الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميرزا الخنيزي والذاكرة التاريخية

نجيب الخنيزي

2022 / 8 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية




إثر معاناة طويلة مع المرض غيب الموت الذي لا مفر منه في 26 اغسطس 2022 الشخصية الوطنية البارزة ميرزا صالح الخنيزي وذلك بعد أكثر من شهر على دخوله المستشفى العسكري في المنطقة الشرقية وذلك عن عمر ناهز الثامنة والثمانين .
انخرط الفقيد الراحل في سن مبكرة ( منذ الخمسينيات من القرن المنصرم ) في النضال النقابي والوطني والقومي ، وقدم في سبيل ذلك التضحيات الجسام .
في 10 ديسمبر 2009 الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، جرى تنظيم حفل تكريمي خاص للشخصية الوطنية والتقدمية البارزة " أبو نضال " . وقد حضر حفل التكريم العشرات من رفاقه واصدقاءه ومحبيه ، وعلى وجه الخصوص الكثير من مجايليه الذين رافقوه أو أحتكوا به في المسيرة النضالية المشرفة منذ الخمسينات وحتى السبعينات على اختلاف مناطقهم ومشاربهم الفكرية، أذكر من بينهم عبد الرزاق البريكي ومنصور الشيخ وعبدالرزاق اليوشع و الفقيد الراحل عبدالغني الشماسي وسعد الكنهل وعقل الباهلي وغيرهم. كان الحفل بهيجا لوجود المكرم بيننا، حيث العادة الشائعة " غير الحميدة " أن يجري تكريم المبرزين الذين قدموا اجل الأعمال والتضحيات لوطنهم بعد رحيلهم.
بالرغم من ظروفه الصحية الصعبة التي ألمت به إثر تعرضه لجلطة منذ سنوات وأثرت على مقدرته في الحركة ، غير أنه كعادته كان حاضر الذهن والذاكرة، بشوشا ومتفائلا بمستقبل مشرق وواعد لبلادنا بالرغم من كل المعيقات المعروفة.
لقد عبر الحضور في كلماتهم المكتوبة أو المرتجلة عن اعتزازهم واحترامهم الكبير للدور الوطني الريادي والبارز للشخصية المكرمة، ولكل مجايليه من الحضور أو ممن لم تسمح ظروفهم الصحية أو الشخصية بالحضور ، وخصوصا ممن رحلوا منهم، الذين مثلوا بحق جيل الرواد الأوائل، الذين اشتقوا طريقا غير مطروق وحفروا الصخر بصبر وإصرار وعزيمة بأيديهم العارية أو بأدوات وعدة بسيطة، مقتحمين فيافي الصحراء الموحشة بزاد قليل، وغالبا من دون مرشد موثوق، وسعوا ما في وسعهم لأن يكونوا شموعا تحترق وفقا للمثل المعروف " أن تشعل شمعة بدلا من أن تلعن الظلام " وذلك من أجل غد أفضل ، مقدمين عصارة فكرهم، وزهرة شبابهم، قابضين على جمر مبادئهم الوطنية والاجتماعية والإنسانية، ومتجاوزين لكل أشكال الانتماءات والتشطير ‘’المناطقية، القبلية، الطائفية، العشائرية’’ الفرعية القاتلة التي ابتلى بها مجتمعنا، كبقية المجتمعات العربية في العقود الأخيرة لأسباب وعوامل مختلفة، يأتي في مقدمتها فشل بناء الدولة الوطنية العصرية الحديثة، ووصول الخيارات والمشاريع المطروحة " قومية ويسارية وليبرالية " جميعا إلى طريق مسدود على الرغم من النوايا الصادقة، والتضحيات الجسام التي بذلتها الشعوب العربية ونخبها السياسية والاجتماعية والفكرية على مدى عشرات السنين من أجل الحرية والاستقلال والتنمية والعدالة والوحدة وإعادة بناء الإنسان والمجتمع.
لقد عانى ميرزا الخنيزي ومعه عائلته الصغيرة وخصوصا زوجته ‘’أم نضال’’ الكثير ، حيث جرى اعتقاله للمرة الأولى إثر الحراك العمالي الكبير في ,1956 حيث قضى حوالي العام ونصف العام مع العشرات من نشطاء الحركة العمالية والمثقفين في السجن المعروف بسجن العبيد في الإحساء، وفي العام 1958 شارك مع بعض رفاقه إثر خروجهم من السجن في تأسيس منظمة ‘’أحرار الجزيرة’’ التي مثلت نواة لحزب ‘’البعث العربي الاشتراكي’’، حيث أصبح أحد قيادييها البارزين .
في العام 1964 حصل الانشقاق الواسع في حزب البعث الذي أعقب انعقاد المؤتمر القومي السادس للحزب في دمشق ، وذلك مابين الخط الرسمي ( اليميني ) الممثل بالأمين العام للحزب ميشيل عفلق وصلاح البيطار ومنيف الرزاز و أمين الحافظ ( الرئيس السوري ) وغيرهم من جهة ، والخط اليساري الذي تزعمه علي صالح السعدي ( عراقي ) ومن أبرز رموزه ياسين الحافظ ( سوري ) الذي كان يعد منظر اليسار في البعث ،وقد شارك في أعمال المؤتمر مندوبين من السعودية هما أبو قصي وأبو رائدة اللذان أنحازا إلى الخط اليساري في المؤتمر.
في عام 1965 شكل العديد من قيادات وكوادر بعثية سابقة منظمة جديدة ذات توجه يساري ‘’ماركسي’’ تحت مسمى " الجبهة الديمقراطية الشعبية" وكان تركيزها منصبا على القضية الوطنية باعتبارها المحور والركيزة الأساس لعملها ونشاطها. وكان ميرزا الخنيزي أحد قياديها البارزين، حيث احتل منصب أمين سر القيادة.
وفي الواقع فأن تشكل الجبهة الديمقراطية - الشعبية لم يكن مرتبطا بتحولات حركة القوميين العرب وغالبية فروعها في المشرق العربي نحو اليسار وتبني الماركسية ، والذي حصل في أعقاب هزيمة حزيران يونيو 1967 .بل هو ناجم عن مراجعة وقراءة نقدية خاصة لتجربة وممارسات وفكر حزب البعث .
الجبهة الديمقراطية – الشعبية حظيت في ذلك الوقت بانتشار مهم في العديد من المناطق في السعودية، وخصوصا في البلدات والقرى الريفية في القطيف والأحساء ، وبين عمال شركة أرامكو .
في يونيو/ حزيران العام 1967 وعلى إثر العدوان الإسرائيلي على الدول العربية شارك ميرزا الخنيزي بفعالية في المظاهرات الواسعة التي اجتاحت مناطق النفط وبقية المدن الرئيسية، للتنديد بإسرائيل والصهيونية والانحياز الأميركي للعدوان، وللتعبير عن تضامنها مع ضحايا العدوان، واعتقل على أثرها، حيث مكث في المعتقل قرابة العام وثمانية أشهر، ولم يمكث طويلا إثر خروجه من السجن، حيث جرى اعتقاله مجددا في موجة الاعتقالات الواسعة في العام 1969 حيث قضى في السجن حوالي ست سنوات إلى أن أفرج عنه إثر صدور عفو ملكي عام في سنة 1975 إثر تولي الملك الراحل خالد بن عبد العزيز مقاليد الحكم.
وفقا لما ذكره رفيق دربه وأخ زوجته الأستاذ عبد المحسن الخنيزي وهو ما يعرفه جميع من احتك به وتعامل معه أنه كان يتصف بطول النفس ، والاستمرارية والدأب اليومي على العمل ، والتسامح مع المختلفين، كما اتسم بالبساطة والتواضع والقدرة الفائقة على التأثير في محيطه الاجتماعي.
في عام 1969 التقيت مع الفقيد الراحل عدة مرات ، واللقاء الأخير كان قبل اعتقاله بيومين، وكنت آنذاك في السابعة عشرة من العمر، شعرت بأنه كان في حيرة من أمره ، هو بالتأكيد كان يريد استمالتي إلى الانضواء في تنظيمه من جهة ، غير أنه في المقابل كان يشعر بالإشفاق إزائي كونه يعرف بأن تنظيمه أصبح في مرمى الأجهزة الأمنية ولا يرغب في تعريضي للخطر ، وقدأخبرني في ذلك اللقاء بأنه يتوقع الإعتقال في أية لحظة ، وفعلا جرى اعتقاله بعد يومين ، و كنت على الصعيد الشخصي واثقا بأني لن اتعرض لأي ضرر.
والحقيقة أني كنت قد حسمت موقفي الفكري والسياسي آنذاك مع تنظيم ‘’جبهة التحرر الوطني’’ يساري آخر . رغم وجودالأرضية الفكرية اليسارية ( الماركسية ) المشتركة بين التنظيمين ،غير أن هناك خلافات واختلافات مهمة ( لا مجال لذكرها الآن ) بينهما تتعلق في التوجه والممارسة على أرض الواقع .
الجدير بالذكر انه في عقود الخمسينات والستينات وحتى منتصف السبيعنات ، لم يكن هناك أي وجود يذكر لحركات الإسلام السياسي بشقيه ( السني والشيعي ) في بلادنا وجل البلدان العربية ، وظهور تلك الجماعات لاحقا بل وتصدرها للمشهد العام في المنطقة يعود لأسباب وعوامل مختلفة لا مجال لذكرها الآن
بعد اعتقال ميرزا الخنيزي بمدة ليست قصيرة ، تسنى لي زيارته في عام 1971 في سجن المباحث بمكة وذلك بمعية بعض أفراد العائلة ، وخصوصا زوجته المخلصة والشجاعة والمضحية بدرية الخنيزي " أم نضال " التي يجمعني بها وبزوجها ميرزا الخنيزي قرابة قوية جدا فوالدهما معا أشقاء لوالدي.
العزاء الحار لزوجته وأبنائه وبناته ، كما نعزي أنفسنا والعائلة وجميع أصدقائه ورفاقه ومحبيه .
نحن على ثقة بأن نضاله وتضحياته ستظل راسخة في وجدان وذاكرة الوطن والشعب على مر السنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض


.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس




.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس


.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين




.. قلق أوروبي من تزايد النفوذ الروسي داخل أحزاب اليمين المتطرف