الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 95

ضياء الشكرجي

2022 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قُل أَأُنَبِّئُكُم بِخَيرٍ مِّن ذالِكُم لِلَّذينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَأَزواجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَّرِضوانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصيرٌ بِالعِبادِ (15) الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا فَاغفِر لَنا ذُنوبَنا وَقِنا عَذابَ النّارِ (16) الصّابِرينَ وَالصّادِقينَ وَالقانِتينَ وَالمُنفِقينَ وَالمُستَغفِرينَ بِالأَسحارِ (17)
ثم تعرض الآية (15) ما هو أفضل من «الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالبَنينَ وَالقَناطيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعامِ وَالحَرثِ»، كل ذلك الذي ما هو إلا «مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا»، وهذا الأفضل من كل ذلك هو أن يتقي الإنسان ربه. وعلينا أن نفهم معنى التقوى، لنحكم على مدى اعتبارها من الصفات التي يستحق عليها الإنسان الثواب الموعود به قرآنيا. سبق وبينا أن صفة (المسلمون)، بمعناها الفقهي لا العرفاني، هي المرتبة الدنيا التي تمنح الإنسان جواز المرور إلى الجنة حسب القرآن، وأعلى منها درجة هي صفة (المؤمنون)، أما صفة (المتقون) فهي مرتبة أعلى من عموم المؤمنين، وأعلى مراتب المتقين قرآنيا هي مرتبة (الأبرار). والتقوى أصلها الاتقاء كمصدر للفعل اتقى يتقي، أي يتوقى خطر ما يخافه، فهو كما يعبر خوف إيجابي، ففي الوقت الذي لا يتخذ الخائف خوفا سلبيا أي غير فاعل أي إجراء وقائي لدرء خطر أو ضرر أو أذى ما يخافه، يقترن خوف الخائف خوفا إيجابيا بفعل وترك يقيانه ما يخافه. المعنى بهذه الحدود جميل وبليغ ودقيق، ولكن إذا نظرنا إلى ما يعنيه القرآن بالتقوى، فهي مشروطة أولا بالإيمان بالله ثم الإيمان بمحمد رسولا مرسلا من الله وبالقرآن كتابا منزلا منه، وبالإسلام دينا وشريعة يلتزم بها المتقي، أي الإتيان بالعبادات الواجبة واجتناب المحرمات التي حرمها الإسلام، علاوة على الإيمان بثوابت الإسلام، كالإيمان بالرسل والكتب والملائكة والجن وبوجود الشيطان والبعث والنشور ويوم الحساب والجنة والنار إلى آخر القائمة. وإلا فلو كان معنى التقوى هو الاستقامة والتحلي بالنزعة الإنسانية والعدالة وفعل الخير، بقطع النظر عن الإيمان أو عدم الإيمان بالقضايا الغيبية، وبقطع النظر عن أداء أو عدم أداء ثمة عبادات، فهذا ما يستحق بضرورات العقل الثواب والنعيم، ولو ليس بالضرورة بالصور التي عرضهما بها القرآن، ولا بما عرضته سائر الأديان. ولكن هناك معنى جميل من بعد ذكر الثواب بجنات «تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ» وبعد تأكيد أنهم سيكونون «خالِدينَ فيها»، وهناك آيات أخرى تؤكد أنهم سيكونون «خالِدينَ فيها أَبَدًا»، ثم إلى جانب الجنات والأنهار فلهم فيها «أَزواجٌ مُّطَهَّرَةٌ» ولكن الأهم من كل ذلك هو «رِضوانٌ مِّنَ اللهِ»، وفي آية أخرى يذكر «رِضوانٌ مِّنَ اللهِ أَكبَرُ»، فإن رضوان الله عند المؤمن أهم من كل أنواع النعيم والملذات الموعود بها في القرآن، ولكن هذا ليس عند كل مؤمن، بل عند ذلك المؤمن الذي يكون لسان حاله «ما عبدتُّك خوفاً من نارِك ولا طمعاً في جنتِك بل وجدتُّك أهلاً للعبادة فعبدتُّك». ثم تبين الآية أن الله «بَصيرٌ بِالعِبادِ»، وبالذات بأولئك «الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنّا فَاغفِر لَنا ذُنوبَنا وَقِنا عَذابَ النّارِ»، ثم تصفهم الآية التالية بأنهم من «الصّابِرينَ وَالصّادِقينَ وَالقانِتينَ وَالمُنفِقينَ وَالمُستَغفِرينَ بِالأَسحارِ». بلا شك إن الصبر والصدق والإنفاق من الصفات الممدوحة المستحقة للمكافأة، مع وجود المكافئ العادل. أما الاستغفار، فهو إذا استثنينا البعد الغيبي، أي بطلب المغفرة من الله للذنوب المرتكبة من المستغفر، فهي تؤشر إلى ضمير حيّ يؤنب مرتكب الفعل السيئ فيشعره بالندم، مما يكون دافعا إلى مراقبة نفسه كي لا يكرر ذلك الخطأ، خاصة إذا كان بحق إنسان آخر، من إسماعه كلمة جارحة، أو إساءة الظن به، أو هتك كرامته، أو غمط حق من حقوقه. أما شعور المتدينين دائما بالذنب، حتى لو لم يرتكبوا شيئا مما ذكر، بحيث إذا أخر صلاته عن وقتها أو نظر إلى ما هو محرم، أو مارس الاستمتاع الذاتي المعروف بالعادة السرية، أو أكل ما يشك في تذكيته من الطعام، أو جالس صديقا أو أي شخص على مائدة عليها خمر، أو استمع إلى نقد للدين أو استهزاء به ولم يطلب تغيير الكلام أو مقاطعة المجلس عملا بالآية «وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذَن مِّثلُهُم إِنَّ اللهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا»، أو تكاسل في الذهاب إلى صلاة الجمعة، أو لم يتلُ القرآن يوميا، أو صادق (كافرا) أي غير مسلم، وحمل مشاعر الود تجاهه، مما قد يعد مصداقا لتولي الكافرين المحرم على المسلم حسب القرآن، وإلى غير ذلك مما يشعر المتدين بالذنب إذا قصر فيه، فيستغفر ويتوسل إلى الله أن يتوب عليه باكيا أو محاولا البكاء بين يدي الله، مما ليس فيه ظلم أو عدوان، بينما نادرا ما يشعر أكثر المتدينين بالذنب لما قد يصدر منهم من سوء معاملة تجاه الآخرين والتجاوز عليهم بأي نحو كان مما مر ذكره وغيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد