الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة المرأة المغربية في المجتمع المغربي : مقاربة سوسيولوجية تفهمية

عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)

2022 / 8 / 29
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لا شك أن هناك معان ودلالات تطرحها تلك الصورة التي يركبها المجتمع التقليدي المغربي عن المرأة المغربية من خلال ما يبنيه من ثقافة شعبية. فالمرأة المغربية كائن عاش، لقرون عديدة، الغبن الاجتماعي والثقافي بجميع مقاييسه. الشيء الذي جعل هذه الصورة، بفعل هذا الغبن، تكون مشحونة بحمولات رمزية مكثفة وجد مركبة.
وما دام موضوعنا، الذي نتناوله، مرتبطا بدلالة هذه الصورة، وبمختلف مرجعياتها وسياقاتها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، فالأمر بات يستدعي معه التفكير في إيجاد طريقة منهجية للتعامل معه، ومقاربته بشكل علمي وازن.
وعليه ، يمكن القول، أنه ما دامت صورة المرأة المغربية كما تقدمها لنا ثقافتنا الشعبية ، قد عولجت بمقاربات وصفية تفسيرية ، من باحثين مغاربة و غير مغاربة ، فقد بات الأمر ، يستدعي منا النظر إليها في شموليتها ، و اعتبارها ظاهرة سوسيولوجية بامتياز، و معالجتها وفق مقاربة سوسيولوجية و سيميولوجية ؛ إذ ليس من السهل الإحاطة بهذا الموضوع إحاطة شمولية ؛ ذلك أن الاقتصار على المقاربة الوصفية لهذه الظاهرة لن يفيد الباحث الجاد شيئا ، إذ سيكتفي فقط بتناول مختلف عناصرها بشكل تقريري، أي إعادة إنتاج ما يقرره الواقع الاجتماعي من أحكام و مواقف حول قضية المرأة المغربية، لا أقل و لا أكثر .
إن تحليل صورة المرأة المغربية، كما تسعى الأمثال الشعبية إلى تقديمها لنا، تحليلا سيميولوجيا وسوسيولوجيا، سيسعفنا، ولا ريب، في تلمس عوالم خفية تطرحها لنا تلك الأمثال الشعبية؛ بحيث يمكن معها، تلمس "اللامفكر فيه " الذي تصوغه لا شعوريا ثقافتنا الشعبية الغنية بالدلالات والرموز والأشكال التعبيرية المختلفة. ذلك أن رسم ملامح تلك الصورة النمطية المجتمعية هي إعادة إنتاج لها في شكل كليشيهات وصور ذات مضامين وأبعاد سوسيولوجية وإنثروبولجية بالغة الأهمية لدينا. فلا يمكن، والحالة هذه، الاقتصار على ما يقدمه الواقع الاجتماعي من تمثلات وتصورات عن المرأة المغربية نتيجة نظرته الثابتة والراسمة لإيقاعات زمن سيكولوجي بطيء، بل ينبغي الانطلاق من تلك التمثلات وتلك التصورات وتلك النظرة الاجتماعية لبلورة وصياغة نموذج تحليلي قادر على فهم الظاهرة انطلاقا من أسسها ومرجعياتها الثقافية والاجتماعية والدلالية التي تشكلها.
إن الانطلاق من هذا التصور الموضوعي والمنهجي بالغ الأهمية، يدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة الهامة: ما هي دلالات صورة المرأة المغربية كما تطرحها لنا الثقافة الشعبية المغربية كصيغ تعبيرية متجلية في الأمثال الشعبية المغربية؟ وما هي أسسها الأنثروبولوجية والسوسيولوجية المشكلة كقاعدة عامة للمجتمع المغربي التقليدي؟ وبأي معنى يمكن فهم خلفيات هذه الأسس وهذه المرجعيات الثقافية والاجتماعية والدلالية المؤطرة لها؟ إذا كانت هذه الصورة التي ركبها المجتمع المغربي حول المرأة ووضعيتها الاجتماعية داخله تسعى إلى تنميط القواعد السلوكية، وبالتالي جعل هذه الأخيرة تشكل قواعد مساهمة في تكريس البنيات التقليدية داخل المجتمع، أفلا يكشف كل ذلك عن نوع من "جبرية " و "حتمية " اجتماعية، مسيجة لكينونة المرأة المغربية، بحيث يجعلها وكأنها قدرا لا مفر منه؟ وبأي صيغة نظرية ومنهجية يمكن فهم هذه الصورة النمطية حول واقع المرأة المغربية؟ وبأي مستوى يمكن إعادة تشكيل ما يطرحه المتخيل الشعبي وما تنشئه تلك الصورة من تمثلات اجتماعية وثقافية حول هذا الواقع؟ وهل ينبغي الاكتفاء، في رصد هذه الظاهرة، بالوقوف عند المقاربة الوصفية التفسيرية، أم يتطلب الأمر التسلح بعدة مفاهيمية ذات نجاعة علمية إجرائية، لمقاربتها، مقاربة تفهمية؟
لا ينبغي، كمحاولة للإجابة عن بعض من هذه التساؤلات، الوقوف، فقط، عند رصد المجتمع الذكوري، وإبراز مختلف تجلياته السلطوية المؤثرة تاريخيا واجتماعيا وثقافيا على وضعية المرأة المغربية، كما درجت بعض الكتابات على " تأصيل " هذه الموضوع وجعل مسألة رفع الحيف والغبن عن واقع المرأة مرهون بانحسار " ذكورية " هذا المجتمع وزوالها، بل ينبغي بلورة رؤية سوسيولوجية جديدة.. رؤية ذات نقد مزدوج: نقد للموروث الثقافي يتوخى، من جهة أولى، نسف قواعد مختلف المركزيات ومحاولة الالتفات لمختلف هوامش هذا الموروث الثقافي بغية الانصات لأصواته المقموعة، ومن جهة ثانية، يتوخى أيضا نقد الأسس السوسيولوجية والثقافية التي انبنى عليها مجتمعنا المغربي بُعَيْدَ التغلغل الكولونيالي، ذلك التغلغل، الذي استحدث أنماطا ثقافية ذات أبعاد حضارية أوروبية، وغرسها بالقوة في لحمة مجتمعنا المغربي التقليدي، فغذا هذا الأخير، مجتمعا حداثيا في الظاهر، وتقليديا في الباطن.
هذا، فكل صيغة معرفية ومنهجية، تسعى إلى تحديد هذا الموروث الثقافي المغربي الضارب بجذوره في القدم، ستبقى ذات فائدة ضعيفة، قد لا تفيد التحليل السوسيولوجي بشكل كبير وعميق، إذا لم تأخذ في الحسبان هذه الإشكالية الكبرى، إشكالية طبيعة العلاقة بين الحداثي والتقليدي، وأثرها السلبي على وضعية المرأة المغربية داخل المجتمع. فمسألة جعل الحداثي يتعايش مع كل ما هو تقليدي داخل المجتمع المغربي، والذي يترجم ذلك الخيار «الحضاري "الذي تبنته الدولة المغربية الناشئة، بُعَيْدَ الاستقلال، هي مسألة شائكة، جعلت المغرب المعاصر، يرسم مستقبلا لبناته ولأبنائه، عبر الدخول في مسلسل "التحديث" لمختلف بنياته دون الحسم في بعض قضاياه المصيرية الشائكة، كالأمية والفقر والتبعية للغرب الرأسمالي.
لا ينبغي، بناء على هذه الخلفية النظرية و المنهجية ، التي انطلقنا منها لهذا الموضوع الشائك ، الاكتفاء بالقول، كباحثين في مجال السوسيولوجيا، بأن هذا الغبن الاجتماعي الذي تعيشه المرأة المغربية ، والذي أصبح يشكل جزءا من حياتها النفسية والاجتماعية ، وكينونتها الفردية ، وهذا «الظلم الاجتماعي " الذي تكابده المرأة طيلة قرون عديدة ، هو مرتبط أساسا ، بالهيمنة الذكورية و بطبيعة المجتمع الذكوري المؤسس لكل عادات وأعراف وتقاليد المجتمع التقليدي المغربي ، بل هو مرتبط ، وهذا هو بيت القصيد ،بإشكالية التقليد والتحديث، وبخلفياتها المرجعية المجتمعية متعددة الأبعاد. إشكالية كان أساسها الصراع التقاطبي الخفي والمعلن، في نفس الآن، ما بين الحداثي والتقليدي داخل بنية المجتمع المغربي المعاصر.
فإذا أردنا تناول هذه الظاهرة تناولا عميقا، فينبغي الانطلاق من مستوى تحليلي وتركيبي لمختلف معطياتها، مبلورين لرؤية سوسيولوجية رائدة وطموحة، تتوخى الدقة والأصالة في التحليل والتناول الموضوعي ذي المقاربة التفهمية وليس التفسيرية.
فإذا كانت، على سيل المثال لا الحصر، الأمثال الشعبية ممثلة لصور التمييز ما بين الذكر والأنثى في المجتمع المغربي التقليدي، والذي تعاني منه فئات عريضة من النساء والفتيات، خاصة في الأوساط القروية، فإن مرد ذلك، سوسيولوجيا، هو النسق التربوي الذي يخضع له الطفل المغربي، المتسم بالتقليد وغلبة ما هو مرتبط بالهوية التقليدية التي تأسست منذ أحقاب زمنية جد سحيقة. فإذا لم نخضع هذا النسق التربوي التقليدي لمحك النقد السوسيولوجي، مع إبراز مختلف تجلياته وانعكاسات هذه الأخيرة، سلبا أو إيجابا، على الشخصية المغربية، فإن مجهودنا التحليلي سيكون عبثيا، ولن يرقى إلى مستوى تحليلي نرجوه أن يتناول الظاهرة بعمق كبير.
وعليه، يمكن القول، انسجاما مع هذه الرؤية التحليلية لهذا الموضوع، أنه إذا أتثبت المرأة جدارتها وقدرتها، ارتباطا بوضعيتها الاجتماعية الحالية المتسمة بالتجدد، لدواع اقتصادية وسياسية و اجتماعية وثقافية و حقوقية، فهل هذه الوضعية التي خلقت من المرأة المغربية كائنا" جديدا " قادرة على المساهمة، بشكل عميق في بناء كيانها المستقل، أمام وضع مجتمعي ما تزال النساء المغربيات فيه، خاصة في العالم القروي، يتعرضن لشتى أنواع الاضطهاد و التبخيس في ذواتهن؟
لا يكتفي طرحنا السوسيولوجي بأن يقف عند رصد الصورة التي رسمتها ثقافتنا الشعبية ، المعبرة عن المجتمع المغربي العميق ، وذلك عبر تحليلها بنيويا و وظيفيا ، بل ينبغي عليه ، أن يرصد مختلف الأشكال "الحداثية" و التمظهرات " العصروية " التي دخلت ، هي أيضا ، ضمن النسق العام في بناء الشخصية القاعدية والمنوالية لدى الإنسان المغربي ، بشكل عام ، والمرأة المغربية بشكل خاص: فإذا أثبتت المرأة المغربية جدارتها ، في العقود الأخيرة ، نتيجة سلسلة من التطورات التي عاشها المغرب، في شتى الميادين ومختلف الأصعدة ، كوزيرة و كقاضية و شرطية ...، فإنها ، على الرغم من هذا التغير الهام الذي أصاب كيانها ، إلا أنها لم تشهد ذلك " العصف الذهني "المولد للمفارقات والتناقضات العميقة الكفيلة ببعثها كيانا حقيقيا يتمتع بالقدرة على الابداع و الابتكار في الميادين الحيوية والمجالات البانية للشخصية . إن هذه التغيرات التي نشهدها على مسرح الحدث السياسي والاجتماعي والحقوقي، الذي انخرطت فيه المرأة، بوعي منها أو بدونه، ما هو، في نظرنا، إلا مجرد تغيرات طفيفة استهدفت القشرة والسطح ولم تطل اللب والعمق والجوهر.
وأخيرا و ليس آخرا ، لا يمكن التسليم فقط بمقولة أن الثقافة هي ذلك التراث الذي خلفة الأجداد للأجيال الحالية واللاحقة ، والذي ينتقل من جيل إلى آخر ، ويصبح بفعل القدم والتقادم مجموعة قيم ومعارف وتصورات وأنماط سلوكية وعادات وتنظيمات وأساليب عمل وإنتاج لأدوات وتعبيرات فنية وقدرات مكتسبة ،حتى نصنفها ضمن الثقافات البانية للإنسان والمؤصلة لكينونته ، بل ينبغي الانطلاق من ذلك التصور، الذي يجعل من الثقافة، و ضمنها الثقافة الشعبية ، منظومة خبرات و رؤية جديدة للعالم وللوجود الاجتماعي والطبيعي ، فعبر هذه الرؤية يُبْنى الإنسان الذي هو قيمة القيم كلها .
فهذا التصور، لعمري، هو الذي قد يمثل، خطراً على الأوضاع القائمة المثبطة للعزائم، لأنه يدعم الاستقلالية ويقوى الشخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواية النصف الحي


.. زواج القاصرات كابوس يلاحق النساء والفتيات




.. خيرات فصل الربيع تخفف من معاناة نساء كوباني


.. ناشطة حقوقية العمل على تغيير العقليات والسياسات بات ضرورة مل




.. أول مسابقة ملكة جمال في العالم لنساء الذكاء الاصطناعي