الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نشهد إعلان موت الدين كمعرفة أيلة للسقوط التاريحي؟. ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في القضية الدينية عموما وبعيدا عن التخصيص والتنصيص نجد أن الخلاصة التي يستنتجها العقل الراشد منها والذي يدرك ويفهم حقيقة أن الوجود العام محكوم بطبيعته، ووفقا للقوانين المادية الحاكمة والضابطة بمبدأ الأبدية المطلقة، لكن هذه الأبدية تتركز في الإطار العام الشمولي الكلي تحديدا ولكن لا تنزل فيما دون المطلق الكلي، هذا ما يفسر لنا أن في داخل هذه الأبدية هناك حركة نهائية للأشياء تمثل في حقيقة التغير والتبديل المستمر، أي أن الحركة الجزئية الجوهرية تناقض الحركة الجوهرية الكلية، ولكنها حتى تكون الأخيرة ثابتة لا بد أن تكون الأولى بالضرورة متحركة، هذا التناقض الظاهري هو سر الديمومة التي تحفظ الوجود وتحافظ على أنتظام مطلق له من خلال الحاجة الفعلية للحركة ضمن إطار ثبوت الأبدية المطلقة.
لماذا حددنا القضية الدينية دون غيرها من القضايا التي تشغل وجود الإنسان عقليا نظريا وعمليا واقعيا، الجواب لأن في الدين خاصة في منابعه الأولى الكثير من العقلانية العلمية إذا ما نظرنا للأمر من الزاوية المنطقية، لكن هذا لا يعني أن الدين كلا يمكن أن يكون بنفس الحال، فالجانب الأكبر منه والمصنف كمنظومة معرفية أو أخلاقية وفيه الشيء من المثالية الكثير من الرؤية الحالمة والرومانسية التأملية، لا ينتمي لهذا الجزء الذي نتكلم عنه، وهو الجزء العلمي الوجودي الذي يضع نفسه دوما تحت معيارية القانون العلمي والمعجلات المحكمة.
هذا التنوع في المتضاد وأحيانا المتناقض بتركيبات المسألة الدينية كونها من محمولات المعرفة الإنسانيةـ يضعه في موضع الشك والأهتزاز في يقينيتنا أننا أمام بناء واحد أو ضمن نسيج واحد في الرؤية وفي الأساس الذي ينطلق منه، هناك مثلا مواضيع تطرقنا لها في البحوث السابقة لا تتماهى مثلا مع دعوة الدين الدائمة للتعقل والتدبر ومحاولة مس العمق المعرفي للوجود، "ألم ينظروا إلى الإبل كيف خلقت" هذا السؤال النص يحتوي مفتاح مهم من مفاتيح الوغول في حقائق الأشياء، ثم يأت نص أخر بنفس السياق "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه" هذه إشارة حادة وقوية تعيد العقل البشري إلى طاولة الأسئلة المفتاحية التي إن بدأت سلسلتها لا تنتهي عند حدود الرؤية الدينية ذاتها، والكثير من النصوص التي تحوي فتحات في جدار المثالية الرومانسية الحالمة بعالم مصنوع ومقدر على أنه يجري وفقا لإرادة ومشيئة مرتبطة بذات لا مرتبطة بقوانين ومعادلات لا تفهم معنى الإشاءة ولا تدرك معنى الإرادة حين تقرر.
الدين بالعموم وفق ما بينته الدراسات الأصولية التي تعتني ببنية الأفكار تناسبا مع أرتباطها بالواقع المادي كون الفكرة أساسا لا يمكن أن تولد وتتحقق بدون الوجود المادي للمفكر، بمعنى أن ضروريات الفكر وحتى المثالي منه لا يمكن أن تخرج من عدم مادي، ولا يمكن أن تتوجه لمعدوم لا واقعي، فالأفكار جميعا سواء ما كان منها شديد الأرتباط بالواقع الحسي والمدرك أو تلك التي تتعلق بمثالية تأملية أو مثالية ذهنية لا بد لها من وجود أولي هو وجود المفكر "أنا أفكر إذا أنا موجود" المعادلة هنا ثنائية الوجه وليس أحادية كما يطرحها البعض أو يفهمها، أنا أفكر لا يمكن أن تكون حقيقية قبل أن أكون موجود أساسا وقادرا على الفكر أولا، وأنا موجود لسبق كوني موجود قبل أن أفكر لأدرك وجودي الخاص كوني مفكر.
إذا الدين لا يمكن أن يخرج من هذه القاعدة "أنا متدين إذا أنا موجود" فالدين متعلق بوجود المتدين أولا، ووجود المتدين مسبقا بعطي للدين فرصة أن يكون واقعا في حياة هذا الموجود بشكل أو بأخر، هذه الفكرة الوجودية موجودة أصى حتى في أشد النصوص مثالية في الدين، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" بعيدا عن تأويلات وتفسير النص الوجود ضروري للتدين وضروري لأن يكون للدين حضور وجودي، التفريق بين الوجودي المادي على أنه نقيض نوعي وضد ماهوي للمثالية أو الطبيعية العادية، ويبقى مجرد نظرة أحادية للأشياء لا تفهم أن الوجود متعدد المظاهر، وأيضا الإدراك له وفيه متعدد التجسيدات والفهم، ويبقى الدين كما قلنا من هذا الخليط الذي فيه الجانب الوجودي راعيا ومشتملا لكل جانب أخر، وبالتالي إن لم نطبق عليه القواعد الكلية يبقى مضافا قلقا للمعرفة مهما أمتلك من قبول ويقينية عقلية عند الكثير من البشر لما يملكه من ميزة التقرب من البساطة اللا مطلوبة في العقل الإنساني.
إن النظرة العلمية للأفكار الدينية والتي يعدها البعض توعا من العبث تبقى ضرورية وحاجة ملحة ومتزايدة كلما أضاف العقل البشري مكسبا علميا له، النقد المعرفي ليس شكلا من أشكال الحروب ضد
الدين ولا يمثل خطرا عليه بقدر ما هو تنقية من الشوائب الأعتباطية التي تضعف من قدرته أن يكون محملا معرفيا بأمتياز، فكلما توسعت مساحة اليوتوبيا في رقعة الفكرة الدينية كلما أضعف هذا الدين من الحركة ضمن القوانين الوجودية العامة، وأضعف صلته بالمعادلات الكونية التي وضعها الخالق من قبل، وبما أن الدين كما أعرفه أنا ويعرفه غيري أدب الخالق بشكل خاص فلا بد لهذا الأدب بمعناه العلمي والمعرفي أن يكون قريبا ولصيقا بالقوانين الوجودية، لأن كليهما ينتسبان كما نظن لمصدر واحد على أنها جزئي من كلي ومتحرك متغير متبدل من قواعد ثابتة وأبدية تحكم الوجود وتسترجع القدرة فيه للمصدر الأوحد.
إن الإقرار الفلسفي المعرفي بأن الدين كمعرفة ومنتج متداول بين البشر يملك مقومات حقيقية كي يخضع للقواعد العلمية الوجودية، هو الخطوة الأولى نحو أنسنته وإعادته إلى منحنى التطور والحركة المتنامية، أما الإصرار على عزله تماما أو بشكل غالب عن هذه الحركة ستلقي به في النهاية إلى سلة المهملات الوجودية، وسيجد المتدين حتى الأصولي منه أنه غير قادر على التمسك بمعرفة غير قادرة على إنقاذ نفسها في الوقت الذي يظن فيه أن الدين هو منقذه من أزماته وإشكالياته الوجودية، الدين بما يملك من تأثير قوي على العقلية الإنسانية يشهد تراجعا رهيبا في هذه الميزة التي كان يحتفظ بها من القديم، وبدأت قبضته تتراخي عن الإمساك بالمقود الذي يوجه حركة الوجود الإنساني نحو وجهة هو أختارها دون أن تتماهى كليا مع قوانين ومعادلات الوجود الشمولية.
الكثير من المفكرين وأصحاب البحث الدقيقي من الذين أبتدوأ أصلا من المعرفة الدينية، هم اليوم من يتيقن أكثر من غيره إن الدين بعموم توجهاته لم يعد إنسانيا بالقدر الذي يراكم فيه الأخطاء تلو الأخطاء منذ عملية التأسيس ولليوم، وبالتالي فإن البدايات المشوهة لهذه المعرفة برغم من غض النظر عنها من قبل الإنسان كون الدين يحمل جزء من تقديسنا وتعظيمنا وأحترامنا لله ووجوب طاعته، هو في النهاية أيضا ليس حلقة من حلقات الله العملية والضرورية لديمومة الوجود واستمراريته، قد يكون بالصيغة التي هو عليها الآن تدبيرا بشريا مناسبا وضروريا في لحظة، وقوعه لكنه أيضا تدبير مخادع أستغل جهل الإنسان وعدم وضوح خطوط العمل الوجودي بالقدر الذي يفسر له المسألة ويزيح عنه مبدأ الشك والخوف.
إذا هو تدبير ليس بتلك الأصالة التي يتمتع بها ما يعرف بمنظومة العمل الوجودي وقوانين الإنشاء والديمومة، الدين فكر بشري جاء من رحم المتحرك داخل الثابت الإطاري ووضع لنفسه إطارا مستحدثا كليا ثابتا وأبديا، فتقوقع داخل هذا الإطار وبدأ مرحلة التراجع التي ستنتهي بإعلان بشري عام بأن الدين مجرد خديعة، لكنها خديعة ذكي تهيأت له ظروف موضوعية وذاتية تكشف أن من صدق به كان أما ساذجا أو خائفا أو مترقبا، لا يملك القدرة على الفحص والنقد لأنه توهم أن الله يراقبه ينتظر منه أي خطأ ليمسخه قردا أو خنزيرا وبذلك يفقد إنسانيته التي هي كل وجوده في وجوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش