الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبراطورية الروسية – 5 نهاية القيصر المزيف

محمد زكريا توفيق

2022 / 8 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثامن

كيف أطلق المدفع، جثة قيصر روسيا المزيف

أقسم البطريرك أيوب، والبويار في المجلس، والمحاربون، ومسؤولو موسكو، بالولاء ل "ثيودور" ابن بوريس، وقبلوا الصليب أمامه. وهو فتى في السادسة عشرة.

ثم تولى الوصي، باسمانوف، قيادة الجيش. لكن سرعان ما تيقن من أن، لا أحد سيقوم بالقتال من أجل القيصر الصبي. فعقد العزم والنية على ركوب الموجة، والاستفادة من الوضع، لا إصلاحه.

ثم قال فجأة:

"لقد تحدثت العناية الإلهية. وأعطتنا ديمتري سيدا. دعونا لا نقاوم الإرادة السماوية."

ثم أظهر رسالة مختومة من المحتال، وصرخ قائلا:

"أيها الجنود، ها هو أمر قيصرنا ديمتري، ابن أيفان العظيم، الذي أراد الخائن بوريس، قتله. لكن، قد أنقذته العناية الإلهية. فهو الآن سيادنا الحقيقي."

حدث هرج ومر، واختلط الحابل بالنابل. وزحف الجنود المؤيدون لديمتري المزيف إلى موسكو. فانتفض الناس، واقتحموا قصر القيصر، ثيودور الصبي، وقاموا بقيده، هو وأمه بالسلاسل، ثم قتلوهما، إما بالسم أو بالخنق، أو بكلاهما.

في عام 1605، ركب القيصر الجديد المزيف، ودخل مدينة موسكو في زفة عظيمة، محاطا بحرس خصوصي بولندي وألماني. يحملون السلاح والأعلام، ويمتطون الخيول المطهمة، ويلبسون حللا فاخرة، محلاة بالسلاسل والنياشين اللامعة.

أجراس موسكو تدق بالفرح، والناس تتوافد وترتص على جانبي الطريق. تتزاحم وهي تبكي من الفرح وتلوح وتهتف بطول الحياة لراعيهم العظيم، أظله الرب بظله. القيصر الحقيقي للبلاد.

"نسل رودريك، لا يجب أن ينقطع. لقد كنا في ظلام الليل البهيم، والآن تشرق علينا شمسنا الذهبية."

الأمير بيلسكي، قلع قبعته الفرو الطويلة، ثم قام بتقبيل الصورة المقدسة، وهو يدعوا الناس إلى أن يكونوا مخلصين للقيصر ديمتري. عندئذ، جاءت زوبعة مفاجئة ملأت المكان بالغبار، وأخفت القيصر المزيف عن الأنظار. لقد كان فألا سيئا.

سواء كان المنتحل شخصية ديمتري، راهبا هاربا، أو يسوعيا مبعوثا، ظلت الحقيقة شيء أغرب من الخيال. لقد أصبح المزيف قيصرا لروسيا. لكن سرعان ما تمخض غروره وثقته الزائدة في نفسه، عن حماقة تلو الأخرى.

أخذ يفضل الأجانب على الروس. ويحيط نفسه بحرس شخصي خاص، مكون من ثلاثمائة ألماني وبولندي واسكتلندي. يلبسون ملابس زاهية رائعة.

كان يسيء للبويار ويحقر من شأنهم في مزاحه معهم، قائلا: "سافروا وتعلموا"، أو "أنتم أيها المتوحشون، تحتاجون إلى صقل وتلميع"

كما أنه فاز بكراهية رجال الدين، من خلال ازدرائه لطقوسهم واحتفالاتهم الدينية. فقد ذهب، ذات مرة، إلى الكنيسة راكبا فرسه، ونسي أن يحيي الصورة المقدسة. ثم سخر من الرهبان.

كان يقترض المال من الأديرة، لدفع رواتب جنوده. وقام باستبدال البطريرك أيوب، ب إغناطيوس قبرصي. وسمح للكاثوليك ببناء كنيسة في الكرملين.

كما أنه صدم الناس بعاداته. فقد كان يأكل لحم البتلو، الذي كان يعتقد، أنه لحم نجس، لأن عجول البتلو، لا تكون قد رضعت بما فيه الكفاية من أمهاتها.

كان يقوم من طاولة الطعام بدون غسل يديه. وبعد العشاء، يمشي متخفيا في شوارع المدينة يتعسس. يزور المتاجر، ويتحدث بدون تكلفة مع الحرفيين. كان مولعا بالموسيقى والفنون الأجنبية، ويقيم حفلات الرقص والموسيقى في الأديرة.

عند مدخل قصره الجديد، وضع تمثالا برونزيا ل "سيربيروس"، وهو كلب الحراسة المُتوحش في الأساطير اليونانية، ذو الثلاثة رؤوس، والذي يحرس باب العالم السُفلي، ومثوى الأموات، ويتكون شعر عنقه وذنبه من الأفاعي.

هذا التمثال، كان يحدث ضوضاء مخيفة إذا تم لمسه. فرأى الناس في هذا، "علامة على مزاولة السحر، وعلى الجحيم والظلام القادمين".

كان يصارع ديمتري المزيف الدببة في حلبات المصارعة، وكان يحرك ويوجه المدافع الثقيلة بيده. كان أيضا، ينظم معارك صورية، في شكل مباريات، يستخدم فيها كرات الثلج كقذائف، وكان يبدو سعيدا، عندما يهزم حرسه الخاص القوات الوطنية.

أرسل ديمتري المزيف إلى بولندا، يستدعي عروسه، مارينا، التي كانت في حراسة بولنديين مسلحين. دخلت مدينة موسكو في عربة، تجرها ثمانية خيول، مصبوغة لبدتها وذيولها بألوان زاهية، وكأنها: "تدخل بلدا محتلة"

تذمر الروس وقالوا:

"لماذا كل هذه الدروع والرماح؟ وهل الناس تغطي أنفسها بالسلاح هكذا في حفل زفاف؟ "

في حفل التتويج، وكان يوم الجمعة، اتكأ البولنديون على الشواهد والمقابر المقدسة.

بالرغم من أن ماريا ناجويا، أم ديمتري الحقيقي، قد اعترفت علنا بأن المزيف هو ابنها، إلا أن الناس بدأوا يشكون في أمره. في غضون شهر، بعد وصول العروس مارينا، كانت الأمور مهيأة للثورة.

باسيل شويسكي، الأقرب إلى عائلة روريك، كان هو زعيم المتآمرين. تم اكتشاف المؤامرة، فقبض على الأمير، وحكم عليه بالإعدام.

بعد أن خلع الجلاد قفطان الأمير، رفع بلطته لكي يقطع رأسه، وإذا بأمر يأتي على عجل بتأجيل تنفيذ حكم الإعدام. في نفس الوقت، حدث شجار بين مستشاري القيصر، الذين واجهوا ديمتري المزيف، بقولهم: "لقد أقسمت على عدم إراقة دماء الأبرياء." فكان رده: "سأحافظ على قسمي"

كانت ثقة ديمتري المزيف المفرطة في نفسه، وغروره، هما أهم سببان عجلا بنهايته. في أحد الليالي، بعد العشاء، هاجم البويار الكرملين. في نفس الوقت، خان الحراس سيدهم ولم يقوموا بحمايته.

شعر ديمتري المزيف بالخطر، فقفز من نافذة عالية، وكسرت ساقه. حاول الاختباء، لكن اكتشف مكانه، وتم القبض عليه. وقتل باسمانوف، الذي حاول الدفاع عنه.

أخذه الناس إلى غرفته، وألبسوه ملابس طباخ. ثم صرخوا قائلين: "ها هو قيصر كل الروس! "

ثم كشفوا عن جثتين، وهم في طريقهم إلى مكان الإعدام. وبينما كانت قدمي المزيف تدوس على صدر جثة باسمانوف، ألقوا على وجهه قناعا، وجدوه في غرفته، ووضعوا الناي في فمه، ومزمار القربة تحت إبطه. حدث هذا عام 1606.

بعد ثلاثة أيام، ألقوا بجثة المزيف المشعوذ، والساحر في مقابر الصدقة، المخصصة لدفن الفقراء الذين لا أهل لهم ولا سند.

بعد ذلك، حدثت أشياء غريبة: برق ورعد، أعاصير وأضواء زرقاء، زلزال وصقيع مخيف. فاعتقد الناس أن ديميتري المزيف، هو "دراكولا"، نوع من مصاصي الدماء، الذي يجدد حياته، عن طريق مص دماء الضحايا. فأخذوا جثته، وأحرقوها. ثم وضعوا رمادها في مدفع، أطلقوه لكي تذروه الرياح في الفضاء.


الفصل التاسع

قصة قاطع الطريق والأمير والجزار

اعتقد شعب موسكو أنهم قد انتهوا من أمر "مصاص الدماء دراكولا"، إلى الأبد، عندما تركوا الرياح الأربعة، تذروا رماد جثته في الهواء. لكن كان الأمر أشبه ببذر البذور في أرض خصبة.

بعد ذلك، أصبح الأمير باسيل شويسكي قيصرا. لكنه ما كاد أن يعتلي العرش، حتى يأتي تقرير، يفيد بأن ثلاثة رجال متنكرين، قد عبروا نهر أوكا ليلا.

أعطى أحدهم المراكبي أجرة إضافية قائلا: "لقد نقلت للتو القيصر الحقيقي. وعندما يأتي مع الجيش البولندي لكي يسترد الحكم، لن ينسى خدمتك هذه."

ثم قامت اضطرابات في مدن الجنوب والغرب. فقد ثارت قبائل الفولجا، بحجة الحفاظ على ابن إيفان الرهيب. وجاءت زهرة الفرسان البولنديين لمساعدته. وانضم إليه كازأك الدون. كان بين رجاله، خمسة أو ستة محتالين.

ادعى جميعهم، أنهم من أقرباء إيفان الرهيب. بذور مصاصي الدماء، بدأت تنمو بسرعة. وأثناء القرن التالي، ظهر مئات المحتالين، أعادوا عرض نفس المسرحية، وادعوا نفس الشيء.

اسم ديمتري المزيف الجديد، والثاني في سلسلة المزيفين، غير معروف. أصل بلده غير مؤكد. قال البعض إنه يهودي، آخرون قالوا إنه ابن كاهن. في كل الأحوال، هو محتال جريء وماكر، مثل المحتال الأول.

مع كل قواته، سار المحتال الثاني ضد القيصر الجديد، باسيل شويسكي، وهزم جيشه. وأنشأ بلاطه في قرية توشينو بالقرب من موسكو (1608- 1610). وبالتالي، هو معروف في التاريخ الروسي باسم "عميد توشينو"، أو "لص توشينو".

سرعان ما تحول معسكره إلى مدينة يبلغ عدد سكانها 100,000 نسمة. هرع إليه حشد طموح من الروس. مارينا الجميلة، أرملة المزيف الأول، هرعت إليه وارتمت في أحضانه، على أمل استرداد تاجها مرة أخرى.

القباطنة البولنديون، جاءوا لمساعدته، وقاموا بحصار دير الثالوث، الذي به 700 راهب و1100 شخص، لجاوا إليه يطلبون الحماية خلف أسواره وأبراجه الصلبة.

لكن المدافعين عن الدير، تمكنوا من مقاومة المدفعية البولندية. ونظم الفلاحون، بعد أن هربت مواشيهم، أنفسهم في جماعات للحماية. والويل للبولنديين الذين يقعون في قبضتهم. يقومون بإغراقهم تحت الثلج، قائلين:

"لقد أكلتم أبقارنا وعجولنا، أيها البؤساء. الآن كلوا أسماكنا"

اتجه الأمير باسيل شويسكي بعد هزيمته إلى السويد، يطلب المساعدة في نظير التنازل عن أراض روسية. ابن أخيه سكوبين، مع خمسة آلاف سويدي، بدأوا في إحراز تقدم ضد قطاع الطريق. فجأة توفي سكوبين شويسكي، واعتقد الناس أن عمه باسيل قد سممه بدافع الغيرة.

أعلن ملك بولندا جهارا، أنه يقف إلى جوار المحتال الثاني. وقام جيشه، بهزيمة شقيق باسيل، الذي لم تكن لديه شعبية، وأصبح مدمرا بالكامل.

فقام الناس بعزله عام 1610، وبجره من قصره بالعافية، ورموه في الدير، وأجبروه على أن يصبح راهبا. وبعد ذلك، مات في واسو عام 1612.

أضحت روسيا الآن بدون قيصر. فمن يجب أن يملأ كرسي العرش الشاغر؟ كان القيصر المزيف، "قاطع الطريق"، محتالا وحشيا.

لذلك، اقترح أحد البويار، أن يتوج ابن ملك بولندا، رئيسا للبلاد. وذهب مواطنو موسكو إلى حد تسليم زمام البلد لملك بولندا نفسه، الذي وعد بالحفاظ على الأرثوذكسية، وتأمين الحقوق والحريات للشعب الروسي.

عندما سمع "قاطع الطريق" بهذا الاقتراح، سار إلى موسكو. حينئذ، دعا البويار قوات البولنديين، لدخول الكرملين للحماية. في نفس الوقت، تخلت القوات الأجنبية عن المحتال. وخوفا من الوقوع في الأسر، ولى الأدبار، وهو يصيح ويتوعد:

"إذا حصلت على تاجي مرة أخرى، فلن أترك أجنبيا واحدا على قيد الحياة على أرض ولايتي"

بعد ذلك بفترة وجيزة، تم اغتياله بيد أمير من التتار.

الملك سيجيسموند، رجل عبثي طموح، وأداة في يد اليسوعيين. كان مصرا على المطالبة بالعرش لنفسه. ورفض إرسال ابنه إلى موسكو.

كان البطريرك، هيرموجينيس، وهو رجل عجوز وطني في الثمانين من عمره، أول من قام بدق ناقوس الخطر. فتم اعتقاله وتجويعه حتى الموت من قبل البولنديين.

الأمير ليابونوف، ترأس فرقة جديدة من الجنود. وأعلن أنه هو المدافع عن الدين وعن القيصر.

"والطريق الذي يمر عليه حصانه، لا ينمو به عشب". وهو قول مأثور يعبر عن مدى قوته وكثرة عدد جنوده.

ثم اندلعت الحرب في موسكو، بين الروس والبولنديين. فقام البولنديون بذبح سبعة آلاف روسي، وأضرموا النار في موسكو، ثم تحصنوا داخل أسوار الكرملين، حيث تم حصارهم بمائة ألف رجل.

لكن، اندلع الخلاف بين المحاصرين. كازاك الدون، هجموا على ليابونوف، وقطعوه إربا. فانفكت عرى الجيش العظيم، وتبعثر أفراده.

في هذه الأثناء، كانت نوفجورود العظيمة، تعلن أنها تتبع ابن تشارلز التاسع، ملك السويد وفي حماه. قازان وفياتكا، أعلنتا أنهما يتبعان ابن مارينا ومحتال توشينو. (المحتال الأول)

عاقب سيجيسموند مدينة سمولينسك بالنار والمجاعة، وعذب المدافعين عنها بشجاعة. وعند سماعه للثورة التي قامت في موسكو، سجن الرهائن الروس، وعاد إلى وارسو. ومعه باسيل شويسكي، مكبلا بالأغلال، يجر أذيال الخيبة، ويسير مع الأسرى خلف جيشه المنتصر.

هكذا كانت حالة دولة روسيا في 1612. كرسي العرش شاغر، البطريرك يتضور جوعا في السجن، والسويديون يحتلون نوفجورود العظيمة، البولنديون يحتلون موسكو.

النبلاء الكبار، يخونون وطنهم، ويخونون بعضهم البعض. عصابات من قطاع الطرق في كل مكان، يعيثون في الأرض فسادا، المجاعة تدفع الناس إلى أكل لحوم البشر!

جاء المتطوعون والرهبان الوطنيون في دير الثالوث، للإنقاذ. راسلوا جميع المدن الروسية. عندما جاءت الرسالة إلى جنوب نوفجورود، وقرئت للمواطنين المجتمعين في السوق، وقف "كوزما مينين"، الجزار، ليقول:

"لا يجب علينا أن نحتفظ بأراضينا أو ببضائعنا. دعونا نبيع بيوتنا، ونضع زوجاتنا وأطفالنا في الخدمة العامة. دعونا نجمع الأموال لتكوين جيش."

تبرع الجزار وباقي المواطنين بثلث ثرواتهم. تبرعت امرأة واحدة، كان لديها 12,000 روبل بمبلغ 10,000. لم يتخلف أحد. ثلاثة أيام من الصيام، كانت مطلوبة بالأمر.

الأمير بوخارسكي، الذي قاد الثورة في موسكو، وضع على رأسها. الأساقفة والرهبان ساروا في الصفوف. الصور المقدسة، كانت تحمل في عربات للبركة.

اضطر البولنديون إلى مغادرة الكرملين، وإطلاق سراح سجنائهم. سيجيسموند، ملك بولندا، جاء للمساعدة متأخرا جدا. وتم إنقاذ روسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي