الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتسامات كاتب وجدلية الماقبلي والمابعدي

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2022 / 9 / 1
سيرة ذاتية


1- ارتسامات كاتب

باعتباري مناضلا يساريا مخضرما؛ أي أني كنت كاتبا يساريا في المرحلة الورقية التي امتدت من 1988 إلى 2006، وحافظت على صفتي تلك في المرحلة الرقمية المنطلقة بالنسبة إلي شخصيا ابتداء من 2012 إلى حدود الساعة، يسهل علي القيام بمقارنة بين المرحلتين واستنتاج ما يمكن استنتاجه من سلبيات وإيجابيات.
في المرحلة الأولى، كنت متعلقا بجريدة "الاتحاد الاشتراكي"..أقتنيها يوميا وأتدبر ثمنها رغم أن المنحة التي كنت أتقاضاها كطالب جامعي تذوب كالملح في غضون الأيام القلائل التي كانت تعقب يوم تسلمها من بناية الخزينة العامة المجاورة لمقر البرلمان في شارع محمد الخامس.
استمرت علاقتي بها وطيدة وأنا مشروع أستاذ في طور التدريب بمركز التكوين بشارع غاندي في الدار البيضاء.. لكن بمجرد تعييني كمعلم متدرب، عزمت على أن أكتب مقالات كي أنشرها على أعمدتها إلى جانب مقالات حسن نجمي ولحسن العسبي ومصطفى العراقي ومديرها محمد البريني، ولم لا؟
في بادئ الأمر، كنت أزور مقر الجريدة بزنقة الأمير عبد القادر بالدار البضاء ماسكا بيدي حزمة من الأوراق تتضمن موضوعا كنت أعتقد في قرارة نفسي أن هيئة تحرير الجريدة سوف تجده صالحا للنشر.
كان بواب مقر الجريدة صارما مع الغرباء أمثالي؛ لهذا كنت ممنوعا من الدخول. أرى بأم عيني أفرادا كثرا يدخلون ويخرجون ولا أحد يثيره وجودي ولا واحدا منهم التفت الى ما بيدي من أوراق.. كنت في هذه اللحظات أشعر بأني كيان شفاف لا أحجب ما يقع ورائي من أشياء متحركة وثابتة.. ومع ذلك، لم أقفل راجعا إلى المحمدية إلا بعد أن أضع أوراقي في يد أمينة لأحد الصحافيين العاملين بالجريدة.
هكذا، إذن، تبدأ تجربة أخرى تتسم بالتوتر والقلق الناجمين عن انتظار صدور المقال المودعة نسخته لدى الجريدة.. من يوم لآخر، تتكرر محاولة البحث بدون طائل، ومع ذلك ما تركت اليأس يتسرب إلى عزيمتي. كيف أيأس وأنا الشاب المتخرج حديثا من الكلية بإجازة في الفلسفة؟ كيف أدع اليأس يسري إلى نفسيتي وقد كنت حريصا على قراءة جريدتي اليومية المفضلة قراءة استقصائية تقف عند الدلالات والتقنيات؟ سلة المهملات في الجريدة لن ترهبني..لا بد من أن تجد كتاباتي طريقها إلى النشر في يوم من الأيام.
في خريف 1988، في أحد أيام عيد المولد النبوي تحديدا، رأيت مقالا لي منشورا في جريدة الاتحاد الاشتراكي باسم مستعار كنت أنا من وضعته ويا ليتني لم أفعل! لقد أهدرت فرصة إشهار اسمي كتعويض عن انتظاراتي وخيباتي الخوالي..لكن الأمل الذي يسكن جوانحي أهداني إلى أن الخير أمام وأن مسافة ألف ميل تبدأ بخطوة أولى.
وهكذا استمرت محاولاتي مكللة بالنجاح حتى صار اسمي رائجا على صفحات الجريدة التي كان آخر ما نشرت فيها مقال عن جيمس جويس في الصفحة الأخيرة إلى جانب مقال لحميد جماهري عن الشاعر الفرنسي أبولينير.
بعد مرحلة توقف عن الكتابة دامت ست سنوات سميتها بمرحلة عبور الصحراء وقد استغرقت ست سنوات امتدت بين 2006 و2012، استأنفت نشاطي معلقا على مقالات هسبريس التي كانت دائما تصادق على نشر ما أكتب على الهامش المخصص للقراء..ولجت منذئذ المرحلة الرقمية وبدأت أحارب نسبيا أميتي الرقمية. شرعت في التدرب على استعمال لوحة الكتابة (الكلافيي)..في البداية، عندما كانت ترى تعاليقي النور في "هسبريس" باعتبارها أول جريدة إلكترونية بالمغرب، استهوتني العملية وأدهشتني مع شعور بإعجاب نرجسي سيما وقد كنت حريصا على توقيع التعاليق باسمي الكامل الذي دأب على أن يتصدر التعليق في كامل حيزه ملونا بالأحمر..أحيانا أكتب على هامش نفس الموضوع أكثر من تعلبق.

2- جدلية الماقبلي

هذه الثنائية لم أنقلها بحذافيرها من مقال، أو من كتاب ناتج عن رواية أو دراية، بل خبرت دلالتها ومعناها من خلال الممارسة كما يتذوق المرء حلاوة ومذاق فاكهة تثمرها شجرة غرسها وسقاها بيديه..
المابعدي فاعل إيجابي، متفتح على المستقبل..يؤمن بأن العمل المستمر الدؤوب هو الطريق الملكي الى تحقيق التراكم الذي يمكن تشخيصه في رصيد معرفي أو تجربة إنسانية ناجحة يقتدى بها في مجال خدمة الصالح العام أيا كانت طبيعته، في تجرد تام عن أي انتهازية ضيقة مقيتة.
في حين أن الماقبلي فرد سلبي، اتكالي لأنه يريد كل شيء جاهز،ا وهو لأجل ذلك ميال الى النقد كلما لمس خللى أوغيابا دون أن يكون له أدنى استعداد للتطوع من أجل ملء الغياب أو إصلاح الخلل..
لكن عندما تختل معايير الإنصاف والاستحقاق في مجتمع يشكو من انتشار وتغلغل الجهل في السواد الأعظم من أفراده، عندها يتساوى المابعدي والماقبلي، ولربما تغلب كفة الثاني على كفة الأول..
في بادئ التحاقي بمهنة التعليم، تعاطيت للكتابة على سبيل التطوع لفائدة جريدة يسارية لسانِ حالِ حزبٍ اشتراكي..كلما صادفت مقالا لي منشورا في الجريدة إلا ويقول لي أحد زملائي: أنا لن أكتب للجريدة إلا بشرط واحد وهو أن يدفعوا لي مقابلا ماليا نظير ما بذلته من جهود وأتعاب أثناء الكتابة.. عندها أكتشفت أن محدثي من الماقبليين..أتساءل في هذه الحالة: كيف حكم هذا الزميل على نفسه بأنه يمسك بناصية الكتابة وهو لم يكتب ولو جملة مفيدة واحدة؟ كيف يريد أن تدفع له الجريدة نصيبا من المال على مقال لم يكتب بعد؟ إنه يبيع الأسماك وهي تسبح حرة طليقة في أعماق البحر!
أعرف أستاذا للفلسفة في الثانوي التأهيلي كان قد حدثني قبل تقاعده عن ما وقع له في مدينة المحمدية مع أعضاء مكتب محلي للحزب المشار إليه سلفا..قام بزيارة لمقر الفرع المحلي واجتمع مع من كان ساعتئذ حاضرا  من أعضائه ودخل معهم في حوار دافئ حول أمور تخص التنطيم المحلي ومستلزماته.. سألهم عن وجود أرشيف يحتوي على الوثائق الصادرة عن الحزب في مناسبات سابقة ويضم محاضر وبيانات الاجتماعات التي سبق أن حررت تحت سقف المقر. .لما كان الجواب بالنفي، اعتبره الأستاذ نقطة ضعف كبيرة، وعوض أن ينخرط في الحزب ويعمل بهمة ونشاط على ملء هذا الفراغ الذي وقف عليه بالتنسيق طبعا مع أعضاء المكتب، قرر أن يكون يوم زيارته للمقر آخر يوم يفكر فيه بالالتحاق بأي حزب كان..
هكذا حرم هذا الأستاذ نفسه من التأطير والتكوين، لا لشيء سوى لأنه ما قبلي، وحق بالتالي نعته ب idiot بما تعنيه هذه الكلمة في لغتها اليونانية الأصلية من نفور من المشاركة السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية