سيناريو سكوت سيلفر وتشخيص خواكين فينيكس في دور الجوكر.تجري الاحداث عام1981 في نوع من الفلاش باك يسترجع بداية الفتى"آرثر فليك"الممثل الكوميدي"الفاشل"الذي يتحول بالتدريج إلى حياة الجريمة والفوضى في مدينة ديستوبية رمادية قاتمة"غوثام"عامرة بكوابيس يعيش في دُوارها الضيق الخانق للانفاس سكان من الطبقة المتوسطة أو العمال المفقرين ضحايا جبروت غول رأسمالي متسلط متوحش يجهز على إنسانيتهم عن طريق تفعيل دواليب متعددة لا ترحم.بدايتها سجن الاشغال اليومية القاهرة،ونهايتها التي ليست لها نهاية إعلام بصري سمعي يفعل ما يشاء في الفرد والجماعة أنى شاء كيفما شاء لخدمة تسويق منتوجات شركات لوبي الاغنياء المتحالفة مع السياسة والسلطة والمتسلطين قصد تمرير الرسائل المشوِهة لارادة الانسان وآدميته، لنلفي سكان مدينة غوثام التي ترمز لنيويورك او غيرها من مدن الامريكان، مجرد أرقام وأشياء وبضائع وسلع مفرغة من كينوناتها الروحية غارقة تحت سلطة نظام مالي ديكتاتوري شمولي يرفع شعار الديموقراطية متشدقا بالحرية أولا ساعيا الى الإكثار من عدد ضحاياه وجعلهم مطوقين محاصرين داخل مزرعة حيوانات مروضة او زريبة سجن"اُورْوِيلِي"(نسبة الى جورج اورويل)مَحْشورين في متاهات ذهاب اياب من..الى..تحت وقع مطارق خراسانات الاسمنت المسلح وضغط الحديد الصلب المتعالي وخنق اعلام مبهر فاتن مرهق سالب للإرادات مستنزف لطبيعة الانسان سانّ أسلوب بروباغوندا يشوه الحقائق يفسد الحياة الآدمية الاجتماعية ينخر نفوس المقهورين يزيدها قهرا ليصنع من وجودهم المفترض حضورا ميكانيكيا آليا يختنق أصحابه يلهثون بلا جدوى في تحسين أوضاعهم المزرية..في هذا الجو الكابوسي..يدق"آرثر فليك"دقات عُروضه غير المنتهية.. دق دق دق..في صِغري كنت أكره المدرسة..يعقبها بنوبة من ضحك هههااا هستيري عصابي مَرضي، ليختلط فضاء العرض/الخيال بفضاء الواقع الذي لا يرتفع..تذكرنا الدقات التي يدقها مهرج عروض مدينة المسوخ بنوع آخر من القرع سمعه آخر انسان عاش على هذه البسيطة بعد آنقراض كل الأنام، ولَكُم أن تتصوروا حجم الانتظارات والتوقعات التي يمكن أن تدور بخلد هذا النوع من الإنسان الوحيد المفرد المنعزل الواقف القابع حائرا بين الاقبال والادبار بين الفتح والغلق بين المواجهة والفرار سيظل السؤال الإشكال الملغز مطروحا بلا هداية..من تراه وراء الباب..وحتى إذا قرر وعزم وفتح انساننا الاخير بابَه الموصدَ أخال انه لن يجد أبشع من غوثام المدينة التعيسة الغاطسة حتى النخاع في غابة أنارشية فوضوية يأكل القوي فيها الضعيف بسادية سخيفة، يواجه فيها المستضعفون فوضى الدولة والنظام والسلطة المقننة بفوضى مقابلة موازية مضادة،عنف مقابل عنف؛ بل إن هؤلاء الضعفاء يكيل بعضهم لبعض المكائد والحيل كما فَعل أحد رفقاء آرثر في العمل مما سبب له مصيرَ مَن بحث عن حتفه بظلفه...
من هنا،وجدَتْ شخصيتنا الرئيسة نفسها تتحول تدريجيا من مهرج يسخر منه الجميع الى مهرج ساخر من نفسه والحياة برمتها بعد ان لم تسعفه هذه الحياة في تمتيعه بادنى شروط الانسانية ليكتشف نفسه،بعد أن كان مهمشا،في مقابلة حقيقة لوجود جاحد أورثه ميلادا لقيطا نكرة ملقيا ببدنه على قوارع شوارع مترعة بركام قمامات بيولوجية سخيفة تقتاتها الفئران والجرذان وصراصير الليل وهوام النهار في عوالم من طاعون يسبق الطاعون بلا ام بلا اب بلا ماض بلا حاضر بلا مستقبل بلا زمن(هنا تحاول فلسفة الفيلم رفض وتجاوز العقد النفسية المتناسلة عبر الزمن الحضاري للانسان..عقدة اوديب عقدة قتل الاب عقدة نرسيس وغيرها عبر بناء فلسفة امريكية بديلة)..كيانا هشا أضحى جوكر منتوجا قميئا ملخصَ مجموع خصي الآخرين مورست عليه شتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي في صِبًى لا يتذكر منه شيئا(هنا يقع الفيلم بكل وضوح في براثن ما رام تجاوزه،بغرقه في مهامه بؤر التحليل النفسي البسيكاناليز الذي يرجع جميع العلات النفسية الى لحظات حرجة من اعمار الطفولة..)مما ولد لدى آرثر اليافع ذاكرة بندوب لا ذاكرة لها..سَهْل وصعب في آن أن يصاب انسان على هذه الشاكلة بمسخ يشوه كينونته،سهل لأن ما لجرح بميت ايلام،صعب لان صاحبنا ظل رغم الجو الخانق والحياة العصية متشبتا بامكانية اقتناص لحظات عاطفية أفضل تعوضه الأمومة المفتقدة والابوة المنعدمة(علاقته بجارته السمراء في البناية المشتركة..)، بيد أن طوفان الوباء اذا حل فانه يحل دفعة واحدة جارفا الاخضر واليابس وما بينهما سيان..لتبدأ سلسلة ردود الأفعال الجرائم المبررة وغير المبررة التي تقع تباعا يعاينها المشاهدون الشباب بنوع من الاستيهام ربما او التعاطف ربما أو بمسافة معينة نصيبُ الوجدان فيها اقل من مساحة العقل ربما أو ببصيص من احكام العقل واستحضار العين الفاحصة الناقدة المتاملة في خبايا كواليس وابعاد المَشاهد والصور..مَن يدري..لنعود بالتالي الى اشكالنا المطروح سلفا..ما سبب هذا الاقبال على هذه العينة من الافلام المستعادة أو الولع بمثل هذا المنتوج الذي لا يخرج عن عادة هوليوود في طرح مواضيعها التي تصل الى حدود الاجترار؛ فالقصة نفسها تكرار وقائع فيلم"ملك الكوميديا"أخرجه عام 1981 مارتن سكورسيز من تشخيص روبير دونيرو صاحب تاكسي درايفر(نستحضر هنا تناص مشهد تمرن السائق على استعمال المسدس امام المرآة، الشيء نفسه يفعله جوكر آرثر، ثم تناص صعوده تارة وهبوطه في درجات احد الشوارع بطريقة رامزة تومئ ربما الى التراوح بين الانحدار الى عوالم هاديس والرغبة في الانعتاق منه،ثم تقليده لرقصات الساموراي_المبالغ فيها_بعد كل عراك او نزال يخوضه في دهاليز شوارع المدينة المعتمة ثم تعالقاته بالمرآة وما شابه من تيمات...)..دونيرو 1981 هو نفسه الذي مثل هنا دور الاعلامي الذي يعجب به آرثر ثم ينتقم منه بعد آكتشافه آلاستهزاء العلني الذي مارسه ضده..عُنف جوكر رد فعل ضد عنف آخر، عنف غير معقلن، عنف استجابة لمثيرات قبْلية(المدرسة السلوكية حاضرة هنا كما هو ملاحظ..)، لتتحول قيمة الشر المطلق النمطي من شر عبثي أو فطري في الانسان او شر من اجل الشر نفسه الى شر مقابل شر، شر في مواجهة معركة مبررة، وليس"باطمان"، ذاك الوجه الثاني من العملة، بأقل اتصافا بخصيصة الشر هذه، فكما أن أجيالا سابقة تعاطفت مع الرجل الخفاش(في فيلمنا مازال باطمان بروس طفلا صغيرا في مشهد زهرة آرثر السحرية ومشهد مقتل والديه)، معتبرة اياه المخلص من مُشاغبي الوئام المدني عن طريق تقديم قصته الانسانية ضمن سلسلة متتالية شهدت إقبالا كبيرا على الساحة الامريكية،فان الانتاج الصناعي الحالي البافلوفي السلوكي بامتياز مُصَوب بعناية ليبلغ مقاصده مرة أخرى بتركيز شديد الكثافة في اتجاه معاكس، نعم..لكن غير متناقض، يروم اكمال الصورة واظهار الشخصية الامريكية في توليفتها المختلطة الفسيفسائية، مزيج بين قيم متعددة، ما نخاله شرا ليس شرا بالضرورة، ما نعتقده خيرا ليس خيرا حتما.. انه العالَم الامريكي الذي لم تعترف به امومة ولا ابوة رغم الحاحه الوجودي في البحث عن الجذور الموروثة..لا ماض للكينونة الأمريكية..هي حقيقة تواجهها في حاضرها الصارخ..لا حضارة عريقة سابقة كما لدى اليونان والرومان والفرس والشرق الأدنى والأقصى..فليكن الحاضر، إذن، نبوءة مستقبل جديد يعاد فيه النظر في جميع القيم المتناسلة عبر الحضارات.. نحن هنا في ارض بلا ماض بلا حياة سابقة بلا جينات او بصمات مورثة..فيلأت الهدم إذن..هدم هذا اليباب من اجل صناعة امريكا جديدة بلا ثقل حضاري زائف، بحضارة بديلة لجميع الحضارات الآبقة التي يجب التمرد عليها وممارسة الفوضى في وجهها...من هنا تمرر رسالة صناعة الرفض الامريكي ويبرر العنف الامريكي..انه دفاع عن النفس عن الهوية عن الكيان الذي لا يشبه باقي الكيانات والهويات..هي رسالة موجهة للاستهلاك العالمي برمته، خاصة(الفئة العمرية ما بين عشر سنين الى العشرين ونيف)..من هنا خطورتها القصوى..وهي الفئة العمرية التي يستهدفها عموما مُنتِجو صناعة الوهم والتوهيم الامريكيين، وما تحولات أقنعة زورو وجميع المقنعين في العناوين التي تنتهي أعجازها بملحق(...مان)سبيردمان سوبيرمان ايرون مان... وغيرها الا دليل على هذا اللهاث المحموم وراء تصنيع استهلاك متحكم فيه من خلاله يتم انتاج صناعة أنماط استيريوتيبات اومبالاجات(stéréotypes ,Emballages)تُحْشَر في فخاخها أمخاخ وحلوم الفتيان والفتيات الذين يجدون أنفسهم مشخصين بمكر غير بريئ ضمن هذه القوالب الصناعية المتقنة التوظيب تُلَخص وتُشخص حيواتِهم الانتقالية بين طفولة دارسة ونضج غير معترف به(هولك،فومبير، المستأذبون"وُولف"...)أوَلا يمكن رؤية الاشياء من هذه الزاوية بخصوص فتياننا وفتياتنا في سوق سينيمائية اريد لها ان تكون عالمية فكَاااانَ..لا جديد هنا في جديد هوليوود رغم ما قيل وسيقال..ربما هناك نوع من الجدة في نوع التلقي الذي تجاوز برغبة ثقافية متحولة(التحول مرة اخرى ههه)الدبلجات الفرنسية التي ألفتها الاجيال السابقة وتمجها ذائقة شبابنا حاليا وهو ما يؤشر على تغيير في نمط الاستهلاك الحالي، من لغة وسيطة الى لغة اصل، من فرنسية غير مبررة الى انجليزية بألسن ولكنات متنوعة عبر تنوع جنسيات بلدان الافلام، من قاعة السينما الى روابط عوالم الافتراض.. تَحول أخاله ايجابيا بعدما وسع من دائرة نفعيته، جعلها تشمل قراءة الروايات والكتب العلمية باصولها الانجليزية الشيء الذي يتجاوز تلقينا السابق لا محالة..في فتوتنا عايننا بدَورنا سينما الولايات المتحدة الامريكية المنتَجة في الخمسينيات والستينيات وقبلها وبعدها وأعْجِبنا نحن كذلك كما يُعجب الآن اولادنا ب"جوكيرهم"بجوكيرات تلك الازمنة من نوع آخر جسد أدوارها أمثال"جيمس دين"في سلسلة افلام ابرزها تلك التي اخرجها البولندي"اليا كازان"، جيمس دين حضي آنئذ باهتمام اعلامي زائد خصوصا بعد الحادثة العبثية التي اودت بحياته وهو بعد في الاربع وعشرين خريفا، أوَلَيس هذا المصير الذي لقيه جوكير آخر لقي حتفه هو الآخر جراء جرعة زائدة من هلوسة زائدة او نتيجة وقوعه ضحية القناع الذي تلبسه أكثر مما لبسه..شخصيا، في أعوام مراهقتي، كنت أجدني دائما ميالا الى التعاطف وأدوار "اونتي هيغو/ضد البطل"، لم تك تجذبني اقنعة الوسامة القوية المقتحمة المحبوبة من لدن الجميع/خصوصا النساء..وكم كنت أستهجن هذه الادوار تَقيئها الافلام العربية المصرية والهندية، واستهجن من يقوم بها أو يعززها بأدوار ثانوية كنت أرى فيها تلابيب ظلال بطولة متوهمة ليس الا..الافضل من ذاك وذا في نظري، كنت أرى حينئذ، أدوار شخوص غريبة"فشي شكل"ملتبسة ملغزة غير مفهومة تجد ظالتها في التشويش على حياة الدَّعة والهناءة التي يمارسها المترفون المنعمون ومَنْ هُم أكثر حظا في الحياة غير العادلة..وبقدْر استهجاني للاقنعة الاولى بقدْر ما كنت أمج نمطا آخر من الاقنعة تمارَس عليها انواع العذابات، يتقبلها اصحابها برضى وهوان وذل واستجداء لشفقة صفيقة ترسخ الضعف وتشرعن وجوده..ورغم محاولات وتمرد(كوازيمودو)ونظراؤه الا ان الشخوص التي تمنيتها ورحت اتقمص طبائعها وامزجتها في احلام يقظتي ومنامي سواء بسواء، تلك التي كانت تجسد دور القتلة المختفين غير المعروفين..(مثال دور القاتل في فيلم:(Two-Minute Warnin)بترجمة..(Un Tueur dans la foule) سنة1976..الذين يمارسون هواية الانتقام باحترافية باردة الدم بلا عاطفة بلا دموع رغم نهايتهم الحتمية التي تفرضها السينما الأمريكية المتشدقة في ظاهرها بأفضلية انتصار الخير على الشر في مقاربات روتينية كنت اراها منذ يفاعتي غير عادلة؛ لذلك رحت أتملص منها عن طريق تنويع استهلاكيَ السمعي البصري بأنواع مختلفة من فنون الافلام شرقا وغربا..هذه الارادة في التنويع، هي ما أرجوها لناشئتنا..عليهم ان لا يقتصروا على مجرد استهلاك شكل محدد سلفا من اشكال الاستهلاك السينيمائي، عليهم السفر عبر مختلف التجارب للتخلص من شرنقة وراثة الاقنعة المراد توريثها..وحدها مقاربة شمولية للمواضيع وطرق الخطاب واشكال التعبير السينمائية في العالم، تمكننا جميعا من خوض غمار معيش آني مستقبلي مترع بأغذية فنية راقية لا تبعية فيها ولا عبودية أليس كذلك يا جوكيييرُ ههههااااا.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما