الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب السياسية والثقافية والجماهير

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الكل يعلم في الوطن العربي من مشرقه إلى شمال افريقيا، أننا نعاني من أزمات متتالية لا حصر لها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والأخلاقية والدينية، ليس غرضي الخوض في تفاصيلها واسبابها ومسبباتها التي تعود إلى العصور الوسطى، وإنما ما يثير الانتباه والحيرة في نفس الوقت هي قضية المثقفين والدعاة، وقد يجزم بعضهم، أنه لا توجد مجتمعات عبر التاريخ وإلى الآن لا توجد فيها صراعات ثلاثية الأبعاد بين المثقفين والسلطة والشعب.
وهذا المقال، ليس لسرد تلك القضايا وعرضها والسّعي إلى إيجاد حلول لها، وإنما لإثارة التفكير والنقاش والجدال حولها. ومن ضمن هذه القضايا التي ظلّت تؤرق المجتمعات الإنسانية في أي مكان وربما في أي زمان هي قضية المثقفين او أن شئت فقل النخب المثقفة، وقد يذهب بعضنا إلى الجزم بأنه لا توجد لدينا نخب مثقفة ولا حرية التعبير ولا صحافة ولا صحفيين أحرار بل قد يجزم بأنهم كلهم أدوات تتحرك بمهماز، ومن قائل إن المشكلة في نخب المجتمع التي فسدت، ولم تعد تشعر بما عليها من واجبات تجاه ما يقع في المجتمع ومؤسساته.
ومنهم من يذهب ويجزم كذلك بأن السلطة الحاكمة لو صلحت لصلح الجميع؛ لأن الحكام هي الذين يملكون عوامل الإصلاح والإفساد، وكما قال الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه “يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فرغم أن القرآن كلام الله وله سلطان على نفوس الناس، إلا أن سلطة الحاكم أقوى وأشد وقعا على الناس من القرآن الكريم ، بحكم سلطة التنفيذ، بينما يرى آخرون أن المشكلة في الجماهير التي تحمل في نفسها القابلية للاستبداد والفساد والاستعمار كما يرى مالك بن نبي ، ونيلسون مانديلا ،وربما كان هناك رأي آخر وهو أنهما معا –النخبة والجماهير- استقر فيهما أن التغيير إلى الأفضل غير ممكن؛ لأن القرار بيد الغرب الاستعماري، والاستعمار لا يسمح بحراك خارج مصالحه، التي تتعارض حتما مع الإرادة الشعبية للمجتمعات المستضعفة.
الثقافة والمثقفون والنخب العربية في مأزق كبير إذاً، مأزق عبر عنه محمود أمين العالم بقوله "لا نستطيع القول إن هناك جبهة ثقافية نقدية ونظرية إبداعية ذات سلطة فاعلة ومؤثرة في مواجهة سلطة ثقافة السلطة العربية السائدة"، كما عبر عنه فيصل دراج باعترافه أن ثمة "اغتراباً حقيقياً همش المثقف النقدي تهميشاً يتاخم المأساة ، إنه يريد أن يكون فاعلاً في مجتمعه من خلال ثقافته وفكره، بيد أن ذلك لا يستقيم إلا في فضاء حداثي عقلاني استقرت فيه قيم الفردية واستقلالية الفرد ومرجعيته، والرأي العام وسلطته المتعالية على أية سلطة مستبدة خارجة عنه، إذ ثمة تلازم بين ولادة المثقف كفاعل اجتماعي، وبين المجتمع المدني الديمقراطي الضامن للمساواة المدنية، وحق التعبير والرفض والنقد والمساءلة من دون عسف أوتحريم. لكن المثقف العربي ينظر حوله فلا يرى جمهوراً يعضده ولا شرعية ديمقراطية يتكىءعليها، فأكثر من نصف العرب من الأطفال والأميين والفقراء، وهؤلاء لا يصلهم من خطابات المثقفين إلا ما تريده لهم السلطة السياسية، في ظل ضآلة المنشورات الثقافية ومحدوديتها، واستبداد المرجعيات الذي يصل إلى حد الاغتيال المعنوي أو حتى الجسدي. وفي حال وجود مؤسسات ديمقراطية، من حيث الشكل، إلا أنها في الواقع "محاصرة أو مراقبة أو محدودة أو معرضة دائماً للمصادرة والقمع" على حد تعبير محمود أمين العالم.
كيف يمكن في ظل مثل هذه الظروف المتأزمة أن يكون للمثقف سلطة فاعلة، وهل يكون غريباً الحديث عن الإحباط الثقافي وأزمة المثقفين؟ فإذا كان دريفوس قد وجد رأياً عاماً يسنده، وقوانين ديمقراطية تنصره، فإن المثقف العربي يجد نفسه وحيداً، متروكاً لقدره، وقهر أنظمته، واستبداد مرجعياته، وبؤس عامته. لا أحدا يقف معه ويسانده في حالة إذا ما أزعج السلطة بقلمه ولسانه، سيجد نفسه معتقلا بتهم خطيرة جدا، فلا قاضي مستقل يستطيع ان يبرأه من التهم التي الصقتها به مخابرالظلام والظلم والنهب، وتاريخنا العربي الحديث يخبرنا بما تعرض له المثقفون من تعسف وظلم ولا أحد تحرك للدفاع عنهم واجهوا مصيرهم وحدهم ولم تتألم معهم إلا عائلاتهم التي ذاقت الفقر والذل،
أورد عثمان أمين في كتابه عن الفلسفة الرواقية قصة نقلا عن ابيكتيتوس في كتابه المقابلات مضمونها: أن الإمبراطور تيتوس فيسباسيانوس 69/79. أرسل إلى الرواقي بريسكوس يطلب منه عدم الذهاب إلى مجلس الشيوخ وقد كان عضوا فيه. فأجابه: بمقدورك أن تحول دون انتخابي عضوا في مجلس الشيوخ، لكن لا بد لي من الذهاب إلى المجلس ما دمت عضوا فيه.
فقال له: فليكن. لكن اذهب ولا تتكلم.
قال الرواقي: أنا ساكت ما دمت لا تسألني عن شيء.
فقال الإمبراطور: لكن لا بد أن أوجه إليك بعض الأسئلة.
فقال الرواقي: إذن لا بد لي أن أقول ما أراه حقا.
الإمبراطور: إذا تكلمت بما تريد أمرت بقتلك أو نفيك.
الرواقي: ومتى قلت لك إني من الخالدين؟ أنت تؤدي مهمتك وأنا أؤدي مهمتي. مهمتك قتل الناس أو نفيهم، ومهمتي أن أموت دون وجل، وأن أذهب إلى المنفى من غير جزع أو ابتئاس. ص 171.
هذا الحوار يلخص الدور الحقيقي للمثقف الفعلي ألا وهو قول الحقيقة أمام طغيان السلطة واستبدادها دون خوف أو وجل أمام الموت. فالموت الذي يُهَدَّدُ به المثقف هو قادم في النهاية بيد السلطة أو بسواها. فالموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا مهرب منها. بل لعل الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تستحق هذا الاسم. فخوف المثقف من الموت إنما هو في الأصل خوف من الحقيقة ذاتها، لذلك يستسلم العديد من المثقفين إلى تهديدات السلطة ليس خوفا من الموت القادم عبرها بل خوفا من الحقيقة ذاتها التي قد تحرج المثقف ذاته قبل أن تحرج السلطة والمجتمع.

إن المثقف في العالم العربي قد تحول إلى ما يمكن تسميته بالمثقف المبرمج التابع للسلطة إنه يشبه الإنسان المبرمج جينيّا الذي تشتغل عليه علوم الجينات وهو شخص مبرمج وفق ما يطلبه وما يرغب فيه الأولياء (أي قبل تكون الجنين) بما يعنيه ذلك من ظهور نموذج غير مسبوق من البشر، وهو نموذج سيكون مسلوب الإرادة والحرية ومجرد تابع لرغبة السلطة الأبوية أو السياسية التي تريد مواطنين متماثلين ومطيعين وقابلين للتحكم عن بعد. لقد تحول المثقف في العالم العربي إلى أن يكون مبرمجا طبقا لحاجة ورغبات السلطة بكل أشكالها وتحولت الثقافة إلى ثقافة تميل طبقا لميول السلطة الفاعلة في المجتمع ولذلك نجد اليوم الكثير من المثقفين المأثرين في الرأي العام في بعض الدول العربية يبررون ما يحدث من حملات تطبيع (كنا ننتظر حملات تحرير فإذا هي حملات ارتماء في حضن المحتل) وقد وصل بهم الأمر إلى التأصيل الشرعي لهذه الخيانة للقضية الفلسطينية مستغلين شخصياتهم الاعتبارية الدينية. لقد تحولوا إلى إكليروس لكسب ود السلطة.
لقد تحولت النخب الثقافية في الدول العربية إلى سلاح موجه ضد الشعب، وأداة تبرير لكل ما تقوم به السلطة من فساد على جميع الأصعدة والمستويات حتى صار الفساد صلاحا وتحول الصلاح إلى فساد. لقد حول هؤلاء الحق باطلا والباطل حقا. لقد وظفوا كل أدوات التأثير التي يمتلكونها كشخصيات عامة من أجل تبرير كل تجاوزات السلطة. فالمصلحة الشخصية والمكاسب المادية والمناصب العليا، هي التي أصبحت المثل العليا لهؤلاء مما يسر برمجتهم من قبل السلطة حتى أصبحوا خدما للنظام القائم بل أصبحوا عبيدا يحملون المظلات حتى لا تتساقط الحرية على الشعوب فتهدد عروش السلاطين الجدد.
الشعوب العربية في الحقيقة ليست شعوبا مغلوبة على أمرها بل هي شعوب مغيّبة عن حقيقة واقعها وعن طبيعة المعركة. وما سياسة التجهيل والتفقير والترهيب ونشر الجريمة والانحراف والمخدرات والمهلوسات والشذوذ والتغريب إلا أداوت لتحقيق هذا الهدف الذي يضمن رضى الجماهير بواقعها. بل يمكن القول إن حالة الفوضى التي تعمّ المنطقة والعمليات الإرهابية التي ترتكبها هذه الأطراف أو تلك، كما يحدث في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن والجزائر خلال العشرية الدموية، إنما هدفها السعي إلى ترسيخ مقولة أن الشعوب العربية همجية إرهابية فوضوية لا يصلح لها إلا العصا والجوع ، ألم يقلها سابقا احد رؤساء الوزراء " جوع كلبك يتبعك "
خلاصة القول هي أنّ الشعوب العربية ليست شعوبا مغلوبة وجاهلة وفوضوية كما تحاول منصات الإعلام الرسمي الإيهام بذلك وليست شعوبا منهزمة بل هي شعوب مقاومة إنْ لم نقل إنها آخر الشعوب المقاوِمة. الاستبداد ليس قدر هذه الشعوب وليس قضاء الله في خلقه بل هو نتيجة حتمية لصناعة النظام الرسمي وأذرعه الداخلية والخارجية. الشعوب العربية ليست شعوبا متخلفة وجاهلة وفاسدة بل اريد لها أن تكون كذلك، بل وهي تعيش الآن أخطر أطوارها الحضارية الذي تحاول عبره الخروج من دائرة العدم الحضاري نحو التأسيس لوجود جديد قائم على حرية الإنسان وكرامته.
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج