الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصايا بوريس جونسون الذهبية لمَنْ سيخلفه في المنصب الرفيع!

منذر علي

2022 / 9 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في كلمته الوداعية للبرلمان يوم الأربعاء، 20 يوليو 2022، قدم بوريس جونسون ثلاث وصايا ذهبية لمن سيخلفه في رئاسة حزب المحافظين ورئاسة وزراء الحكومة البريطانية، حيث قال: وصيتي لرئيس الوزراء أو لرئيسة الوزراء، هي:
1. أن يبقى رئيس الوزراء على صلة وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية.
2. أنْ يستمر رئيس الوزراء في تأييد الأوكرانيين ودعم "الحرية والديمقراطية" في كل مكان.
3. أن يخفض رئيس الوزراء الضرائب، ويزيل القيود أمام حركة رأس المال، أينما كان ذلك ممكنًا، لتحفيز الاستثمار، وجعل بريطانيا أفضل مكانًا للعيش!
السيد جونسون، نسى بالطبع، أن يقول: إنَّ على رئيس الوزراء الجديد، سواء كان رجلًا أم امرأة، ألا يكذب وإلاَّ يفضح أخلاق النظام الرأسمالي، وألاَّ يكشف عن هشاشته وزيف الديمقراطية الرأسمالية، حتى لا يكون سيء الحظ، ويلقى نفس المصير الذي لقيه!

دلالات وصايا جونسون:

الوصايا الثلاث، كما ترون، مترابطة بشكل وثيق، ولكن ثمة دلالات مختلفة لكل واحدة منها، ويمكن إيجازها على النحو التالي:
دلالة الوصية الأولى، تعني أنَّ على رئيس الوزراء الجديد أنْ يوطد علاقاته بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعزز المحور الإمبريالي المعادي لروسيا والصين، والدول الطامحة للتحرر من الاستعمار والعبودية الرأسمالية.
دلالة الوصية الثانية، تعني تقديم الإسناد السياسي والعسكري لأوكرانيا لهزيمة روسيا الاتحادية، وتقويض كيانها السياسي والجغرافي، وتفكيكها وتقاسم أشلاءها في إطار المحور الإمبريالي المهيمن، ودعم الأنظمة الفاشية والعنصرية والدكتاتورية في العالم، الحليفة لبريطانيا وللولايات المتحدة الأمريكية، مثل دول الخليج العربي والمغرب وإسرائيل وغيرها، بصرف النظر عن موقفها من الحرية والديمقراطية المزعومة.
دلالة الوصية الثالثة، تعني تخفيض الضرائب على الأغنياء، وإزالة القيود أمام استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتمكين الرأسمالين من زيادة أرباحهم، وجعل الفقراء أكثر فقرًا، وجعل بريطانيا الرأسمالية أسوأ مكانًا للعيش، ولا سيما للطبقة العاملة، ولعموم الفقراء، والمهاجرين، والمهمشين.
إذن، مضمون وصايا جونسون محسوبة بدقة، ليست فقط من أجل خدمة الرأسمالية، وخدمة النهج اليميني فحسب، بل وخدمة من سيخلفه في المنصب، أو بالأحرى لمساندة من سانَده إبَّان تبوأه لمنصبه، ونعني هنا مساندة السيدة ليز تروس التي ساندته في محنته.
الوصيتان: الأولى والثانية، متصلتان بالبعد الخارجي، وهما موجهتان لمن سيشغل منصب رئاسة الوزراء، سواءً كان سوناك أو تروس، ولكن الوصية الثالثة، معنية بالبعد الداخلي، وهي تناهض بوضوح شخصية و سياسة ريشي سوناك، المحافظ اليميني الليبرالي، وتعارض خططه الضريبية، وتساند مسعى حليفته، ليز تروس، اليمينية المتطرفة، وسياستها الضريبية، التي لا تعدُّ استمرارا لسياسة بوريس جونسون فحسب، بل ربما تمهد لعودته المظفرة إلى موقع الصدارة بواسطة مؤتمر الحزب، بسبب شخصيته الديناميكية، و ما يتمتع به من كار يزما وسرعة البديهة، لا سيما وهو يحظى بتأييد كبير بين أعضاء حزب المحافظين على الصعيد الوطني.

سوناك وتروس وسياستهما الضريبية:

ريشي سوناك، كان وزيرًا للخزانة، وأختلف مع السيِّد جونسون، واستقال من منصبه، ودخل حِلْبَة المنافسة الانتخابية، على رئاسة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء، وهو يرفض في الوقت الحالي تخفيض الضرائب، بسبب ارتفاع التضخم إلى 9.1%، ولكنه يتعهد بتخفيض الضرائب بمجرد انخفاض التضخم في المُستقبل. فيما ليز تروس، كانت داعمة للسيِّد جونسون، وتمسكت بمنصبها في ذروة الفضائح التي عصفت بحكومة بوريس جونسون، وهي ما زالت تشغل منصب وزيرة الخارجية، ودخلت حِلْبَة المنافسة على منصبي رئاسة الحزب والوزراء، وهي تسعى لتخفيض الضرائب، ولاسيما على الشركات الكبرى، تحت غطاء، تحفيزها على الاستثمار!

سوناك وتروس وخلفيتهما العرقية والطبقية:

ريشي سوناك، وليز تروس من النخبة السياسية ومن خلفية اجتماعية ميسورة، وأعني أنَّ الاثنين من قيادات حزب المحافظين اليميني، ويؤمنان بفلسفة حزب المحافظين، التي تجسد مصالح الطبقة الرأسمالية، و ينتميان إلى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى. سوناك وتروس تخرجا من جامعة أكسفورد الراقية، ولكن سوناك من الناحية العرقية، رجل أسمر اللون من أصول هندية، وليز تروس امرأة بيضاء من أصول إنجليزية، والاعتبارات العرقية حتى وأن ضعف تأثيرها في العقود الأخيرة عما كان عليه الحال قبل خمسين عامًا، إلاَّ أنها مازالت مؤثرة، ولكن البعد الطبقي يظل أكثر تأثيرًا وأهمية. وأعني أنَّ الاعتبارات العرقية تنحني صاغرة أمام الاعتبارات الطبقية. وبتعبير أوضح، يمكن القول إنَّ الناخب المحافظ، يفضل اللون الأبيض على اللونين: الأسمر والأسود، ويفضل ذوي الأصول العرقية الإنجليزية على ذوي الأصول العرقية الأخرى، ويُفضِّل السياسيين من ذوي الأيدلوجيات اليمينية المتطرفة على السياسيين من ذوي الأيدلوجيات اليمينية المعتدلة، ولكنه يُفضِّل الأغنياء على الفقراء، ويُفضِّل من هو قادر على خدمة مصالح طبقة الأغنياء وخدمة النظام الرأسمالي في كليته، على غير القادر على خدمة المصالح الطبقية للأغنياء، وخدمة النظام الرأسمالي، وعلى هذا الأساس الأخير، واقصد البعد الطبقي والكفاءة، صوت أعضاء مجلس النواب من حزب المحافظين لمصلحة السيد سوناك.
لقد صوت أعضاء مجلس النواب من حزب المحافظين لمصلحة السيِّد ريش سوناك القادر على خدمة المصالح الطبقية للرأسمالية، حيث حصل على 137 صوتًا، مقابل 113 صوتًا لمصلحة منافسته ليز تروس. وهذا يعني أنَّ أعضاء مجلس النواب المحافظين نَحَّوْا الاعتبارات العرقية جانبًا لمصلحة الاعتبارات الطبقية لأنهم يثقون بكفاءة ريشي سوناك ذي الأصول الهندية، ويعتقدون أنهم بفضله، سيصونون مصالح الطبقة الرأسمالية، وسيواجهون حزب العمال المعارض، وسيتمكنون من هزيمته في الانتخابات المقبلة سنة 2024، وربما توهموا أنهم، عبر رئيس الوزراء، ذو الأصول الهندية، يمكنهم استمالة جمهورية الهند إلى الصف الغربي لمواجهة روسيا والصين على الصعيد الدُّوَليّ.
غير أنَّ النتائج في صورتها النهائية ليست مرهونة بتصويت أعضاء مجلس النواب من حزب المحافظين وحدهم، ولكن بتصويت الأعضاء العاديين لحزب المحافظين، خارج مجلس النواب، الذين كان يبلغ عددهم 160 ألفًا، وفقًا لإحصائيات 2019، ويبلغ عددهم حوالي 180 وفقًا لتقديرات سنة 2022.
الاستطلاعات الأولية بين أعضاء الحزب، التي جرت مساء الخميس 21 يوليو 2022، أشارت إلى أنَّ السيدة ليز تروس، اليمينية، الأقل جدارة، تحظى بشعبية واسعة، حيث حصلت على 62% من المُصوتين، فيما حصل ريشي سوناك، الأكثر جدارة، على 38%. وهذا يعني أنَّ العنصر العرقي مازال يؤدي دورًا مؤثرًا لدي قواعد الحزب، مقارنة بقيادات الحزب ولا سيما أعضاء مجلس النواب.

بريطانيا بين الملهاة والمأساة:

إذا صدقتِ الاستطلاعات، فأن ملهاة بوريس جونسون الغاربة ستتلوها مأساة ليز تروس، اليمينية الطالعة. ليز تروس سياسية يمينية متطرفة، تحاول، بشكل مضحك، أنْ تقلِّد السياسية اليمينية المتطرفة، مارجريت تاتشر. والحقيقة التي لا ريب فيها، هي أنَّ السيِّدة ليز تروس ذات النزعة العدوانية المتطرفة، تشبه السياسية البريطانية اليمينية الشهيرة، مارجريت تاتشر في نزعتها العدوانية ، غير أنَّ ثمة فروق جوهرية بينهما. السيَّدة مارجريت تاتشر، كانت عدوانية ومناهضة لمصالح الطبقة العاملة البريطانية، ولكنها كانت تتمتع بالأصالة والكاريزما، وكانت سياسية فريدة، ماهرة ومجربة، خدمتِ النظام الرأسمالي في ذروة الحرب الباردة، أما ليز تروس، وفقًا للمراقبين السياسيين المحايدين، فهي مجرد سياسية يمينية مُبتذلة، تفتقر إلى الجاذبية والقدرة والتجربة والمهارة، وهي لا تصلح حتى لحمل حقيبة السيدة تاتشر، حسب الوصف الساخر للصحفي البريطاني المخضرم، أليستر كامبل.
ولكن إذا كان الأمر كذلك، لماذا يميل أعضاء الحزب إلى تأييد ليزا تروس وليس ريشي سوناك؟

يبدو لي أنَّ الجواب يكمن في البعد العرقي والتموضع الجغرافي والتركيبة العمرية الكبيرة والذكورية لأعضاء حزب المحافظين التي تميل عادة إلى النزعة الرجعية والتقليدية. فمن جانب، تشير الإحصاءات أنَّ 97% من حزب المحافظين ينتمون إلى المجموعة السكانية البيضاء، وينتمي جزء كبير منهم إلى الشريحة العُليا من الطبقة الرأسمالية. ومن جانب آخر، تشير المعطيات الإحصائية إلى أنَّ متوسط أعمار أعضاء الحزب 57 عامًا، وأكثر من نصفهم فوق 60 عامًا، وأكثر من 70% منهم من الذكور، وهم يعيشون في الغالب في جَنُوب إنجلترا وجنوبها الشرقي، حيث تعيش طبقة الأغنياء التي تحوز على 85% من الثروة وفقًا لبعض الإحصائيات الموثوقة، وتلك المنطقة هي القاعدة الجغرافية والديموغرافية لحزب المحافظين.

المرشح المفضل والحصيلة المرجحة للانتخابات:

منذ بضعة أيام، وَجَّه أحد الصحفيين سؤلًا إلى السياسي اليميني المتطرف، الذي يعد في نظر البعض، أحد أبرز دعاة الكراهيَة، وسرطان العنصرية في بريطانيا وأوروبا، السيِّد نايجل فراج، Nigel Farage، عن مرشحه المفضل، فرد فراج ساخرًا على سائله، قائلًا:
كأنك تسألني ما مرضك المفضل، في الحقيقة ليس هناك مرض مفضل. طبعًا، تجاهل فراج حقيقة أخرى، وهي أنه، حسب رأيي بعض المراقبين أنه م
صدر لأكثر الأمراض فتكًا في المجتمع، وهي العنصرية، Racism، وكراهيَة الأجانب، xenophobia. ومع ذلك يمكن القول إنَّ الحصيلة المرجحة، أو بالمعنى المجازي المرض المفضل الذي سيعم بريطانيا في الأشهر والسنوات المقبلة، وفقًا لرؤية السيِّد نايجل فراج، سيتمثل في فوز السيِّدة ليز تروس، ذلك أنَّ أغلب أعضاء حزب المحافظين من ذوي السمات السياسية اليمينية الرجعية، قد يصوتون لمصلحة السيدة، ليز تروس، السياسية اليمينية المتطرفة، "المُحشِّرة إلى فوق الرُكب"، التي تبدو كما لو أنها تحمل قنبلة يدوية، ومستعدة للقتال، حسب وصف أحد المراقبين. الأدهى من ذلك، أنَّ السيدة، تروس، كما يرى البعض، شخصية خاوية من كل شيء، إلاَّ من النزعة العدوانية في خدمة الرأسمالية، وزيادة ثروة الأغنياء، وإفقار الفقراء، وتضييق الحياة على الطبقة العاملة البريطانية ولا سيما على أبناء الأقليات، ومكافحة الهجرة، والدعوة للحروب والتوسع واستعادة الماضي الاستعماري. وهذا يعني، ببساطة، أنَّ رئاسة وزراء، هذه الأمة العظيمة، التي أنجبت العظماء، أمثال إسحاق نيوتن، وتشارلز داروين، وتشارلز ديكنز، ووليم شكسبير، وستيفن هوكينج، التي يقدر عدد سكانها بحوالي 68 مليون إنسان، سيقرر من يحكمها 180 ألفًا من الأثرياء المتخمين، وبذلك سيتقرر مصير بريطانيا في الحرب والسلم، من قبل قاعدة شعبية ضيقة، بل أضيق كثيرًا من القاعدة الانتخابية لجماعة الحوثي وبن بريك والزنداني في اليمن، ولكن مهلًا، لا تتفاخروا بديمقراطيتكم الشوهاء أيها اليمنيون. إذْ مع كل عيوب الديمقراطية الرأسمالية إلاَّ أنَّ ثمة فوارق جوهرية بين أو ضاعنا وأوضاعهم.
في يمننا" السعيد" لا نستطيع أن نغيِّر مسؤولا إلا بعد أن نودي بحياة مئات الآلاف، ونمزق الوطن إلى أشلاء، وفي بريطانيا، حيث الدولة راسخة البنيان، يستطيع البريطانيون إزاحة المسؤول، عبر العملية الديمقراطية والعملية السياسية والإعلامية والفكرية التي تفضي في المحصلة الأخيرة إلى تعديل القوانين والتشريعات، والحفاظ على الكيان الوطني وصيانة النظام الرأسمالي القائم. في الغرب غالبًا ما تكون المعارك السياسية والفكرية والإعلامية شرسة، ولكنها تتم بشكل سلمي ودون حروب أهلية.
والخلاصة، هي: عندنا ينتصر الجهل ويتمزق الوطن ويدوم الفساد ويزداد الاستغلال، وعندهم ينتصر العقل، ويبقى الوطن ويخف الفساد ويستمر الاستغلال، ولذلك النظام الرأسمالي في الغرب يتفوق على النظم الإقطاعية وشبه الرأسمالية في الشرق، ولكنه يعدّ متخلفًا من الناحية الإنسانية، مقارنة بما تسعى إليه الاشتراكية. إذن المستقبل للاشتراكية وليس للإقطاعية والرأسمالية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي