الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ثمل ليلة الانتخابات
كاظم حسن سعيد
2022 / 9 / 1الادب والفن
قال العسكري وقد قضم اخر لقمة: (لفة ثانية > , قالها ذلك الشرطي للبائع وكأنه يصدر امرا, مستعرضا شاربيه الكثين ...وكان صاحب اشهر سمبوسة في العشار بملابس رثة وسمرة غامقة ـ يستقر على كرسي صديء ويعد النقود ـ ..والمحل الضيق يزدحم بالزبائن ..حشر لنا السندويجتين بكيس من النايلون ولبى طلبنا بقطعتين من السمبوسة التي تذكرك باكلات الهنود ..تناولت من الارض قطعة ناصعة من المقوى لاني توقعت ان نتناول على ضفة شط العشار , لكن الادامة منعتنا فقد كشطت الدكة الاسمنتية.. وتقدمنا نحث الخطى كالمتقافزين لان الوقت ليلا داهمنا .. من زقاق لزقاق ...قال صاحبي ..عبرنا ثانية المكتبتين التي دخلناهما قبل نصف ولم نجد فيهما ,الكساد سمة المحال.. الناس معبؤون بضجيج الانتخاب انه يوم الصمت الانتخابي 2018...العراق يمر بمنعطف , الناس متخمون باليأس ...(لن انتخب ) اكثر الاجوبة شيوعا ..الوجوم سمة الوجوه الا مراهقات مبتهجات مثل صغار يتقدمون بلا علم على ارض ملغمة.
التفت اليه .. رجل تقدم في السن لكنه ما يزال متماسك الجسد والروح .. وهو يسحب انفاسا عميقة من الناركيلة .. كان يستقر على تخت المقهى قربي (حاج .. هل تتذكر البيان رقم واحد في ثورة الزعيم قاسم ؟).. فاستدار بجسمه , فاصلا ساقيه المتراكبتتن على بعضهما , وبدا وجهه زاخرا بذكريات بعيدة مضببة محاولا شحذها :(النصر بسبب التمويه .. كانت الدبابات قد كتب عليها او تحمل لافتات مؤيدة للزعيم , الخدعة نجحت ...كنت عسكريا بسلاح الجو, واجبي استقر جوار الطيار في الهليكوبتر, اعد الطائرة واسلمها للطيار ,ووصلت بصعوبة الى وحدتي في معسكر الرشيد من جوار سجن رقم واحد ..).. كانت الانفجارات تتواصل والجو مدخنة .
(انت تتكلم عن الانقلاب ضد الزعيم وانا سألتك عن نجاح ثورته ..) فاجاب وهو ينفث الدخان الكثيف : < ها صحيح> وايد قولي رجل ستيني واسع العينين برفع وخفض رأسه مرات وهو يحدق بي وبه نافثا الدخان ..تخوت فارغة خارج المقهى وقطع قماش حمر ثلاثة داخلها ’ تتدلى من خيط افقى رسم عليها صورة واسم <ابو الفضل العباس>..وقد انتصب الخيط والرايات في اخر جزء من المقهى , جزء غامض اشبه بجزء من سجن امني تراكمت عليه سلع مجهولة في موقع شبه مظلم ..
دخل الثمل في الثلاثين .. جثة ثقيلة ينقذها طول معتدل ,, سمرة وبنطلون وقميص فحميان متسخان مع لطخات من لون رصاصي .. بصعوبة يوازن جسمه, قدمان تكادان تخشيان الارض كلما ارتفعت منها وحاولت الاحتكاك ,, انه يترنح ويده تقطر دما يقطر على البلاط الناصع. بين تختين وناركيلتين متقابلتين ومتقاربتين يترنح ويعتذر ويكرر اعتذاره وهو يسح المفردات بصعوبة (سامحوني انا اخوكم .. اخوكم الصغير ).. وطالبه بعض الجلاس ان يمضي فيغسل ويضمد يده فقال (لا شيء ).. الشاي على نار الفحم ينضج بنكهة مسكرة .. احد العاملين يوزع ابتسامة بلهاء ويمازح صاحب المقهى .. وراحت قطرات الدم من يد الثمل ترسم لوحتها على البلاط ..فتقدم لاحد :(ابو ناجي سامحني ) وقبله فحاول هذا ان يحمي وجهه بيديه ..لكنه قال فيما بعد (يجب ان اغتسل لاني ساصلي )..كانت الدبابات قد اجهزت على الزعيم ونظامه .. بغداد تشتعل بالدخان ...الهاتفون له تعبوا ...كانت الصور تتوالى في ذاكرة الرجل قربي , وكاد الثمل ان يهوي فسحب ناركيلته وقال (سامحناك فاغسل يدك ).. وغادر الثمل فحل شبه سكون ,وهاجم الحوار الانتخابي ثانية (كلهم مفسدون ولن انتخب ... لا يتغير شيء ),(غير المجرب مثل المجرب )(النتيجة معدة مسبقا ونحن في خدعة )..كان الناس ليلة الانتخاب حائرين ... تترنح وتتأرجح اراؤهم مثل هذا الثمل ..اليأس يكفن الخيارات ..وعاد الشاب السكران ...في يده خرقة وهو يردد (سامحوني .. سامحوني .. ارجوووكم سامحوني )..وركع بصعوبة ثم جلس على قدميه ليمسح الدم من البلاط .. قوة تجذبه للخلف واخرى تكاد تسقطه .. من كل خمس محاولات تنجح خرقته المتسخة بمسح بعض القطرات ...ونهض بمشقة ..وببطء... والقى علينا نظرة ضبابية (سامحوني انا ..ـ وفتح راحته مشيرا الى الارض وهبطت معه ــ صغير .. اصغر.. واصغر.. ) كان يواصل انحناءه مشيرا لحجمه براحته محدقا بالارض حتى لم يبق سوى شبر بين راحته والارض ؟ . ثم اختفى ...فيما ظهر جرذ بدين يعبث بين التخوت حذرا من الارتطام باقدامنا وتخفى لحظات ثم ظهر فعبر, فداهمتنا السخرية وانحسر بعيدا الحوار الانتخابي .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م
.. الموسيقى التصويرية لتتر نهاية مسلسل #جودر بطولة النجم #ياسر_
.. علمونا يا أهل غزة... الشاعر التونسي -أنيس شوشان-