الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعتقدات والدليل التاريخي

رائد قاسم

2022 / 8 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قد تتعارض المعتقدات الدينية والايدولوجية والاقتصادية والثقافية والفكرية مع بعضها البعض ، والعقيدة الدينية عادة ما تكون عقيدة غيبية طلسمية لا يمكن اثباتها بالعلم التجريبي ، وقد تتعارض نظرية اجتماعية او اقتصادية مع التعاليم الدينية او النظم السارية ، والسؤال المطروح كيف يمكن اثبات صحة نظرية او فكرة او اعتقاد ما على وجه الخصوص على الوجه اليقيني من دون تناقض او تعارض ، فالنظرية الدينية او الفلسفية بما هي نظرية يمكن معارضتها بنظرية أخرى ويمكن ضربها بشتى الاشكالات المنطقية والعملية فهل يمكن اثباتها بأدلة يقينية او قريبة من اليقين او نفيها باليقين القطعي او شبه القطعي؟.
من الصعوبة بمكان اثبات نظرية او اسقطاها بهذه الكيفية والمسيرة العملية لتطبيقها ليس دليل صحتها فمن السهل فرضها بالقوة ، فالفرعون الاله كانت عقيدة مصرية قديمة ، فالفرعون عند موته يتخذ اله ، ذاك اعتقاد غيبي ليس له اية مصاديق محسوسة وملموسة سوى في ابعادها الروحية للعامة ومؤسسات الحكم ، ومخرجاتها العملية تتمثل في ترسيخ وتثبيت سلطة الفراعنة والدولة المصرية القديمة ، وعندما جاء فرعون موسى قال ان الفرعون اذا ما كان اله بعد موته فلماذا لا يكون اله اثناء حياته ؟ فأعلن نفسه اله وفرض عقيدته بالقوة على عائلته وشعبه ، ولكن بعد موته لم يعمل بها احد بعده.
والحاكم بأمر الله الفاطمي فرض على شعبه الكثير من الاحكام والقوانين كتحريمه بعض الاطعمة ومنع الاسواق ليلا وخروج النساء من بيوتهن، واستمرت طوال سنوات حكمه وانتهت بموته.
هناك الكثير من امثلة التاريخ العربي بعد الاسلام يمكن من خلالها عرض منهج الدليل التاريخي لإثبات نظرية او رأي او فكرة او عقيدة من خلاله ، والمقصود من الدليل التاريخي هو اثبات صحة او نفي عقيدة او حكم فقهي او ايدلوجية معينة من خلال حركتها التاريخية ونتائجها العملية ومدى توظيفها الفعلي والعملي في امة ما ونتائجها ومخرجاتها النهائية ، بالطبع لا بمكن الجزم بحجية الدليل التاريخي بالمطلق إلا اني اظنه انه يمكن ايصاله الى مستويات مطمئنة من اليقين اذا ما تجرد الباحث من التعصب والانحياز ، ومن خلاله سنتمكن من السير بكل ثقة بين المناطق الحرمة والتابوهات المليئة بالألغام.
لعل ابرز امثلة الدليل التاريخي قضية خلافة النبي (ص) التي لا تزال مثارة في الاوساط الدينية ، ما بين قول بأن النبي (ص) اوصى لعلي بالخلافة وقول بأنه جعلها شورى بين ألمسلمين ، ولا اريد الدخول في جدل عقائدي هنا او انتصر لهذا المذهب او داك ، ولكني اريد تطبيق الدليل التاريخي بكل موضوعية ، فالنبي بويع له بالحكم في المدينة المنورة على جري عادة العرب ، وبها كانت له الطاعة في اعناق اهل المدنية ثم مكة بعد فتحها ثم باقي اقاليم وقبائل العرب ، فكانت البيعة هي مفتاح الحكم ولا يتم امر السلطة إلا بها لأي شخص حتى النبي ، الذي بايعه جمعا من اهل المدينة في بيعتي العقبة الاولى والثانية ، وعندما فتح مكة كانت البيعة مقدمة على ما سواها لأنها الاساس والأصل في استقامة الامر له فيها ، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
يقول ابن خلدون في مقدمته: اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة؛ كان المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره.
ولنتجاوز الاحداث التي وقعت بعد وفاة النبي ا(ص) لنعود اليها لاحقا، فبعد سنتين من تقلد ابو بكر الخلافة بعد مبايعة جموع الصحابة له اوصى قبل وفاته بالخلافة لعمر بن الخطاب، فسمع الناس له وأطاعوا، ولما طعن عمر وقبل استشهاده اوصى بأن تكون الخلافة في ستة كان من بينهم علي ، فاستجاب الناس له وأطاعوا، ولما قتل عثمان لم يكن قد اوصى بالخلافة لأحد فاختاروا علي فبايعوه، وقد استشهد علي على من خرج عليه من بعض الذين بايعوا الخليفتين فقال : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى.
ولم يحتج الامام علي في نهج البلاغة او غيره بأحقيته بالخلافة لكونه اماما معصوما او بولاية عهد من النبي وإنما بأحقيته لقرابته وفضله.
وهكذا كانت البيعة مفتاح الحكم والسلطة دائما ، فبعد الخلافة الراشدة حازها الفرع الاموي القرشي وتوارثها ، فها هو معاوية يأخذ الخلافة من الحسن بن علي بالتنازل والبيعة ، وقبل موته اخذها لابنه يزيد فلبسها ، وهكذا كان الامر في خلافة الامويين والعباسيين ، فقد اوصى سليمان بن عبد الملك ان تكون لابن عمه عمر بن عبد العزيز فغنمها ، وها هو هشام بن عبد الملك يحاول جاهدا خلع الوليد بن يزيد الناقص ولكنه لم يستطع ، رغم معرفته بخطر خلافته على حكم بني امية لسفه ومجونه ، إلا انه لم يتمكن من ذلك فتقلد الخلافة بعده.
وفي الحكم العباسي اوصى ابو العباس السفاح وكان اولهم بالخلافة لأخيه ابو جعفر المنصور وان يكون ولي عهده ابن عمه عيسى بن موسى ، فلما استقرت الامور للمنصور حاول خلع عيسى ولم يتمكن وعبثا حاول معه إلا انه اصر عليها فكان الحل الوسط ان يكون ولي ولي العهد ، فرضي بذلك ، ولما جاء المهدي تمكن بعد جهد من دفعه للتنازل عنها.
وهكذا كانت البيعة والخلافة في تاريخ العرب بعد الاسلام ، وعند للعودة للعهد النبوي يمكننا الاعتقاد بكل ثقة بناء على الدليل التاريخي ان النبي لو انه اوصى بالخلافة لأحد من قريش او بني هاشم لكان اناس امتثلوا لأمره فكيف يطيعون امر من جاء بعده ولا يطيعونه ؟
حركة التاريخ هنا يشوبها التناقض والتشوه والانقطاع لدى القائلين بأن الناس لم يلتزموا امر النبي والتزموا امر ابو بكر في عمر بعد اقل من ثلاث سنوات من وفاة النبي ألمؤسس ، ولو ان النبي امر بأخذ البيعة لأحد من بني هاشم لكانت بيعة له في الاعناق كما كان من امر عمر من ابو بكر وعثمان والستة من عمر، وشأن خلفاء بني امية والعباس ، ولم يجتمع الصحابة وكبار قادة الدولة في سقيفة بن ساعده يتداولون امر الخلافة فيما بينهم بين قائلين بأنها في الانصار وقائلين بأنها في قريش عصبة النبي وعشيرته ، فلو نصب احد من قبله لما اجتمعوا ، فلم يجتمعوا بعد ابو بكر لأنه اوصى لعمر، واجتمعوا في امرها بعد عمر لاختيار ستة ممن ارتضاهم لها، واجتمعوا بعد عثمان واختاروا لأنه لم يوصي لأحد بعده فيها، ولم يجتمعوا في عهد الامويين والعباسين لأنها صارت ملكا فيهم، في امتداد طبيعي لحركة التاريخ في شان البيعة والخلافة عند العرب بعد الإسلام فكيف تكون متناقضة ومختلفة ومغايرة في اواخر العهد النبوي ؟ وكيف لا تكون منسجمة مع بيعة النبي في مكة والمدينة ؟
لا اقصد من هذا المثال الحي والشديد الحساسية اسقاط عقيدة ما او فتح جدل عقائدي لا جدوى منه ولكنه مجرد مثال مهم للدليل التاريخي وأهميته في الدراسات التاريخية والعقائدية.
ولدى البعض عقيدة يمكن وصفها بالعقيدة التاريخية او معتقد شعبي شائع في الحسين بن علي ، اذ يعتقدون بأنه كان يعرف قبل احداث كربلاء بأنه سيقتل في العراق وانه لم يخرج من اجل الحكم والسلطة لأنه كان يعرف من الله انه سوف يستشهد وانه كان يهدف من شهادته ضمان استمرارية رسالة الاسلام ، وهنا يبرز بوضوح الدليل التاريخي ليبين حقيقة الامر وان ثورة الحسين بن علي كانت احدى الثورات العديدة ضد الامويين التي تزعمها العلويون والهاشميون واحدى حلقات الصراع بين بني هاشم وبين بني امية منذ ما قبل الاسلام ، التي ابتدأت بتنازع هاشم بن عبد مناف ( جد النبي) مع ابن اخيه امية بن عبد شمس على السيادة ، وحكم على امية بالنفي الى الشام لعشر سنوات.
وعندما رشح عمر بن الخطاب ستة من الصحابة لخلافته انحاز بنو هاشم لعلي وبني امية لعثمان ، وفي خلافة الامام علي كان صراعه مع معاوية ، وبعده معاوية مع الحسن ، ثم الحسين ويزيد ، ولم تنتهي ثورات العلويين والهاشميين ضد بني امية، فقد ثار زيد بن علي بن الحسين ضد خلافة هشام بن عبد الملك وقتل، ثم قامت ثورة العباسيين وتمكنوا من الامويين وحازوا ألخلافة ، وما لبث ان وقع الصراع بينهم وبين ابناء عمومتهم العلويين ، ابرزها ثورة محمد بن عبد الله المحض المعروف بالنفس الزكية على ألمنصور ، وثورة الحسين بن علي بن الحسن المثنى في مكة في عهد الهادي العباسي، وهارون الرشيد حبس موس الكاظم حتى مات في سجنه، والمأمون عين علي الرضا ولي عهده فنقم عليه بنو العباس فكادوا يطيحون بخلافته فقتله مسموما ، ولما سيطر البويهيون على الحكم كانوا يعتزمون نقل الخلافة للعلويين إلا انهم تراجعوا خوفوا على سلطانهم.
هذا التسلسل التاريخي منذ ما قبل الاسلام حتى العصر العباسي يدلل على الصراع الدائم على السلطة بين بني هاشم وبني امية ، والعلويين وبني عمومتهم العباسين، وان ثورة الحسين بن علي كانت احدى حلقاتها ولو انها نجحت لألت الخلافة لهم ولكانت في الحسين وأبناءه مثلما توارثها الامويون والعباسين ، وفي هذا يقول الحسين لأنصاره الكوفيين في رسالة جوابية : فلعمري، ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابسُ نَفسه على ذات الله. والسّلام.
وفي رسالة من مسلم للحسين : أَمّا بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشَر ألفاً، فعجّل حين يأتيك كتابي، فإنّ النّاس كلَّهُم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى.
وفي احداث ثورة الحسين كان مسلم بن عقيل في الكوفة سفيرا له وكان متواريا في بيت شريك بن الأعور وكان والي الكوفة الاموي عبيد الله بن زياد قد قرر زيارته في بيته لصداقة قديمة بينهما فحثه عمارة بن عبيد السلولي على قتله وانه بذلك سيحوز الكوفة وبعدها البصرة فيقع العراق بيد الحسين، الا انه لم يفعل لكونه سيقتله غيلة . جاء في السير: فمرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله عائدا له فقال له عمارة بن عبيد السلولي انما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك الله منه فاقتله . قال هانئ ما أحب أن يقتل في داري . فخرج فما مكث إلا جمعة حتى مرضى شريك بن الأعور وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الامراء وكان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد الله إني رائح إليك العشية فقال لمسلم ان هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه فان برئت من وجعي هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.
اما ما ينسب للحسين من اقوال عن الموت والشهادة فأنها عادة العرب عبر تاريخهم ، وانه كان يقود ثورة ومن البديهي ان يذكر فيها الموت فأي ثورة اما انها الى الموت او الى النصر ، اما الى القصر او الى القبر ، من ذلك خطبة هانئ بن قبيصة في يوم ذي قار : يا معشر بكر، هالك معذور خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا من بد.
***
في فلسطين يستشهد اليهود بأحقيتهم بأرض فلسطين لأنهم كانوا فيها قبل ثلاث آلاف عام مضت ، ويعتقدون بأنها ارضهم ألتاريخية والحق ان ما يقولونه صحيحا في انهم كانوا بهذه الارض في تلك الحقب الزمنية الساحقة في القدم ، ولكن لو ان كل امة من البشر قالوا بمثل هذه المقولة لعجت الارض بالحروب ، فتاريخيا ونعود هنا للدليل التاريخي والطبيعة التاريخية للإنسانية وحركة التاريخ البشري التي تؤكد جميعها على ان الارض يتوارثها البشر وليس لأحد ان يقول بملكيته لهذه البقعة او تلك لمجرد ان اجداده كانوا فيها قبل ألاف السنوات كما هو امر اليهود في فلسطين، فعلى هذا للرومان حق في الاردن لهم لان فيها العديد من الاثار الرومانية كالمدرج الروماني ، وللرومان واليونان حق ايضا في سوريا لان فيها اثار تدمر والقوس والجسر الروماني ، وعلى هذا فأن المغرب والجزائر وتونس لا حق للعرب فيها لأنهم سكنوها قبل 1400 عام فقط وقبلهم كانت وما زلت تقطنها القبائل الامازيقية.
وقس على ذلك الكثير من الامثلة ، ولا شك انها ادعاءات فارغة في مضمونها العلمي والتاريخي ، حتى قوى الاستعمار التي احتلت الشام ومصر وبلاد المغرب العربي لم تقل بمثلها وظلت تعترف بأنها قوى احتلال واستعمار حتى استقلالها.
التاريخ يجزم بأن اليهود لم يكونوا شعبا موحدا قبل قيام إسرائيل بل كانوا منتشرين في عدد كبير من الدول ومنها الدول العربية، وكان لكل منهم لغتهم وعاداتهم وأسلوب حياتهم ، حتى تمكنت الحركة الصهيونية العالمية من احتلال ارض فلسطين وإنشاء دولة اسرائيل عليها مما نتج عنه الى اليوم تشريد ملايين الفلسطينيين.
هذا التسلسل التاريخي للأحداث في فلسطين وهذه الادلة التاريخية الدامغة تثبت بما لا شك فيه عروبة فلسطين وانه لا سبيل لإنكارها والتي تمتد على مدى الف وخمسمائة عام ، وما الشعب العربي الفلسطيني المشرد في بقاع العالم إلا دليل على عروبتها ، والقانون الدولي يؤكد على انها ارض محتلة ويطالب اسرائيل بالانسحاب منها تمهيدا لإقامة دولة عربية فلسطينية.
فالقول ان فلسطين ملكا لليهود لأنهم سكنوها قبل ثلاث سنة يتعارض مع حركة التاريخ والدليل التاريخي الذي يؤكد على ان الارض ملكا لشعبها الذي ترسخت جذوره فيها ولم يعد يعرف وطنا سواها، وألا فانه لو ظهرت سلالة تدعي انها من نسل الفينيقيين وهم الأقوام الذين سكنوا سواحل الخليج العربي والتي اثارهم تعج بها متاحف البلدان الخليجية فهل يحق لهم الادعاء بأنهم اصحاب الارض وان الشعوب العربية لا حق لهم فيها ؟
او ان الشعوب الاوربية التي أنشات الولايات المتحدة الامريكية وكندا ودول امريكا اللاتينية لا حق لهم في ارضهم وان الحق فقط للهنود الحمر.
ان توارث الارض من سنن الحياة البشرية ، وقد ورث الاوربيون الارض من الهنود الحمر الذي تعايشوا معهم وصاروا جزء من دولهم ، وفلسطين تعاقب عليها اليهود والمسيحيون والمسلمون ، الكنعانيون والفرس والرومان والمصريون القدماء والكلدانيون وأخيرا الرومان ثم العرب.
والعرب في اراضيهم سواء في جزيرة العرب او العراق او الشام او مصر او غيرها فقد ورثوها ممن كانت قبلهم ، وفلسطين سكنها العرب وصارت عربية ولم يأخذوها بالحرب من اليهود ولم يجبروهم على مغادرتها ولم تكن قبل العرب مملكة يهودية اسقطوها وشردوا اهلها ليقول اليهود بذلك ، فعروبة فلسطين لا ينكرها منكر ولا سبيل لجحودها بالدليل التاريخي القاطع.
بالمقابل فأن انكار الهولوكوست وما جرى على اليهود من مجازر على يد النظام النازي مخالفا تماما لآلاف البراهين والأدلة والشواهد والحوادث الموثقة في المانيا وما حولها بما لا يدع مجال للشك في وقوعها ، في توافق مع ادبيات وايدولوجيا الحركة النازية التي تكن بالكراهية لليهود وتعتقد بتفوق العرق الاري على جميع البشر، وسيرة النظام الهتلري الدموية خلال فترة حكمه لألمانيا.
حركة التاريخ دليل وبرهان ساطع على الكثير من النظم الثقافية في الحياة البشرية بكافة تشعباتها ومراحلها ، فالدليل على اهمية الدين بما هو دين للإنسان فردا ومجتمعا هو في وجوده في كافة الحضارات والأمم والشعوب على مر تاريخ البشرية ، فلا تخلو حضارة من دين ما، ولا تخلو حاضرة من معبد، ولا يخلو قوم من معتقدات وممارسات وطقوس وقيم روحية .
وقد لا تكون قبور الانبياء ادلة على وجودهم ولكن اذا ما اضفنا اليها اسفار التاريخ عند الامم المختلفة من العرب والمسيحيين واليهود والفرس وغيرهم ، وما تحتويه عقائدهم وطقوسهم ومعتقداهم من سيرتهم فأننا نتيقن بان الانبياء كان لهم وجود فعلي وان ما جاءوا به من اديان حقيقة لا شك فيها ، وان اعتناق نصف البشرية تقريبا للأديان السماوية دليل عليهم ، وان وجودهم في وجدان وثقافة مليارات البشر لا يمكن ان يكون وهما ، وان تاريخهم الحافل وما خلفوه من تراث ضخم لا سبيل الى انكاره والقول انه علم زائف.
وجميعنا يعرف الكاتب العراقي احمد الكاتب وإنكاره وجود ابن للحسن العسكري يدعى محمد بن الحسن وهو الذي يعتقد الشيعة بأنه الامام الثاني عشر ، إلا انه علاوة على ذكره في تواريخ الشيعة ، فأن مؤلفات المؤرخين في الاعيان والأعلام ذكرته، ككتاب وفيات الاعيان لابن خلكان ، اضافة الى ذلك فأن هناك اسر وانساب في مصر وبلاد المغرب تنتسب الى محمد بن الحسن العسكري ، وكتب الانساب التي ارخت للأشراف في تلك الاقطار ذكرته ، فإنكار وجوده مع وجود هذه الادلة التاريخية من مختلف اتباع المذاهب تعصب جلي، فالتاريخ يذكره كشخصية كانت موجودة فعلا بغض النظر عن عقيدة المهدوية ، جاء في موسوعة" نجوم بني هاشم: خرج الإمام محمد المهدي من السرداب و هاجر في نفر من أهل بيته عبر مسر للقوافل علي الأرجح إلي الساقية الحمراء في أقصي بلاد المغرب ثم إلي مدينة فاس بالمغرب في رحلة استمرت حوالي أربع سنوات و كانت أيامها تحت حكم الأدارسة عام 268 هجرية ،  و انتشرت ذرية محمد بن الحسن العسكري في بلاد المغرب و موريتانيا و غيرها و هم موجودون إلي الآن هناك من أبناء حسين الفاسي.
وفي يوم ما التقيت بأحد الدين ينكرون وجود الجن ، تلك المخلوقات العاقلة التي تعيش مع البشر ، اذ يقول بأنه لا دليل علمي على وجودها ، إلا انه بالدليل التاريخي يمكن الجزم بها ، فعلاوة على ذكرها في الكتب السماوية ، فأن معظم شعوب العالم تعتقد بوجودها بما فيها شعوب الغرب الاوربي الاكثر حداثة والتي تعد قائدة الحضارة الانسانية المعاصرة، وورد ذكرها في آلاف الكتب في شتى المجالات لدى العرب والفرس والهنود والأوربيين وغيرهم، التراث العربي يضم مئات الكتب التي تتحدث عن الجن ، وهناك ألاف الوقائع في شتى انحاء العالم التي تؤكد على الاتصال بهم، فكيف يمكن نكران وجودهم ؟ وكيف يمكن تفسير وجود هذا الكم الهائل من التراث التاريخي والادبي والديني والماورائي المتعلق بهم والمنتشر بين كافة الامم والشعوب ؟.
لا شك ان الدليل التاريخي على العقائد الدينية والوقائع التاريخية يعد من اهم الادلة وأكثرها جلاء وأكثرها برهانا وإثباتا ، وأكثر حيوية وقوة من الادلة المنطقية والكلامية والفلسفية ، ولا شك اننا بحاجة للمزيد من القواعد والمرتكزات لكي يمكن استثماره بوعي وديناميكية في الكثير من الاشكاليات والغوامض والابهامات التي لا تزال مدار بحث وتساءل وفضول منذ القدم وحتى يومنا هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا